مسلسل الحُمق في ذرية (على بن أبى طالب ) : ثورة يحيى بن زيد

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٣ - أكتوبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 مسلسل الحُمق في ذرية (على بن أبى طالب ) : ثورة يحيى  بن زيد  

مقدمة :

شهد ( على زين العابدين ) مصرع أبيه الحسين ومعظم أهله في كربلاء ، ورأى قبلها كيف رفض أبوه نُصح الناصحين وتسبّب في مذبحة كان يمكن تفاديها . إتّعظ ( على زين العابدين ) بهذه المأساة ، وتفرّد بشخصية مختلفة عن جده وأبيه . ( زيد بن على زين العابدين ) سار على طريق جده الحسين ، رفض نُصح الناصحين وأعطى الفرصة لمن خدعه بالوعد ، وثار ولقى مصرعه . كان إبنه يحيى مرافقا له في ثورته ورأى جثته ، وشهد مواراته في قبر مجهول خشية أن يعثر عليه الأمويون ، ولكن عثر عليه الأمويون فصلبوا الجسد بدون رأس  .  لم يتّعظ يحيى بما شاهد . ما عدا الوالى يوسف بن عمر الثقفى فلم يتعرض الأمويون ليحيى ، تركوه يختبىء وكان يمكنهم العثور عليه ، ولكن مدُّوا له يد المُسالمة وأعطوه مالا ، وأن يقابل الخليفة ، لكنه راوغهم ، وانتهى أمره بالثورة ثم بالقتل. هذا يؤكد أنه سار بإخلاص على طريق الحُمق الذى سار فيه (على ) و ( الحسين وزيد بن على ) . ونعطى تفصيلا  عن ثورة يحيى عام 125  هجرية.

أولا : المسرح الجغرافي :

كانت مأساة على والحسين وزيد في العراق . أما مأساة يحيى فكانت في خراسان شرق العراق. الإمبراطورية الأموية كانت تمتد من جنوب فرنسا غربا الى مقربة من الصين شرقا. العراق كان يُمثّل القسم الشرقى من الإمبراطورية . والى العراق للأمويين كان الأقوى مكانة ، إذ يتبعه شرق العراق أو مان كان يسمّى بالعراق العجمى ، يمتد من خراسان الى القرب من الصين . وقت ثورة يحيى بن زيد بن على بن الحسين كان الوالى على العراق هو نفسه يوسف بن عمر الثقفى الذى كان يماثل الحجاج بن يوسف الثقفى في جبروته وقسوته . وكان يتبعه والى خراسان واسمه ( نصر بن سيّار ) ، ولم يكن في غلظة يوسف بن عمر . وتقسمت خراسان الى ولايات صغيرة لكل منها حاضرتها أو المدينة الأساس فيها ، وعليها وال ، ومعه جنود من القبائل العربية التي تحكّم بهم الأمويون ، وقد توزعوا في هذه الإمبراطورية الشاسعة تحت قيادة الولاة العرب المحليين .

ثانيا : قبيل ثورة يحيى بن زيد

1 ـ هناك رواية تقول إن يحيى بعد مقتل أبيه زيد قال له رجل من قبيلة أسد  : ( " إن أهل خراسان لكم شيعة، والرأي أن تخرج إليها". قال:  " وكيف لي بذلك؟ " قال: " تتوارى حتى يسكن عنك الطلب ثم تخرج. " فواراه عنده ليلةً، ثم خاف ،  فأتى به عبد الملك بن بشر بن مروان ( ابن عم الخليفة ) فقال له: " إن قرابة زيد بك قريبة وحقه عليك واجب.". قال: " أجل ولقد كان العفو عنه أقرب للتقوى" . قال : " فقد قتل وهذا ابنه ( يحيى )غلام حدث لا ذنب له، فإن علم به يوسف ( بن عمر ) قتله، أفتجيره؟"  قال: " نعم" ، فأتاه به فأقام عنده، فلما سكن الطلب سار في نفر من الزيدية إلى خراسان. فغضب يوسف بن عمر بعد قتل زيد فقال: يا أهل العراق، إن يحيى ابن زيد ينتقل في حجال نسائكم كما كان يفعل أبوه، والله لو بدا لي لعرقت خصييه كما عرقت خصيي أبيه! ).

2 ـ وصل يحيى الى مدينة ( بلخ ) و إختفى فيها عند شخص من شيعته هو ( الحريش بن عمرو بن داود) . ظل مختفيا من مقتل أبيه الى ان مات الخليفة هشام بن عبد الملك عام 125 ، وتولى إبن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك . عرف يوسف بن عمر  والى العراق والشرق مكان يحيى ، فكتب الى واليه على خراسان ( نصر بن سيار ) يأمره بتسيير يحيى بن زيد اليه في العراق ، وأخبره إنه يختبىء عند الحريش بن عمرو ، وأن يأخذه ( أشد الأخذ ).

2 ـ كان والى ( بلخ ) من لدن ( نصر بن سيار) هو ( عقيل بن معقل العجلي ). بعث له ( نصر بن سيّار ) الى ( عقيل بن معقل العجلى ) أن (  يأخذ الحريش ولا يفارقه حتى تزهق نفسه أو يأتيه بيحيى بن زيد بن علي) . إستجوب الوالى ( عقيل العجلى ) ( الحريث ) فرفض الإفصاح عن مكان يحيى : ( فبعث إليه عقيل فسأله عنه فقال لا علم لي به ، فجلده ستمائة سوط ، فقال له الحريش : ( والله لو أنه كان تحت قدمي ما رفعتهما لك عنه ) ، وخشى ابن الحريش ( قريش ) أن يموت أبوه من السياط فقال لعقيل :( لا تقتل أبي وأنا أدلك عليه)  ( فأرسل معه فدله عليه، وهو في بيت في جوف بيت ، فأخذه ومعه إثنان من أصحابه ( يزيد بن عمر والفضل مولى عبد القيس ) صحباه من الكوفة ، فأتى به نصر بن سيار فحبسه،  وكتب إلى يوسف بن عمر يخبره،  فكتب يوسف بن عمر بذلك إلى الخليفة الوليد بن يزيد،  فكتب الخليفة الوليد الى نصر بن سيار يأمره أن يؤمّنه ، ويخلي سبيله وسبيل أصحابه.  فدعاه نصر بن سيار فأمره بتقوى الله وحذّره الفتنة، وأمره أن يلحق بالوليد بن يزيد وأمر له بألفي درهم وبغلين . ). هذه بادرة خير رائعة من الخليفة الأموى الجديد ، ولكن لم يستجب لها يحيى .

3 ـ لم يذهب يحيى الى دمشق ، بل في الطريق أقام بمدينة سرخس ، وكان واليها ( عبد الله بن قيس بن عباد ). خشى ( نصر بن سيّار ) من نوايا ( يحيى ) فكتب الى والى سرخس أن يطرده من سرخس.

4 ـ بعد طرده من سرخس أراد يحيى الإقامة في مدينة ( طوس ) رافضا السفر الى لقاء الخليفة في دمشق . كتب والى خراسان ( نصر بن سيار) إلى واليه في طوس ( الحسن بن زيد التميمي ) وكان رأس قبيلة بنى تميم فيها ــ كتب له أن يمنع يحيى من الإقامة في طوس ، فأرسل بعض الجنود يقودهم (سرحان بن فروخ بن مجاهد بن بلعاء العنبري ) ليرافقوه ويسلموه الى ( عمر بن زرارة ) والى مدينة ( ابرشهر ) .

5 ـ في اللقاء بين يحيى و( سرحان بن فروخ بن مجاهد بن بلعاء العنبري ) دار بينهما حديث عمّا أعطاه ( نصر بن سيّار ) الى يحيى ، وعبّر يحيى عن إستيائه ممّا أعطاه له ( نصر بن سيّار ) وأنه كان يطمع في المزيد . وقال يحيى إنه يتخوّف من الوالى ( يوسف بن عمر ) ، تلطّف به ( سرحان ) الى أن أوصله الى ( عمرو بن زرارة ) في مدينة ابرشهر . فأعطاه ( عمر بن زرارة ) والى ابرشهر ألف درهم . وساروا به الى المدينة التالية ( بيهق ).  6 ـ في الطريق تجمّع أنصار حول يحيى حوالى سبعين رجلا ، فأخذوا من بعض التجار دوابا بثمن مؤجل، بهذا إنكشفت نوايا يحيى ، فكتب ( عمرو بن زرارة ) والى ابرشهر إلى ( نصر بن سيار ) فكتب  ( نصر)  إلى ( عبد الله بن قيس )  وإلى ( الحسن بن زيد)  أن يمضيا إلى ( عمرو بن زرارة ) ليكون أميرا عليهم في جيش لحرب يحيى بن زيد .

ثالثا : المواجهة الحربية :

1 ـ وصل عدد الجيش عشرة آلاف ، بقيادة ( عمر بن زرارة ) لحرب يحيى بن زيد . كان عدد أصحاب يحيى سبعين رجلا فقط ، وقد هزموا الجيش الأموى وقتلوا ( وقتل عمرو بن زرارة ) ، وسلبوا جيشه .  

2 ـ استمر يحيى في طريقه و دخل مدينة هراة ، وواليها (مغلس بن زياد العامري ) ، (  فلم يعرض واحد منهما لصاحبه) . وسار يحيى من هراة ، فأرسل خلفه ( نصر بن سيّار ) جيشا يقوده ( سلم بن أحوز ) ، وكان يحيى قد وصل ولاية جوزجان ، وواليها ( حماد بن عمرو السغدي ) . وجهّز ( نصر بن سيّار ) مددا لجيش ( سلم بن أحوز ) يقوده  ( سورة بن محمد بن عزيز الكندي ) وكان على ميمنته و ( حماد بن عمرو السغدي ) على ميسرته . واقتتل الجيشان ، وأفنى الجيش الأموى أصحاب يحيى ، وصوّب ( عيسى بن سليمان العنزي ) سهما فأصاب جبهة يحيى فصرعه . مثلما حدث لأبيه زيد بن على من قبل . ومرّ ( سورة بن محمد بن عزيز الكندي ) بجثة ( يحيى بن زيد ) فأخذ رأسه ، وأخذ ( عيسى بن سليمان العنزي ) ملابس يحيى . وبلغ الخبر الخليفة الأموى الوليد بن يزيد فكتب الى الوالى ( يوسف بن عمر) يقول : ( إذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل العراق فأحرقه ثم انسفه في اليم نسفا ) . يقصد جثة زيد بن على زين العابدين ، وكان جسده مصلوبا لا يزال ، تقول الرواية إن يوسف ابن خراش أنزل جسد زيد بن على زين العابدين من الجذع الذى كان مصلوبا عليه ، : ( وأحرقه بالنار ، ثم رضّه فجعله في قوصرة ، ثم جعله في سفينة ، ثم ذراه في الفرات . ).!! .

وأما يحيى فقد صلبوه بالجوزجان، فلم يزل مصلوباً حتى ظهر أبو مسلم الخرساني يقود الجيش العباسى في خراسان ، بعد أن أستولى عليها أنزله جثة يحيى وصلّى عليه ودفنه،  وامر بالنياحة عليه ، واخذ ابو مسلم ديوان بني أمية، وعرف منه أسماء من حضر قتل يحيى، فمن كان حياً قتله، ومن كان ميتاعاقب أهله .

أخيرا : جدير بالذكر ( أو غير جدير بالذكر ) :

1 ـ أن العباسيين بعد أن هزموا الأمويين عام 132 هجرية إنتقموا منهم شرّ إنتقام . مع انهم أولاد عمومة ، ينتمون الى ( عبد مناف ) .

2 ـ تقول الروايات عن عبد بن على قائد الجيش العباسى إنه أمر: ( بنبش قبور بني أمية بدمشق، فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان، فلم يجدوا فيه إلا خيطاً مثل الهباء، ونبش قبر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فوجدوا فيه حطاماً كأنه الرماد، ونبش قبر عبد الملك فإنه وجد صحيحاً لم يبل منه إلا أرنبة أنفه، فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح.وتتبع بني امية من أولاد الخلفاء وغيرهم فأخذهم، ولم يفلت منهم إلا رضيع أو من هرب إلى الأندلس .. واستصفى كل شيء لهم من مال وغير ذلك .) (  وقتل سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس بالبصرة أيضاً جماعةً من بني أمية عليهم الثياب الموشية المرتفعة،  وأمر بهم فجُرُّوا بأرجلهم فألقوا على الطريق فأكلتهم الكلاب.فلما رأى بنو أمية ذلك اشتد خوفهم وتشتت شملهم واختفى من قدر على الاختفاء. ) . عبد الله بن على العباسى حاصر دمشق ودخلها : (  فقتل من أهلها خلقاً كثيراً وأباحها ثلاث ساعات..) ( حتى قيل‏:‏ إنه قتل بها في هذه المدة نحواً من خمسين ألفاً‏.  )  وقال محمد بن سليمان بن عبد الله النوفلي ‏:‏ ( كنت مع عبد الله بن علي أول ما دخل دمشق، دخلها بالسيف، وأباح القتل فيها ثلاث ساعات، وجعل جامعها سبعين يوماً إسطبلاً لدوابه وجماله.. ثم تتبع عبد الله بن علي بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم، فقتل منهم في يوم واحد اثنين وتسعين ألفاً عند نهر بالرملة، وبسط عليهم الأنطاع ومد عليهم سماطاً فأكل وهم يختلجون تحته ..وأرسل امرأة هشام بن عبد الملك وهي‏:‏ عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية صاحبة الخال، مع نفر من الخراسانية إلى البرية ماشية حافية حاسرة على وجهها وجسدها وثيابها ثم قتلوها‏. ثم أحرق ما وجد من عظم ميت منهم‏.!   ) .

3 ـ ذرية بعضها من بعض ..!!

اجمالي القراءات 2501