لمحة تاريخية عن إدخال خرافة نزول المسيح في الأديان الأرضية للمحمديين

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٧ - أغسطس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

لمحة تاريخية عن إدخال خرافة نزول المسيح في الأديان الأرضية للمحمديين

أولا :

الأصل المصرى لخرافة نزول المسيح

  1 ـ ( الجبت ) هو إسم الديانة المصرية القديمة ، وعندما إنتشرت هذه الديانة فى الامبراطورية الرومانية وفى اوربا وأثّرت على المسيحية أطلقوا هذا الاسم على (مصر) منبع هذه الديانة ، فقالوا (أيجبت Egypt) من ( الجبت)،خصوصا وأن المصريين قاموا بتمصير المسيحية فإختلفت المسيحية المصرية عن المسيحية الرومية فى روما وعن المسيحية الشرقية فى بينزطة ( القسطنطينية ) .المسيحية المصرية ( جبتية / قبطية ) تقول بالالوهية الكاملة للمسيح ، وتعتبر له طبيعة الاهية واحدة ، عكس الكنيسيتين الرومانية الكاثولوكية و البيزنطية الشرقية . بهذا ترسّخ وصف هذه المسيحية المصرية بالقبطية ، وترسخ إسم مصر بأنه ( أيجيبت Egypt) نسبة لهذه الديانة . وحدث بعدها أن انتشرت المعرفة فى اوربا بأسطورة ايزيس وأوزوريس وحورس ( الثالوث الالهى ) فى العصور الوسطى والذى أثّر فى شكل المسيحية الأوربية نفسها ، فتأكد ترسيخ ( إيجيبت ) إسما لمصر .

وعند الغزو العربى لمصر وجد العرب فيها مذهبين مسيحيين : المسيحية الشرقية التى يعتنقها البيزنطيون المحتلون بزعامة المقوقس ( قيرس ) ، ثم ( المسيحية المصرية  القبطية ) التى يؤمن بها أغلبية المصريين ، فأطلقوا على المصريين إسم ( القبط ) نسبة لمذهبهم، ولم يقولوا عنهم ( مسيحيون) أو(مصريون).  وظلت تسمية المصريين بالقبط سائدة حتى دخل معظم المصريين الى دين الغزاة العرب من العصر الفاطمى ( تشيع ، ثم تصوف سنى ، وأخيرا وهابية سنية متطرفة ) .وإحتفظ المسيحيون المصريون بإسم القبط أو (الأقباط ) ، وحتى الآن .

2 ـ وقد نزل القرآن الكريم باللسان العربى ، وهذا اللسان العربى إستعار كثيرا من المفردات اليونانية والرومانية والفارسية والمصرية القديمة ، وصارت جزءا من نسيجه المقروء المنطوق والمسموع والمكتوب .والتأثير المصرى كان هائلا فى الجزيرة العربية ، فتسربت كثير من المفردات المصرية القديمة الى اللسان العربى ، إذ انه بعد إكتمال وإزدهار الحضارة الفرعونية بعشرات القرون ظهر العرب ، وحين زاروا مصر ورأوا عمائرها إستعاروا كلمة ( مصر / أمصار ) بمعنى المدن ، و ( مصّر ) أى أقام مدينة . فقد رأوا المدن لأول مرة فى مصر . ولهذا فإن كلمة ( مصر ) فى القرآن الكريم تأتى اربع مرات بمعنى ( مصر الوطن ) وتأتى بمعنى المكان الحضرى غير الصحراوى : ( اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ) (61) البقرة ) .

وكان الحجاز ـ ولا يزال ـ أقرب مناطق الصحراء العربية تأثرا بمصر . وكانت (مكة) ــ حاضرة الحجاز والجزيرة العربية ــ أكثر إنفتاحا والأكثر تأثرا بمصر ، لذا إستوردت من مصر عبادة الثالوث ( ايزيس / أوزوريس / حورس ) . أسماؤها فى اللسان المصرى القديم ( عزى،عزير) ولكنها تحولت فى اللسان اليونانى الى ( ايزيس، أوزيريس ) حيث لا يوجد فيه حرف العين . إتخذ العرب من ( عزى / ايزيس ) المصرية إلاهة أسموها ( العزى ) وأكملوا الثالوث من إختراعاتهم، وقال جل وعلا عن هذه الأسماء التى إخترعوها وقدسوها : (أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20) أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى (23) النجم ).

3 ـ بنو اسرائيل ( بنو يعقوب ) الذين تكاثروا بمصر بعد موت يعقوب ويوسف عليهما السلام تشربوا الديانة الفرعونية ، وظلت مؤثرة فيهم برغم الاضطهاد الفرعونى وبرغم ما رأوه من الآيات التى أعطاها رب العزة جل وعلا لموسى عليه السلام . بل إنه بمجرد أن أنجاهم الله جل وعلا وأغرق فرعون وجنده وصاروا فى سيناء رأوا معبدا فرعونيا فطلبوا من موسى أن يجعل لهم آلهة فرعونية مماثلة :(الاعراف 138 ). ثم كانت فضيحتهم الكبرى حين عبدوا ( عجل أبيس المصرى) الذى صنعه لهم السامرى . الأجيال التالية من بنى إسرائيل حافظوا على المؤثرات الفرعونية ، باعتبارها ( الثوابت ) التى وجدوا عليها آباءهم . وكان منها عبادة ( أوزيريس ) أو ( عوزير ) وتقديس الكهنة . وبنو اسرائيل وغيرهم ممّن دخل فى المسيحية ما لبث أن إتبع الانحراف الذى قال به بولس ، والذى ربط فيه شخصية المسيح بالديانة الفرعونية . وبالتالى تشابهت المسيحية واليهودية فى القول بألوهية المسيح ( عند المسيحيين ) وعزير ( أو عوزير / أوزيريس ) عند بنى اسرائيل فى عهد نزول القرآن الكريم . لذا يقول جل وعلا : (وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) التوبة ) . ( اليهود ) فى المصطلح القرآنى هم الضالون المعتدون فقط من بنى اسرائيل ، وهم الذين كانوا وقتها يزعمون أن ( عزير ) المصرى ابن لله ، تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . المسيحيون يقولون بأن المسيح ابن الله ـ جل وعلا ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا . والله جل وعلا يقول عن الفريقين عنهم وعن أولئك اليهود وقت نزول القرآن الكريم : (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ) أى يتشابهون مع قول اذين كفروا من قبل ، أى قدماء المصريين .

 4 ـ وقد عاش فى يثرب قبائل يهودية وعاصرت دولة النبى محمد عليه السلام حين أصبحت يثرب هى المدينة . وقد نشر هؤلاء اليهود ثقافتهم الدينية المتأثرة بالفرعونية بين عرب المدينة ، ولأنهم كانوا فى عداوة مع النبى والمؤمنين فقد ظاهروا كفار قريش ، وزعموا لكفار قريش أن دين قريش هو الصحيح وهو الأقرب للهدى من الاسلام . لذا قال جل وعلا عنهم: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51)النساء). هنا يذكر رب العزة إسم الديانة الفرعونية صراحة ( الجبت ) من (  Egypt) ، وهذا فى معرض تأثر اليهود بالديانة الفرعونية . كما ذكر من قبل وصف اليهود حين ألّهوا (عزير / أوزيريس )بأنهم : (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ) أى يتشابهون مع قول اذين كفروا من قبل ، أى قدماء المصريين .

5 ـ وظلت التأثيرات اليهودية حية فى المدينة ببقاء وتطور النفاق فيها . لقد تحدث رب العزة فى كتابه الكريم عن المنافقين فى المدينة فى عشرات الآيات ، وكانت الآيات تنزل تفضح مكائدهم . وتوقف الحديث عنهم بإنتهاء القرآن الكريم نزولا وبموت خاتم النبيين عليهم جميعا السلام . ولا نتصور أن المنافقين قد إنتهى وجودهم  بموت النبى ، بل العكس هو المؤكد ، خصوصا وقد كانوا غاية فى النشاط فى أواخر ما نزل من القرآن الكريم فى سورة التوبة . وبالتالى فإن أيسر ما ننتظره منهم هو محفاظتهم على الثقافة اليهودية المخالفة للاسلام ، وهى التى أظهرها الامام مالك في كتابه ( الموطأ ) ، وفيه أول إشارة الى المسيح الدجال . المعادل الموضوعى لنزول المسيح آخر الزمان بزعمهم .

6 ـ وطبقا للأسطورة الدينية المصرية القديمة فالإله جب إله الأرض كان متزوجا من آلهة السماء نوت ، وأنجب منها أربعة أبناء : هم إيزيس (عزى ) واوزيريس (عزير)، و ( ست )  واختهم نيفتيس . تزوج عزير عزى ، وتزوج ست نفتيس . كان عزير طيبا عادلا بينما كان ست قويا باطشا شريرا . قتل ست أخاه عزير، ووزع جسده فى انحاء مصر . قامت عزى ( إيزيس ) بتجميع اشلاء زوجها عزير ، وبتعويذة سحرية أعادت له الحياة ، وأنجبت منه ابنهما حورس . وانتقم حورس فقتل عمه ست . وفقد حورس فى تلك المعركة عينه اليسرى .

حدثت تحورات شتى فى هذه الاسطورة عبر القرون ، أبرزه أن ظل ست إله القوة والبطش  ، وخصما لأخيه عوزير إله الخير ، وتحول عزير الى  إله الموت الذى يحاسب الموتى فى قبورهم ، وتحول فى اليهودية الى ( عزير ) الذى جعلوه إبنا لله جل وعلا ، وتحول لاحقا الى ( عزرائيل ) ملك الموت عند ( المحمديين ) .

ما يهمنا هنا أن ملامح من اسطورة ( ايزيس( عزى ) أوزيريس ( عزير ) و ست ) ظهرت فيما يسمى برجوع المسيح قبيل قيام الساعة عند ( المسيحيين )  ، أما  عند ( المحمديين ) فى الدين الشيعى فقد ظهر تحت مسمى ( المهدى المنتظر ) ، وفى الدين السنى تحت مسمى عودة المسيح ، وعودة ست خصم المسيح باسم المسيح الدجال .

ثانيا :

نماذج من الأناجيل عن نزول المسيح آخر الزمان  

1 ـ ( لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ فَآمِنُوا بِي. فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا، وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيقَ. )

( أَمَّا هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟ فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ، لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. )

2 ـ ( وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ، وَقَالاَ:«أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ. حِينَئِذٍ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ، الَّذِي هُوَ بِالْقُرْبِ مِنْ أُورُشَلِيمَ عَلَى سَفَرِ سَبْتٍ. )

3 ـ  ( ثُمَّ قَالَ لِي: هذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ. وَالرَّبُّ إِلهُ الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا، هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ، وَأَنَا يُوحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هذَا. وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ، خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُرِينِي هذَا. فَقَالَ لِيَ: انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الأَنْبِيَاءِ، وَالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ. اسْجُدْ ِللهِ!. وَقَالَ لِي: لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ. مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ)

4 ـ  ( وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ. أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ. طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا. )

5 ـ ( أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ. وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: «تَعَالَ!». وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: «تَعَالَ!». وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا. لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ. يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهذَا: «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا». آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ. نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ. ) .

ثالثا :

تدوين هذا الإفك في العصر العباسى

1 ـ قبل العصر الأموى وحتى عصر الخليفة عمر بن عبد العزيز لم يكن هناك سوى القرآن الكريم ، وهذا ما جاء في أول خطبة عمر بن عبد العزيز حين قال ليس مع القرآن كتاب .

2 ـ فى العصر الأموى لم يكن هناك التفات كبير للعلم خصوصا مع قصر العصر الأموى وإنشغال خلفائه بالحروب مع الخارج حيث توسع الأمويون فيما بين حدود الصين الى جنوب فرنسا ، وكان الخلفاء الأمويون عربا يهتمون بالشعر ولا إهتمام لديهم بالعلوم ، لذا إتّسمت الحركة العلمية وقتها بالسذاجة والسطحية والتناقل الشفهى وتعدد الاتجاهات من تاريخ وقصص وشعر وأنساب في المجلس الواحد . جاء العصر العباسى بتطور هائل ساعد عليه طول العصر والهدوء النسبى في المعارك في الداخل والخارج والانفتاح على الثقافات المختلفة من الشرق والغرب ، وفيه كان التدوين .

3 ـ من التدوين ما كان إيجابيا عايش الحضارة ، وهو إنجازات العلماء في العلوم الطبيعية والفلسفية ، فالعصر العباسى هو الذى شهد أفذاذ العلم في العصور الوسطى من الكندى والبيرونى وابن سينا والخوارزمى وابن حيان والرازى الطبيب والفارابى ..الخ . ثم منه ما كان سلبيا رجعيا مؤسسا على العداء لله جل وعلا ورسوله فيما يعرف بالفقه والحديث والتفسير وعلوم القرآن . وكلها ( ترجع ) الى الماضى عبر إسنادها كذبا وبُهتانا الى رواة من الصحابة والتابعين ، ماتوا دون أن يعرفوا شيئا عن المنسوب اليهم .

4 ـ كانت الدولة العباسية كهنوتية مؤسسة على صناعة الحديث ، وفى نفس الوقت تضطهد خصومها ، فقد قتل أبو جعفر المنصور أبا حنيفة لعدم إعترافه بالأحاديث المسندة للنبى محمد عليه السلام ، وكاد هارون الرشيد أن يقتل أميرا عباسيا في مجلسه لأنه تساءل عن حديث ، فاتهمه الرشيد بالطعن في الحديث، وأنقذه تدخل الحاضرين . استعمل العباسيون في مرحلة الدعوة أحاديث في الترويج لدولتهم القادمة ، ثم إصطنعوا أحاديث تتنبأ بأسماء الخلفاء العباسيين ، وقد جمعها السيوطى في كتابه ( تاريخ الخلفاء ). ثم قامت دولتهم فازدهرت بهم صناعة الأحاديث ، وبعد أن كانت حوالى ألف حديث في الموطأ أصبحت بعد قرن من الزمان مئات الألوف .

5 ـ  قامت الدولة العباسية على أكتاف الفُرس وزعيمهم أبى مسلم الخراسانى ، وفى صراع على السُّلطة قتل  أبو جعفر المنصور أبا مسلم الخراسانى فثارت ابنته فاطمة ، ونشبت حروب متكررة بين العباسيين والفرس في خراسان واقصى الشرق ، وكان هناك أعوان سريون للثوار الفرس داخل بغداد ، فتتبعهم الخليفة المهدى ــ إبن الخليفة المنصور ــ يقتلهم بتهمة الزندقة. إستمرت المعارك الحربية بين العباسيين والثوار الفُرس حتى القرن الثالث الهجرى ، وتتبعناه في كتابنا ( مسلسل الدماء في عصور الخلفاء ). بإنتصار العباسيين إضطر أعيان الفرس الى الحرب الفكرية ، بالدخول في ( الإسلام ) للكيد للاسلام . وهذا يفسر الظهور المفاجئ لعلماء الحديث من خراسان وغيرها في القرن الثالث الهجرى وما بعده.   

6 ـ  للتقرب الى العباسيين والنجاة من اضطهادهم جعل ( علماء ) الحديث والتفسير والقصص من عبد الله بن عباس ( جد الخلفاء العباسيين ) المرجعية الكبرى ، إسندوا اليه روايات الحديث والتفسير والقصص. والى جانبه أضافوا رواة آخرين أقل شأنا ، وربما إخترعوهم إختراعا . مجرد أسماء زعموا أنها عاشت في العصر الأموى .

الثابت تاريخيا أن إبن عباس لم يكن لديه وقت ليتفرّغ لمجالس العلم . كان منهمكا في الفتنة الكبرى الأولى مع ابن عمه على بن أبى طالب ضد الخوارج ومعاوية ، ثم هرب منه وسرق بيت المال ، ثم بعدها إنهمك في صراع مع ابن الزبير في الفتنة الكبرى الثانية حتى لقد كاد ابن الزبير أن يحرق الهاشميين وزعيمهم ابن عباس لولا أن أنقذهم جيش بعث به المختار بن عبيدة الثقفى، وقد فصلنا هذا وذاك في كتابى ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) و ( الفتنة الكبرى الثانية ). ثم أصيب ابن عباس بالعمى في شيخوخته . لا نتصور شخصا بهذه السيرة الحافلة يجد وقتا للتفرغ للعلم والرواية .

7 ـ في العصر العباسى كان هناك الإسلام الحقّ المحفوظ في القرآن الكريم ، والذى تمّ إتّخاذه مهجورا ، ثم كان هناك ( إسلام مصنوع ) . أطلقوا على الإسلام المصنوع إسم الإسلام ، وهو تدين واقعى وموجود يناقض الإسلام القرآنى . هو إستمرار للكفر السلوكى في الغزو والاحتلال والاستبداد والفساد من عهد الخلفاء ( الراشدين والأمويين )، ثم أضيف له في العصر العباسى الكفر العقيدى القلبى بتقديس النبى محمد والخلفاء ( الراشدين ) والصحابة ، ثم الأئمة والأولياء وآل البيت . ثم جعلوا خرافات هذا الدين الشيطانى هي الإسلام .

 ولأنه يناقض الإسلام الذى نزل في القرآن الكريم فلا بد من تسويغ وتشريع هذا التدين بالتلاعب في القرآن الكريم وبصناعة أحاديث مزورة ، وجعلها حاكمة على القرآن الكريم ثم الطعن في القرآن الكريم بالتفسير والتأويل والنسخ بمعى إلغاء تشريعات القرآن واتهام الآيات بالتعارض وان بعضها يلغى بعضها .

  8 ـ دخل أبناء الأمم المفتوحة في هذا ( الإسلام المصنوع ) بخلفياتهم الثقافية ومهارتهم العلمية ، فكان ( الموالى ) هم أساتذة العلوم في العصر الأموى ، ثم أصبح أئمة الحديث والتفسير والفقه من الطبقات التالية من الموالى في العصر العباسى الثانى ، وجاء معظمهم من أواسط آسيا . دخلوا في ( الإسلام المصنوع ) يحملون أوزار أدينهم القديمة ، فجعلوها معالم هذا ( الإسلام المصنوع ).

ونتوقف مع نموذج له في تفسير الطبرى عن نزول المسيح .

اجمالي القراءات 3562