الإسلام تعب منا

آية محمد في الأربعاء ٢١ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لو أن العالم العربي يثور في وجه الاستبداد والظلم ثورة قضية الحجاب الفرنسية لما بقي في بلادنا ظالم أو مستبد. لو أن عالمنا العربي يرفض ويقاطع مظاهر الفساد مقاطعة المنتجات الدنماركية لتحولنا في غضون سنوات إلى أرقى دول العالم. لو رأينا المسيرات والمؤتمرات تنظم ضد المسلم الباغي الذي يسيء للإسلام ببغيه وفجره لما رأينا اضمحلالا إسلاميا ولا سمعنا عن برنامجا يهين الإسلام أو رسومات تسخر من رسوله. ولو إننا تحرَكنا من أجل الحق تحرُكنا من أجل صغائر الأمور لما أصبحنا في ذيل ركب التخلف وللحقنا بركب التحضر منذ سنوات مضت. كم أحزن على حالنا والحال الذي آل له الإسلام بنا! وصدق الله الذي حفظ ولا زال يحفظ كتابه الحكيم بالرغم من الفتن والمحن التي هي كافية بمحو كتب وليس كتاب واحد.

أكتب هذا الكلام بعد أن يئست من أن يتحرك المسلمون لوقف المهازل الداخلية التي تحدث على أيدي من يدعون أنهم ينتسبون إلى الإسلام اسما ودينا. لقد ألمني ما سمعته عن قضية جلد الفتاة السعودية، وما ألمني ليس الجلد في حد ذاته قدر ما هو الإدعاء أن هذا الحكم البغيض هو حكم الله وشريعة الإسلام. لن أدافع عن الفتاة أو أحلل إن كانت جانية أم مجني عليها، فبالرغم من إنني أرى أن الحكم ظالم ومجحف إلا إنني على يقين تام بأن ذلك الحكم هو حكم مبني إلى الثقافة والأعراف السعودية، وبالتالي لا يحق لأي مخلوق خارج السعودية أن يتدخل فيما يراه القضاء والمجتمع السعودي حق. وإذا درسنا المجتمع السعودي بصورة حيادية سنفهم لماذا لجأت المحكمة السعودية إلى هذا الحكم الظالم الذي لا يقبله أي آدمي في أي دولة أخرى بما فيهم باقي دول الخليج ولكنه يقبل وبصدر رحب في بلاد الحرمين الشريفين! وهذه هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها وهي أن الحكم تشكل كنتاج للأيديولوجية الوهابية التي تنظر للنساء كجسد فقط، إذا لما الزج باسم الله وسنته في نظرات وأفكار بشرية قاصرة؟ لم التبجح على الله تعالى والدين الإسلامي واستغلالهم في أمور إنسانية مدنية بحتة؟ المملكة السعودية حرة فيما تصدر من أحكام وإن شاءت فلتحصد رأس الفتاة الشيعية، وإن شاءت فلتطلق كل شاب مغتصب حرا طليقا ليغتصب أخريات ممن ارتضوا "بالخلوة" في شوارع السعودية "العامة". القضاء السعودي حرا فيما يراه يليق بثقافتهم الاجتماعية، والشعب السعودي حر في أن يدافع عن حق قضاءهم في إصدار حكما يروه عادلا، ولكنهم ليسوا أحرارا في أن يدعوا أن حكمهم البشري القاصر هو شريعة الله العادلة. فأي شرع إلهي وأي دين هذا الذي يدعو إلى معاقبة المظلوم وفك أسر الظالم؟ أي نص إلهي هذا الذي يطالب بتخفيف العقوبة على المفسد في الأرض بحجة أن هناك من دفعه إلى ذلك؟ إذا أرادوا أن يعطوا عذرا لمغتصب بدافع من غرائزهم الذكورية فلا داعي للتمحك في الله تعالى وشريعته لأن في ذلك اهانة عظيمة لكل من يدين بدين الله الحنيف ويكفينا ما صدرته لنا السعودية من عفن فكري أزكم عقولنا على مر السنوات الماضية. أنتم أحرار في جلد الفتاة، وأنتم أحرار في تخفيف العقوبة على المغتصبين ولكنكم لستم أحرار في إلصاق هذه المهانة الإنسانية بكل مسلم على وجه الكرة الأرضية.

يدعي السعوديون أن حكمهم هذا هو إتباع لشريعة الله، بل وذهبوا إلى أن جمعيات حقوق الإنسان التي أثارت القضية هي جمعيات مغرضة متربصة بالإسلام، لا يعنيها الفتاة في شيء وإنما يعنيها ألا تعمل الشريعة الإسلامية في بلادنا! متى سنتعلم أن الغرب لم يتربص بنا إلا بعد أن تربصنا نحن بأنفسنا. متى سنعي إننا أكبر عدو لأنفسنا ولم يكن لنا من قبل ذلك عدو. متى سندرك إننا من بدأنا باهانة رسول الله بعد أن صورناه – أستغفر الله - سادي، شهواني لم تسلم حتى الطفلة من يده، محتقر للنساء، خبيث يدعو إلى السلم في وقت الضعف وإلى القتال في وقت القوة، نحن من أعطينا هذه الصورة للعالم الغير مسلم، وبعد أن رأوا خطورة ما ندعو إليه بدأوا في محاربة أفكارنا الشاذة، ومعهم كل الحق في ذلك. فلا نعيب عليهم إن رسم أحدهم رسما هزليا يسخر فيه من رسول الله، فنحن من أوحينا له بالفكرة، فلكل فنان ملهِم، وللأسف المسلمين هم إلهام كارهي الإسلام. وأستغفر الله لما أصاب الرسول ولا يزال يصيبه من أذى بسبب أفعال المسلمين المشينة، فهو من قال فيه جل وعلا إنه على خلق عظيم. إذا إلى متى سنظل نهين في إسلامنا ورسولنا ثم ندعي أن العالم متربص بنا؟

ما يثير الاشمئزاز فعلا، هو ردة فعل العالم الإسلامي المنعدمة في مثل هذه الأمور المشينة التي يقوم بها - للأسف - مسلمون. فيبدو إننا لا نتحرك إلا إذا كانت الإساءة موجهة فقط من كافر بالإسلام للإسلام. يبدو إننا أصبحنا مدمني نعرات كاذبة، ومن الواضح إننا أدمنا النفاق والمكر. لماذا نثار فقط عندما تأتي الاهانة من خارج دار الإسلام ونخضع ونخنع ونغلق أبصارنا وأسماعنا عندما تأتي الاهانة من داخل الدار؟ لقد تعلمنا صغارا ألا يشغلنا إلا ما يدور داخل ديارنا، فعلينا إصلاح أنفسنا في الداخل لأنها تلقائيا تنطبع على تعاملات من في الخارج معنا. فكيف يحترم جاري مجتمعي إن علم أن لا احترام بيننا في الداخل؟ كيف يتقبلني من في الخارج كآخر إن لم أكن أقبله وأحترمه كآخر؟ كيف يتعايش معي من في الخارج وهو يعلم إنني محمل بالأفكار الشاذة الدموية الهدامة؟ هكذا تعلمنا صغارا ولكننا كبرنا لنرى إننا في دار معوج لا تسرى هذه التعاليم الفاضلة فيه، فنحن في دار لا يأبه أهله بما يحدث فيه؛ أهل البيت يتصارعون ويتقاتلون ولا يحركون ساكنا للإصلاح، أهل البيت أخلاقهم مثل النخلة المعوجة ولكنهم منشغلون بنقد أخلاق من خارج بيتهم، السوس ينخر في عمودهم الفقري من جراء الجهل الذي فيه يرتعون، ولكنهم لا يشعرون لأنهم متأهبون للسوس الخارجي إن حاول أن يقترب، وإن اقترب أعلنوا الهجوم متناسين إعداد عدة القتال، متناسين أن عمودهم الفقري شبه متآكل فيخرج هجومهم في صورة هزلية مضحكة تصلح لفيلم كوميدي يروح عن النفس المجهدة! هذا هو واقع بيتنا الإسلامي الذي نزعم أننا من أجله مجاهدون، ولكن للأسف، نحن لا نجاهد إلا في صغائر الأمور!

دارنا في الداخل محطمة، مهشمة، ومدمرة. فهذا ينحر ذاك باسم الإسلام وتحت راية الله أكبر، وهذا سني يقتل آخاه الشيعي والعكس صحيح، وهذا مسلم يحرض على قتل غير المسلم لتشويه الإسلام بجهالة، ولا نتحرك ولا نشجب ولا نحتج ونكتفي بالصمت بالرغم من إننا رافضين. إذا لا نتوقع احترام وتعايش جيراننا معنا ونحن صامتون على الصراعات والاهانات والمهازل التي تحدث داخل دارنا الإسلامية. لا نهب للدفاع والثورة إلا إذا جاءت اهانة من الخارج. عندما يحدث نزاع أو خلل داخل الأسرة الواحدة تجد أربابها – إن كانوا ينتمون إلى بيئة محترمة – يهبون لإصلاح الصدع قبل أن يزيد، ويشددون على الحق وإرساء القوانين التي تتبع بحزم ويرسخون مبادئ الإخوة والمحبة والسلام حتى لا يعاود أفراد الأسرة النزاع مرة أخرى. ولكنا في دارنا الإسلامية الكبيرة، منذ النزاع الأول، ولم يردأ احد الصدع فزاد وأصبح كل من هب ودب يفعل ما شاء طالما ارتدى عباءة الله ووضع قناع الإسلام على وجهه. لم نرى أبدا أهل هذه الدار الطيبة يجتمعون لإصلاح ما آل له حالهم، فقط أرهقونا بدعوات سمجة لا قيمة لها ولا تمت لرقي المجتمع وسمو أخلاقه بأي صلة. رأينا الكثير من المهازل التي كان آخرها الحكم بجلد الفتاة بدعوى إنه حكم الإسلام وشريعة الله وأن جمعيات حقوق الإنسان ما هم إلا أداة الشيطان التي تدفعهم عن تنفيذ وصايا الله وسنته. إنها بحق لمصيبة، والمصيبة الأكبر إننا لم نتحرك وللأسف لن نتحرك! أنا لا أدعو للتحرك ضد قوانين السعودية، فهم أحرار فيها، ولكن التحرك للمطالبة بالكف عن الزج باسم الإسلام في تعاملاتنا اليومية، التحرك للمطالبة بالتوقف عن التلاعب بالإسلام من أجل تدعيم الغرائز الذكورية، التوقف عن استغلال الإسلام من أجل إضفاء هالة شرعية على أحكامنا الدنيوية، التوقف عن استغلال اسم الله لإرهاب الناس فكريا ومنعم من المعارضة أو المطالبة بحقوقهم. فلم يكن الله هو من حكم على الفتاة بل مجموعة من البشر ليس من حقهم أن يدعو أن حكمهم هم حكم الله، حيث أن الله بإذنه تعالى قد يكون منتظرهم في ملكوته ليلقي بهم إلى جهنم وبأس المصير.

إذا سيطرنا على المآسي التي تحدث داخل العالم الإسلامي وتصدينا لها فستقل نسبة الهجوم الخارجي على الإسلام لأنهم وببساطة لن يجدوا نقاط ضعف يدخلون إلى الإسلام منها. نحن نستحق كل ما يحدث لنا بظلمنا لرسول الله معنا وعليه نستحق عذاب الله الذي سلط علينا عمالقة العالم ليدوسونا بأرجلهم وذلك لأننا لم نصون كرامتنا وكرامة الدين الذي علمنا كيفية أن نكون خير أمة أخرجت للناس ففضلنا أن نكون أحقر أمة أخرجت للناس. نكره اليهود نلعنهم في كل مجالسنا ولكننا لم نتعلم من درسهم شيئا؛ كانوا يوما شعب الله المختار وبأعمالهم أصبحوا شعب الله المكروه وحول الله النبوة عنهم كما وعدهم في العهد القديم وكما وعدهم في بعض الآناجيل الأبوكريفية. كذلك وعد الله أمة الصراط المستقيم بأنهم خير أمة أخرجت للناس، ولكنه تعالى وضع شرط ليتحقق هذا الوعد إذا اتبعنا شرطه جل وعلا بقينا خير الأمم وإذا حدنا عنه تحولنا إلى أحقر الأمم، وللأسف فقد حدنا عنه منذ قرون فحصلنا على الحقارة عن جدارة. أدعو كل المسلمين أن ينهون عن المنكر من خلال تحركات إسلامية ومؤتمرات شعبية لرفض ما يفعله المسلمون باسم الإسلام وتحت راية الإسلام، فكفانا إهانة لديننا الحنيف ولنعيده إلى وضعه الطبيعي كدين يحكم حياة الإنسان ليجعل منه فرد أفضل يستطيع أن يخدم مجتمعه المدني بطريقة أفضل.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

اجمالي القراءات 18089