قصة من الواقع
العجوز التي فجرت قنبلة.

زهير قوطرش في السبت ٠٨ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً




قصة قصيرة ( العجوز التي فجرت قنبلة). حدثني بها أحد الاصدقاء قائلاً:



 العجوز التي فجرت قنبلة
حدثني صديقي قائلاً:
دعت جمعية اللادينين أعضائها وأصدقائها وبعض الحضور اللذين يهتمون بنشاط هذه الجمعية الى ندوة ، يلقي فيها البروفسور إيلكس محاضرة عن عدم وجود الله ، وهو  عالم متخصص بعلوم الفيزياء والفلك.
استمرت محاضرته لمدة ساعتين متواصلتين. لم يترك ما عنده من براهين علمية وغيرها إلا تحدث بها ، ليُدهش جمهوره الذي تعاطف معه ومع ارائه الإلحادية .وبعد ذلك طلب من الحضور المشاركة بالأسئلة أو الملاحظات. لم يتجرأ أحد  منهم بطلب الكلام ،لعلمهم بقدراته العلمية الفائقة ، ولما سكت الجميع ,شعر المحاضر بنشوة العزة والنصر ,كونه أستطاع التأثير على الحضور الذين صفقوا له طويلاً بعد إنهاء محاضرته ، لكن كما يقال  تجري الرياح بما لا تشتهي السفن , فجأة وقفت عجوز في العقد السابع أو يزيد من العمر،وطلبت الكلام... فرد عليها المحاضر بقوله،ولكن يا جدتي عليك أن تحضري الى المنصة إذا  شئت الكلام لأننا لا نملك ميكرفون متنقل!!! فردت العجوز لا باس يا أبني.... ،وبخطوات ثقيلة وبطيئة ولكنها واثقة تقدمت باتجاه المنصة الى أن اعتلتها.
وبصوت مرتجف قالت : أيها المحاضر صار لك ساعتين وأنت تبرهن لنا أنه لا وجود للخالق. أعطني من فضلك عشرة دقائق  فقط كي أحدثكم عن ألهي الموجود والذي أؤمن به إيماناً مطلقاً. رد عليها المحاضر وارتسمت على وجهه ابتسامة  فيها شيئاً من السخرية قائلا:...تفضلي ...
قالت العجوز  : كنت شابة  أيها الحضور الكريم متزوجة  من زوج فقير, لكني كنت أحبه لدرجة الجنون ,ووهبنا الله ولدين جميلين، وكان زوجي مثال الزوج الكريم ... يعمل كعامل بناء يتنقل من ورشة إلى أخرى .وفي أحد الأيام السوداء في حياتي  ، سقط  زوجي على رأسه وهو يثبت عوارض البناء ليموت فوراً. حمله أصدقائه أليَ ووضعوه في صدر الغرفة الوحيدة التي كنا نعيش فيها ، حياتنا كانت كحياة الغالبية العظمى من ابناء هذا الوطن ، بالكاد  كنا نستطيع تأمين حياتنا اليومية ,ولا معين لنا  آنذاك إلا الله  وعمل زوجي المرحوم "ابتسم المحاضر  ,فلاحظت العجوز ابتسامته ,وطلبت من التريث بالحكم عليها. ثم التفت إليه قائلة :  لا تستطيع أيها المحاضر أن تتصور حالتي كشابة مع طفلين لامعين لنا ..لا من أهلي.... ولا من أهله.. أي مقطوعين من شجرة كما يقال.... نظرت يومها  الى الجسد الممدد  أمامي بانتظار أصدقائه الذين ذهبوا لتحضير القبر وأجراء مراسم الدفن....  كاد قلبي  يتفطر من الحزن والخوف من المجهول وأنا أنظر  إلى  الجسد الميت تارة وإلى أطفالي تارة أخرى  ، ليشرد فكري بعد ذلك الى ماذا سيحدث معنا بعد الدفن ,  أي مصير مجهول ينتظرنا ..كيف سنعيش، ولا معين لنا.... فقدت في هذه اللحظة كل أمل ,لكني تذكرته فوراً ,تذكرت الذي خلقني وخلق أولادي...في  الحال رفعت يداي إليه  إلى  إلهي  وإلهكم وخالق كل شيء  ،وخاطبته والدموع تسيل من عيناي  وقلت له: يا رب توفيت زوجي ،وفقد أولادي معينهم وأبوهم ،فكن أنت معينهم وأبوهم.... فقدت زوجي ومعيني فكن أنت معيني يا رب.... وارتميت على وجهي وصرت أشد على شعري ,وأمزق ثوبي ,كل ذلك حدث بدون شعور... في هذه اللحظة  صدقوني شعرت بالنور يملئ قلبي ، وأصابني إحساس بطمأنينة و سعادة  لم اشعر بها  على مدى حياتي كلها. وكأن يد العناية الإلهية وضِعت على قلبي فصرت حائرة مابين الشك واليقين .هل أنا في حلم أم في وهم .. جاءت  بعد ذلك جموع المعزين من الجيران ،وكنت أسمع كلمات التعزية وكأنها تدخل من أذني لتخرج من الأخرى ,وصرت وكأني في عالم أخر عالم الطمأنينة...
 أيها المحاضر لا يمكنك أن تتصور كم ساعدني إلهي خالق كل شيء في محنتي ... لم يتركني لحظة بدون مساعدة، كنت أحيانا بعد وفاته أي في الأيام الأولى لا أدري من أين لي أن أطعم أولادي ولا شيء عندي  ، تصور أيها المحاضر كيف كان يُقرع باب البيت من قبل أناس لا أعرفهم وقد حملوا لي احتياجاتي وأكثر من الأكل واللباس وغير ذلك ,حتى أجرة البيت كانوا يدفعونها ولا أدري من يفعل ذلك  ، الى أن جاءني رجل كريم ، صدقني ما رأيته يوماً في حياتي ،وقال لي يا أختي لا خوف عليك وعلى أطفالك ،فقد خصصت لكم مبلغاً شهريا يكفيك أنت والأطفال إن شاء الله حتى يكبروا ويعتمدوا على أنفسهم ويكونوا سندا لك إن شاء الله .. لا تتصور أيها المحاضر كم هو كريم هذا الرب . تقربت إليه أكثر بالصلاة والشكر الدائم ،ولما لا..... أنه عوضني ووهبني طيلة هذا العمر  من سعته  وحبه ورحمته الشيء الكثير ,وجعلني أشعر بسعادة  ما بعدهما  سعادة .... والآن :  كما ترى أيها المحاضر فأنا عجوز , كبر أولادي وصار عندي أحفاد ،هل تتصوروا أنه تخلى عني بعد ذلك ... أبدا أيها المحاضر ،لقد أعطاني أيضاً الأمل بالحياة الأخرى التي انتظرها بشوق . والآن أسالك  بالله عليك ....أيها المحاضر  الكريم هذا ما فعله ألهي معي ... قلي بالله عليك ماذا فعل ألهك لك؟ فرد المحاضر بسخرية... أخ هكذا هن العجائز لن  نستطيع أن نأخذ منهن أيمانهن البسيط.... واستمر بالضحك والسخرية .... التفت العجوز وبنبرة حادة قائلة ،أيها المحاضر لا تتهرب من سؤالي  أرجوك ... وقل لي بوضوح أمام هذا الجمع هذا ما فعله ربي وخالقي وحبيبي الذي لم ينساني أبداً  معي... ماذا فعل ألهك  الذي تدَّعيه معك.... صمت المحاضر، وبسرعة شكر الحاضرين وانصرف من الباب الخلفي ...اتجهت العجوز الى مكانها وهي تردد ،اللهم أهديهم أليك فأنهم لا يعلمون.
تابع صديقي قصته قائلاً: كنت أود لو كنت معي لترى ماذا جرى في القاعة ، انقسم الحضور الى مجموعات ،وبدأ النقاش بين مؤيد لما قالته هذه العجوز وبين رافض, هذا التفاعل أحدثته القنبلة الفكرية التي ألقيت في القاعة ، شكرت صديقي على هذه القصة الواقعية والتي حدثت بالفعل. وقلت له يا صديقي أترى معي كم نحن بحاجة إلى دعاة عجائز من هذا النوع ، هؤلاء الذين مروا بتجارب شخصية عمقت فيهم روح الإيمان  العفوي وهم قادرون علي تفجير قنابل  فكرية إيمانية هنا وهناك ، قنابل  ، تحتوي على متفجرات من التجارب الشخصية الإيمانية. تصور معي لو أن هذه العجوز آنذاك قاومت الإلحاد بتفجير قنبلة حقيقية في وسط ذلك الحشد ... كيف برأيك ستكون النتائج.... قال لي ...بدون تعليق. وتابع قوله : هذه القنابل الفكرية نحن بالفعل بأمس الحاجة إليها في مجتمعاتنا  العربية والإسلامية ، التي بغالبيتها تؤمن أيمان وراثة ، إيمانا شكلياً لا مضمون فيه ، ابتعدوا  عن كتب الله ووصايا رسله وقيمه الأخلاقية  . وابتلت الأمة بعلماء قتلت فيهم الإبائية والتقليد  روح التجديد ، فصارت قنابلهم الفكرية قديمة ومستهلكة محتوى موادها التفجيرية ، أوهام وتقولات  لا تغنيها تجارب حياتية واقعية.
اجمالي القراءات 12878