تساؤلات من القرآن لأهل القرآن - 17

فوزى فراج في الأحد ٣٠ - ديسمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


تساؤلات من القرآن لأهل القرآن - 17

كل منا له مقدرته الخاصة على فهم واستيعاب الأشياء – مقروءة او مسموعة او منظورة – ورغم ان طريقتنا فى " فهم واستيعاب " تلك الأشياء قد تختلف , إلا انها تنتهى فى نفس المكان, او كما يقال كل الطرق تؤدى الى روما, وروما هنا هى حاسة الإقتناع , وهى ايضا حاسة قد تختلف من شخص الى اخر فى مقوماتها إلا انها تشبه الى حد ما الإحساس بالشبع بعد الجوع, بصرف النظر عن درجة الجوع اوعما يأكله الجائع, فإن ذلك الإحساس بالشبع يتشابه لدى الجميع.

وعندما اقرأ آية من القرآن فإننى كما قلت من قبل, احاول ان امرر ما قرأته من خلال الدورة التحليلية الطبيعية لشخصى المتواضع, كى تصل فى النهاية الى مخزون معلوماتى التى توافق منطقى وعقلى وفهمى , ومن الطبيعى ان المعلومة التى لا تمر بتلك الدوره لا تنتهى فى نفس المكان, ولذلك فإنى ان وجدت ان ما قرأته من القرآن الكريم غير مفهوم لدى فإننى اعرضه فى تلك التساؤلات, او اذا لم اكن متأكدا من مفهومى له ( اى اننى لدى فكرة غير اننى لست متأكدا تماما منها ) فإننى اعرض ذلك ايضا للتساؤلات, وكلى امل فى الله ان يوفقنا الى الطريق السوى فى الوصول الى حقيقة المعنى التى جاءت تلك الآيه من أجله . ولقد وفقنا فى بعض التساؤلات من قبل الى الوصول الى ما اقتنعت أنا شخصيا به, ولم نصل فى عدد منها الى ما اقنعنى تماما.

غير اننى عندما لا نصل الى اتفاق من الجميع او من الأغلبية على تحليل او شرح للتساؤل , فإننى لا اعتقد بذلك ان هناك اختلافا او نقصا او تناقضا او عيبا فى كلمات الله عز وجل -حاشا لله-, ولكنى اعزو ذلك الى نقص وعيب وقصور وتخلف فى مقدرتى انا على استيعاب كلمات الله واقول ذلك عن يقين وعن ثقة لا حد لها,بحدود مقدرتى كبشر وانسان ان اصل بمعرفتى الأرضية البشرية الى ما اوحى به الله كى يكون دليلا ونبراسا للإنسان على مر العصور وحتى النهايه, واوقن ان ما لم استطيع ان افهمه اليوم, سوف يفهمه انسان غيرى غدا ربما فى عصر اخر قادم بعيد او غير بعيد.

تساؤلات اليوم من وجهة نظرى قد تكون من أهم التساؤلات التى كتبتها حتى الآن. وهى عن الآيه ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" من سورة الأحزاب رقم 72 )).
وأود ان اعرضها اليوم وعسى الله ان يوفقنا فى تدبرها واستيعابها انه على كل شيئ قدير.

لقد قيل فى تفسير كلمة الامانه انها تعنى قبول حرية الإختيار فى الدنيا بين طاعة الله عز وجل او عدم طاعته او شيئ من هذا القبيل , وبصرف النظر عن دقة وصحة هذا التفسير او عدم صحته, فإن الآيه تبدأ بأن الله قد ((عرض)) الأمانة , ومن سياق الآيه ندرك ان العرض كان للقبول او الرفض, اى ان حرية الإختيار كانت مكفولة لمن عرضت عليهم الأمانه بصرف النظر عن ماهيتها او كينونتها.

من الذى عرضت تلك الأمانة عليه؟

عرضت على أربعة ( أشياء), السماوات والأرض والجبال والإنسان. وكانت لهم مطلق الحرية فى قبولها او رفضها, وقد تساءلت من قبل هل هناك ندية او تشابها بين تلك الأشياء التى عرضت عليها الأمانه, فمثلا وبمفهومنا ومنطقنا الأرضى البشرى المتخلف والذى للأسف لا نملك سواه ومع الإختلاف الشاسع فى الفرق بين المثالين, من الممكن ان يقال ان الرئيس عرض مكافأة على من يمكن له ان يحمل الصندوق, فعرضها على الوزير وعلى الغفير وعلى المدير....الخ, فنلاحظ نوعا من التكافؤ او النديه على من عرض عليهم الأمر حتى مع اختلاف خلفياتهم , ولكن هل هناك نديه او تكافؤ بين السماوات والأرض والجبال والإنسان, واليست السماوات تشمل جميع الكواكب والمجرات والشموس .....الخ, الا يشمل ذلك الأرض وبالتالى يشمل الجبال؟

من الممكن ان يقال ان الله عرضها على الجميع بقوله السماوات, ثم عندما رفضت, عرضها على جزء صغير منها ومنفرد جدا وهو الأرض, ولما رفضت , عرضها على جزء اخر اصغر منها بكثير وهو الجبال. لكنى لست مقتنعا بهذا التفسير, فهل من الممكن ان تعرض شيئا على رجل فإن رفض تعرضه على ذراعه او على قدمه مثلا مع اختلاف المعايير فى هذا التشبيه!!

نعود الى موضوع عرض الأمانه واعطاء المعروض عليهم الإختيار, ولأننا لا نفقه شيئا عن طبيعة السموات والأرض والجبال, فإن من الحماقة ان اتعرض لها, ولذلك فلن اتعرض لهذا الجانب. ولكن لإننى انسان, فإننى اتساءل كيف عرضت الإمانة علي الإنسان, ومتى, هل عرضت على أدم بحكم انه اول انسان كما نعرف, اذ ليس فى القرآن ما يشير الى ذلك اللهم إلا ان كان ذلك قد فاتنى فى احدى الأيات, ام ان ذلك عرض على الإنسان قبل ان يخلقه الله. وسواء كان قد عرض على أدم او على (طبيعة الإنسان) قبل ان يخلق, وبالطبع نحن لا ندرى شيئا عن خلق الإنسان او عن طبيعة خلقه فهذا امر الهى ليس لنا ان ندركه, لكن من الواضح ان الأمانه كانت قد عرضت على الإنسان او على طبيعة الإنسان قبل خلقه, فوافق ذلك الإنسان بشكل أو بأخر كما نصت الآيه على ذلك, فلماذا إذن يتحمل ابناءه الثمن فى قراره . الم يقل العلى القدير لا تزر وازرة وزر اخرى, فإن كان قرار ذلك (الإنسان) الذى عرضت عليه الأمانة بأن يوافق على حمل الأمانه, قرارا نتج عنه ما نتج عنه سواء كان طيبا ام غير طيبا, فلم يتحمل ذريته الثمن فى ذ لك. لقد وصف الله الإنسان بأنه ظلوما جهولا لأنه وافق على حمل الإمانه, وليس لسبب اخر كما هو واضح من الآيه, فهل خلقه الله ظلوما جهولا ام انه صار هكذا لأنه وبإرادته وافق على حمل الأمانه فأصبح بذلك القرار ظلوما جهولا.

مرة اخرى , ان كان الله خلقه ووضع به صفة الظلم والجهل, فلماذا يحاسبه على اختياره لحمل الأمانه, وان كان الأنسان لم يخلق بتلك الصفات ولكنه وصف بها لأنه اخذ بنفسه ذلك القرار, فلماذا تتحمل ذريته ثمن خطئه فى ذلك القرار ان كان الله يقول ولا تزر وازرة وزر أخرى؟

اننى لا احاسب على ما فعل أبى سواء خيرا او شرا, وذلك الإنسان الذى وافق على حمل الأمانه قد اورث ما نتج عن قراره كل البشرية من بعده, ماذا لو كنت انا مثلا لا اود ان يكون لى ذلك الخيار, ماذا لو كنت انا افضل ان اكون مثل المخلوقات الأخرى التى تفعل ما تؤمر به, والتى تسبح لله وليس لها خيارا فى شيئ من الأشياء وبالتالى لن تكون عرضة للحساب يوم القيامه, وبالتالى لايمكن ان توصف بأنها ظلومة جهولة, ماذا لو اننى لم اكن اود ان اكون ظلوما جهولا, بل اكون ممن يسبح ويسجد لله الخالق فى كل وقت ولكن لا يفقه الأخرون تسبيحه, ولست معرضا للغوايه ولست معرضا للإختيار ومن ثم الخطأ, فهل كان لى خيارا فى ذلك!!!!

هذا هو موضوع التساؤلات اليوم, وأرجو الله ان يوفقنا ان نستطيع ان نرى حكمته فيما قال وان نتدبرها وان نفقهها للأسباب التى جاءت من اجلها.

مع تحياتى ووافر الشكر للجميع.

اجمالي القراءات 47026