الثوابت الدينية

آية محمد في الإثنين ٢٣ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

     بالرغم من تحفظي على بيانهم الأخير، أقدم التحية لجريدة شباب مصر والقائمين عليها ورئيس تحريرها الأستاذ أحمد عبد الهادي لحمايتهم لسمعتهم من سهام عبدة التراث وعقيمي الفكر. فلقد قامت جريدة شباب مصر الإلكترونية بإصدار بيان بمنع أي كتابات تتناول الثوابت الدينية بأي شكل من الأشكال. وبالرغم من عدم تحديدهم لماهية تلك الثوابت والتي تتختلف من شخص لآخر، إلا إنني أقدم لهم التحية لأن قرارهم جاء لدرايتهم العالية بعقلية الشعب المصري والذي يعجز غالبيته عن تقبل الرأي الآخر، ويفشل فى مقارعة الحجة بالحجة ويجادل الكلمة بالسب واللعن. ونتيجة لهذا العجز العقلي ساد الهرج والمرج وقلة الأدب من البعض الذين رأوا فى مخالفينهم صورة لشياطين الإنس. وجاء القرار خوفا على سمعة الجريدة وسمعة الحزب والذي سيتضرر نتيجة للتفكير الجماعي العقيم لدى الغالبية المصرية .

    وبالرغم من إيماني بحرية الفكر وإبداء الرأي بلا أي قيود أو شروط أو رقابة إلا إنني لا ألوم على الجريدة قرارها بل أحترمهم واقدر ظروفهم وأحييهم على مواقفهم السابقة. إن غالبية الشعب المصري لازال قاصر الفكر قابع فى القرن الثامن الميلادي لا يستطيع الخروج من عباءة السلف؛ وبالتالي يخسر دائما المفكر أو المثقف أو المبدع أرضيته ويضطهد فى بلده ويكفر مما يضطره إلى الهجرة أو العزلة أو الصمت. وهذا هو سبب إصدار الجريدة لبيانهم المبهم حيث إنهم خافوا من خسارة أرضيتهم وسمعتهم. الإبداع لا يظهر ولا يثمر إلا فى حماية قيادة فطنة ديمقراطية، وقد كنت أأمل أن يكون حزب شباب مصر قيادي الأهداف ولكن يبدو إنهم فضلوا الإنضمام إلى ثقافة الإنقياد العاجزة عن إحداث التغيير أو ترسيخه فى عقول الشباب المصري. ومرة أخرى أتفهم موقفهم وأقدره، ولكن لن تقوم لمصر أبدا قائمة إلا بقيادة ديمقراطية تؤمن وتحث على التغيير ولا تخاف مما يسمونه بالثوابت الدينية التي أطعمت الشعب "سد الحنك"!.

    إن الثوابت الدينية تعبير غير محدد ويختلف من مذهب إلى مذهب ومن بلد إلى بلد ومن شخص إلى شخص. فثوابت السعودية الدينية ليست هي ثوابت مصر وثوابت الشيعة الدينية ليست هي ثوابت السنة وثوابت الفرد المصري الدينية تختلف من طبقة لطبقة ومن مسلم لآخر. ولكن الجميع يشتركون فى الثوابت التالية:
• وحدانية الله،
• ملائكته،
• كتابه المفصل قرآنا مع غير ذي عوج،
• رسله إبتداءا من نوح عليه السلام إلى الرسول محمد (ص) خاتم الأنبياء
• المحرمات التي حرمها الله فى كتابه المحكم
• الحدود التي وضعها الله فى كتابه المفصل
• المناسك الإسلامية التي أوصانا بها الله وعلمنا إياها رسوله الكريم من صلاة وزكاة وحج وصيام.
تلك هي الثوابت المتعارف عليها فى كل العالم الإسلامي ولا يختلف عليها مسلمان حتي وإن كان أحدهم مهملا فى تطبيق شرائع الله.

    لا أعتقد أن أحدا من الكتاب المسلميين المفكرين من القرآنيين والعلمانيين – الذين يكتبون على الجريدة الشبابية – قد تناول أي من تلك الثوابت بأي شكل غير لائق أو شكك فيهم وفى صحتهم. فكلنا والحمد لله نقر ونشهد أن الله واحد لم يلد ولم يولد ونشهد أن محمد عبده ورسوله. وكلنا والحمد لله نؤمن بملائكة الله وكتبه وقرآنه. وأتمنى أن يكون الجميع محافظا لحدود الله ولا يقرب ما حرمه الله. ولكن البعض يصر على خلق ثوابت دينية لتحجيم العقل واللسان وللإبقاء على الوضع المأساوي الراهن للأمة الإسلامية. فلا يخفى على أحد منا أن أمة الإسلام تعاني من الديكتاتورية والجهل والهمجية وكل هذا نتاج طبيعي للثوابت الدينية التي إبتدعها الطامعين فى الخلافة والولاية ووضعوا لها السدنة والحراس للتأكد من إستمرارية الإنحدار الفكري والإجتماعي والإقتصادي فى بلادنا. فسمو الفكر والعلو الإجتماعي والإقتصادي مرتبط بالديمقراطية، والديمقراطية لا تتماشى مع أهداف الباحثين عن الملك والخلافة الأبدية لذريتهم، وبالتالي ومن الضروري التأكد من أن الشعب متخلف معدم فقير لا يفكر إلا فى لقمة العيش وضمانها لأولاده وينسى بذلك كرسي الخلافة ولا يتطرق عقله لوهلة إليه.

    لضمان إنحدار الفرد العربي المسلم خلقوا لنا ثوابت تشل العقل والفكر. فعلى سبيل المثال لا الحصر، على الشعب أن يخاف الله ويعرف أن الحاكم هو خليفة الله فى الأرض وله على رعيته الطاعة ولو ألهب ظهورهم بالسياط وأخذ أموالهم وشرد أطفالهم. هكذا تقول الثوابت الدينية التي وضعها السدنة والتي غضب الغافلون لنقد البعض لها. على الشعب أن يعرف إنه لو عاش غنيا مترفا سيكون سبيله جهنم وبئس المصير. فالفقراء هم أول من سيدخل الجنة لأنهم تعذبوا فى الأرض ولو كانت قلوبهم مليئة بالحقد والغل والكسل والتكاسل. على الشعب أن يدرك أن كل من عاش مترفا منعما مصيره النار ولهذا أعطى الله "للقردة والخنازير" عز الدنيا حتى يحرقوا بنار الآخرة. هكذا علمتنا الثوابت الدينية التي وضعها حراس الكرسي لحماية خليفة الله فى الأرض وللتأكد من أن رعيته جياع مرضى لا يقوى عقلهم على العمل والتفكر والتساؤل عن حقوقهم وحقوق أولادهم.

    تلك هي الثوابت المفبركة وأمثلتها كثيرة. تلك هي الثوابت التي بسببها نقدس شخصية تراثية تاريخية مثل معاوية. فلقد وضع له السدنة والكهنة روايات مدح وتبجيل منسوبة إلى نبي الله؛ فتغاضينا عن معاداته لعلي بن أبي طالب وتسببه فى سفك دماء أكثر من 70 ألف مسلم فى موقعة صفين، وتوريثه الحكم لإبنه يزيد، ولازلنا نقول أن الله رضي عنه. وهل أوحى لكم الله إنه رضي عنه أم إنكم تدعون على الله الكذب؟ هل كان معاوية من أوائل المهاجرين والأنصار حتي تقولوا أن الله رضي عنه مثل أوائل المسلميين الذين أخرجوا من ديارهم على يد أبو معاوية؟ الله أعلم إن كان رضي عنه أم لم يرضى فهذا شأنه جل وعلا مع عبده، ما يعنينا نحن هو مبالغتنا فى تقديس الأفراد لدرجة وصلت إلى درجة تقديس كل حاكم أو زعيم يحكم بلادنا حتي إن كان ظالما فاجرا يقتل ويسجن كيفما شاء.

    إن من يحب إسلامه وبلده سيقوم من هذه الغيبوبة المسماه بالثوابت الدينية. الثوابت الدينية معروفة فلا تحشروا معها ما لم يكن متعارفا عليه فى عهد رسول الله. لا تخرسوا الألسنة بحجة الثوابت الدينية، لا تضعوا رؤوسكم فى الرمال بحجة الثوابت الدينية، لا ترهبوا المبدع بحجة الثوابت الدينية، لا تعتقلوا الإنسان بحجة الثوابت الدينية، لا تقتلوا المدنية بحجة الثوابت الدينية.

    الدين الإسلامي أعظم بكثير من الثوابت التي إبتدعتوها... صدق المتنبي عندما قال أن غاية الدين عندنا هو حف الشارب!!!! يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!!!

اجمالي القراءات 30539