المعادلة الصفرية فى تاريخ الخليفة المقتدر العباسى

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٩ - ديسمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
الموقع : http://www.ahl-alquran.com/arabic/main.php


المعادلة الصفرية فى تاريخ الخليفة المقتدر بالله العباسي

أولا :
تحدثنا نظريا عن الموت كمعادلة صفرية ، فالغنى والفقير كل منهما يموت مهما كان ثروته؛ مليونيرا أو مديونيرا، وينتهى الى العدم او الصفر. الصفر هو نهاية كل منا.
ولكن الفارق هو موقع هذا الصفر تبعا لايمان كل منا أوعمله؛ إن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فعمله يكون مقسوما على صفر ، والنتيجة هى لانهائية الأجر عند الله تعالى فى الآخرة. أما إن كان من الخاسرين فان عمله سيكون مضروبا فى صفر أى تكون النتيجة صفرا.
هذا الكلام النظرى يستحق أمثلة عملية ، وقد اخترناها من الخلفاء العباسيين أحدهما مشهور وهو الخليفة المأمون وقد تعرضنا له فى مقالة سابقة ، ونتعرض الآن لخليفة عباسى مغمور؛ هو المقتدر بالله العباسى.. وكلاهما ازدحمت سيرة حياته بالأرقام بالآلاف والملايين ، ثم ترك كل هذه الآلاف المؤلفة بالموت ليتحمل وزرها يوم القيامة.
ثانيا :
نبذة عن الخليفةالمقتدر بالله العباسي
1 ـ تولي الخليفة المقتدر بالله العباسي سنة 295 ،ومات مقتولا سنة 320 .
وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة واحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما ، من جملتها يومان وثلاث ليال خلعوه فيها من الخلافة ثم أعيد .أى حكم حوالى ربع قرن من الزمان.وكان عمره يوم مقتله ثمانية وثلاثين عاما وشهرا واحدا وخمسة أيام . بلغ الحلم في شهر شعبان قبل جلوسه في الخلافة بثلاثة أشهر. أى تولى الخلافة و هو طفل لم يصل للبلوغ بعد ، لذا سيطرت أمه ( السيدة أم المقتدر ) واسمها (شغب ) على مقاليد الأمور طيلة حكم ابنها الى أن أوردته مورد التهلكة ، وتعرضت بعده للتعذيب حتى الموت . وسيأتى الحديث عنها بالتفصيل فى مبحث خاص.
2 ـ حين تولى المقتدر الخلافة صبيا كان في بيت المال الخاص (15) مليون دينار وفي بيت المال العام (600) ألف دينار ، وعملات أخري تصل بالمبلغ إلي(20) مليون دينار ، وكانت الجواهر والأثاث تزيد علي ذلك .
ورث الخليفة الصغير هذا المال وتلك الثروة التى تعب فى انتاجها ملايين البشر فأثبت جدارته بلقب السفيه ، إذ كان يسرف فى إعطاء المال لمن لا يستحق ، ولكن المؤرخين المنافقين مدحوه فقالوا إنه اشتهر بالتوسع في الطعام والكرم في العطاء ؛إذ بدأ خلافته بتفرقة عشرة آلاف دينار في بني هاشم وعشرة آلاف أخري في سائر الناس ، وأمر بمضاعفة مرتبات بني هاشم ، ...وكانت مرتبات القضاة في الدولة العباسية في خلافته (56569) دينارا سنويا .والمرتبات السنوية للمحتسبين وأعوانهم (430439) دينار ، ومرتبات أصحاب البريد (79400) دينار . هذا الخليفة الصبى الذى ورث ما لا يستحق أعطى أموالا زائدة للأغنياء المترفين من أسرته ومن كبار دولته ، وهذه الأموال جىء بها ظلما و سحتا من عرق أبناء البلاد الخاضعين لبنى العباس ، ملايين البشر الذين لا يحس بهم أحد ، ولكن تتحول آهاتهم ودموعهم وعرقهم ومعاناتهم الى أكياس من الذهب فى خزاة الخلافة العباسية ، وبينما إشتهر معظم خلفاء بنى العباس بالشح و البخل إلا إن المقتدر اختلف عنهم بالكرم فاستحق تمييزه عن سابقيه.
3 ـ ومستوي معيشة الفقراء الكادحين فى الأقاليم لا نستطيع التعرف عليه لأن مصادر التاريخ لا تأبه بهم ، فالمطلوب منهم أن يعملوا كالدواب ليعتصر الخليفة وأتباعه عرقهم ودوموعهم ودماءهم.
أما مستوى معيشة الطبقة الوسطى فيمكن التعرف عليه في هذا العصر من خلال ذلك الخبر الذي رواه التنوخي في كتابه " الفرج بعد الشدة ".. يقول : إن بعضهم أضاع ثروته علي المغنيات ثم مات خادم كل مولي لأبيه ومات ابن عم له في وقت واحد وورثهما وكانت تركتهما 40 ألف دينار ، فعمر دارا بألف دينار واشتري ألات وفراشا وثيابا وجواري ثلاث بسبعة آلاف دينار وسلم ألفي دينار لتاجر ليتاجر له فيها ، وأودع في باطن الأرض عشرة آلاف دينار للشدائد ، وابتاع ضيعة تغل له في كل سنة ما يزيد علي مقدار نفقته .) أى ان ثمن الدار المحترمة الف دينار ، ويمكن للتاجر ان يبدأ مشروعا تجاريا مربحا بألفى دينار وان يشترى بسبعة ألاف دينارعددا من الجوارى الحسناوات مع أثاث البيت ووسائل الراحة وأفخر الثياب ،أى كانت للدينار قيمته، وهذا يوضح مستوى الرغد الذى كانت تعيشه الطبقة الوسطى ،
4 : فكيف بالطبقة العليا ؟
نتعرف على الاجابة من خلال هذا الخبر ، يروى ابن الجوزى قصة طويلة لرجل كانت له (داية ) تخدم السيدة ام المقتدر، وعن طريق هذه الداية وصل صاحبها واسمه سوسف بن يحيى الى معرفة ام المقتدر فانعمت عليه بالصلات حتى صار صاحب عشرات الالوف من الدنانير ، وعندما عزم على (طهارة) ابنه أنفق فى وليمته مالم يسمع بمثله حتى أفردت عنده عدة دور للحيوان وعدة دور للفاكهة ، وبلغ خبره السيدة أم المقتدر فبعثت له من الأموال و الفرش والآلات ما يفوق الحصر. .
وإذا كان هذا حال فرد واحد ـ وصل عن طريق الداية ـ ليكون من الطبقة العليا فى بغداد ،
5 : فكيف بالخليفة المقتدر ؟
يقول ابن الجوزى عنه :(وكان في داره عشرة آلاف خادم وخصى غير الصقالبة (السلاف ) والروم والسودان ، وكان تجمله وافرا ). لو كان يفعل الخير حقا لطبق تعاليم الاسلام فى عتق الرقيق لا أن يستكثر منهم ويتجمل بوجود آلاف منهم فى قصره لمجرد الزينة، ولكن وجودهم كان ضمن المساحيق التى تتزين بها الخلافة العباسية العجوز المتصابية فى مواجهة عجوز أخرى عقيم هى الامبراطورية البيزنطية.!! ..
6 ـ المساحيق التى زينت بها الخلافة العباسية وجهها فى خلافة المقتدر نتعرف عليها من خلال ما رأته عيون المبعوث البيزنطى ، وقد زار بغداد فتزينت له بغداد لتبهره وتسحره بما فى دار الخلافة وشوارعها و مينائها من الزينة و التكاثر بالأموال و العبيد.
في سنة 305 قدم بغداد رسول ملك الروم لفداء الأسري والهدنة، (.. وكان الرسول الرومي غلاما حدث السن وكان معه شيخ وعشرون غلاما ، فأقيمت لهم المنازل الواسعة للإقامة فيها ، ثم أحضروا بعد أيام إلي دار الخلافة والسلطان ، وقد عبيء لهم العسكر بالأسلحة التامة ، وكان عدد العسكر 160 ألفا مابين فارس وراجل ، وبعدهم الغلمان الحجرية والخدم والخواص (أى قادة المماليك المختصون بالخليفة و البلاط ) بملابسهم الظاهرة ، وكان عددهم 7 آلاف خادم ، منهم 4 آلاف أبيض و3آلاف أسود ، وكان الحجّاب 700 حاجب ، وكان في نهر دجلة أنواع من السفن والمراكب من الطيارات والزبازب والسميريات في أفضل زينة ، وسار الرسول فمضي علي دار نصر القشوري الحاجب فرأي منظرا عظيما فظنه الخليفة ، فدخلته له هيبة حتى قيل له إنه الحاجب ، وحمل إلي دار الوزير فرأي أكثر مما رأي ولم يشك أنه الخليفة ، فقيل له : هذا الوزير. وزينت له دار الخليفة، فطيف بالرسول فيها فشاهد ما هاله ، وكانت الستور38 ألف ستر، والديباج المذهب منها 12500 ، وكان عدد الأبسطة 22 ألف بساط . وكان في الدار قطعان من الوحوش قد استؤنست ، وأصبحت تأنس بالناس وتأكل من أيديهم ،وكان هناك 100 من السباع لكل واحد منها حارس . ثم أدخلوا الرسول إلي دار الشجرة، وفيها شجرة في وسط بركة فيها ماء صاف، والشجرة فيها 18 غصنا لكل غصن منها فروع كثيرة عليها الطيور والعصافير من كل نوع مذهبة ومفضضة،وأكثر قضبان الشجر فضة وبعضها بالذهب ،وهي تتمايل ، ولها ورق مختلف الألوان، وكل شيء من هذه الطيور يصفر . ثم أدخلوه إلي الفردوس وكان فيه من الفرس والآلات مالا يحصي ، وفي دهاليزه 10 آلاف جوش مذهبة معلقة. ويطول شرح ما شاهده الرسول من العجائب إلي أن وصل إلي الخليفة المقتدر وهو جالس علي سرير من أبنوس قد فرش بالديبقي المطرز وعن يمين السرير تسعة عقود معلقة وعن يسرته تسعة أخري من أفخر الجواهر يعلو ضوؤها علي ضوء النهار ، فلما وصل الرسول الرومي إلي الخليفة وقف عنده علي نحو مائة ذراع ، والوزير ابن الفرات قائم بين يديه والترجمان واقف يخاطب ابن الفرات وابن الفرات يخاطب الخليفة ، ثم بعد انتهاء المباحثات ، خرج الرسول ومن معه وطافا بالدار ثم خرج في موكب في المدينة إلي دجلة ، وقد أقيمت علي الشواطي مزينة والزرافة والسباع والفهود ، ثم أهدي للرسول وللشيخ الذي معه 50 بدرة ، في كل بدرة عشرة آلاف درهم... )هذا ما جاء في تاريخ المنتظم لابن الجوزي .
وفى هذا الوصف و الشرح بيان لما كانت عليه الخلافة العباسية من زخارف وترف تتنافس فيه مع عاصمة الامبراطورية البيزنطية ، وفى خضم هذا التنافس ضاع الاسلام عقيدة وشريعة ليحل محله دين أرضى اتبعته الدولة العباسية لتواجه به دينا أرضيا آخر سارت عليه الدولة البيزنطية.
المال والجواهر هى عدة القوة للدولتين الدينيتين فى بغداد و القسطنطينية ، ويقوم على تنميتها و حراستها جيوش مسلحة ، ويعمل فى السخرة لتوفير هذا المال ملايين العبيد و المستعبدين من الأحرار أصحاب الارض، فهل يتفق هذا مع دين الله تعالى ؟ .
7 ـ ويقول ابن الجوزي عن جواهر الدولة العباسية ( وكان جواهر الأكاسرة وغيرهم من الملوك قد صارت إلي بني أمية ثم صارت إلي السفاح ثم إلي المنصور ) أى ورث العباسيون جواهر الأمويين التى سلبها الأمويون بالفتوحات (الاسلامية) فى عهدهم مع ما ورثه الأمويون أنفسهم مما سبق فتحه فى عهد الخلفاء (الراشدين) الذين حطموا الامبراطورية الفارسية وقلصوا الامبراطورية البيزنطية واستولوا على كنوز مصر و كنوز تلك الممالك والدول . كل ذلك ورثته الدولة العباسية فى خلافةالسفاح ثم المنصور . وعمل الخلفاء الاحقون على تنمية الجواهر والاستكثار منها لأنها رصيد الخلافة ،أو بالتعبير العباسى (عدة الخلافة ) لذا حرص الخلفاء على شراء المزيد من الجواهر وحفظها .
ونرجع الى ما قاله ابن الجوزى : ( وكان جواهر الأكاسرة وغيرهم من الملوك قد صارت إلي بني أمية ثم صارت إلي السفاح ثم إلي المنصور. واشتري المهدي الفص المعروف بالجبل بثلاثة مائة ألف دينار ، واشتري الرشيد جوهرة بألف ألف دينار ، ولم يزل الخلفاء يحفظون ذلك إلي أن آلت الخلافة إلي المقتدر ، وهناك ما لم ير مثله ، وفيه الدرة اليتيمة زنتها ثلاثة مثاقيل )، أى ورث الخليفة الصبى هذه المغارة من الكنوز والجواهر التى لا مثيل لها فى العالم ، فماذا فعل فيها ؟
يقول ابن الجوزى :( فبسط المقتدر فيه يده ، ووهب بعضه لصافي الخرمي ووجه منه إلي وزيره العباسي فرده وقال : هذا الجوهر عدة الخلافة ولا يصلح أن يفرق ، وكانت زيدان الكهرمانة متمكنة من الجوهر فأخذت سبحة لم ير مثلها وكان يضرب بها المثل ، فيقال : سبحة زيدان ، فلما تولي الوزارة علي بن عيسي قال للمقتدر : ما فعلت بسبحة جوهر قيمتها ثلاثون ألف دينار أخذت من ابن الجصاص ؟ قالت : في الخزانة ، فقال: تطلب ، فطلبت ، فلم توجد، فأخرجها الوزير من كمه وقال الخليفة : إذا كانت خزانة الجوهر لا تحفظ الجوهر فما الذي يحفظ ؟ وقال للمقتدر : إنها عرضت علي فاشتريتها، فاشتد ذلك علي المقتدر .. وعرف أن الأيدي امتدت إلي خزانة الجوهر ) ويقول ابن الجوزي :" وكان المقتدر قد أتلف نيفا وسبعين ألف ألف دينار وذلك أكثر مما جمعه هارون الرشيد") !!
يعنى أن الكنوز التى جمعها الطغاة و الجبابرة خلال عدة قرون باسم الله تعالى زورا وبهتانا أو باسم الشيطان ، والتى أشعلوا فى سبيلها الحروب وأزهقوا فى سبيلها ملايين النفوس من الجنود والأهالى ، والتى استعبدوا فى سبيلها ملايين الكادحين .. كل ذلك تم ترجمته الى جواهر ورثها ذلك الخليفة الأحمق فبددها .
8 ـ نهاية المقتدر
حدث خلاف بين المقتدر وقائد جيشه مؤنس الخادم، فجمع المقتدر الجنود وفرق عليهم أموالا كثيرة وخرج بهم لحرب مؤنس ، ولكنهم تسللوا من عنده وانضموا إلي مؤنس ، فانهزم الخليفة ، وضربه جندي فأوقعه، فقال المقتدر للجندي : أنا الخليفة ، فقال له : لك أطلب ، ثم أضجعه وذبحه وأخذ رأسه لمؤنس وترك جسده مسجي حتى دفن جثته بدون رأسه. وكان قتله في الساعة الرابعة يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال سنة 320 ‏.‏( المنتظم 13 / 60 : 66 ، 68 : 72 ، 150 ـ ، 174 ـ ، 308 ـ )


ثالثا :
الصفر فى تاريخ المقتدر
1 ـ تولى الخلافة صبيا ومات شابا فى الثامنة و الثلاثين بعد حكم دام ربع قرن من الزمان كان فيه أغنى فرد فى عصره ،وانتهى الى النتيجة الصفرية شأن كل انسان متساويا بذلك مع أفقر الناس فى عهده. وتحول المقتدر الى مجرد سطور فى تاريخ الدولة العباسية التى تحولت بدورها الى أحد صفحات تاريخ المسلمين.
ولكن يبقى التساؤل :
2 ـ كل هذه الجواهر التى تملكها وورثها، أين ذهبت بعده ؟
يجيب على هذا التساؤل إثنان كلاهما أدرك تدمير بغداد على يد المغول بعد مقتل المقتدر بحوالى 340 عاما : أحدهما الأديب الحكيم ( طبيب العيون ) شمس الدين محمد بن دانيال ( 646 ـ 711 ) والمؤرخ الهمدانى .
يقول الهمذاني فى كتابه : "جامع التواريخ" ان هولاكو بعد ان اقتحم بغداد دخل قصر الخلافة وأشار باحضار الخليفة المستعصم فلما جىء به اليه قال له هولاكو متندرا: "أنت مضيف ونحن الضيوف فهيا احضر ما يليق بنا" فأحضر الخليفة المستعصم بالله وهو يرتعد من الخوف صناديق المجوهرات والنفائس ، فلم يلتفت اليها هولاكو، ومنحها للحاضرين وقال للخليفة: "إن الأموال التى تملكها على وجه الأرض ظاهرة ، وهى ملك لعبيدنا ، لكن اذكر ما تملكة من الدفائن ما هى وأين توجد ؟"فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب فى ساحة القصر، فحفروا الأرض حتى وجدوه ، وكان مليئا بسبائك من الذهب الاحمر تزن الواحدة مائة مثقال" .
يقول الهمذاني : "وقصاري القول أن كل ما كان الخلفاء العباسيون قد جمعوه خلال خمسة قرون ، وضعه المغول بعضه على بعض فكان كجبل على جبل".أى إن المال السحت الذى سلبه الخلفاء العباسيون ظلما وعدوانا ـ وكان يسمونه عدة الخلافة ـ قد ورثه المغول أكواما وأطنانا من الذهب والجواهر. وبسبب ذلك الكم الهائل من الكنور الذهبيةالتى ورثها هولاكو من الخليفة العباسي ، فإنه صهرها جميعا فى سبائك وأقام لها قلعة محكمة فى أذربيجان.
أما الأديب شمس الدين ابن دانيال ـ أشهر الأدباء الساخرين فى عصره ، وصاحب فن (الآراجوز ) أو (خيال الظل ) وأشهر من ألف البابات ـ فقد ظلت مأساة بغداد وضياع ثرواتها تتسلل الى حوار شخصياته التى ابدعها فى باباته أو مسرحياته، ففى بابة أو مسرحية (طيف الخيال) يقول على لسان الامير وصال ـ كأنه يصف نهاية المقتدر و آله من بنى العباس ـ ( مال المال وحال الحال وذهب الذهب وسلب السلب وفضت الفضة ..) يعنى باختصار : صفر ضخم .!!
ولكن تبقى تبعات ذلك المال الذى حملوا وزره وتركوه صفرا . تبعاته حساب عسير يوم القيامة.
رابعا :
الصفر فى حياة الحكام الظالمين
1 ـ لم يستفد الحكام العرب والمسلمون من دروس القرآن او من تاريخ الدول السابقة واللاحقة ، فسكنوا فىمساكن الذين ظلموا انفسهم و تبعوهم فى الظلم والعدوان واستعباد الناس ومص دمائهم لينتهى الأمر بهؤلاء وهؤلاء الى صفر كبير. سار العباسيون على سنة الراشدين والأمويين ، وسار على أثرهم المماليك والعثمانيون ، ونفس الحال مع كل ظالم حتى عصرنا الميمون. والصفر يبتسم منتظرا الجميع .
2 ـ فى مصر شخص واحد يتمنى عشرات الملايين فى مصر موته . ملايين العوانس يحلمن بموته املا فى أن يأتيهن الزواج بعد إزاحته. ملايين الأمهات يدعون عليه آناء الليل وأطراف النهار ، ملايين الشباب العاطلين و المحبطين و العاجزين عن الزواج وعن العثور على سكن ومقعد فى الاتوبيس ـ ينتظرون خبر وفاة ذلك الشخص ، بينما هذا الشخص الذى يقترب منه الموت بكل إصرار مشغول مع أسرته وحاشيته بجمع الأموال وتعبئتها معتقدا أنه لن يموت.. والموت ينتظره بهدوء مبتسما حيث لا مجال للهروب من الموت أو حتى تأجيله لأن كل دقيقة تمر بنا نقترب أكثر من موعد موتنا الذى لا مناص من لقائه ولا أمل فى تاجيله. وإذا كان هذا يسرى على الصغير قبل الكبير فكيف إذا بلغ أحدنا أرذل العمر؟!!..
3 ـ لم يستفد صاحبنا من الدرس ، ولم يستفد به العسكر الحكام فى مصر.
لقد ورث العسكر جواهر اسرة محمد على ،وكانت تشغل عشرات الصناديق ، جعلوا المسئولة عنها موظفة قليلة الحيلة فى وزارة الثقافة ، لا تستطيع أن تقطع أيادى الكبار التى تمتد لتفتح الصناديق وتسرق ما تشاء من تلك الكنوز. فأصيبت المسكينة بالمرض . وانتشرت إشاعات عن نهب تلك الكنوز ، ثم سكت الحديث عنها عندما امتد النهب الى القطاع العام و التأمينات و المعاشات .. وكل شىء.
ومهما بلغ حجم المنهوب ، ومهما ارتفعت أرصدة الناهبين فهى مجرد أرقام تتحول بالموت الى صفر.
أخيرا
ما أروع الموت ..!!
به يتم تطهير الأرض من الطغاة . هوالوحيد الذى يهزمهم بالضربة القاضية. من أسف أن الجماهير تهتف قائلة للطاغية الذى يمص دماءهم قائلين (يحيا فلان ) ولو أنصفوا لقالوا ( يحيا الموت ) لأن الموت هو الذى يتكفل عنهم بازاحة الطغاة و يوقفهم أمام صفر كبير يتهيأون بعده لعذاب السعير..
ولو تخيلنا عذاب السعير الأبدى لشعرنا بالشفقة عليهم ، فليس هناك خسران أكبر من أن تخسر الدنيا بالصفر العظيم ثم تخسر الآخرة بالعذاب الخالد الأليم .
ولهذا نكتب للوعظ .. أملا فى الاصلاح وفى التوبة ..

اجمالي القراءات 18342