عن الدرس الذي لا نستطيع استيعابه

عوني سماقيه في الجمعة ٢١ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


أخي فوزي وبقية الأصدقاء

قرأت مقالك المثير"الدرس الذي لا نستطيع استيعابه" وتساءلت في نفسي عدة تساؤلات. وبما أن تساؤلاتي كثيرة ولا يمكن استيعابها في تعليق، فقد فكرت في أن أضعها في مقال مستقل

وتساؤلاتي هي:

أولا: هل أفهم من مقالك أن دولة اسرائيل أنشأت علي حق؟ وهل تعتقد أن دول العالم بأجمعها مقتنعة عن ايمان حقيقي بحق اليهود في أرض فلسطين؟ ألا يمكن أن يكون الاحساس بالذنب لما حدث في ألمانيا اله&Ecirute;هتلرية لليهود من ظلم فادح، له علاقة باغضاء النظر عن حق الفلسطينيين في مكان معيشتهم؟
هل كان قرار التقسيم لدولة فلسطين قرارا عادلا؟ أعلم تماما أن جميع الدول العظمي وقتها وافقت علي قرار التقسيم، فهل يجعل ذلك قرارالتقسيم عادلا؟ لقد كانت أغلبية الشعب الفلسطيني من المسلمين؛ ولا يفوتني هنا أن أذكرأن نظرة العالم الغربي الي العالم الاسلامي لم تكن نظرة احترام، بل أقول أن معظم كتاباتهم عن المسلمين كانت تصفهم بالهمجية والبدائية! قد تكون نظرتهم بها شيئ من الصحة ولكن هذا لا يعطيهم الحق في سلبهم من حقوقهم التي لا تختلف فيها أية الأديان.

ثانيا: من الواضح تاريخيا أن الاسلام بعد تحوله من التدين الي الطموحات السياسية بدأ يفقد ركنا كبيرا من قوته. وبدأ الانحلال ينخر في جسد الدولة الاسلامية من عصر الأمويين والعباسيين ولم ينتج عن هذا تنحي الدولة الاسلامية عن الريادة بسبب بسيط، وهو أن الغرب كان في حالة من التأخر لم يستطع معها مجارات الامبراطورية الاسلامية وقتها.
سطعت وقتها حضارة اسلامية قوية، وان لم تكن عربية، وظهر من العلماء المسلمين نجوما ساطعة الي أن جاء عصر الظلام في القرن الثاني عشر عندما فقد الحاكمون اهتمامهم بالعلم وتركز في التدين الذي، في اعتقادي، لم يكن مبني علي أساس صحيح بل غلبته خذعبلات ممن لم يفهموا جوهر الدين الاسلامي.
وسؤالي هنا هو "هل يمكن لنا أن نحط اللوم علي الدين، أو بالأصح تطبيقه، في التأخر المستمر الذي أخذ بالعالم الأسلامي، أو العربي، ولا زال يسري بسرعة في الوقت الذي نهض العالم الغربي النهضة الصناعية والتكنولوجية الهائلة بعد أن تحرر قواده من ربط الدين بالعلم؟

ثالثا: حدث التفكك السياسي والتدهور في القوي بعد انهيار الدولة العثمانية ونتج عن ذلك استيلاء الغرب علي بلاد الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولين وورث الغرب المناطق الاسلامية التي امتلكها العثمانيون بعد هزيمتهم. وكلنا يعلم كيف حكمت بريطانيا العظمي مصر وسيطرت عليها سيطرة كاملة وتحكمت في حكامها وعينتهم كيفا شاءت. هل كانت بريطانيا تريد تقدم مصر علميا وصناعيا؟ كان من الممكن أن تكون مصر حاليا في مستوي الند للند للعالم الغربي لو لم تتحد القوي الغربية مع الدولة العثمانية لهزيمة محمد علي. نعم لقد آمن محمد علي بالعلم وبالصناعة وفي ظرف سنوات معدودة كانت مصر تصنع أسحتها داخليا وكانت الترسانة البحرية تبني السفن الحربية علي أحدث طراز ولو لم يدحر محمد علي لكان لمصر اليوم شأن آخر وقس علي هذا بقية دول المنطقة. وكما ذكرت يا صديقي أن الحقوق تبني علي القوة وليس علي الضعف والاستعمار.
وسؤالي هنا هو "هل كان من الممكن أن ننهض علميا وعقليا عندما تحكمت فينا عقولا متحجرة واستعمار غاشم لن يسمح لنا أن نجاريه؟"

رابعا: نعمن لقد كان محمد علي ديكتاتورا، كذلك كان كمال أتاتورك الذي نهض بتركيا بعد ظلام السلاطين العثمانيين. كلاهما فصلا الدين عن الحكم. ولو افترضنا أن الحكام قبل نهاية الاحتلال، وأنا أركز كلامي علي تاريخ مصر، ومنذ عهد الخديوي اسماعيل كانوا تحت السيطرة التامة من المندوب السامي البريطاني ، فان اللوم يقع علي من حكم مصر بعد الاحتلال. وبصرف النظر عن محمد نجيب، الذي لم يستمر في الحكم سوي فترة قصيرة جدا، وحتي حين ذاك لم يكن يحكم بمفرده، فنجد ان أول الحكام المصريين منذ الفراعنة (علي حد قول رجال الثورة) كان جمال عبد الناصر الذي أرسي قواعد الديكتاتورية برواسي من صلب. لم يكن ديكتاتورا يعمل بواقع شعور خالص لخدمة البلد. لقد أسس جهاز ارهابي فوق جهاز المخابرات العسكرية تحت سيطرته الشخصية بغرض البقاء في الحكم. كان الغرض من هذا الجهاز المراقبة والتصنت علي أفراد الشعب وليس علي أعداء الشعب. ألقي الكثير منهم في غياهب السجون مثلا للبقية والتي لم تستطع سوي الرضوخ والصبر اعتمادا علي وعود "الريس" بانهاء دولة اسرائيل. وهزمت مصر أول هزيمة في عام 1956 وحولت أبواق الدعاية الناصرية الهزيمة الي نصر كبير، ليس نصرا سياسيا فحسب بل نصر عسكري ناتج عن موهبة "الريس" العسكرية باعطاء أمر الانسحاب. وجاءت الهزيمة الساحقة والتي لا مثيل لها في تاريخ الشعوب في عام 1967 وأسرعت الأبواق بقيادة "صوت سيده- بكسر الياء" هيكل، وغيرت اسم الهزيمة الي نكسة ورجعنا نستجدي المساعدات من حكام كان "الريس" يقذفهم بأبشع الأوصاف. وتحضرني الذاكرة بأبشع النفاق عندما كانت أبواق الدعاية تدعوا العرب بايقاف ضخ البترول كسلاح للمقاومة. كانت مصر وقتها مفلسة وليس لدي الحكومة ما يكفي لاطعام الشعب وسارع أسطول الصيد الروسي بامداد الجمعيات التعاونية بالسمك المجمد. وعند انعقاد مؤتمر القمة العربي قالت السعودية أنه من الممكن وقف ضخ البترول كما طلب منهم الزعيم المصري ولكن في هذه الحالة لن يمكن امداد مصر بمعونات اقتصادية "للمساهمة في ازالت آثار العدوان" وطالعتنا الصحف المصرية في اليوم التالي بأن ضخ البترول هو سلاح المقاومة.
ولا أريد أن أطيل في تاريخ يعلمه الجميع ولكن هدفي هو أن أظهر شعور وعواطف الشعب المصري والتلاعب بها مع الارهاب والحرمان من مقومات الحياة الكريمة.
وجاء الفرعون أنور وأعطي للشعب فرصة لرد بعض الكرامة في حرب 1973 والتي بدأت بانتصار مصري كبير وانتهت بانتصار اسرائيلي عندما تسلل الجيش الاسرائيلي ودخل الأراضي المصرية وحاصر السويس وكان علي مسافة قصيرة من عاصمة المعز لدين الله الفاطمي. وعملت الأبواق علي التهوين من تلك الكارثة.
والغرض هنا أن الشعب المصري كان، وما زال الي وقتنا الحاضر، في الظلام.
وسؤالي هنا هو: "كيف يستطيع شعب مكسور الجناح يسعي ويكد من أجل "لقمة العيش"، ان وجدها، كيف يستطيع هذا الشعب الجائع تفهم معني الديموقراطية؟

خامسا: ما معني الحرية والديموقراطية لشعب انعكست معايير العيش فيه وانتهز أنصار الاسلام السياسي الفرصة لاقناعه بأن الاسلام الوهابي هو الحل. عندما يسيطر اليأس علي الشعب من واقع تجربة أكثر من خمسين عام، يعمل العقل الباطن علي قبول أقرب الحلول الي عقله وهو الالتجاء الي الدين وليس الي الابداع العلمي أوالثقافي. انظر الي متناقضات المجتمع الغالب في مصر ... من اجتياح غطاء الشعر والمسمي خطأ بالحجاب، بين النساء، والذي وصل حاليا للبعض الي النقاب، الي انتشار الفتاوي من رجال يمارسون مهنة الدين؛ الي الأغاني الخليعة والمنحطة والتي انتشرت في مصر! حتي علي شاشات التليفزيون تجد أكثرها برامج دينيه أو برامج خليعه من ارسالات تصلهم عبر الفضاء بواسطة جهاز الاستقبال الفضائي "الديش"
في اعتقادي أن هذه سمات شعب حائر بين الرغبة في الحياة وبين الرغبة في الاتجاه الديني. يجذبه من ناحية رجال الدين السياسي ومن ناحية أخري الماديون من رجال الفن.
وسؤالي هنا:"كيف نحول تفكير ومعتقدات الشعب الحائر الي الطريق القويم؟

سادسا: نعم، لم يظهر في مصر "أو البلاد العربية" منذ مئات السنين مخترع أو باحث يمكن أن يظهر بين العلماء الغربيين. ولكن هذا ناتج عن نظام الحكم وتوجيه الحكومة. ولنأخذ مثلا ما حدث في أواخر الحمسينات من القرن الماضي عندما سبقت روسيا أمريكا في علوم الفضاء وأرسلت أول صاروخ يحمل رجلا الي الفضاء. ماذا حدث وقتها؟ وقف الرئيس الأمريكي كنيدي واعترف في خطاب موجها الي الشعب أن روسيا سبقت أمريكا في هذا المضمار. وألقي اللوم علي الحكومة ولكنه وعد بأنه سيتابع برنامج وضع أول رجل علي سطح القمر... وقد كان. جاء التوجيه من قائد الشعب وأعطي اشارة البدء وأعطي الحرية الكاملة لرجال العلم حتي حققوا ما طلب منهم. لم يبدأ الشعب بنفسه ولكن بدأ القائد.
ولننظر الي التعليم في مصر...ان مهزلة الدراسة الثانوية والدروس الخصوصية تفوق أي شيئ عهدته في فترة شبابي. وحتي الدراسة الجامعية أصبحت تكرارا مملا. لو ذكرت كلمة أبحاث أو منشورات علمية ضحك "الأساتذه". ذكر لي صديق زار كلية الهندسه منذ عامين انه قابل أحد الأساتذه وكان من أبناء أستاذا لنا في الخمسينيات. وفوجئ صديقي بأن هذا الأستاذ يحاضر من مذكرات والده! أن الطالب المصري في عهد التقدم العلمي الفائق السرعة يدرس مواضيع كانت تدرس منذ نحو وخمسين سنة، ويعلم الله عمرها الحقيقي. علي من يقع اللوم؟ الأستاذ مشغول في شركة استشارية أو في مباقشة الكادر الذي تضعه الحكومة؟ ان مبدأ الاستقلال الفكري أو العملي غير معروف. الحكومة تقوم بتعيين مديري الجامعات ... لماذا؟ يقولون أن التعليم مجاني... ويا ليته ما كان وعلي قدر المثل "أنك تأخذ علي قدر ما وضعته"
وسؤالي هنا هو: "من يحاسب المدرس أو الأستاذ أو العميد أو حتي مدير الجامعه؟ وعلي أي أساس يكون حسابه؟" لم يكون للقصر الجمهوري الكلمة في التعيينات وعلي أي أساس؟ هل لأي من الشعب التساؤل؟"

وأخيرا أحب أن أقول أن حكامنا ألاعيب في أيدي الغرب، وبالأخص أمريكا. ما أهمية السعودية ودول الخليج؟ ... البترول. وما أهمية مصر أو دول الجوار في الشرق الأوسط؟ ... اسرائيل. ولو لم تكن اسرائيل لما كانت لنا أية أهمية. أمريكا حاربت في العراق وتكبدت خسائر في الأرواح وفي الأموال كل ذلك لارساء الديموقراطية بالعراق. وفي نفس الوقت أمريكا تصدر تقرير حقوق الانساب والذي يدين حكومة مصر ولكنها تغضي النظر مع علمها اليقين أن مصر تحكم ديكتاتوريا منذ قرون. ولو لم يكن الصلح بين مصر واسرائيل لما كانت المعونة "الشخصية" ولما كان الوضع الحالي.
وسؤالي هنا "ما هو الفرق بين نظام الحزب الواحد الذي تبناه عبد الناصر ونظام الحزب الحاكم حاليا؟"
كنت أتأمل في الأجهزة الحديثة في منزلي... الثلاجه، جهاز التليفزيون، جهاز تشغيل أقراص الأفلام والموسيقي، وجهاز التليفون اللاسلكي المحمول ... جميعها من أحدث طراز وأجود الأنواع؛ وجميعها مصنوعة في كوريا، بجانب السيارات التي بدأت تغزوا الشوارع في أمريكا! اني أتذكر في الخمسينات وأوائل الستينات عندما كنت أشاهد علي التليفزيون الشعب الكوري وهو محني في مزارع الأرز، وبعد حرب طاحنت دمرت فيها البلاد! أين كنا وأين كانوا ... وكيف أصبحنا وكيف أصبحوا...

اني أعتذر عن طول المقال راجيا عفوكم الكريم. وعذري هنا أنه ناتج عن ألم في صدري وقلبي ...ألم ناتج عن ضياع بلد حبيب شهدته من الثلاثينات الي الستينات وأسمع عن حالته المؤلمه الي الآن والتي تنحدر يوما بعد يوم. ويا صديقي العزيز ... أسألك ... ما هو الحل؟

ولنا الله تعا
لي عز وجل.

صديقك المخلص عوني   

اجمالي القراءات 4983