محبة الرسول
محبة الرسول

مهيب الأرنؤوطي في الأحد ٢١ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

من يحب الرسول (ص) فعلاً فعليه أن يوحد الله قولاً وعملاً، إذ لا يمكن لمسلم عاقل يقرأ القرآن متفهماً آياته عارفاً حقيقة الإسلام إلا أن يحب الله ورسوله معاً ولكن من غير إشراك الرسول مع الله مدركاً أن الذي يطيع الرسول بإطاعة ما أتي به من وحي سماوي إنما تكون طاعته لله وحده لا شريك له في الأمر أو التحليل أو التحريم أو الشفاعة أو الهدي أو الحديث.

لأن القرآن الكريم لم يصل إلي الناس إلا من خلال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وما بلغه بأمانة مطلقة ساعده سبحانه عليها و&Ua;عصمه من شياطين الإنس والجن خلال فترة التبليغ بدليل قول الله تعالي:

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)

لكن الفرق كبير بين أن نحب الله ونطيع ما أمر به في كتابه المبين ونحن نعلم سلفاً ما بذله رسوله من جهد جهيد في تبليغ رسالة ربه من وحي كريم مقدرين ومدركين سلفاً أن الرسل جميعاً ما هم إلا وسطاء مجندين لوحي الله ومن بعد التبليغ عليهم دور تطبيق ذلك الوحي الذي فيه الشرع والحكم نظاماً علي الناس بحسب تدبيرهم وفهمهم مع ما يتطابق من ذلك الوحي علي زمانهم ومكانهم وبين أن نجعل مع طاعة الله تعالي طاعة خاصة لرسوله الكريم جاعلين له الحق في التحليل والتحريم مع الله والحق في الشفاعة إشراكاً بالله، ونجعل له سنة خاصة به مع سنة الله ونؤمن بوجود حديث له مع حديث الله رغم إنكار الله تعالي لكل ذلك في آيات القرآن البينات مبدلين شرع الله تعالي الذي أتانا وفيه مصلحة الأمة الإسلامية إلي شرع آخر مناقض له لمصلحة الأقلية المتنفذة في الأمة التي يسميها سبحانه (بالملأ) في القرآن الكريم.

والقرآن نور من الله ومن علمه:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) (النساء 74).

ومن أمثلة هذا النور ما ورد في كتاب الله جواباً لكل مشايخ السلاطين الذين يرددون صباحاً ومساء في كل المساجد الإسلامية (إن أحسن هدي هو هدي محمد)!!، وهم يقصدون به السنة النبوية أو الحديث النبوي دون أن يعلنوا للناس ما يعلمون بطلانه لتناقضه مع كتاب الله المبين دون أن يقولوا للناس لمصلحة من بدلوا كتاب الله تماماً كما أخفي أهل الكتاب سابقاً كتاب الله ونوره الحقيقي وأظهروا للناس محرفاتهم بدلاً من العقيدة الأصلية.

إن القرآن هو النور الوحيد الذي نزل علي رسولنا (ص) وليس معه نور آخر ليبلغه، إن كنا نحب معرفة الحقيقة ولا نهوي مع الحقيقة شيئاًَ آخر، يقول تعالي:

(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (التغابن 8).

وآيات القرآن بينات مفصلات أحسن تفصيل لا تحتاج إلي نور إضافي كالشمس في وضح النهار لا يمكن أن يزيد نورها بكل مشاعل وبكل ما أبدع الإنسان من وسائل الإضاءة في الأرض، وكذلك فإن كتابه لا يحتاج إلي نور من عباده المرسلين الذين كلفوا بالتبليغ فقط وليس لهم من أمر الله وأمر الدين وأمر الشرع الإلهي شيئاً بدليل قوله تعالي:

(مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ) (المائدة 99).

(لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) (آل عمران 128).

(قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (آل عمران 154).

(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) (الروم 4).

(وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ) (هود 123).

وماذا عن موضوع الهداية؟؟ فهل لمحمد (ص) بعد هذا هدي خاص اسمه (هدي محمد)، ويقصد به وحي آخر مع وحي القرآن الكريم ونوره؟؟.... إن الله تعالي هو الذي يقرر حقيقة ذلك بقوله المبين:

(إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى*وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى) (الليل 11، 12).

كما يقول سبحانه: (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) (الفرقان 31).

وآيات نفي الهداية عن غير الله كثيرة في القرآن الكريم منها ما جاء بشكل مباشر حيث قوله سبحانه وتعالي: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) (القصص 56).

ولكنا إذا قرأنا بعد ذلك آية تقول: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الشوري 52).

يجب أن نعلم إنه لم يكن مع الرسول الكريم ليهدي به إلا نور الله الذي أتي به وحياً لربه الكريم إلا نفس الوحي وحده ليهدي به الرسول إلي صراط مستقيم، أما قبل ذلك الوحي السماوي فإن رسول الله نفسه (ص) كان أمياً ضالاً هداه الله بعدها كما يقول سبحانه: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) (الضحي 7).

ولو كان الرسول الكريم عالماً في النحو والبلاغة والبيان قبل الرسالة إذن لشك المبطلون (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (النعكبوت 48).

وبما إن التبيان كله في القرآن يقول الله تعالي مبيناً ذلك للعالمين: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (النحل 89).

والبيان والتبيين لا يكن إلا بآيات الله البينات لذلك يقول سبحانه: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ*إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة 16- 19).

ومعني كلمة مبين التي تأتي صفة لأسماء مثل: (ثعبان مبين)، (عدو مبين)، (كفور مبين) بمعني حقيقي مثل قوله تعالي: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ) (الدخان 13).

بينما قول الله تعالي في وصفه للقرآن بأنه بيان للناس يختلف عما سبق كما في قوله تعالي: (هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) (آل عمران 138).

والرسول عليه تطبيق ما أنزل إليه من وحي مفصل ومبين من ربه الرحيم: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ) (النساء 105).

والذي يقوله فقهاء السلاطين بوجود وحي آخر شفهي هو مجرد ادعاء لخدمة ولي أمرهم الذي لم يعجبه شرع الله الذي منعهم من التسلط علي عباد الله وأكل حقوقهم ظلماً وتجبراً كما يشاء، كما بدل الذين من قبلهم: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) (البقرة 59)، وهذا حدث لكل الأديان لكن الله تعالي لا يقرهم علي ما فعلوه بدليل قوله سبحانه: (لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ) (يونس 64).

والذي يستبدل القرآن بافتراءات ينسبها للرسول الكريم (ص) لتشكل كتباً من صنع البشر هو مثل الذي يستبدل الخير ويأتي بأدني منه، لذلك يسألهم الرحمان منكراً ذلك في قوله: (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (البقرة 61).

ولن يفعل ذلك عاقل أبداً، بل يكون إما كافراً أو مشركاً إذا بدل كلام الله تعالي الذي يحوي الحق بآخر لا حق فيه، وكتاب الله المعجز حامل الخيرات بكتب لا خير فيها ولا إعجاز كما يقول الله سبحانه وتعالي: (وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) (البقرة 108).

لذلك كله يجب أن نعلم أن الله وحده من خلال كتابه المبين يهدي للحق وحده لا شريك له في الهداية (قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ) (يونس 35)، والناس عادة يشركون بتأثير من الملأ الذين هم أهل المال والسلطة والجاه في الأمة جهلاً وإضلالاً علي أيدي فقهاء متخصصين مأجورين (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) (يونس 35)، فيأتي جواب هذا التساؤل كما رأينا في نفس الآية (قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ).

ثم يفاجئ سبحانه الإنسان بسؤال جديد مباشرة بعد تقرير حق الهدي للرحمان وحده، والسؤال لعقل الإنسان ومنطقه وليس لما يحب ويهوي (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس 35).

الحقيقة أن تلك الآية جواب لكل المسلمين الضالين عن هدي الله إلي غيره، وعن كتاب الله إلي كتب أخري، بإتباع هدي خاص لا وجود له إلا عند مشايخ السلاطين والتي تم افتراؤها بناء علي توصياته وتحقيقاً لمصالحه الدنيوية ليتمرغ في مُتع الدنيا ظهراً لبطن.

إن القرآن الكريم فقط هو الذي يهدي للأفضل والأحسن والأقوم في الإسلام الصحيح (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء 9).

والله تعالي إذا تتبعنا آيات القرآن نجده ينكر الهداية علي رسوله إذا فكرنا أن للرسول الكريم هدي خاص مفصول عن هدي الله الموجود في القرآن العظيم (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) (البقرة 272).

ولكنا إذا فهمنا أن هدي الرسول هو ما أتي به من الرحمان من قرآن مجيد، فعندئذ يختلف المفهوم ويتضح أن ذلك كان يحدث حتي يستطيع الرسول أن يهدي بذلك النور إلي صراط مستقيم، وهذا معني قوله تعالي: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الشوري 52).

لذلك إذا قرأنا الآية القرآنية بعد كل هذا البيان السابق (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل 44)، نفهم أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ليس معه شئ خاص به إلا كتاب الله ليبينه للناس، فالبيان كله في القرآن وحده، كما يقول سبحانه (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (النحل 89).، وآيات القرآن آيات بينات بذاتها (وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) (البقرة 99)، إذ مجرد إبلاغ النص هو تبيين لما أنزل الله.

لكن فقهاء السلاطين الذين يخفون هذه الحقيقة عن الناس لمصلحة السلطان ويقولون علي الله غير الحد ويدعون بوجود كتاب مع كتاب الله يلعنهم رب العالمين قائلاً (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ) (البقرة 159).

وآيات الله أيضاً مبينات، كما يقول تعالي (لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (النور 46)، وآيات الطلاق مثلاً آيات مبينات لا تحتاج إلي آيات أخري لتبينها (رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (الطلاق 11)، وآيات الله وكتابه المبين لا تحتاج إلي تفصيل إضافي من أحد من خلق الله، فمن معجزات الله تعالي في كتابه أن كل إنسان يعرف اللغة العربية يستطيع أن يفهم من كتاب الله بقدر علمه، وبقدر حاجته من المعرفة، وهذا طبعاً علي درجات حسب علم الأفراد واختلافهم (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ) (الأعراف 52)، والذين يحتاجون إلي تلك التفاصيل هم أهل العلم (من الذين يعلمون) كما يقول سبحانه (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأنعام 97).، وكذلك الذين يفقهون كما يقرؤون إلي قوله: (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (الأنعام 98)، ولقوم يتلون كتاب الله ويذكرون مواعظ الله تعالي في كتابه المبين حيث يقول سبحانه (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (الأنعام 126)، وسنة الله تعالي في رسله أن يأتيهم بالآيات مفصلات لكل شئ كما قال تعالي (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ) (الأنعام 154).

لكن الله تعالي لا يرسل كل كتبه مبينات بذاتها، فقد قال عن القرآن أنه كتاب مبين بذاته لا يحتاج إلي أي كتاب آخر ليستبين به أبداً كما يبدأ سبحانه سورة الحجر بقوله (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ) (الحجر 1)، (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) (يس 69)، (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف 2، 3).

لكن وضع أهل الكتاب وشرعهم يختلف عن ذلك اختلافاً بيناً، فهم ملزمون بكل ما أنزل سبحانه علي رسلهم جميعاً، لذلك يقول سبحانه: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم من ربكم) (المائدة 68)، من أجل ذلك يقول سبحانه عن كتاب موسي وهارون (وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ) (الصافات 117).

علماً بأن في تتمة الآية (86 من سورة المائدة) نجد تنبؤاً من الرحمان بما سيفعله كثير من رجال دين أهل الكتاب بما أنزل الله علي رسول الإسلام حيث يقرر سبحانه ذلك بقوله: (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (المائدة 68).

ولذلك وكما قلنا مراراً عندما يقرأ المسلم آيات القرآن مثل الآية التالية: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ) (النساء 105).

يجب ألا يتبادر إلي ذهنه أن ربه قد أري أو أنزل علي رسوله غير القرآن الكريم، فيؤمن مع فقهاء أهل السلطة من الطواغيت بكتب أخري غير هذا الكتاب العظيم، يجب أن يعلم سلفاً بأن كل من يؤمن بتلك الكتب الضالة فقد ضل السبيل الصحيح ونال غضباً من الله تعالي إلي يوم الدين وأصبح علي سبل الشيطان كائناً من كان.

ويجب أن نعلم أنه لا يوجد اليوم علي سطح هذه الكرة الأرضية كتاب لا ريب فيه وأنه من رب العالمين ويحتوي علي آيات ونصوص قطعية الثبوت لا ظن فيها ولا مراء وإنما هي قطعية الدلالة لا شك فيها إلا كتاب واحد ثبت ببرهان من الله تعالي العلي العظيم، وذلك بالعلم الرياضي المجرد الذي لا يستطيع إنكاره عالم حقيقي ألا وهو القرآن العظيم.

قد يجد المسلم في مثل ذلك الركام الهائل بعض الأحاديث التي ما زالت تقول الحق ولكنها ضاعت بين الأحاديث المفتراة بالآلاف، فإذ بحث في صحيح البخاري ومسلم وجد الحديث التالي: (عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالي عنه أنه سمع الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه")، وهذا أمر من الرسول صلي الله عليه وسلم يجب اتباعه لأنه يتماشي مع منهج الله تعالي.

والدليل الذي يثبت صحة هذا الأمر، ما نجده أيضاً في تلك الأحاديث من حديث عن أبي بكر الصديق، هذه المرة برواية ابنته عائشة رضي الله تعالي عنهما: (روي الحاكم بسنده عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالي عنها قالت: "جمع أبي الحديث عن رسول الله (ص) وكان خمسمائة حديث فبات يتقلب كثيراً فلما أصبح قال: "أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنار فأحرقها") عن كتاب تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي الصفحة الخامسة (طبع الهند)، لا يمكن لأبي بكر الصديق رضي الله عنه أن يحرق أحاديث الرسول الكريم إلا تنفيذا لأوامر واجبة الطاعة من رسوله الكريم وملزمة للتنفيذ لا محالة.
كما نجد الحديث التالي أيضاً بين ركام الأحاديث: (عن كتاب تقييد العلم الصفحة (34): (روي عن أبي هريرة أنه قال: خرج علينا رسول الله، ونحن نكتب الأحاديث فقال: "ما هذا الذي تكتبون؟" قلنا أحاديث نسمعها منك، قال "أكتاب غير كتاب الله؟ أتدرون؟ ما أضل الأمم قبلكم إلا بما اكتتبوا غير كتاب الله").

إن تجنب طاعة الطواغيت هي الأساس في التوحيد الإسلامي، وهذا لن يتم لنا إلا بهجر كل كتب فقهاء الدين التي دفع ثمنها الطواغيت من بيت مال المسلمين، والعودة إلي كتابنا المهجور (القرآن العظيم) الذي لا يقارن به أي كتاب علي وجه المعمورة أبداً.

وحينئذ وفقط نكون قد عدنا إلي نور الله تعالي، وتمسكنا بحبله المتين، وأطعنا رسولنا الذي أمرنا في حجة الوداع أن لا نترك كتاب الله، ولم يقل يومها كتابي أو سنتي أو حديثي أبداً، فالرسول الكريم من أفضل الموحدين هو وصحابته الكرام، وخاصة الأربعة الراشدون وخامسهم الوحيد الذي استرشد بهم هو عمر بن عبد العزيز الأموي من بين كل السلاطين.

وبعودتنا من الإشراك الحالي إلي التوحيد مع تجنب كتب الطواغيت كلها، سوف تتبدل ظروفنا، وتتوحد صفوفنا مع توحيد كلمتنا، وسوف يهابنا عدونا، ويتقرب محاولاً كسب ودنا وصداقتنا فنعيش في نعيم الدارين: دار الدنيا معززين مكرمين بفضل الله ونعمه، أما في دار الآخرة فسوف نجد أجورنا تنتظرنا في جنة الرضوان، كما يؤكد ذلك سبحانه بقوله:

(وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة 72).

صدق الله العظيم وصدق رسوله المبلغ المبين.

اجمالي القراءات 8570