مسلسل الحُمق في ذرية (على بن أبى طالب ) : فشل ثورة إبراهيم ومقتله عام 145

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٩ - أكتوبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

مسلسل الحُمق في ذرية (على بن أبى طالب ) : فشل ثورة إبراهيم ومقتله عام 145

مقدمة :

1 ـ  في نفس السنة شارك إبراهيم أخاه محمدا النفس الزكية ثورته وحُمقه وخيبته ، وفى النهاية قتلوه وقطعوا رأسه وطافوا بها تماما كما فعلوا مع أخيه .

2 ـ حُمق إبراهيم كان أكبر من حُمق أخيه محمد لأن إبراهيم توفرت له من أسباب القوة ما لم يتوفر لأخيه بسبب الموقع في العراق حيث الوفرة من الرجال ومن المؤن والعتاد ، ومن حيث إقترابه من الكوفة عاصمة العباسيين وقتها ، وهى مليئة بالشيعة أعداء أبى جعفر المنصور ، وكان أبو جعفر وقتها في قليل من الجنود ، وأغلب جنوده قد بعثهم الى المدينة وغيرها . حُمق إبراهيم أضاع عليه إستغلال كل الفرص المُتاحة له ، فانهزم وفقد رأسه ، وطيف بها في الآفاق كما فعلوا برأس أخيه .

3 ـ ونعطى لمحة عن ثورة إبراهيم وفشله .

تحركاته الأولى في البصرة

1 ـ جاء للبصرة في مستهل رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، بعثه أخوه إليها بعد ظهوره بالمدينة‏.‏  إختفى في دار الحارث بن عيسى، من بني ضبيعة ، وكان لا يراه أحد بالنهار، وتنقل في دور أخرى ، منها يحيى بن زياد بن حسان النبطي، و دار أبي فروة.

2 ـ أول من بايعه‏:‏ نميلة بن مرة، وعبد الله بن سفيان، وعبد الواحد بن زياد، وعمر بن سلمة الهجيمي، وعبيد الله بن يحيى بن حصين الرقاشي‏.‏ وجمعوا له الأنصار ( فبايعه كثيرون ، واستفحل أمره، تفاقم الخطب به. ) ( وكان ديوانه قد أحصى مائة ألف،)   

3 ـ وخرج إبراهيم ليلة الاثنين لغرة شهر رمضان من سنة خمس وأربعين ، فصار إلى مقبرة بني يشكر في بضعة عشر فارسًا ، فاستولى على دواب وأسلحة لوالى البصرة (سفيان بن معاوية ) ، وصلى بالناس الغداة بالمسجد الجامع ، وتحصن والى البصرة في الدار ، ثم طلب الأمان ، فأجيب له .وحبسه في القصر ، وقيده قيدًا خفيفًا‏.‏ ووجد ببيت المال ستمائة ألف، ففرّق على أصحابه لكل رجل خمسين . ووجه رجلًا إلى الأهواز فبايعوا له ، وهزم إبراهيم والى الأهواز ، وجاء مدد من العباسيين لنجدة والى البصرة من ستمائة رجل يقودهم جعفرً ومحمدًا ابني سليمان بن علي ، فهزمهما إبن المضاء بن جعفر في ثمانية عشر فارسًا وثلاثين راجلًا .   وصارت البصرة والأهواز وفارس في سلطان إبراهيم ،  وظل إبراهيم مقيمًا بالبصرة يبعث بالولاة في النواحي ويوجه الجيوش إلى البلدان ، حتى أتاه نعي أخيه محمد ، فأخبر الناس بذلك فازدادوا بصيرة في قتال أبي جعفر المنصور‏.‏

موقف المنصور

1 ـ كان في قلّة من الجنود . حين بلغه الخبر قال : (  والله ما أدري ما أصنع . ما في عسكري سوى ألفي رجل ، فرقت جندي مع المهدي، بالري ثلاثون ألفًا ، ومع محمد بن الأشعث بإفريقية أربعون ألفًا ، والباقون مع عيسى بن موسى‏.‏ والله لئن سلمت من هذا لا يفارق عسكري ثلاثون ألفًا‏.‏) ‏( ولم يبق مع المنصور سوى ألفي فارس‏.‏)

 2 ـ ثم أرسل يستدعى قواده وجنوده . ( كتب إلى عيسى‏:‏ إذا قرأت كتابي هذا فأقبل ودع ما أنت فيه‏.‏ فلم يلبث أن قدم فبعثه على الناس ، وكتب إلى سالم بن قتيبة فقدم عليه من الري فضمه إلى جعفر بن سليمان ، وكتب إلى المهدي يأمره بتوجيه خازم بن خزيمة إلى الأهواز فوجهه في أربعة آلاف من الجند .)  (فوصلها وقاتل المغيرة، فرجع المغيرة إلى البصرة، واستباح خزيمة الأهواز ثلاثاً)(   واستباح خزيمة الأهواز ثلاثاً)

3 ـ وكان المنصور وقتها في حال بائس . تقول الروايات :

3 / 1 :( وتوالت على المنصور الفتوق من البصرة والأهواز وفارس وواسط والمدائن والسواد، وكان إلى جانب إبراهيم أهل الكوفة في مائة ألف مقاتل .)

3 / 2 :( وبقي المنصور على مصلاه خمسين يوماً ينام عليه، ويجلس عليه، وعليه جبة ملونة قد اتسخ جيبها لا غيرها ولا هجر المصلى، إلا أنه كان إذا ظهر للناس لبس السواد، فإذا فارقهم رجع إلى هيئته. وأهديت إليه امرأتان من المدينة، إحداهما فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله، والأخرى أم الكريم ابنة عبد الله من ولد خالد بن أسيد، فلم ينظر إليهما، فقيل له: إنهما قد ساءت ظنونهما. فقال:" ليست هذه أيام نساء ولا سبيل إليهما حتى أنظر رأس إبراهيم لي أو رأسي له . " )

3 / 3 :( وكان قد أعد دواب وإبلًا فإن كانت الكرة عليه خرج للري‏.‏) أي أعد وسيلة للهرب لو انتصر إبراهيم .

4 ـ تحركات مُضادة لأبى جعفر المنصور:

4 / 1 : وقتها كان المنصور يؤسّس مدينة بغداد ، فتحوّل عن موقعها الى الكوفة التي كانت عاصمة له . وكان يبعث عملاءه يقتلون كل من يشتبهون به أن هواه مع إبراهيم .

4 / 2 : كانت الوفود تأتى الى البصرة لمناصرة إبراهيم ، فأرسل أبو جعفر المنصور كمائن تقتلهم في الطريق ، ثم يعلّق رءوسهم في الكوفة لإرهاب أهلها.

4 / 3 : إستدعى القائد حرب الراوندي، وكان مرابطاً بالجزيرة في ألفي فارس لقتال الخوارج ، فأقبل بمن معه ، وفى الطريق تقاتل مع أهل قرية من أتباع إبراهيم، فقتل منهم خمسمائة وأرسل برؤوسهم إلى المنصور‏. ‏فقال‏:‏ هذا أول الفتح‏.‏)  

4 / 4 : ( وكان يأمر بالنيران الكثيرة فتوقد ليلاً، فيحسب الناظر إليها أن ثمَّ جنداً كثيراً‏.‏)

  المواجهة الحربية

1 ـ رواية موجزة تقول : ( وكان قد أحصى ديوان إبراهيم من أهل البصرة مائة ألف، فالتقى عيسى وإبراهيم فاقتتلوا قتالًا شديدًا ، إلى أن جاء سهمٌ غائر لا يدرون من رمى به ، فوقع في حلق إبراهيم، فنحُّوه عن موضعه وقال‏:‏ أنزلوني‏.‏ فأنزلوه وهو يقول‏:‏" أردنا أمرًا وأراد الله غيره "، فأنزل وهو مثخن ، واجتمع عليه أصحابه يقاتلون دونه ،  فشدوا عليهم فخلصوا إليه، فجزُّوا رأسه ، فأتوا به عيسى ، فسجد ، وبعث به إلى أبي جعفر فقال‏:‏ والله لو كنت لهذا كارهًا ولكني ابتليت بك وابتليت بي‏.‏ فنصبه في السوق وكان قتله يوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين وكان يوم قتل ابن ثمان وأربعين سنة‏.‏ ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام‏.‏ )

2 ـ روايات تفصيلية :

2 / 1 : ( وأقبل الجيشان فتصافوا في باخمرى،  وهي على ستة عشر فرسخاً من الكوفة، فاقتتلوا بها قتالاً شديداً ، فانهزم حميد بن قحطبة بمن معه من المقدمة، فجعل عيسى يناشدهم الله في الرجوع والكرة فلا يلوي عليه أحد، وثبت عيسى بن موسى في مائة رجل من أهله، فقيل له‏:‏ " لو تنحيت من مكانك هذا لئلا يحطمك جيش إبراهيم‏."، فقال‏:‏ " والله لا أزول منه حتى يفتح الله لي، أو أقتل هاهنا . " . ثم اجتلدوا هم وأصحاب إبراهيم فاقتتلوا قتالاً شديداً، وقتل من كلا الفريقين خلقٌ كثيرٌ، ثم انهزم أصحاب إبراهيم وثبت هو في خمسمائة‏. وقيل‏:‏ في أربعمائة‏. وقيل‏:‏ في تسعين رجلاً‏. ).

2 / 2 : ( فاقتتل الناس قتالاً شديداً وانهزم حميد بن قحطبة وانهزم الناس معه، فعرض لهم عيسى يناشدهم الله والطاعة فلا يلوون عليه. فأقبل حميد منهزماً، فقال له عيسى: " الله الله والطاعة!" فقال: " لا طاعة في الهزيمة!" ومرّ الناس فلم يبق مع عيسى إلا نفر يسير، فقيل له: " لو تنحيت عن مكانك حتى تؤوب إليك الناس فتكُرّ بهم. " فقال: " لا أزول عن مكاني هذا أبداً حتى أُقتل أو يفتح الله على يدي، والله لا ينظر أهل بيتي إلى وجهي أبداً وقد انهزمت عن عدوهم!" وجعل يقول لمن يمر به: " أقريء أهل بيتي السلام وقل لهم لم أجد فداً أفديكم به أعز من نفسي وقد بذلتها دونكم! " فبيناهم على ذلك لا يلوي أحد على أحد إذ أتى جعفر ومحمد ابنا سليمان ابن علي من ظهور أصحاب إبراهيم، ولا يشعر باقي أصحابه الذين يتبعون المنهزمين حتى نظر بعضهم فرأى القتال من ورائهم فعطفوا نحوه، ورجع أصحاب المنصور يتبعونهم، فكانت الهزيمة على أصحاب إبراهيم، فلولا جعفر ومحمد لتمت الهزيمة، وكان من صنع الله للمنصور أن أصحابه لقيهم نهر في طريقهم فلم يقدروا على الوثوب ولم يجدوا مخاضة، فعادوا بأجمعهم، وكان أصحاب إبراهيم قد مخروا الماء ليكون قتالهم من وجه واحد، فلما انهزموا منعهم الماء من الفرار، وثبت إبراهيم في نفر من أصحابه يبلغون ستمائة، وقيل أربعمائة، وقاتلهم حميد وجعل يرسل بالرؤوس إلى عيسى، وجاء إبراهيم سهمٌ عائر فوقع في حلقه فنحره، فتنحى عن موقفه وقال: أنزلوني، فأنزلوه عن مركبه  ....واجتمع عليه أصحابه وخاصته يحمونه ويقاتلون دونه، فقال حميد بن قحطبة لأصحابه: " شُدُّوا على تلك الجماعة حتى تزيلوهم عن موضعهم وتعلموا ما اجتمعوا عليه. "؛ فشدوا عليهم فقاتلوهم أشد قتال حتى أفرجوهم عن إبراهيم ، ووصلوا إليه وحزُّوا رأسه  ، فأتوا به عيسى، فأراه ابن أبي الكزام الجعفري فقال:" نعم هذا رأسه ". فنزل عيسى إلى الأرض فسجد وبعث برأسه إلى المنصور. ) ( وكان قتله يوم الأثنين لخمس ليالٍ بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة، وكان عمره ثمانياً وأربعين سنة، ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام.قال أبو نعيم الفضل بن دكين‏:‏ كان مقتل إبراهيم في يوم الخميس لخمس بقين من ذي الحجة من هذه السنة‏.)‏

رأس إبراهيم

العثور على جثة إبراهيم : تقول رواية:( استظهر عيسى بن موسى وأصحابه، وقتل إبراهيم في جملة من قتل ، واختلط رأسه مع رؤوس أصحابه، فجعل حميد يأتي بالرؤوس إلى عيسى بن موسى حتى عرفوا رأس إبراهيم فبعثوه مع البشير إلى المنصور . )

الروايات المختلفة عن موقف المنصور من رأس إبراهيم  :

1 ـ ( ولما جيء بالرأس تمثل المنصور ببيت معقر بن أوس بن حمار البارقي‏:‏

فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قرَّ عيناً بالإياب المسافر )

2 ـ (  وحُمل رأس إبراهيم إلى المنصور فوضع بين يديه، فلما رآه بكى حتى خرجت دموعه على خد إبراهيم ثم قال: أما والله إني كنت لهذا كارهاً! ولكنك ابتليت بي وابتليت بك! ثم أمر بالرأس فنصب بالسوق‏.)

  الروايات عن موقف أصحاب المنصور من رأس إبراهيم :

1 ـ ( ثم جلس( المنصور )مجلساً عاماً وأذن للناس. فكان الداخل يدخل فيتناول إبراهيم ويسيء القول فيه ويذكر فيه القبيح التماساً لرضاء المنصور، والمنصور ممسك متغير لونه، حتى دخل جعفر بن حنظلة الدارمي فوقف فسلم ثم قال: "أعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك، وغفر له ما فرط فيه من حقك! " ، فأسفر لون المنصور وأقبل عليه وقال: يا أبا خالد مرحباً ها هنا! فعلم الناس أن ذلك يرضيه، فقاتلوا مثل قوله)

2 ـ ( وقيل: لما وضع الرأس بصق في وجهه رجل من الحرس، فأمر به المنصور فضرب بالعمد فهشمت أنفه ووجهه، وضرب حتى خمد، وأمر به فجروا رجله فألقوه خارج الباب.)

أخيرا : حُمق إبراهيم

 تجلى حُمق إبراهيم في تردده ورفضه النصائح . ونعطى أمثلة :

1 ـ  أضاع فرصة هائلة ؛ كان لديه مائة ألف مقاتل ، كان يستطيع أن يهزم بهم المنصور وقت أن كان في جنود قليلين ، : نصحه بعضهم فقال : "‏ إنك قد اقتربت من المنصور فلو أنك سرت إليه بطائفة من جيشك لأخذت بقفاه فإنه ليس عنده من الجيوش ما يردون عنه‏." رفض  .

2 ـ نصحه بعضهم أن يهاجم عيسى ليلا وفجأة ، فرفض قائلا : " أكره البيات إلا بعد الإنذار."

3 ـ رفض نصيحة بأن يجعل جيشه مقسما الى ( كراديس ) ، تقول الرواية : ( ثم إنهم تصافوا، فصف إبراهيم أصحابه صفاً واحداً، فأشار عليه بعض أصحابه بأن يجعلهم كراديس، فإذا انهزم كردوس ثبت كردوس، فإن الصف إذا انهزم بعضه تداعى سائره. فقال الباقون: لا نصُفُّإلا صفّأهل الإسلام، يعني قول الله  (إنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيِلِهِ صَفّاً) الصف 4 ). أخذ إبراهيم برأيهم ، ونسى قول الله جل وعلا  : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16 ) الأنفال )

4 ـ  عندما هزموا جيش المنصور في البداية منع إبراهيم جنوده من تعقبهم ، تقول الرواية : ( كان سبب انهزام أصحابه أنهم لما هزموا أصحاب المنصور وتبعوهم ونادى منادي إبراهيم: ألا لا تتبعوا مدبراً! فرجعوا، فلما رآهم أصحاب المنصور راجعين ظنوهم منهزمين فعطفوا في آثارهم، وكانت الهزيمة. ).

اجمالي القراءات 2154