إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر

يحي فوزي نشاشبي في السبت ٠٤ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

سلطــــان الجــدال

(( إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير )). 56 - غافر –

أرجو أن يشاركني غيري في تدبر هذه الآية في سورة غافر لعلنا نوفق معا إلى فهم مصيب .

الفهم الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو أن الجدال في آيات الله ينبغي أن يكون لغرض نزيه سليم برئ ولأجل تقصي الحقيقة لا غير وللوصول إلى الغرض الذي يقصده الله في آياته القرآنية المنزلة في تلك الليلة المباركة .

وبالمقابل فإن أي جدال آخر يe;فتقر إلى ما ذكر أعلاه يصبح جدالا أجوف لا سند له ولا عمد ويصبح بغير سلطان وبغير حجة ولكنه يكون حتما نابعا عن كبر، والمجادل عن كبر طالما كان ينظر بدون أن يرى حقا ولا صوابا .

وبالتالي فإذا كان الجدال في آيات الله ومن أي طرف كان ، إذا كان لأجل إقحام الطرف المقابل أو إفحامه وإذا كان بدون بذل الجهد للعمل بتلك الآية أو ببعضها فإن كل ما يؤدي إلى عدم العمل بالآية يعتبر جدالا عقيما لا طائل من ورائه. وعندما يكون ذلك كذلك فإن أي حديث أو رواية أو قول أو موقف أو تصرف منسوب إلى الرسول محمد عليه الصلاة أو إلى غيره من الصحابة أو التابعين إذا جاء صادا عن ذكر الله وعن آياته المبينة ومصطدما بمشيئة الله الواردة في حديثه المنزل ، إن أي شئ من ذلك سيدرج حتما في الجدال بآيات الله بغير سلطان .

وإذا كان هناك فهم أوسع أو أعمق أو مغاير فسيكون الدال عليه ذا سعي مشكور بإذن الله .


41)) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفــروا
(( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم . لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم . لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين . إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون .)) 5 + 6 + 7 + 8 + 9 – الممتحنة –


إن ما أثار اهتمامي في هذه الآيات الخمسة في سورة الممتحنة موضوعان اثنان يظهر أنهما هامان جدا إلى درجة خطيرة ، وإن ما أرجوه من وراء إثارتهما والتعليق عليهما حسب رأيي وبكل تواضع هو أن لا يبخل علينا المهتمون من أولي الألباب بمزيد من التوضيح مشكورين :

الموضوع الأول : هو كيف يصل الأمر بالمسلمين المؤمنين إلى أن يدعوا الله العلي القدير ويروجه حتى لا يجعلهم هم سبب فتنة للذين كفروا ؟
نعم إن هذا الدعاء محير ، وإن سبب الحيرة هو في تصور المؤمن وكيف يمكن أن يخطئ ويذنب ويعصي الله بتحوله إلى فتنة للذين كفروا ؟ وكيف يندم ويطلب المغفرة من ربه العزيز الحكيم ؟ ( الآية : 5- الممتحنة ).

وقد شاءت الصدف أن اطلع على رأي الكاتب المستشار محمد سعيد العشماوي الذي أورده في كتابه : جوهر الإسلام – الناشر : سينا للنشر – طبعة ثالثة 1993 – صفحة 144 وصفحة 145. حيث قال : ( ففي عالم اليوم 1000 مليون صيني ، 600 مليون هندي ، 200 مليون روسي ، 100 مليون ياباني ، 200 مليون أمريكي ، 400 مليون أوروبي ، وآلاف الملايين في شرق آسيا وإفريقيا وباقي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية ، وهؤلاء جميعا لم تصلهم دعوة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يمكن أن يصلوا هم إليها لجهلهم باللغة العربية : لغة القرآن وإن وصلتهم فلن تصلهم كما أراد الله لها أن تكون ، بل قشورا ونثارا ومذاهب مختلفة وصيغا جامدة وآراء قديمة وألفاظا ضخمة وصراعات لم تنته وخلافات لم تحسم ، وبذلك فسوف يفتنون فيها بسوء تقديمنا لها وبما يروننا عليه من تخلف وخلاف وجمود وتحزب . فلقد جاء في القرآن : - ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا - سورة الممتحنة 60 : 5 - أي رب لا تجعلنا سيئي الخلق فارغي العقل، متخلفين متفرقين ، متعصبين ، حتى لا يفتتن بحالنا الذين كفروا ، فلا يستطيعون معرفة الحق عن طريقنا ، ويقولون لو كان هؤلاء على الحق ما صار حالهم هكذا .).

الموضوع الثاني : يكمن في ذلك التوجيه الذي يوحي للمتلقين بأن الله بعث محمدا حاملا رسالة متسمة بروح السادية القاسية العنيفة التي تتغذى بمطاردة الناس أو هي عبارة عن سيف مشهر ومسلط عليهم فما عليهم إلا أن يسلموا إذا أرادوا أن يسلموا ويفلتوا من ذلك الشبح الذي يلقي عليهم بظلاله القاتمة ويتربص بهم في كل مكان وزمان .

وأنا واثق في أن الفهم الذي يرتاح إليه الكثيرون سواء كانوا من أهل الكتاب أو أهل آخر كتاب أو من غيرهم أو حتى من الملحدين ، هـو ذلك الفهم الذي تشير إليه الآيات 7، 8 ، 9 ، في سورة الممتحنة ، تلك التي توصي المسلمين المؤمنين بما جاء في القرآن وهو الالتزام بالبر والقسط إزاء الناس ، جميع الناس بما فيهم أو لاسيما الذين لم يقاتلوهم في الدين ولم يخرجوهم من ديارهم ولأمر ما أكد الله قائلا بأنه يحب المقسطين .
وأبقى واثقا في أن الفهم الذي يشاركني فيه العديدون هو أن جوهر الرسالة التي كلف الله بها عبده ورسوله محمدا هو : لأجل إلغاء أي إله مهما كان نوعه واستثناء الإله الوحيد الواحد الصمد خالق كل شئ ، وبالتالي جاء محمد شارحا ومبلغا للعالمين أن فحوى الرسالة التي كلفه الله بها هو فضح أي إله مهما كانت طبيعته وتسليط الضوء عليه وتصفيته تصفية كاملة شاملة وتطهير العالم من ذلك وتعقيمه حتى تتربع الحرية وتغطي كل شئ في العالمين وليتسنى لكل مخلوق أن يؤمن بالله أو يكفر به وهو حر طليق وحتى يسترد الفجور والتقوى مكانتهما الحقيقية وحتى تتألق الآيات 7، 8 ، 9 ، 10 في سورة رقم 91 .
هذا مجرد غيض من فيض . والرجاء هو المزيد من التعليق من أولي الألباب إن تأييدا أو تصحيحا ما دام الأهم في الأمر هو الجهاد في الله والطمع في أن يهدينا سبله .


اجمالي القراءات 28261