الإنسان الكائن الرّوحي

سامر إسلامبولي في الأحد ٠٩ - ديسمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الإنسان الكائن الرّوحي
لقد عرفنا أنَّ البشر هو كائن رحمادي حي مثله مثل الكائنات الحية الأخرى، ظهر على وجه الأرض منذ بضع مئات الآلاف من السّنوات، يعتمد في حياته على أكل الثّمار من الغابات مُباشرة واللّحوم النّيئة، فكان مفسداً في الأرض من جراء تعامله مع الغابات بصُورة غير واعية، يقطع الأشجار ويكسر الأغصان مثله مثل أي جنس حيواني آخر، ويقوم بسفك الدّماء نتيجة تناوله لحم الحيوانات، واستمر على هذا الوضع إلى ما شاء الله له من الحياة، التي تعرض خلالها &Arin إلى تطور في دماغه وجسمه وحركته حسب المشروع الإلهي. وعندما وصل على سلم التّطور إلى المستوى المطلوب .
قال الخالق: ( إني جاعل في الأرض خليفة )
قال الملائكة: ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك )
قال الخالق:( إني أعلم ما لا تعلمون )
فماذا تغير في واقع حال هذا الكائن البشري، وكيف سيصير في مقام الخلافة؟ نجد ذلك في قوله تعالى:
( الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم نفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ) السّجدة 7 ـ 9.
لاحظ حرف (ثم) بين المراحل الثّلاث، وهو حرف عطف يفيد التّرتيب مع التّراخي والفاصل الزّمني بين المراحل.
المرحلة الأولى: بدء خلق الإنسان من طين.
المرحلة الثّانية: جعل نسله من ماء مهين.
المرحلة الثّالثة: يُوجد فيها ثلاث صفات تمت في الواقع تباعاً:
أ ـ تسوية الكائن البشري.
ب ـ النّفخ فيه من روح الله.
ت ـ جعل السّمع والبصر والفؤاد للجنس كله بصُورة تفاعل بعد النّفخ فيه من الرّوح (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة )
هذا النّص صريح في أن عملية خلق الإنسان الحالي لم تتم مُباشرة بهذه الصّورة، وإنَّما مَرَّ بثلاث مراحل بينها فترات زمنية، إذ بدأ الخلق من الطّين للكائنات الحية واستمر تكاثرهم بطريقة ما إلى ما شاء الله من الزّمن تعرضوا خلاله للتّطور والتّصنيف والتّمييز فيما بينهم كل حسب ما رسم الله له إلى أن وصلوا إلى مرحلة الأجناس، وظُهُور كل جنس لوحده في الواقع فجعل الله تكاثرهم عن طريق الماء المهين واستمروا في ذلك فترة زمنية محافظين على صفاتهم الوراثية يتعرضون لعملية التّسوية والتّأهيل في أجسامهم ليتكيفوا مع البيئة والوظيفة التي تم خلقهم من أجلها، وعلى سلم التّسوية وصل الكائن البشري للصّورة التي أرادها الخالق له. قال تعالى:  الذي خلقك فسواك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك ) الانفطار 7 ـ 8 )
وعملية التّسوية للكائن البشري تناولت عملية التّناسب لأعضاء الجسم والتّعديل لها، والانتصاب على القدمين وتسوية الظّهر وإطلاق اليدين وكانت هذه العملية من جراء خضوع الكائن البشري لسنن إلهية دفعته إلى هذه التّسوية بإرادة مسبقة من الخالق.
وصار الكائن البشري مستعداً من النّاحية الجسمية للانتقال إلى مقام آخر كي يمارس مهمته فحان دور النّفخ فيه من الرّوح. فما هو الشّيء الذي نفخ في جسم الكائن البشري الحي؟
لقد علمنا آنفاً أنَّ الكائن البشري هو كائن رحمادي (روح ومادَّة) أصلاً وهو كائن حي قبل النّفخ فيه من الرّوح ممَّا يُؤكِّد أنَّ النّفخ فيه من الرّوح بعد عملية التّسوية ليست هي من الرّوح الملازمة للمادَّة ابتداء لأن هذه الرّوح هي مشتركة مع كل الكائنات أصلاً، وكذلك ليست هي من روح الحياة (الخلية) لأنه كائن حي عندما تم النّفخ فيه من الرّوح؟
إذن ما هي هذه النّفخة الرّوحية التي نفخت في الكائن البشري وجعلته أهلاً لمقام الخلافة في الأرض؟
لنر ذلك من خلال تحليل أصوات أحرف كلمة (نفخ):
ن: صوت يدل على ستر واختباء.
ف: صوت يدل على فتح منضم.
خ: صوت يدل على رخاوة وطراوة.
ومجموع دلالة أصوات كلمة (نفخ) تدل على دُخُول شيء في آخر وارتخائه فيه.
نحو: نفخ الهواء في الكرة. وفي الواقع ترتب على ذلك ظُهُور وعلو وامتلاء الشّيء المنفوخ.
إذن يُوجد أمر قد تم نفخه في الكائن البشري ودخل فيه، وهذا الشّيء المنفوخ هو الذي أعطى القيمة الواعية للكائن البشري والاستقلال في وُجُوده كفرد ينتمي إلى جنس وجعله كائنا يستحق مقام الخلافة! فالنّفخة من الرّوح في الكائن البشري لم تجعله كائنا حياً لأنه حي أصلاً، وإنَّما جعلته كائناً واعياً مدركاً لذاته وغيره، وترتب على ذلك تفعيل الحواس الخمسة والدّماغ وقاموا بعملية النّقل للإحساس بالواقع إلى هذا الشّيء المنفوخ في الكائن البشري فتمت عملية التّواصل مع العالم الخارجي بصُورة واعية، وتفعل السّمع والبصر والفؤاد.
هل علمتم ما هو هذا الشّيء المنفوخ من الرّوح في دماغنا الذي بموجبه ارتقينا من عالم البشر إلى عالم الإنسان؟
إنها النّفس الإنسانية! الكائن الرّوحي المنفوخ في الكائن البشري التي دخلت فيه وسيطرت وتحكمت به من خلال تحكمها في الدّماغ وصار بها كائناً إنسانياً.
فالنّفس كائنة روحية امتاز بها الكائن البشري دون الكائنات الأخرى وصار هذا الكائن الإنساني محلاً للخطاب الإلهي، ومحلاً للمسؤولية والحساب، ومؤهلاً لمقام الخلافة في الأرض.
أما عملية تفعيل السّمع والبصر والفؤاد فهي عملية متروكة للإنسان حينما يلد في وسط اجتماعي، لذلك يقول الفلاسفة: الإنسان كائن اجتماعي. لأنَّ المجتمع هو الذي يصنع شخصية الإنسان ويُفَعِّلُ عنده السّمع والبصر والفؤاد. لذلك نلاحظ أنَّ النّص الإلهي انتقل من حالة الخبر في الصّياغة إلى حالة الخطاب المُباشر ومن حالة التّكلم عن خلق جنس مستخدماً الحالة الفردية كون ما ينطبق على الفرد ينطبق على الجنس بكامله إلى الحالة الجماعية لأن كل فرد مستقل في شخصيته عن الآخر، وهذه الاستقلالية يصنعها المجتمع تربية وثقافة وليست هي عملية ولادية مع الإنسان. انظر إلى النّص الإلهي مرة ثانية وثالثة:
( ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون )
فالإنسان: روح ومادَّة وحياة وصُورة بشرية + نفس.
كائن بشري+ نفس = إنسان.
كائن رحمادي حيوي بشري+ نفس = إنسان.
فما هي النّفس الإنسانية؟

اجمالي القراءات 15255