كشف المستور (الجزء الثاني)

آية محمد في الجمعة ٠٦ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد إستقرار أوضاع الأمة الإسلامية فى عهد الخليفة الثاني الفاروق عمر، بدأت الهمجية والبربرية تتجلى فى عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان. عصر عثمان بن عفان الذي يؤكد وبجدارة أن المسلمين عادوا أدراجهم إلى الجاهلية وعاداتها ولم يمر بعد إلا 15 عاما على وفاة رسول الرحمة والسماحة الإسلامية. أستمرت خلافة الصحابي عثمان – رضى الله عنه -12 عاما منذ أن بايعه مجلس شوري الفاروق عمر إلى أن قتل علي يد المصريين الثائرين ضده بزعامة محمد بن أبي بكر الصديق. إتصفت فترة خلافة عثمان بن ع&Yacacute;ان بتفشي الفساد والأطماع السياسية. فكان عثمان بن عفان يولي أقاربه على المستعمرات الإسلامية عملا بمبدأ صلة الرحم! وكان يرضي أقاربه على حساب أمة الإسلام. يقول السيوطي فى "تاريخ الخلفاء" ص123: "فلما كان فى الست الأواخر أستأثر بني عمه فولاهم وما أشرك". وما كانت تولية الأقارب تسببت فى الفتنة لو أن عثمان رضي بعزل من فسدوا من أهله، ولكنه أبى النزول على رغبة الأمة الإسلامية وأصر على عناده ورفض عزل الفاسدين من أقاربه. ويقول أيضا السيوطي فى ص121: "وفى سنة خمسة وعشرين عزل عثمان سعدا عن الكوفة، وولى الوليد بن عقبة إبن أبي معيط – وهو صحابي أخو عثمان لأمه – وذلك أول ما نقم عليه، لأنه آثر أقاربه بالولايات، وحكي أن الوليد صلى بهم الصبح أربعاً وهو سكران، ثم ألتفت فقال: أزيدكم؟". كذلك نقل تاريخ الطبري فساد ولاة عثمان على لسان علي بن أبي طالب قوله لعثمان بن عفان: "فإن معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت تعلمها، فيقول للناس: هذا أمر عثمان، فيبلُغك ولا تغير على معاوية".

وتعالت الأصوات تتطالب بعزل عثمان بعد تفشي الفساد فى البلاد. فجمع الخليفة الثالث أصحاب رسول الله ليستشيرهم، وفى هذا يقول الطبري فى كتابه تاريخ الطبري ص643: "ثم قام عمرو بن العاص فقال: يا عثمان؛ إنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية، فقلت وقالوا: وزغت وزاغوا، فإعتدل أو إعتزل، فإن أبيت فإعتزم عزما، وإمض قدما؛ فقال له عثمان: مالك قَمِل فروك! أهذا الجد منك! فأسكت عمرو حتي إذا تفرقوا قال: لا والله يا أمير المؤمنين، لأنت أكرم علي من ذلك، ولكني قد علمت أن بالباب قوما قد علموا إنك جمعتنا لنشير عليك، فأحببت أن يبلغهم قولي، فأقود لك خيرا، أو أدفع عنك شرا". وكثر الناس على عثمان، ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد، وأصحاب رسول الله يرون ويسمعون، ليس فيهم أحد ينهي ولا يذب.

وبلغت الفتنة ذروتها عندما جاء أهل مصر المدينة ليشتكون لعثمان قريبه عبد الله بن أبي سرح والي مصر. وفى هذا الشأن ينقل لنا تاريخ الطبري ص 754: "ولما جاءت الجمعة التي على أثر نزول المصريين مسجد رسول الله(ص) خرج عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال: يا هؤلاء العَدى، الله الله! فوالله؛ إن أهل المدينة لا يعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد (ص)، فأمحوا الخطايا بالصواب؛ فإن الله عز وجل لا يمحو السىء إلا بالحسن". ورفض عثمان أن يستجيب للمصريين فى حين ساندهم كل من محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، وعمار بن ياسر. وبعد فترة من المشاورات قرر عثمان بن عفان النزول على رغبة المصريين وعزل أبي السرح وتولية محمد بن أبي بكر مكانه. ولكن فى طريق رحلة العودة إلى مصر، وقع غلام بين يدي محمد بن أبي بكر ومن معه من المصريين يحمل كتابا مختوما بختم عثمان بن عفان مرسل إلى أبي السرح يطلب منه قتل محمد بن أبي بكر والوفد المصري الثائر. ينقل السيوطي هذا الكتاب العثماني فى ص123 فيقول: "إذا أتاك محمد وفلان فاحتل فى قتلهم، وأبطل كتابه، وقر على عملك حتى يأتيك رأيي، وأحبس من يجىء إلي يتظلم منك لياتيك رأيي فى ذلك إن شاء الله تعالى". فزع محمد بن أبي بكر وعاد إلى المدينة وجمع حوله الصحابة بما فيهم علي بن أبي طالب وساد الهرج والمرج وتعالت الأصوات بعزل عثمان أو قتله، ولكن عثمان نفي تهمة التحريض على قتل بن أبي بكر وأبى الإعتزال قائلا: "أما أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله عز وجل".

إشتدت الفتنة وحاصر المصريين والمسلمون بيت الخليفة عثمان بن عفان ومنعوا عنه الماء أياما حتي يقر بإعتزاله أو يقتلوه. ويقول الطبري فى ص672: "وأشرف عثمان على آل حزم وهم جيرانه؛ فسرح إبنا لعمرو إلى علي بأنهم قد منعونا الماء، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من الماء فافعلوا. وإلي طلحة وإلى الزبير، وإلى عائشة رضي الله عنها وأزواج النبي (ص)؛ فكان أولهم إنجادا له علي وأم حبيبة". ويستطرد الطبري قائلا: "وجاءت أم حبيبة على بغلة لها برحالة مشتملة على إداوة، فقيل: أم المؤمنين أم حبيبة، فضربوا وجه بغلتها، فقالت: إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل، فأحببت أن ألقاه فاسأله عن ذلك كيلا تهلك أموال أيتام وأرامل. قالوا: كاذبة، وأهووا لها وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فندت لأم حبيبة، فتلقاها الناس، وقد مالت رحالتها، فتعلقا بها وأخذوها وقد كادت تقتل، فذهبوا بها إلى بيتها". وبالنسبة لموقف السيدة عائشة، يقول الطبري فى ص673: "وخرجت عائشة وهي ممتلئة غيظا من أهل مصر، وجاءها مروان بن الحكم فقال: يا أم المؤمنين لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل، فقالت: أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة، ثم لا أجد من يمنعني! لا والله لا أعير ولا أدري إلام يسلم أمر هؤلاء!".

وإنتهي الحصار بتسلل محمد بن أبي بكر الصديق وأتباعه إلى منزل عثمان بن عفان وقتلوه وهو يقرأ القرآن. وفى هذه الواقعة يقول الطبري فى ص 677: "وذكر محمد بن عمر، أن عبد الرحمن بن عبد العزيز حدثه عن عبد الرحمن بن محمد، أن محمد بن أبي بكر تسور على عثمان من دار عمرو بن حزم، ومعه كنانة بن بشر بن عتاب، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف في سورة البقرة، فتقدمهم محمد بن أبي بكر؛ فأخذ بلحية عثمان، فقال: قد أخزاك الله يا نعثل! فقال عثمان: لست بنعثل؛ ولكني عبد الله وأمير المؤمنين. قال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان!فقال عثمان: يابن أخي، دع عنك لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه. فقال محمد: لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك؛ وما أريد بك أشد من قبضى على لحيتك؛ قال عثمان: أستنصر الله عليك وأستعين به. ثم طعن جبينه بمشقص فى يده. ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده، فوجأ بها في أصل أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه بالسيف حتى قتله؛ فقال عبد الرحمن: سمعت أبا عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد، فخر لجبينه، فضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خر لجبينه فقتله".

ولم تنتهي الأعمال البربرية بمقتل عثمان بن عفان ولم يكتفي المسلمين برؤيته مذبوحا بجانب زوجه العجوز، بل أستمرت الأعمال البربرية والهمجية برفض المسلميين دفنه، مما إضطر أهله إلى دفنه بمدافن اليهود. يقول الطبري فى ص687 من كتابه الشهير: "حدثني جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين، قالا: حدثنا حسين بن عيسى، عن أبيه، عن أبي ميمونه، عن أبي بشير العبادي، قال: نبذ عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام لا يدفن؛ ثم أن حكم بن حزام القرشي ثم أحد بني أسد بن عبد العزي، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، كلما علياً فى دفنه، وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك، ففعل، وأذن لهم علي، فلما سمع بذلك قعدوا له فى الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله؛ وهم يريدون به حائطا بالمدينة، يقال له: حش كوكب، كانت اليهود تدفن فيه موتاهم،؛ فلما خرج به على الناس رجموا سريره، وهموا بطرحه، فبلغ ذلك عليا، فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفن عنه، ففعلوا، فأنطلق حتي دفن فى حش كوكب؛ فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتي أفضى به إلى البقيع؛ فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتي إتصل ذلك بمقابر المسلمين".

حكم عثمان بن عفان رعيته بطريقة تتنافي وعدل الإسلام ورفض أن يعزل نفسه عن الحكم لأنه إعتبر أن الخلافة قميص إلهي لا يخلع إلا بالموت. ثم عومل عثمان بطريقة بربرية من قبل الصحابة والمسلمين، حيث منعوا عنه وعن زوجه العجوز الماء وحاصروا بيته ثم هجم عليه صحابي مع مصريين وذبحوه أمام زوجته. ولهذا أستعجب من هؤلاء الذين أغضبتهم مقولتي "أن العرب عادوا إلى بربريتهم بعد وفاة رسول الله". أستعجب إنكم لا تغضبون ممن يربط الإسلام والإيمان به بشخصيات بشرية خطائة. أستغرب ممن يضع بشرا قتلوا بعضهم البعض ركنا سادسا من أركان الإسلام وجب تقديسه. كيف نؤمن بدين أحد أركانه المقدسة بشر أخطأوا فى حق بعضهم البعض؟ وبماذا تسمون من حاصروا بيت صحابي وذبحوه بعد حرمانه من الماء هو وزوجه؟ أهذا خلق إسلامي، أم أن عثمان كان بحق نعثلا؟ بماذا تسمون من يضرب جسد ميت بالحجارة؟ أهذه هي مكارم الأخلاق التي مشى رسول الله بينهم ليعلمهم إياها؟ ويا ليته اي جسد، إنه جسد مبشر بالجنة! بماذا تصفون من يرفض أن يدفن مبشر صحابي مرضي عنه من الله فى مدافن المسلمين ولا يجد جسده "الطاهر" إلا مدافن اليهود للترحمه من همجية إخوانه المسلميين؟ أهي تقوي ام إيمان زائد بالله رسوله؟! حتى صلاة الجنازة لم يشهدها المسلمين لخليفتهم الثالث المبشر بالجنة! هو الصحابي المجاهد المقدس ولكن لم يصلي عليه إلا خمسة أشخاص فقط من جموع الصحابة المتواجدين فى المدينة. أين كان علي بن أبي طالب وأولاده الحسن الحسين، وأبو هريرة الدوسي، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وكل الأسماء المقدسة التي نضعها فى مقام الأنبياء. يقول الطبري فى دفنه – رضي الله عنه ص 687: "لم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وإبنته الخامسة، فناحت إبنته ورفعت صوتها تندبه، وأخذ الناس الحجارة، وقالوا: نعثل! وكادت ترجم".

لا أعتقد إنني بالغت عندما قلت أن العرب عادوا إلى البربرية، أم أن الذبح ورجم الميت والحرمان من الماء والتوصيات بالقتل والقمع ونهب أموال المسلمين وتهديد الذين رضى الله عنهم بالقتل، كانت من أعمال التقوي الإسلامية التي علمهم إياها رسولهم الكريم! عجبا لقوم أبوا ألا يعملوا عقلهم! عجبا لقوم يربطون إيمانهم وإسلامهم ببشر خطائين ذبحوا بعضهم بعضا طمعا فى قميص الملك والخلافة والولاية. عجبا على من يُكَفِر من يأخذ دينه من كتاب الله المحكم بعيدا عن العنعنات المليئة بالنفاق ودماء المسلمين الأبرياء.
وإلى خلافة علي بن أبي طالب... إن شاء الله...

اجمالي القراءات 18365