نقد كتاب حجية القياس والرد علي المخالفين

رضا البطاوى البطاوى في السبت ٢٢ - أغسطس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد كتاب حجية القياس والرد علي المخالفين

مؤلف الكتاب هو  يوسف بن عبد الرحمن من أهل العصر وقد استهل كتابه بمقدمة بين فيها انه كتابه بحث مختصر فى الموضوع ثم بين ما ظنه اهمية القياس فقال :

"أهمية القياس:

"القياس هو الدليل الرابع من أدلة أصول  الفقه وهو أصل عظيم الشأن جليل القدر فبه استنبطت أكثر الأحكام لأن النصوص محصورة والحوادث متجددة غير محصورة ولذلك قال الامام احمد لا يستغني أحد عن القياس وقال القياس ضرورة وقال (إمام الحرمين: إن أكثر الحوادث لا نص فيها بحال ولذا قال غيره من الأئمة: إنه لو لم يستعمل القياس أفضى إلى خلو كثير من الحوادث عن الأحكام، لقلة النصوص وكون الصور لا نهاية لها ) انتهي من البحر المحيط للزركشي"

هنا القياس قائم على تكذيب أقوال الله مثل "تبيانا لكل شىء"و" وتفصيلا لكل شىء" فتعبير كل شىء دل على أن كل الحوادث مذكورة فى الوحى

وأما كون الصور لا نهاية لها فكلام مجانين لأن لكل شىء مقدار ينتهى عنده كما قال تعالى " وكل شىء عنده بمقدار"

وقد بين المؤلف إجماع الأمة على القياس فقال :

"ولقد أجمعت الامة علي العمل بالقياس ,وقد وردت بذلك الآثار , وتواتر ذلك المعني عن الصحابة والتابعين وأئمة الهدي "

ثم ناقض كلامه فقال أن الناس اختلفوا فى القياس فمنهم عمل به ومنهم من رفضه فقال:

"ولقد وقف الناس من القياس مواقف متباينة فمنهم من غلا في الأخذ به فعارض النصوص الصريحة الصحيحة برأيه ومنهم من غلا في رفضه وإنكاره فحرمه , ومنهم من عمل به بشروطه وهم اهل التحقيق فلم يلجأوا إليه إلا عند الضرورة اذا لم يجدوا حكم المسالة أو النازلة في الكتاب والسنة أو الاجماع "

وتعرض الرجل لتعريف القياس فقال :

" تعريف القياس:

اختلف الأصوليون في تعريفه نظرا لاختلافهم في مسألة هل القياس دليل شرعي نصبه الشارع أو هو عمل المجتهد فمن قال بان القياس دليل نصبه الشارع عبر عن القياس بأنه استواء بين الفرع والأصل في العلة المستنبطة من حكم الأصل هذا تعريف الآمدي سيف الدين في الأحكام ومنهم من عبر بلفظ المساواة كابن الحاجب وابن عبد الشكور فقال ابن الحاجب: مساواة فرع لأصل في علة حكمه أما من قال بأن القياس هو عمل المجتهد كأبي بكر الباقلاني وتبعه امام الحرمين والغزالي والرازي والآمدي فقد عبروا عن القياس بأنه حمل معلوم علي معلوم في اثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما "

وهذه التعاريف تتناسى شىء هام وهو أن القياس يجب فيه التطابق التام أى المساواة التامة فذراع القياس هو نفس الطول فى أى مكان وأى شىء والكيل المقيس هو نفسه وزن أو حجم القياس والقياس عند القوم فيه اختلاف فهو يقيس شىء مختلف عن شىء أخر والجامع بينها شىء صغير يسمونه هنا العلة

وبين المؤلف أركان القياس فقال :

"اذا فأركان القياس التي يقوم عليها اربعة هي الأصل والفرع والعلة والحكم ولابد لكل قياس من توفر هذه الاركان فالأصل هو المعلوم الذي ثبت حكمه بالشرع وهو ما يقاس عليه ويشبه الفرع به, والفرع هنا هو الأمر الذي لم يرد حكمه في الشرع ابتداء وهو ما يطلب قياسه علي الأصل, والعلة هي الوصف الجامع بين الأصل والفرع, والحكم هو ثمرة قياس الفرع علي الأصل "

وأركان القياس هى أداة القياس وهى الحكم والمقيس وهو الحدث لا يمكن أن يوجد غيرهما

ثم تكلم عن أنواع القياس فقال :

"ينقسم القياس الي قسمين الاول هو قياس العكس والثاني هو قياس الطرد, فأما قياس العكس فعبارة عن اثبات عكس حكم الأصل للفرع لان علة الفرع عكس علة الأصل ومثله كما ذكر رسول الله (ص)(وفي بضع أحدكم صدقة) قالوا أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال (ص) (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: نعم  قال: كذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر) الحديث رواه مسلم عن ابي ذر الغفاري "

الخبل هنا هو أن الرواية يقولون عنها أنها قياس وطبقا للمذهب السنى فالرواية نص لأنه قول الرسول(ص)

كما أن جماع الزوجة والزنى فيهما نصوص فى القرآن كقوله تعالى " ولا تقربوا الزنى" وقوله " أتوا حرثكم أنى شئتم "ومن ثم لا يمكن أن يكون هناك قياس بالمعنى المعروف عندهم لأن القياس يكون طبقا لكلامهم فى أول البحث لشىء ليس فيه نص وهو قولهم" إنه لو لم يستعمل القياس أفضى إلى خلو كثير من الحوادث عن الأحكام، لقلة النصوص"

ومن ثم ثبت لأن لا يوجد قياس عكسى لأن دليلهم هو حجة عليهم وليس لهم لكونه نص ويوجد فيه نصوص كثيرة فى القرآن

ثم تحدث القياس الثانى فقال :

" أما النوع الثاني من القياس فهو قياس الطرد وينقسم الي ثلاثة اقسام ,قياس العلة وقياس الدلالة وقياس الشبه

قال ابن القيم في اعلام الموقعين (والأقيسة المستعملة في الاستدلال ثلاثة: قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه، وقد وردت كلها في القرآن  {فأما قياس العلة} فقد جاء في كتاب الله عز وجل في مواضع، منها قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} فأخبر تعالى أن عيسى نظير آدم في التكوين بجامع ما يشتركان فيه من المعنى الذي تعلق به وجود سائر المخلوقات، وهو مجيئها طوعا لمشيئته وتكوينه، فكيف يستنكر وجود عيسى من غير أب من يقر بوجود آدم من غير أب ولا أم؟ ووجود حواء من غير أم؟ فآدم وعيسى نظيران يجمعهما المعنى الذي يصح تعليق الإيجاد والخلق به    "

الاستدلال على القياس بنص هو ضرب من الخبل فالقياس هو لما ليس فيه نص والآية لا تتحدث عن الأبوية وإنما هى تتحدث عن نفى الألوهية فلو كان عيسى(ص) يستحق الألوهية بسبب عدم وجود أب فآدم(ص) مثله لاستوائهما فى عدم وجود أب ولكنهما مخلوقين من تراب وليسا إلهين

    وقال :

" وأما {قياس الدلالة} فهو الجمع بين الأصل والفرع بدليل العلة وملزومها؛ ومنه قوله تعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير} فدل سبحانه عباده بما أراهم من الإحياء الذي تحققوه وشاهدوه على الإحياء الذي استبعدوه، وذلك قياس إحياء على إحياء، واعتبار الشيء بنظيره؛ والعلة الموجبة هي عموم قدرته سبحانه، وكمال حكمته؛ وإحياء الأرض دليل العلة ومنه قوله تعالى: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون} فدل بالنظير على النظير، وقرب أحدهما من الآخر جدا بلفظ الإخراج، أي يخرجون من الأرض أحياء كما يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي "

والخطأ الذى ارتكبه ابن القيم فى السابق ارتكبه هنا وهو ما سيرتكبه فى النوع الثالث وهو أن يتكلم عن قياس فى النصوص والله لا يقيس لأنه من يصدر النص والقوم عرفوا القياس بأنه يكون فيما ليس فيه نص وفى النوع الثالث قال :

 " {وأما قياس الشبه} فلم يحكه الله سبحانه إلا عن المبطلين؛ فمنه قوله تعالى إخبارا عن إخوة يوسف أنهم قالوا لما وجدوا الصواع في رحل أخيهم: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} فلم يجمعوا بين الأصل والفرع بعلة ولا دليلها، وإنما ألحقوا أحدهما بالآخر من غير دليل جامع سوى مجرد الشبه الجامع بينه وبين يوسف، فقالوا: هذا مقيس على أخيه، بينهما شبه من وجوه عديدة، وذاك قد سرق فكذلك هذا، وهذا هو الجمع بالشبه الفارغ، والقياس بالصورة المجردة عن العلة المقتضية للتساوي، وهو قياس فاسد، والتساوي في قرابة الأخوة ليس بعلة للتساوي في السرقة لو كانت حقا، ولا دليل على التساوي فيها؛ فيكون الجمع لنوع شبه خال عن العلة ودليلها

ومنه قوله تعالى إخبارا عن الكفار أنهم قالوا: {ما نراك إلا بشرا مثلنا} فاعتبروا صورة مجرد الآدمية وشبه المجانسة فيها، واستدلوا بذلك على أن حكم أحد الشبهين حكم الآخر؛ فكما لا نكون نحن رسلا فكذلك أنتم، فإذا تساوينا في هذا الشبه فأنتم مثلنا لا مزية لكم علينا، وهذا من أبطل القياس؛ "

ثم تحدث عن أول من نقل عنه القول بالقياس فقال:

"لقد عمل الصحابة والتابعون بالقياس وقد تواتر ذلك عنهم الي ان جاء النظام أبو إسحاق إبراهيم بن سيار شيخ المعتزلة فقال بنفي القياس والاجتهاد في الأحكام وتبعه علي قوله هذا داؤود بن علي بن خلف  مؤسس المذهب الظاهري وتبعه علي ذلك الظاهرية، وقال بهذا القول ايضا الشيعة والأمر كما تري فما خرج رأي مخالف لما كان عليه السلف الصالح إلا وكانت له جذور بدعة من البدع "

 والرجل هنا يوزع الاتهامات بلا دليل ولو نظر فى كتب المذهب السنة لوجد رافضين للقياس وقد تحدث عنهم فى المبحث الأول فقال :

"المبحث الاول في أدلة نفاة القياس

استدل هؤلاء بأدلة عديدة من الكتاب والسنة والآثار والمعقول فقالوا:

أولا:- أدلتهم من القران الكريم

اولا: ان القياس طريق غير مأمون لأنه عمل بالظن وقد قال الله (ان الظن لا يغني من الحق شيئا) وقوله (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) وقوله تعالي (ولا تقف ماليس لك به علم) وقول النبي (ص){اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث} متفق عليه من حديث أبي هريرة

ثانيا: قوله تعالي (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) قالوا بما أراك الله لا بما رأيت وقال تعالي (قل إن ضللت فإنمآ أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي) فلو كان القياس هدى لم ينحصر الهدى في الوحي نسب ذلك اليهم الشنقيطي في اضواء البيان

ثالثا: ان القياس فيه اختلاف كثير وهذا دليل بطلانه لأنه لو كان من عند الله لم يكن فيه اختلاف واستدلوا بقوله تعالي (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)

ثانيا: قالوا ان العمل بالقياس حكم بغير ما انزل الله وفي هذا ما فيه وقالوا انه تشريع في دين الله لم يأذن به الله ولا رسوله واستدلوا بقوله تعالي: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون) وقوله تعالي (ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وغيرها من الايات التي في نفس المعني , (قال أبو محمد فنص رسول الله (ص)على أن ما لم يوجبه فهو غير واجب وما أوجبه بأمره فواجب ما أستطيع منه وأن ما لم يحرمه فهو حلال وأن ما نهى عنه فهو حرام فأين للقياس مدخل والنصوص قد استوعبت كل ما اختلف الناس فيه وكل نازلة تنزل إلى يوم القيامة باسمها وبالله تعالى التوفيق

وقال تعالى {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به لله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم}قال أبو محمد فصح بالنص أن كل ما لم ينص عليه فهو شيء لم يأذن به الله تعالى وهذه صفة القياس وهذا حرام

رابعا: (قالوا لا يجوز الحكم البتة في شيء من الأشياء كلها إلا بنص كلام الله تعالى أو نص كلام النبي (ص)أو بما صح عنه (ص)من فعل أو إقرار أو إجماع من جميع علماء الأمة كلها متيقن أنه قاله كل واحد منهم دون مخالف من أحد منهم أو بدليل من النص أو من الإجماع المذكور الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا والإجماع عند هؤلاء راجع إلى توقيف من رسول الله (ص)ولا بد من لا يجوز غير ذلك أصلا) انتهي من الأحكام لابن حزم

خامسا: قالوا ان الشريعة اشتملت علي جميع الأحكام قال تعالي (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقوله تعالي (تبيانا لكل شئ) وقوله تعالي (أولم يكفهم أنآ أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) وقوله تعالي (اليوم اكملت لكم دينكم) وقوله تعالى {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهدآء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}

(قال أبو محمد فصح أن كل ما لم يأتنا به وصية من عند الله عز وجل فهو افتراء على الله كذب وناسبه إلى الله تعالى ظالم ولم تأتنا وصية قط من قبله تعالى بالحكم بالقياس فهو افتراء وباطل وكذب بل جاءتنا وصاياه عز وجل بألا نتعدى كلامه وكلام رسوله (ص)وألا نحرم ولا نوجب إلا ما أوجبا وحرما ونهيا فقط فبطل كل ما عدا ذلك والقياس مما عدا ذلك فهو باطل) انتهي من الأحكام لابن حزم

خامسا: استدلوا بقوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) قالوا ان الله نهانا ان نتقدم بين يديه ويدي رسوله برأي والقياس تقديم بين يدي الله ورسوله لأنه حكم بغير قوليهما

سادسا: قالوا ان مالا نجد له حكما وجب علينا فيه استصحاب البراءة الأصليه واستدلوا بقوله تعالي (هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا) وقوله تعالي (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) وقالوا ان براءة الذمة متيقنة والقياس مظنون فكيف نترك المقطوع به لنعمل بالمظنون

سابعا: قالوا ان الواجب عند التنازع في مسألة الرد الي كتاب الله وسنة رسوله (ص)وليس الي القياس الذي مرجعه الي الظنون قال تعالي (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) وقوله (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب) وقوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) وقوله (وأن احكم بينهم بمآ أنزل الله) وقوله (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) "

الأدلة هنا بعضها يناقض بعض فنجد "سادسا: قالوا ان مالا نجد له حكما وجب علينا فيه استصحاب البراءة الأصلية " أى الشرع فيه مسائل ليس فيها نصوص من الوحى وهو ما يناقض أن كل المسائل لها أحكام فى الشرع بقولهم "خامسا: قالوا ان الشريعة اشتملت علي جميع الأحكام"ووجود مث فى كل مسألة يناقض وجود مسائل ليس قيها نصوص وإنما أفعال للنبى(ص) أو تقريرات أو إجماع فى قولهم"رابعا: (قالوا لا يجوز الحكم البتة في شيء من الأشياء كلها إلا بنص كلام الله تعالى أو نص كلام النبي (ص)أو بما صح عنه (ص)من فعل أو إقرار أو إجماع من جميع علماء الأمة كلها متيقن"

ثم أورد يوسف (ص) براهينهم من السنة كما يزعمون فقال :

"ثانيا:- أدلتهم من السنة

ثامنا :وردت بعض الاحاديث بذم الرأي واتباع المقاييس

كقوله (ص)فيما رواه ابن حزم بسنده في الأحكام" ....سمعت عروة بن الزبير يقول ما زال أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ المولدون أبناء سبايا الأمم فأخذوا فيهم بالرأي فأضلوهم" وأخرج ابن عبد البر عن عروة بن الزبير أنه قال لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيما حتى أدركت فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم فأخذوا فيهم بالرأي فأضلوا بني إسرائيل) وبما روي عن النبي (ص) " تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أشدها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال " انظر المحلي لابن حزم في قتل اهل البغي وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك عن عوف بن مالك ثم قال (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه) وكقوله (ص) {تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب، وبرهة بالسنة، وبرهة بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا} ) من المستصفي للغزالي وأخرجه ايضا ابن حزم في الأحكام في فصل في ابطال القياس واستدلوا بقوله (ص)عن عأمر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن النبي (ص)قال {إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته} والحديث متفق عليه رواه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص وقوله {إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان لها رحمة لكم فلا تبحثوا عنها} من حديث ابي ثعلبة الخشني اخرجه الدارقطني والبيهقي وغيرهما وقال النووي في رياض الصالحين حديث حسن وقال  ماهر يسن الفحل محقق الكتاب حديث ضعيف

تاسعا: ورد عن بعض السلف ذم القياس والعمل به كعمر بن الخطاب

(قال عمر بن الخطاب إياكم والرأي فإن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يعوها وتفلت منهم أن يحفظوه فقالوا في الدين برأيهم) الأحكام لابن حزم (وقال علي لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقال ابن مسعود قراؤكم وصلحاؤكم يذهبون ويتخذ الناس رؤساء جهالا فيقيسون مالم يكن بما كان وقوله إن حكمتم الرأي أحللتم كثيرا مما حرمه الله عليكم وحرمتم كثيرا مما أحله وقول ابن عباس إن الله لم يجعل لأحد أن يحكم برأيه وقال لنبيه لتحكم بين الناس بما أراك الله ولم يقل بما رأيت وقوله إياكم والمقاييس فما عبدت الشمس إلا بالمقاييس وقال ابن عمر ذروني من أرأيت وأرأيت" روضة الناظر لابن قدامة وأخرج ابن عبد البر بإسناده إلى ابن مسعود قال ليس عام إلا الذي بعده شر منه لا أقول عام أبتر من عام ولا عام أخصب من عام ولأمير خير من أمير ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فيهدم الإسلام وينثلم وأخرجه البيهقي بإسناد رجاله ثقات وأخرج أيضا عن الشعبي أنه قال إياكم والمقايسة فو الذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال ولكن ما بلغكم ممن حفظ عن أصحاب رسول الله (ص)فاحفظوه" وأخرجه أيضا الدارمي في السنن رقم 110 باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة"

وما نقلوه من روايات معظمها ليست عن النبى(ص) وأولها وهو حكاية المولدون فى بنى إسرائيل لا تتفق مع انغلاق اليهود على أنفسهم كما تتعارض مع أنهم ضلوا دون حاجة لغيرهم وفى عهد موسى(ص) نفسه بعبادة العجل مرة وبطلب صناعة أصنام لهم كبقية الناس وأما حكاية افتراق الأمة والقياس بضرب من الخبل فالأمة عندما تفترق لا تكون أمة وإنما تكون أمم كلها ضال وأيضا سكون الله عن اشياء غير نسيان يتهارض مع قوله تعالى " تبيانا لكل شىء" فهو لم يسكت عن شىء  ثم ذكر يوسف براهينهم من العقل كما يزعمون وهى:

ثالثا:- أدلتهم من المعقول

عاشرا: قالوا أن الرسول (ص)قد أوتي جوامع الكلم فكيف يليق به أن يترك الوجيز المفهم إلى الطويل الموهم فيعدل عن قوله: حرمت الربا في كل مطعوم أو كل مكيل، إلى عد الأشياء الستة ليرتبك الخلق في ظلمات الجهل؟) انتهي من المستصفي

حادي عشر: قالوا ان الشرع مبني علي التعبد وقد جاء بالجمع بين المختلفات والتفريق بين المتماثلات وضربوا أمثلة لذلك منها أن القتل أكبر من الزنا , ومع هذا فقد جعل الله في القتل شاهدين وفي الزنا أربعة , وإن البول أنجس من المني , ومع هذا جعل الله في البول وضوءا وفي المني غسلا , وأن الصلاة أعظم من الصيام , ومع هذا فقد وجب على الحائض أن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ومنها أن الشرع أوجب تطهير ما أصابه بول الجارية ولم يوجبه من بول الصبي وهما في سن واحدة اي ما لم يأكلا ومنها أن الشرع جعل الكفارة اليمين والظهار والقتل الخطأ وهي اشياء مختلفة وهذا دليل النظام في نفي القياس"

وما ذكروه هنا من براهين معقولة ليس معقولة لأنهم بنوه على ما اعتقدوه من نصوص الروايات ولم يبنوه على شىء خارج من النصوص

وفى المبحث التالى ذكر براهين القائلين بالقياس فقال:

المبحث الثاني:في أدلة القائلين بحجية القياس

بداية أقول أن من الأصوليين من عبر بحجية القياس ومنهم من عبر بالتعبد بالقياس والا فرق بين التعبيرين لان مقتضاهما واحد فاذا كان القياس حجة جاز التعبد به فممن عبر (: ((بحجية القياس)) الفخر الرازي والشيرازي والزركشي وابن السبكي والأسنوي والشوكاني, وعبر آخرون بلفظ ((التعبد)) به نحو الغزالي، وابن قدامة وابن الحاجب والآمدي ... أما الأدلة في اثبات حجية القياس فهي:

أولا:- من الكتاب العزيز

أولا قوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)

قال الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (المسألة الرابعة: اعلم أن قوله: {فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول} يدل عندنا على أن القياس حجة، والذي يدل على ذلك أن قوله: {فإن تنازعتم فى شىء} إما أن يكون المراد فان اختلفتم في شيء حكمه منصوص عليه في الكتاب أو السنة أو الاجماع، أو المراد فان اختلفتم في شيء حكمه غير منصوص عليه في شيء من هذه الثلاثة، والأول باطل لأن على ذلك التقدير وجب عليه طاعته فكان ذلك داخلا تحت قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} وحينئذ يصير قوله: {فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول} إعادة لعين ما مضى، وإنه غير جائز  وإذا بطل هذا القسم تعين الثاني وهو أن المراد: فان تنازعتم في شيء حكمه غير مذكور في الكتاب والسنة والاجماع، واذا كان كذلك لم يكن المراد من قوله: {فردوه إلى الله والرسول} طلب حكمه من نصوص الكتاب والسنة  فوجب أن يكون المراد رد حكمه إلى الأحكام المنصوصة في الوقائع المشابهة له، وذلك هو القياس، فثبت أن الآية دالة على الأمر بالقياس  فان قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله: {فردوه إلى الله والرسول} أي فوضوا علمه إلى الله واسكتوا عنه ولا تتعرضوا له؟ وأيضا فلم لا يجوز ان يكون المراد فردوا غير المنصوص إلى المنصوص في أنه لا يحكم فيه إلا بالنص؟ وأيضا لم يجوز لا أن يكون المراد فردوا هذه الأحكام إلى البراءة الأصلية؟

قلنا: أما الأول فمدفوع، وذلك لأن هذه الآية دلت على أنه تعالى جعل الوقائع قسمين، منها ما يكون حكمها منصوصا عليه، ومنها ما لا يكون كذلك، ثم أمر في القسم الأول بالطاعة والانقياد، وأمر في القسم الثاني بالرد إلى الله وإلى الرسول، ولا يجوز أن يكون المراد بهذا الرد السكوت، لأن الواقعة ربما كانت لا تحتمل ذلك، بل لا بد من قطع الشغب والخصومة فيها بنفي أو إثبات، واذا كان كذلك امتنع حمل الرد إلى الله على السكوت عن تلك الواقعة، وبهذا الجواب يظهر فساد السؤال الثالث

وأما السؤال الثاني: فجوابه أن البراءة الأصلية معلومة بحكم العقل، فلا يكون رد الواقعة اليها ردا إلى الله بوجه من الوجوه، أما إذا رددنا حكم الواقعة إلى الأحكام المنصوص عليها كان هذا ردا للواقعة على أحكام الله تعالى، فكان حمل اللفظ على هذا الوجه أولى )

وقد قال نفس الكلام ابن عادل في تفسيره اللباب فقال (دلت هذه الآية على أن القياس حجة)"

ما قيل هنا باطل تماما فلم يذكر القياس تلميحا ولا توضيحا والرد إلى الله والرسول يعنى الرد للنص وهو وحى الله والسؤال هل لا يوجد رد عند الله ؟ إن هذا اتهام لله  تعالى عن ذلك بالجهل  وقال:

"ثانيا قوله تعالي (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) قال ابن عادل في تفسير اللباب

(دلت هذه الآية على أن القياس حجة؛ لأن قوله: {الذين يستنبطونه منهم} صفة لأولي الأمر، وقد أوجب الله على الذين يجيئهم أمرين: الأمن، أو الخوف أن يرجعوا في معرفته إليهم ولا يخلو إما أن يرجعوا إليهم في معرفة هذه الوقائع مع حصول النص فيها أو لا، والأول باطل؛ لأن من استدل بالنص في واقعة لا يقال: إنه استنبط الحكم؛ فثبت أنه - تعالى- أمر المكلف برد الوقعة إلى من يستنبط الحكم فيها، ولولا أن الاستنباط حجة، لما أمر المكلف بذلك؛ فثبت أن الاستنباط حجة الي ان قال فإن قيل: لا نسلم أن المراد ب {الذين يستنبطونه منهم} أولي الأمر، لكن هذه الآية إنما نزلت في بيان الوقائع المتعلقة بالحروب والجهاد، فهب أن الرجوع إلى الاستنباط جائز فيها، فلم قلتم بجوازه في الوقائع الشرعية؛ فإن قيس أحد البابين على الآخر، كان ذلك إثباتا للقياس الشرعي بالقياس، وأنه لا يجوز أن الاستنباط في الأحكام الشرعية داخل تحت الآية فلما قلتم يلزم أن يكون القياس حجة، فإنه يمكن أن يكون المراد بالاستنباط: استخراج الأحكام من النصوص الخفية، أو من تركيبات النصوص، أو المراد منه استخراج الأحكام من البراءة، الأصلية، أو مما ثبت بحكم العقل، كما يقول الأكثرون إن الأصل في المنافع الإباحة، وفي المضار الحرمة سلمنا أن القياس الشرعي داخل في الآية، لكن بشرط أن يكون القياس مفيدا للعلم؛ لقوله - تعالى-: {لعلمه الذين يستنبطونه منهم}   فاعتبر حصول العلم من هذا الاستنباط، ونزاع في مثل هذا القياس، إنما النزاع في القياس الذي يفيد الظن: هل هو حجة في الشرع، أم لا والجواب: أما الأول فلا يصح؛ لأنه يصير التقدير: أو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلموه، وعطف المظهر على المضمر، وهو قوله: «ولو ردوه» قبيح مستكره

وأما الثاني فمدفوع من وجهين:

أحدهما: أن قوله: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف} حاصل في كل ما يتعلق بباب التكليف، فليس في الآية ما يوجب تخصيصها بأمر الحروب  وثانيها: هب أن الأمر كما ذكرتم، لكن لما ثبت تعرف أحكام الحروب بالقياس الشرعي، وجب أن يتمسك بالقياس الشرعي في سائر الوقائع، لأنه لا قائل بالفرق  وأما الثالث: وهو حمل الاستنباط على استخراج النصوص الخفية أو على تركيبات النصوص الخفية أو على تركيبات النصوص، فكل ذلك لا يخرجه عن كونه منصوصا، والتمسك بالنص لا يسمى استنباطا

وأما قوله: لا يجوز حمله على التمسك بالبراءة الأصلية  قلنا: ليس هذا استنباطا، بل هذا إبقاء لما كان على ما كان، ومثل هذا لا يسمى استنباطا

وأما الرابع: وهو أن هذا الاستنباط إنما يجوز عند حصول العلم، والقياس الشرعي لا يفيد العلم  فنقول: جوابه من وجهين:

أحدهما: أنه عندنا يفيد العلم؛ أن ثبوت إن القياس حجة يقطع بأنه مهما غلب على الظن أن حكم الله في الأصل معلل بكذا، ثم غلب على الظن أن ذلك المعنى قائم في الفرع، فهنا يحصل ظن أن حكم الله في الفرع مساو لحكمه في الأصل، وعند هذا الظن يقطع بأنه مكلف بأن يعمل على وفق هذا الظن؛ فالحاصل: أن الظن واقع في طريق الحكم، وأما الحكم فمقطوع به، وهو يجري مجرى ما إذا قال الله - تعالى-: مهما غلب على ظنك كذا، فاعلم أن حكمي في الواقعة كذا، فإذا غلب الظن قطعنا بثبوت ذلك الحكم انتهي من تفسير اللباب لابن عادل وهو كذلك نص كلام فخر الدين الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب"

بالقطع الآية تتحدث عن تفسير أحداث الأمن والخوف وليس عن أحكام الله فيهما فتفسير الأحداث هو ما يقوم به القضاة لاصدار الحكم فى الأحداث التى يتعرض عليهم من قتل او جرح أو ما شابه ولذا لم يقل الله بالرد لله فى الآية "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا"

ثم ذكر البرهان الثالث فقال:

"ثالثا قوله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}وجه الدلالة: أن الاعتبار هو لغة: مقايسة الشيء بغيره قال الزركشي في البحر المحيط (وقد سئل أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب وهو من أئمة اللسان عن " الاعتبار " فقال: أن يعقل الإنسان الشيء فيعقل مثله فقيل: أخبرنا عمن رد حكم حادثة إلى نظيرها أيكون معتبرا؟ قال: نعم هو مشهور في كلام العرب ) قال الشوكاني في ارشاد الفحول(ووجه الاستدلال بهذه الآية أن الاعتبار مشتق من العبور وهو المجاوزة يقال عبرت على النهر والمعبر الموضع الذي يعبر عليه والمعبر السفينة التي يعبر فيها أداة العبور والعبرة الدمعة التي عبرت من الجفن وعبر الرؤيا جاوزها إلى ما يلازمها قالوا فثبت بهذه الاستعمالات أن الاعتبار حقيقة في المجاوزة فوجب أن لا يكون حقيقة في غيرها دفعا للاشتراك والقياس عبور من حكم الأصل إلى حكم الفرع فكان داخلا تحت الأمر) فالاعتبار هو تمثيل الشيء بغيره, وإجراء حكمه عليه, ومساواته به, وهذا هو القياس ومنه قولهم: " اعتبر الدينار بالصنجة " قس الدينار بالصنجة, وهو القياس والاعتبار مأمور به لقوله {فاعتبروا} فيكون القياس مأمورا به وقال ابن رشد في كتابه فصل المقال (وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي، أو العقلي والشرعي معا )

وقال (قال ابن مفلح: القياس دين، وعند أبي الهذيل: لا يطلق عليه اسم دين، وهو في بعض كلام القاضي وعند الجبائي: الواجب منه دين انتهى وقال الروياني في البحر: القياس عندنا دين الله وحجته وشرعه انتهى ) انتهي من شرح الكوكب المنير وقال الزركشي في البحر المحيط (واعتمد ابن سريج في إثباته على قوله: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} ونقل القاضي أبو بكر في " التقريب " اتفاق أهل اللغة على أن الاعتبار اسم يتناول تمثيل الشيء بغيره، واعتباره به، وإجراء حكمه عليه، والتسوية بينهما في ذلك )"

بنى القوم دليلهم على الهواء حيث انتزعوا الجملة من سياقها وهو: "هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار"

فالمطلوب هو الاتعاظ بما حدث للكتابيين وهو أمر ليس فيه أى قياس

وأما الدليل الرابع عندهم فهو :

"رابعا قوله تعالى {فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم}  قال علي النملة في اتحاف ذوي البصائر (وجه الدلالة: أن الله تعالى قد أقام مثل الشيء مقام الشيء, فدل ذلك على أن حكم الشيء يعطى لنظيره, وأن المتماثلين حكمهما واحد, وذلك هو القياس الشرعي, وقد استدل بهذه الآية الإمام الشافعي في " الرسالة ") نقل ذلك الشوكاني في ارشاد الفحول وضعف الاستدلال بالآية علي القياس وقد ضعف ابو حنيفة هذا الاستدلال بالآية علي القياس"

نلاحظ الخبل هنا وهو الاستدلال بنص على القياس فالنص يقول أى أى عدد يقتله الصائد من الحيوانات يكون الواجب عليه هو التكفير بنفس العدد من الأنعام ومن ثم لا يوجد أى قياس وإنما هو نص كامل  وأما البرهان الخامس فهو:

"خامسا قوله تعالي (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) استدل بها شيخ الاسلام ابن تيمية علي حجية القياس قاله  علي النملة في اتحاف ذوي البصائر "

أين القياس وكل شىء واضح حلالا وحراما فى الآية ؟

 وأما الدليل السادس فهو :

"سادسا: ان القران جاءت به كثير من التشريعات والأحكام معللة مبينة حكمتها والمصلحة منها وهذا يدلنا اننا اينما وجدت امثال هذه المصالح والعلل فعلينا ان نعمل بمثل تلك الأحكام فمن هذه الأحكام القصاص قال تعالي (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) فبين تعالي ان القصاص انما شرح للحفاظ علي حياتنا وكذلك قوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فبين سبحانه ان الغاية من تشريع الصيام هي بلوغ درجة التقوي وليس هذا فقط بل حتي في الامور الكونية يبين الله سبحانه أنه ما خلقها الا لعلة وحكمة قال سبحانه (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) فبين الحكمة وهو العلم بعدد السنين والحساب وختم الاية بقوله يفصل الايات لقوم يعلمون وقال سبحانه (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) فبين العلة والحكمة من تشريعه لقسمة الفيئ علي هذه الاصناف وقال سبحانه (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون) فبين ان الحكمة من خلق الجبال كيلا تميد الارض بمن عليها وقال سبحانه (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما) فبين ان الحكمة من ارسال الرسل الي الخلق الاعذار اليهم لأنه يحب العذر سبحانه حتي لا يكون لأحد حجة بعد ذلك اضافة الي غير ذلك من الحكم كإنذار الخلق وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة وقال سبحانه (فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن) فبين علة ارجاعه موسي الي امه بالاضافة الي تحقيقه سبحانه وعده لها بارجاعه وقال سبحانه(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) فبين الحكم من ارسال الرسل وانزال الحديد وهي القيام بالعدل ونشره وحمايته وليعلم سبحانه من ينصره ورسله بالغيب وقال سبحانه (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) قال ابن كثير (أي: ليتحققوا أنهم لا يقدرون على رد ما أعطاه الله، ولا على إعطاء ما منع الله) فمن قرأ القران تبين له ذلك واستخرج من كنوزه ولا يجادل في هذه الجاهل أو مكابر جامد"

لا يوجد دليل فالقوم يذكرون نصوصا فيها على الحكم ولا يذكرون أى شىء مقيس عليها ولو عقلوا لعلموا أن العلة قد تتحد ومع هذا يختلف الحكم فعلة القصاص وعلة الصوم واحدة فى الآيتيين التى نقلوها فى أول الدليل وهو لعلكم تهتدون ومع هذا حكم القصاص غير حكم الصوم

وأما دليلهم التالى فقد قال فيه:

"سابعا: ان في القران ضرب الامثال والمقاييس

قال ابن القيم في كتابه الماتع النافع اعلام الموقعين (قال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} فالقياس في ضرب الأمثال من خاصة العقل، وقد ركز الله فطر الناس وعقولهم على التسوية بين المتماثلين وإنكار التفريق بينهما، والفرق بين المختلفين وإنكار الجمع بينهما)   وقد استشهد بكثير من الايات التي تدل علي القياس (منها قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}  ومنها قوله تعالى: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} فذكر سبحانه إهلاك من قبلنا من القرون، وبين أن ذلك كان لمعنى القياس، وهو ذنوبهم، فهم الأصل ونحن الفرع، والذنوب العلة الجامعة، والحكم الهلاك؛ فهذا محض قياس العلة، وقد أكده سبحانه بضرب من الأولى، وهو أن من قبلنا كانوا أقوى منا فلم تدفع عنهم قوتهم وشدتهم ما حل بهم، ومنه قوله تعالى: {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون}والمقصود أنه سبحانه ألحقهم بهم في الوعيد، وسوى بينهم فيه كما تساووا في الأعمال، وكونهم كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا فرق غير مؤثر، فعلق الحكم بالوصف الجامع المؤثر، وألغى الوصف الفارق، ثم نبه على أن مشاركتهم في الأعمال اقتضت مشاركتهم في الجزاء فقال: {فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا} فهذه هي العلة المؤثرة والوصف الجامع، وقوله: {أولئك حبطت أعمالهم} هو الحكم، والذين من قبل هم الأصل، والمخاطبون الفرع) انتهي من اعلام الموقعين"

 الخبل هنا هو الاستدلال على صحة القياس البشرى بقياس الله فى الوحى عن طريق الأمثال فالله لا يقيس لأن كل قول يقوله نص ولا يصلح أن نشبه ما نفعله بما يفعله الله حتى لا نقع فى مخالفة قوله تعالى " ليس كمثله شىء" 

ثم ذكر يوسف براهين القوم من الروايات فقال:

"ثانيا:-الاستدلال بالسنة علي حجية القياس

أولا تقريره (ص)لمعاذ لما قال اجتهد رأيي قال ابن قدامة في روضة الناظر (قول النبي (ص)لمعاذ بم تقضي قال بكتاب الله قال فإن لم تجد قال بسنة رسول الله (ص)قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيي قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله (ص)قالوا هذا الحديث يرويه الحارث بن عمرو عن رجال من أهل حمص) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (أحمد وأبو داود والترمذي، وابن عدي والطبراني والبيهقي، من حديث الحارث بن عمرو، عن ناس من أصحاب معاذ، عن معاذ  قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بمتصل  وقال البخاري في تاريخه: الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ، وعنه أبو عون لا يصح، ولا يعرف إلا بهذا، وقال الدارقطني في العلل: رواه شعبة، عن أبي عون هكذا، وأرسله ابن مهدي وجماعات عنه، والمرسل أصح  قال أبو داود: أكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ: أن رسول الله، وقال مرة: عن معاذ، وقال ابن حزم: لا يصح، لأن الحارث مجهول وشيوخه لا يعرفون ) وقال الشيخ علوي السقاف في تخريج احاديث في ظلال القران لشهيد الاسلام سيد قطب (لا يصح  رواه: أبو داود، والترمذي، وغيرهما  انظر: ((جامع الأصول )) (10/177) ، ((السلسلة الضعيفة)) (2/273)  ) انتهي من تخريج كتاب في ظلال القران قلت: وقال عنه الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " (2 / 273) :منكر) قال ابن قدامة في روضة الناظر

(قلنا قد رواه عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ ثم هذا الحديث تلقته الآمة بالقبول فلا يضره كونه مرسلا والثاني لا يصح لأنه بين أنه يجتهد فيما ليس فيه كتاب ولا سنة) انتهي من روضة الناظر  قال العلامة ابن القيم: (فهذا حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك؛ لأنه يدل على شهرة الحديث وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى؟ ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم، لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث؟ وقد قال بعض أئمة الحديث: إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به، قال أبو بكر الخطيب: وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، وهذا إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة، على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم، كما وقفنا على صحة قول رسول الله (ص) {لا وصية لوارث} ، وقوله في البحر {، هو الطهور ماؤه الحل ميتته} ، وقوله: {إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع} ، وقوله: {الدية على العاقلة} ، وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد، ولكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها، فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له، انتهى كلامه )

قلت وقد اقر النبي سعد بن معاذ في حكمه علي بني قريظة باجتهاده وقال {لقد حكمت فيهم اليوم بحكم الله} والحديث رواه البخاري ومسلم في كتاب الجهاد والسير في صحيحيهما وكذلك في مناقب سعد وأقر كذلك عمارا لما تمرغ في الارض اذ كان جنبا قياسا علي الغسل ثم بين له النبي كيفية التيمم والحديث رواه البخاري ومسلم واخرج الامام احمد في مسنده

و (عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال النبي (ص)يوم الأحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي (ص)فلم يعنف واحدا منهم) اخرجه البخاري وها انت تري انه (ص)قد اقر الفريقين علي اجتهادهم

ومن ذلك ما رواه البخاري في باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم ويذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم وتلا {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} فذكر للنبي (ص)فلم يعنف) كتاب التيمم من صحيح البخاري

أيضا الصحابة لما نصبوا خالد اميرا عليهم في مؤتة وسماه يومها سيف من سيوف الله ,وعن أبي سعيد الخدري، قال: {خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله (ص)فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ فأعاد: لك الأجر مرتين} فأنت تري ان النبي (ص)قد اقرهما علي اجتهادهما والحديث رواه كماقال ابن حجر في التلخيص الحبير (أبو داود والدارمي والحاكم من حديث أبي سعيد الخدري، ورواه النسائي مسندا ومرسلا، ورواه الدارقطني موصولا ثم قال: تفرد به عبد الله بن نافع، عن الليث، عن بكر بن سوادة، عن عطاء عنه موصولا، وخالفه ابن المبارك فأرسله، وكذا قال الطبراني في الأوسط)"

ما روى هنا خبل وهو الحكم بغير ما حكم به الله وهو الاجتهاد بالرأى مع قوله تعالى " تبيانا لكل شىء" فلا يصح اجتهاد مع النص وواجب المسلم هو انتظار حكم الله إن لم يكن قد نزل فى ذلك العهد وليس وظيفته الاجتهاد فى الرأى كما حدث مع النبى(ص) فى أمر القبلة حيث كان ينظر فى السماء انتظارا لحكم تغيير القبلة كما قال تعالى "قد نرى تقلب وجهك فى السماءفلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام"

وأما حكاية حكم سعد فى بنى قريظة فلا أصل لها وكيف يحكم سعد وحكم الله موجود وهو مخالف لحكمه المزعوم بقتل الكل وسبى النساء والأطفال فلا يمكن قتل غير المقاتلين " فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"ولا يوجد سبى للنساء ولا للأطفال فالأسرى يطلق سراجهم بعد الحرب كما قى قوله تعالى "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها"

والدليل الثانى قولهم:

"ثانيا: تعليمه (ص)للصحابة كيفية استنباط العلل وأن الأحكام شرعت لعلل وحكم ومصالح تقتضيها كقول النبي (ص)للخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه قالت نعم قال فدين الله أحق أن يقضى والحديث عند البخاري وروي مسلم (عن ابن عباس قال:جاءت أمرأة إلى رسول الله (ص)فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك) فهذا قياس منه (ص)لدين الله علي دين الادمي في وجوب الوفاء قال ان قدامة في روضة الناظر (وقوله عليه السلام لعمر حين سأله عن القبلة للصائم ثم قال أرأيت لو تمضمضت فهو قياس للقبلة على المضمضة بجامع أنها مقدمة الفطر ولا يفطر) قلت ومثله تنبيه الصحابة علي قياس العكس وهو اذا حكم بكم ما لوجود علة فالحكم ينعكس اذا انعكست العلة وذلك لما قال النبي لهم وفي بضع احدكم صدقة قالوا اياتي احدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال (ص) أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: نعم  قال: كذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر " والحديث رواه مسلم من حديث ابي ذر الغفاري "

الروايات كلها لم تحدث لمخالفتها كلام الله فالحج  والصوم عن الغير هو وأى عمل أخر لا يصلح مع قوله تعالى " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" ومن ثم فهو سعى من الغير   وأما سداد دين الميت فواجب على الورثة لأنه يرثون مال من مال الميت فإن لم يكن له مال فقد انتفع الورثة به فى حياتهم ومن ثم فهم شركاء فى الدين  وكما أنه كان واجبا على الميت النفقة عليهم وهو صغار فواجبهم النفقة عليه وهو كبير وسداد دينه ردا لبعض ما أنفقه عليهم  وأما رواية القبلة فهى تحالف قوله تعالى "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" فلا يوجد قياس للقبلة على المضمضة او العكس لوجود نص محرم لأى فعل من أفعال الجماع وأما دليلهم الثالث فهو:

"ثالثا عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله (ص)يقول: {إذا حكم الحاكم فاجتهد، فأصاب فله أجران، وإذا حكم وأخطأ فله أجر} اخرجه احمد ورواه البخاري ومسلم عن ابي هريرة انظر الجامع الكبير للسيوطي ونصب الراية للزيلعي, قال ابن قدامة في روضة الناظر (ويتجه عليه أنه يجتهد في تحقيق المناط دون تخريجه) وهو كما قال ابن حزم في احكام الأحكام فصل في ابطال القياس وهو يرد علي المستدلين بهذا الحديث قال (ليس فيه للقياس أثر لا بدليل ولا بنص ولا للرأي أيضا لا يذكر ولا بدليل بوجه من الوجوه وإنما فيه إباحة الاجتهاد فقط والاجتهاد ليس قياسا ولا رأيا وإنما الاجتهاد إجهاد النفس واستفراغ الوسع في طلب حكم طلب النازلة في القول والسنة) والحق ان القياس نوع من الاجتهاد فيدخل في عموم اباحة الاجتهاد ما لم يـأت دليل باستثنائه وليس ثم دليل بذلك فدل علي ان القياس مباح مشروع"

 الرواية تخالف الأجر فى القرآن فليس للمجتهد المصيب أجرين وللمخطىء واحد وإنما حسب كلام الله عشر حسنات كما قال تعالى ط من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" ومن ثم فهو كلام لن يقله النبى(ص)وأما دليلهم الرابع فهو:

"رابعا: وروى ابن الصباغ وهو من سادات أصحاب الشافعي في كتابه المسمى بالشامل عن قيس بن طلق بن علي أنه قال جاء رجل الى رسول الله (ص)كأنه بدوي فقال يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما توضأ فقال هل هو إلا بضعة منه وهذا هو القياس) انتهي من الأصول  للشاشي"

هذا ليس قياس لأن القياس يوجب وجود المقياس والمقيس عليه وليس فى الرواية مقياس ولا مقيس عليه لأن الذكر وهو جزء لا يصلح لأن يكون مقياسا للجسم كله ولا الجسم يصلح أن يكون مقياسا للذكر وإنما القياس يستوجب شيئين مختلفين عند القوم وأما الدليل الخامس فهو:

"خامسا: روي البخاري في صحيحه قال حدثنا أصبغ بن الفرج حدثني ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن أعرابيا أتى رسول الله (ص)فقال إن أمرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته فقال له رسول الله (ص)هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال إن فيها لورقا قال فأنى ترى ذلك جاءها قال يا رسول الله عرق نزعها قال ولعل هذا عرق نزعه ولم يرخص له في الانتفاء منه وقد ترجم له البخاري بترجمة لطيفة قال: باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين قد بين الله حكمهما ليفهم السائل قال صاحب كتاب الفصول في الأصول : (فقايسه رسول الله (ص)ورده إلى أمر كان قد تقرر عنده، من نظير ما سأل عنه، ونبهه على أن يحكم له بحكمه ) وقال النووي (وفيه إثبات القياس والاعتبار بالأشباه، وضرب الأمثال )"

 الرواية ليس فيها قياس فالولد لا يقاس على الجمل ولا العكس لأن القياس يرتكز على تحريم أو تحليل الأفعال وليس الأشخاص أو افراد الأنواع  خاصة عندما يكون أحدهما مخير والثانى مسير وأما الدليل السادس فهو:

"سادسا: ورد كثير من الأحاديث الصحيحة عن النبي (ص)وفيها بيان علة الحكم اما صريحة منصوص عليها واما مستنبطة مما يدل ان الأحكام الشرعية شرعت لعلة وحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها وليس من جهل حجة علي من علم بل العكس هو الصواب وانه اينما وجدت تلك العلل وجب ان نحكم بتلك الأحكام فمن الاحاديث التي وردت من هذا القبيل قوله صلي الله عيه وسلم انما نهيتكم من اجل الدافة وكان قد نهاهم عن ادخار لحوم الاضاحي فوق ثلاث والحديث في صحيح مسلم من حديث علي بن ابي طالب وقوله عن الاستئذان انما جعل من اجل النظر والحديث عند البخاري وغيره من حديث سهل بن سعد وقال في سبب تحريم الحمر الاهلية انها رجس والحديث عند البخاري من حديث انس بن مالك وقوله (ص)في بيان ان سؤر الهرة طاهر (انها من الطوافين عليكم والطوافات) والحديث رواه أحمد وابو داؤود وغيرهما من رواية ابي قتادة الانصاري فبين النبي ان ذلك لرفع الحرج وكقوله (ص)(أينقص الرطب اذا جف قالوا نعم قال فلا إذن) والحديث عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار من رواية سعد بن ابي وقاص فبين النبي ان سبب عدم مشروعية عارية الرطب بالتمر هي الربا وقوله صلي الله عيه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تذكركم الاخرة) فبين ان المصلحة من شرعيتها انها تذكر هم بالآخرة وكان قد نهاهم من قبل لانهم كانوا حديثي عهد بالاسلام وكانت المصلحة حينئذ ان تجرهم زيارتها الي تعظيمها فلذلك نهاهم عنها وغيرها من الاحاديث"

 الكلام يتحدث عن وجود علة لكل حكم حسب الروايات ولكنه لا يتحدث عن القياس 

ثم تحدث يوسف عن الأدلة على حجية القياس فقال :

"ثالثا:- الاستدلال علي حجية القياس بالاجماع

(قال ابن عقيل الحنبلي وقد بلغ التواتر المعنوي عن الصحابة باستعماله وهو قطعي وقال الصفي الهندي دليل الإجماع هو المعول عليه لجماهير المحققين من الأصول يين وقال الرازي في المحصول مسلك الإجماع هو الذي عول جمهور الأصول يين وقال ابن دقيق العيد عندي أن المعتمد اشتهار العمل بالقياس في أقطار الأرض شرقا وغربا قرنا بعد قرن عند جمهور الأمة إلا عند شذوذ متأخرين قال وهذا أقوى الأدلة) ارشاد الفحول للشوكاني

قال الآمدي في الأحكام (وأما الإجماع وهو أقوى الحجج في هذه المسألة فهو أن الصحابة اتفقوا على استعمال القياس في الوقائع التي لا نص فيها من غير نكير من أحد منهم) نعم لقد استعمل الصحابة القياس في مسائل لا تحصر وهي بالكثرة التي تدل علي التواتر المعنوي كما قال الشاطبي في الموافقات فصل في اقتناص القطعيات من الظنيات وهو من امتع ما كتب في ذلك الباب فوجود هذه الآثار الكثيرة التي استعمل فيها الصحابة القياس دليل علي ان الأمر ثابت مجمع عليه عندهم ويسعنا ما وسع صحابة رسول الله (ص)فيهم اصفي الامة قلوبا واقواها ايمانا واعمقها فهما ولقد اختارهم الله لصحبة نبيه (ص)فمن هذه الاجماعات

اولا اجماعهم علي بيعة ابي بكر الصديق ولم يكن ثم نص ولقد استدلوا علي ذلك باختيار النبي (ص)له لامامتهم في الصلاة اثناء مرضه (ص)وقد اثر عن علي وعمر قولهما: رضيناه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا ونسبه ابن القيم في اعلام الموقعين الي الصحابة وقال في فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (قال الأنصار منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر فقال ألستم تعلمون أن رسول الله (ص)مر ابابكر أن يصلي بالناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالوا نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر حديث حسن أخرجه أحمد والدارقطني عن أمير المؤمنين علي قال له قائل حدثنا عن أبى بكر قال ذاك رجل سماه الله الصديق على لسان جبريل خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم رضيه لديننا فنرضاه لدنيانا) وهذا قياس اولي لان أمر الدين اعظم من أمر الدنيا

ثانيا: (قياسهم العهد على العقد إذ عهد أبو بكر إلى عمر ولم يرد فيه نص لكن قياسا لتعيين الإمام على تعيين الأمة) روضة الناظر

ثالثا: (ومن ذلك موافقتهم أبا بكر في قتال مانعي الزكاة بالاجتهاد) روضة الناظر

رابعا:كتابة ابي بكر للمصحف لما استحر القتل في قراء القران من الصحابة في حربهم مع مدعي النبوة في اليمامة فاشار عمر علي ابي بكر بكتابة المصحف فابي قائلا لم اكن لافعل أمرا ما فعله رسول الله (ص)ولكن مع الحاح عمر واستخار ابو بكر شهرا حتي شرح الله صدره لكتابة المصحف

رابعا: (عن شريح القاضي قال: قال لي عمر بن الخطاب أن أقض بما استبان لك من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم تعلم كل أقضية رسول الله (ص)فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين، فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك، واستشر أهل العلم والصلاح

وقال الحميدي: ثنا سفيان ثنا الشيباني عن الشعبي قال: كتب عمر إلى شريح إذا حضرك أمر لا بد منه فانظر ما في كتاب الله فاقض به، فإن لم يكن ففيما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن ففيما قضى به الصالحون وأئمة العدل، فإن لم يكن فأنت بالخيار، فإن شئت أن تجتهد رأيك فاجتهد رأيك، وإن شئت أن تؤأمرني، ولا أرى مؤأمرتك إياي إلا خيرا لك، والسلام ) انتهي من اعلام الموقعين لابن القيم من فصل النوع الثالث من الرأي المحمود

خامسا: (ومن ذلك أنه لما قيل لعمر إن سمرة قد أخذ الخمر من تجار اليهود في العشور وخللها وباعها قال قاتل الله سمرة أما علم أن رسول الله (ص)قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها قاس الخمر على الشحم وأن تحريمها تحريم لثمنها ومن ذلك أنه جلد أبا بكرة حيث لم يكمل نصاب الشهادة بالقياس على القاذف وإن كان شاهدا لا قاذفا) انتهي من الأحكام للامدي

سادسا: (ومن ذلك أن عمر كان يشك في قود القتيل الذي اشترك في قتله سبعة فقال له علي يا أمير المؤمنين أرأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة أكنت تقطعهم قال نعم قال فكذلك وهو قياس للقتل على السرقة) انتهي من الأحكام للامدي

سابعا: وهذه امور اخري تدل بجملتها علي استعمال الصحابة للقياس

(وجمع عثمان له على ترتيب واحد واتفاقهم على الاجتهاد في مسألة الجد والأخوة على وجوه مختلفة مع قطعهم أنه لا نص فيها وقولهم في المشركة ومن ذلك قول أبي بكر في الكلالة أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه الكلالة ما عدا الوالد والولد ونحوه عن ابن مسعود في قضية بروع بنت واشق ومنه حكم الصديق في التسوية بين الناس في العطاء كقوله إنما أسلموا لله وأجورهم عليه وإنما الدنيا بلاغ ولما انتهت النوبة إلى عمر فضل بينهم وقال لا أجعل من ترك داره وماله وهاجر إلى الله ورسوله كمن أسلم كرها ومنه عهد عمر إلى أبي موسى اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور برأيك

وقال علي اجتمع رأيى ورأي عمر في أمهات الأولاد ألا يبعن وأنا الآن أرى بيعهن وقال عثمان لعمر أن نتبع رأيك فرأي رشيد وإن نتبع رأي من قبلك فنعم ذو الرأي كان ومنه قولهم في السكران إذا سكر هذى وإن هذى افترى فحدوه حد المفتري وهذا التفات منهم إلى أن مظنة الشيء تنزل منزلته فهذا وأمثاله مما لا يدخل تحت الحصر مشهور وإن لم تتواتر آحاده حصل بمجموعه العلم الضروري أنهم كانوا يقولون بالرأي وما من مفت إلا وقد قال بالرأي ومن لم يقل فلأنه أغناه غيره عن الاجتهاد وما أنكر على القائل به فكان إجماعا) انتهي من روضة الناظر لابن قدامة المقدسي "

الحديث عن الإجماع كحجة بوجود القياس هو ضرب من الخبل فالمسلمون يجمعون على الباطل كما فى إجماع اخوة يوسف(ص) على رمية فى الجب كما قال تعالى  "فلما أجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب" والرسول(ص) والمسلمون أجمعوا فى أمر المنافقين على باطل فنزل الوحى ناهيا له ولهم عن الدفاع عن المنافقين الذين اتهموا رجلا بريئافقال"ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا"

وما ما رووه من روايات كاستخلاف ابو بكر بالصلاة وعمر بالعهد فباطل فالاستخلاف على الصلاة فى الروايات كان لابن أم مكتوم فى أحيان ولناس أخرين عند الذهاب للغزوات كما أن الشيعة يخالفون هذا الاجماع بتولية على وتلك المبايعات والاستخلافات تخالف قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم" وكذلك امر جمع القرآن فهو مخالف لكون الله جامعه فى قوله تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه"

والروايات الأخرى عن جهل الصحابة بأحكام الله فى الكلالة وأمهات الأولاد والجدة والاخوة يدل على أن القوم طبقا لذلك يقولون أن الرسول(ص) لم يعلم الصحابة الدين ولم يبلغهم الرسالة كاملة وهو علمهم وبلغهم الرسالة كاملة كما قال تعالى" وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"

 وناقش الرجل أدلة المنكرين للقياس فقال :

المبحث الثالث في مناقشة أدلة المنكرين للقياس

أولا: مناقشة ما استدلوا به من الكتاب

أولا:اما قولهم ان القياس ظن وطريق غير مأمون واستدلاهم بالأيات والآثار التي فيها النهي عن اتباع الظن مثل قوله تعالي (ولا تقف ما ليس لك به علم)) فهذا تفسيرها قال الالوسي في روح المعاني (واحتج بالآية نفاة القياس لأنه قفو للظن وحكم به  وأجيب بأنهم أجمعوا على الحكم بالظن والعمل به في صور كثيرة فمن ذلك الصلاة على الميت ودفنه في مقابر المسلمين وتوريث المسلم منه بناء على أنه مسلم وهو مظنون والتوجه إلى القبلة في الصلاة وهو مبني على الاجتهاد بإمارات لا تفيد إلا الظن وأكل الذبيحة بناء على أنها ذبيحة مسلم وهو مظنون والشهادة فإنها ظنية وقيم المتلفات واروش الجنايات فإنها لا سبيل إليها الا الظن، ومن نظر ولو بمؤخر العين رأى أن جميع الأعمال المعتبرة في الدنيا ) انتهي من تفسير الالوسي قلت فالظن المبني علي اجتهاد صحيح يجب العمل به ومما يدل علي ذلك ما رواه البخاري ومسلم وابو داؤود والنسائي وغيرهم من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي (ص)انه قال (وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين) فأمر من شك ان يجتهد ويتحر الصواب وهو مبني علي غلبة الظن ,فهذا أمر من النبي بالعمل بالظن , ومما يدل ايضا علي العمل بالظن ما رواه الترمذي (عن عبد الله بن عأمر بن ربيعة عن أبيه قال كنا مع النبي (ص)في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي (ص)فنزل {فأينما تولوا فثم وجه الله}قال أبو عيسى هذا حديث ليس إسناده بذاك لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا قالوا إذا صلى في الغيم لغير القبلة ثم استبان له بعدما صلى أنه صلى لغير القبلة فإن صلاته جائزة وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحق) والحديث عند البيهقي من رواية جابر بن عبد الله "

ما زال القوم ينكرون بهذا قوله تعالى " تبيانا لكل شىء"  فالمظنونات المذكورة ليست سوى إنكار لأقوال الله عن بيانه لكل شىء  وقال فى الرد على الدليل الثانى:

ثانيا: استدلالهم بقوله تعالي (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) فقد قال الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان (استدل منكرو القياس بهذه الآية الكريمة على بطلان القياس قالوا: لأنه تعالى أوجب الرد إلى خصوص الكتاب والسنة دون القياس، وأجاب الجمهور بأنه لا دليل لهم في الآية  لأن إلحاق غير المنصوص بالمنصوص لوجود معنى النص فيه لا يخرج عن الرد إلى الكتاب والسنة) ، بل قال بعضهم: الآية متضمنة لجميع الأدلة الشرعية، فالمراد بإطاعة الله العمل بالكتاب وبإطاعة الرسول العمل بالسنة، وبالرد إليهما القياس  لأن رد المختلف فيه غير المعلوم من النص إلى المنصوص عليه، إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه، وليس القياس شيئا وراء ذلك ) انتهي من اضواء البيان

ثم ان بحثنا معكم في الاية في مسألتين،الاولي في القضية المتنازع فيها , والثانية في كيفية الرد الي الله والرسول, اما المسألة الاولي وهي القضية المتنازع فيها هل ورد حكمها في الشرع أم لا؟ فان كان ورد حكمها في الشرع بدليل صحيح صريح فقد وجب حينئذ الطاعة والانقياد للدليل وحرم التنازع ,وهذا الاحتمال غير وارد في الاية لأنه لا يصح  أما الاحتمال الاخر فهو ان تكون القضية المتنازع فيها لم يرد حكمها في قران ولا سنة ولا اجماع , وهذا هو الاحتمال الصحيح من الأية  أما المسألة الثانية وهي كيفية الرد الي الله ورسوله فأما ان يكون بترك الحكم في القضية فيترتب عليه ضياع الحقوق ,وهذا لا يجوز أصلا وليس من العدل الذي أمر الله به ,وإما ان يكون الرد الي الله ورسوله بالاجتهاد لاستخراج الحكم في القضية والقياس فرع من الاجتهاد بل هو عماده وأسه فثبت القول بالقياس واتضح ان الاية حجة لنا لا علينا "

 القوم هنا ينكرون أن الرد يكون لكلام الله كما قال تعالى " وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله" وهم ينكرون أن كتاب الله طبقا لكلامه " تبيانا لكل شىء" و"تفصيلا لكل شىء" وقال :

"أما استدلالهم بالآيات علي ان القياس حكم بغير ما انزل الله وتشريع لما لم يأذن به الله فنقول ان عملنا بالقياس عمل بكتاب الله وقد اذن الله به وقد ذكرنا الأدلة التي تثبت ذلك فيما مضي  ونقول ايضا ان الايات متوجة لمن ترك حكم الله المنزل وعمل بالهوي وتشريعا البشر كما عمل التتر بالياسق وكما حكم الظالمون المفسدون في الارض اليوم قوانين الفرنج وأرغموا الناس علي التحكام بها , قال تعالي (أفحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون) قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الاية (ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليساق  وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم  ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله [ص] فلا يحكم سواه  في قليل ولا كثير)

ثالثا: اما استدلالهم بقوله تعالي: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) وغيرها من الايات التي في نفس المعني فانا نقول لهم نحن لم ننكر ان القران قد تضمن جميع الأحكام لكنا لا نقصر دلالته علي الأحكام علي مقتضي النص كما فعلتم والا فهناك مسائل كثيرة لم يرد حكمها بالنص عليها، قال في المستصفي (وليس في الكتاب مسألة الجد، والإخوة، ومسألة الحرام إذا لم يكن الاقتباس من المعاني التي في الكتاب )

وقال ابن قدامة في روضة الناظر (الجواب أما قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء فإن القرآن دل على جميع الأحكام لكن إما بتمهيد طريق الاعتبار وإما بالدلالة على الإجماع والسنة وهما قد دلا على القياس فيكون الكتاب قد بينه وإلا فأين في الكتاب مسألة الجد والإخوة والعول والمبتوتة والمفوضة والتحريم وفيها حكم لله شرعي

ثم قد حرمتم القياس وليس في القرآن تحريمه) انتهي منه  لذا قلنا ان القران تضمن جميع الأحكام بجميع دلالات الالفاظ فالقران قد دل علي حميع ما ورد في السنة باية واحدة وهي قوله تعالي (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) الحشر 7 ومما يدل علي هذا المعني حديث ابن مسعود المتفق عليه (لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك أمرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت إنه بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت فقال وما لي ألعن من لعن رسول الله (ص)ومن هو في كتاب الله فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول قال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}قالت بلى قال فإنه قد نهى عنه قالت فإني أرى أهلك يفعلونه قال فاذهبي فانظري فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئا فقال لو كانت كذلك ما جامعتها) وحديث العسيف المتفق عليه (عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما قالا إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله (ص)فقال يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي فقال رسول الله (ص)قل قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بأمرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على أمرأة هذا الرجم فقال رسول الله (ص)والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام اغد يا أنيس إلى أمرأة هذا فإن اعترفت فارجمها قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله (ص)فرجمت) , ومارواه مالك في الموطأ عن حمران مولى عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد فجاء المؤذن فآذنه بصلاة العصر فدعا بماء فتوضأ ثم قال والله لأحدثنكم حديثا لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه ثم قال سمعت رسول الله (ص)يقول ما من أمرئ يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها قال يحيى قال مالك أراه يريد هذه الآية{أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} ) ودل علي الاجماع باية فقال (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) النساء 115 ويدل عليه الحديث المتفق عليه (عن أبي سعيد الخدري أن أناسا نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه فجاء على حمار فلما بلغ قريبا من المسجد قال النبي (ص)قوموا إلى خيركم أو سيدكم فقال يا سعد إن هؤلاء نزلوا على حكمك قال فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم قال حكمت بحكم الله أو بحكم الملك) فالنبي (ص)نسب حكم سعد بن معاذ الي الله مع انه كان اجتهادا منه رضي الله عنه ودل علي القياس بما ذكرنا من الأدلة فنحن لما قلنا بالقياس ما خرجنا عن مقتضي الاية ان القران تبيان لكل شيئ ثم انه قيل في تأويل الاية الاولي ان المقصود بالكتاب ههنا انه اللوح المحفوظ قال ذلك الامام الطبري في تفسيره قال (وأما قوله:"ما فرطنا في الكتاب من شيء"، فإن معناه: ما ضيعنا إثبات شيء منه) وهو مروي عن ابن عباس وابن زيد

سابعا: وأما استدلالهم بالاية التي تنهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله علي تحريم القياس فنقول ان العمل بالقياس عمل بالكتاب والسنة لاننا نقيس علي ما ثبت بالكتاب والسنة ثانيا ان الشرع دل علي مشروعية القياس وعمل به الصحابة ومن بعدهم قبل ان ان ياتي من نازع في القياس فانتم من شق عصا الامة وخالف الاجماع قال ابن كثير في تفسير الاية (أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، أي: قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور، حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي حديث معاذ، لما قال له النبي (ص)حين بعثه إلى اليمن: "بم تحكم؟ " قال: بكتاب الله  قال: "فإن لم تجد؟ " قال: بسنة رسول الله  قال: "فإن لم تجد؟ " قال: أجتهد رأيي، فضرب في صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله، لما يرضي رسول الله"  وقد رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه   فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة، ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله )

ثامنا: وأما قولكم ان القياس يؤدي إلي الاختلاف وان الله نهانا عن الاختلاف لانه يؤدي الي النزاع والضعف فقال (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) فنقول ان النهي متوجه الي الامة في السياسة والحروب والامور العسكرية وسياق الايات يقرر ذلك قال تعالي (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون  وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين  ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط " فالآيات تتحدث عن لقاء العدو ووجوب الصبر في ملاقاته وعدم التفرق والتنازع ففي هذا الموقف العصيب يجب ان تتحد الكلمة والا هلك المسلمون

قال الفخر الرازي (اعلم أنه تعالى لما ذكر أنواع نعمه على الرسول وعلى المؤمنين يوم بدر علمهم إذا التقوا بالفئة وهي الجماعة من المحاربين نوعين من الأدب: الأول: الثبات وهو أن يوطنوا أنفسهم على اللقاء ولا يحدثوها بالتولي  والثاني: أن يذكروا الله كثيرا) ثم انه ليس كل قياس ادي الي التنازع والخلاف ثم إن النهي ليس متوجه الي الخلاف في الرأي اذا كان مبني علي اجتهاد صحيح وقد اختلف الصحابة وفي حياة النبي (ص)فلم يعنف احدا وذلك لما قال لهم لا يصلين احدكم العصر الا في بني قريظة ولما اختلف عمر وعمار في التيمم وكالذين لم يجدا الماء فتيمما وصليا ثم وجدا الماء فاعاد احدهما ولم يعد الاخر فقال لهذا اصبت السنة وقال لمن اعاد نلت الاجر مرتين كل ذلك لما رأي النبي ان اصحابه اجتهدوا فيما فعلوا وغير ذلك من الحوادث ولو كان النهي متوجه الي الخلاف في الرأي المبني علي الاجتهاد لكانت الامة كلها اثمة لان المسلمين ما خلا عصر من عصورهم والا وقد اختلفوا في مسائل كثيرة

تاسعا: استدلالهم بقوله تعالي (بما أراك الله) قالوا لا بما رأيت فنقول ان الاستدلال بالاية يؤيد ما ذهبنا اليه من القول بالقياس لانه يدخل فيما اراه الله لان ما اراه الله المقصود به الوحي اي القران والسنة واجتهاده ايضا لكنه اذا اخطأ في اجتهاده فان الله لا يقره علي الخطأ فينزل الوحي بتصحيح الخطأ  قال النبي (ص)إنكم لتختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي على نحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار فبين أنه قد يقضي للرجل بشيء من حق أخيه) وهذا اجتهاد منه ولو كان عن وحي منزل لما اخطأ وقد عاتبه الله سبحانه علي اذنه لبعض المخلفين فقال (عفا الله عنك لم اذنت لهم) وعاتبه في اسري بدر

فقال (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) فقال عليه الصلاة والسلام {لو نزل من السماء إلى الأرض عذاب ما نجا منه إلا عمر} وذلك لان النبي (ص)وابا بكر رأيا إطلاق اسري بدر رأي عمر قتلهم وهذا أيضا اجتهاد من عمر في حياة النبي (ص)ونزل الوحي بتصويب اجتهاده وقد أمر الله رسوله بمشاورة المؤمنين فقال (وشاورهم في الأمر) ولا تكون المشاورة الا عن اجتهاد فليس هناك مشورة بعد انزال الحكم من الله

ثانيا: مناقشة ما استدلوا به من الآثار

خامسا: استدلالهم بما ورد عن النبي في ذم القياس وان اعظم الفرق فتنة في امة محمد (ص)هم من يقيسون الامور برأيهم فهو متوجه الي القياس الباطل ويؤيد ذلك قوله في الحديث: فيحلون الحرام ويحرمون الحلال فهم استعملوا رأيهم في مقابلة النصوص والقياس المخالف للنص فاسد الاعتبار  قال في (مراقي السعود) :والخلف للنص أو إجماع دعا     فساد الاعتبار كل من وعى وهو كقياس ابليس نفسه علي عنصره الذي خلق منه وقياس ادم علي عنصره الذي خلق منه وتفضيله لنفسه علي ادم فهو قياس مخالف للنص الصريح وهو الأمر بالسجود لادم وقول الكفار في قياسهم الربا علي البيع (انما البيع مثل الربا) في مواجهة النص قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في واء البيان وقد ساق امثلة علي القياس الباطل مستشهدا بالقران (كقوله (: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا} يعني في الآخرة كما أوتيته في الدنيا وقوله: {ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} أي: بدليل ما أعطاني في الدنيا

وقوله: {ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} قياسا منه للآخرة على الدنيا ورد الله عليهم هذه الدعوى في آيات كثيرة كقوله هنا: {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم} الآية  وقوله: {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون}  وقوله: {ومآ أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} وقوله: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين} وقوله {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين} إلى غير ذلك من الآيات) انتهي من اضواء البيان للشنقيطي فهذه كلها قياسات باطلة لانها كانت في مواجهة النصوص فان الله أمرهم بطاعته ومتابعة رسله ونهاهم عن الشرك به فعصوه وخالفوا أمره واستعملوا تلك المقاييس الباطلة

جواب ثان وهو ان الذم الذي صدر عنه (ص)متوجه لمن افتي بغير علم بدليل ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي (ص)أنه قال: {إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) الحديث الا تري ان الذم متوجه الي هؤلاء الجهال الذين يفتون بغير علم؟

أما استدلالهم بقوله (ص)(إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته) فنقول اولا:

انه نهي عن التنطع في الدين والا فبما تجيبون عن اسئلة الصحابة لرسول الله

(ص)وهي أكثر من ان تحصر فمنها علي سبيل المثال ما رواه مسلم عن (أنس أن النبي (ص)سئل عن الخمر تتخذ خلا فقال لا) اخبرونا هل كان من سأله (ص)اثما أم لا؟ فان قلتم نعم فقد أخطاتم لان النبي لم يعنه علي سؤاله , وان قلتم لا لم يأثم بسؤاله فقد اصبتم ووجب حمل الحديث علي ما حملناه من النهي عن التنطع في الدين ويؤيده قوله (ص)(هلك المتنطعون) ثالها ثلاثا رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود ومن أسئلتهم ايضا ما رواه الترمذي وابو داؤود وغيرهماعن ابي ثعلبة الخشني (قال قلت يا رسول الله إنا أهل صيد قال إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فأمسك عليك فكل قلت وإن قتل قال وإن قتل قلت إنا أهل رمي قال ما ردت عليك قوسك فكل قال قلت إنا أهل سفر نمر باليهود والنصارى والمجوس فلا نجد غير آنيتهم قال فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها بالماء ثم كلوا فيها واشربوا) وما رواه مالك في الموطأ والترمذي وابو داؤد والنسائي وغيرهم عن ابي هريرة قال (جاء رجل إلى رسول الله (ص)فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله (ص)هو الطهور ماؤه الحل ميتته) اخبرونا اكان هذا الرجل متنطعا اثما ام يسأل لحاجته الي معرفة الحكم

ثانيا: نقول لكم ان هذا الشئ الذي لم يحرم ثم حرم من اجل مسألة من سأل أكان حلالا بنص من الشارع ام لا؟ فأما الاول فباطل لانه لا يجوز تحريم ما احله الله , فلم يبق الا احتمال انه حرم باجتهاد وهذا هو المطلوب؛فالنبي (ص)قد نص علي ان ذلك الشيئ اصبح محرما علي الناس بما لم يات بنص بتحريمه فدل علي انه حرم باجتهاد والنبي قد اقر ذلك الاجتهاد , فدل علي اباحة الاجتهاد وان من اعظم ابواب الاجتهاد القياس فدل كذلك علي اباحة القياس , ثم اخبرنا كيف حرتم القياس بغير نص قاطع يدل علي تحريمه أليس هذا حكما وتشريعا ما انزل الله به من سلطان؟

سادسا: اما استدلالهم بما ورد عن بعض الصحابة والتابعين من ذم الرأي وأهله قال الشاطبي في الاعتصام بعد ان نقل اثارا كثيرة في ذم الرأي وعدم اتباع الآثار قال (والحأصل من جيمع ما تقدم أن الرأي المذموم ما بني على الجهل واتباع الهوى) وقال ابن قدامة ردا علي ذلك قال (قلنا هذا منهم ذم لمن استعمل الرأي والقياس في غير موضعه أو بدون شرطه فذم عمر ينصرف إلى من قال بالرأي من غير معرفة للنص ألا تراه قال أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها وإنما يحكم بالرأي في حادثة لا نص فيها فالذم على ترك الترتيب لا على أصل القول بالرأي ولو قدم إنسان القول بالسنة على ما هو أقوى منها كان مذموما وكذلك قول علي وكل ذم يتوجه إلى أهل الرأي فلتركهم الحكم بالنص الذي هو أولى كما قال بعض العلماء أهل الكلام وأهل الرأي قد جهلوا   علم الحديث الذي ينجو بها الرجل

لو أنهم عرفوا الآثار ما انحرفوا عنها إلى غيرها لكنهم جهلوا) انتهي من روضة الناظر

فهم ذموا الرأي الصادر عن جهل كقياس من ليس أهلا للاجتهاد أو المفرط في طلب الأحكام من مظانها أو من يرجع رأيه إلي محض الاستحسان؛ بدليل أن الذين نقل عنهم هذا هم الذين نقل عنهم القول بالرأي والاجتهاد وقد أكثرنا النقل عنهم فيما مضي قال الحافظ ابن حجر (قوله: باب ما يذكر من ذم الرأي) أي الفتوى بما يؤدي إليه النظر وهو يصدق على ما يوافق النص وعلى ما يخالفه والمذموم منه ما يوجد النص بخلافه، وأشار بقوله " من " إلى أن بعض الفتوى بالرأي لا تذم وهو إذا لم يوجد النص من كتاب أو سنة أو إجماع، وقوله " وتكلف القياس " أي إذا لم يجد الأمور الثلاثة واحتاج إلى القياس فلا يتكلفه بل يستعمله على أوضاعه ولا يتعسف في إثبات العلة الجامعة التي هي من أركان القياس، بل إذا لم تكن العلة الجامعة واضحة فليتمسك بالبراءة الأصلية، ويدخل في تكلف القياس ما إذا استعمله على أوضاعه مع وجود النص، وما إذا وجد النص فخالفه وتأول لمخالفته شيئا بعيدا ويشتد الذم فيه لمن ينتصر لمن يقلده مع احتمال أن لا يكون الأول اطلع على النص ) انتهي من فتح الباري

ثالثا: مناقشة ما استدلوا به من المعقول

أما ماقالوه من ان الرسول اوتي جوامع الكلم فكيف يليق به أن يترك الوجيز المفهم إلى الطويل الموهم فيعدل عن قوله: حرمت الربا في كل مطعوم أو كل مكيل، إلى عد الأشياء الستة ليرتبك الخلق في ظلمات الجهل؟ قلنا هذا سوء أدب منكم مع الشارع , ونقض لمذهبكم؛فكيف يليق بكم هذا القول وانتم تقولون ان الشرع مبني علي التعبد! وإنا نسألكم ولماذا لم يحرم القياس صراحة؟ ولكننا نقول ان الشارع (ص)انما تكلم بوحي فبين ما شاء الله له ان يبين وترك ما اراد الله ان يترك اما اختبارا للعباد وامتحانا واما استهاضا للعلماء ليرفع درجاتهم فيجعل للمخطئ أجرا وللمصيب اجرين قال ابن قدامة (وقولهم لم لم ينص على المكيل ويغني عن القياس على الأشياء الستة

قلنا هذا تحكم على الله تعالى وعلى رسوله وليس لنا التحكم عليه فيما صرح ونبه وطول وأوجز ولو جاز ذلك لجاز أن يقال فلم لم يصرح بمنع القياس على الأشياء الستة ولم لم يبين الأحكام كلها في القرآن وفي المتواتر ليحسم الاحتمال وهذا كله غير جائز ثم نقول إن الله تعالى علم لطفا في تعبد العلماء بالاجتهاد وأمرهم بالتشمير في استنباط أسرار الشرع يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)

رابعا: واما قولهم ان الشرع مبني علي التعبد وانه جمع بين المختلفات وفرق بين المتساويات وان العقل لا يدرك العلل الشرعية فنحن لا ننكر ان الشرع مبني علي التعبد وأن الأصل في العبادات التوقيف لكن المعاملات غير ذلككما ان الشرع لم يجمع بين المختلفات ولم يفرق بين المتساويات لان ذلك يأباه الله سبحانه ولا يرضاه ألا تروا ان الله نفي ذلك عن نفسه في قوله (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون) قال ابن القيم: فأخبر أن هذا حكم باطل في الفطر والعقول، لا تليق نسبته إليه سبحانه، وقال تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} وقال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} أفلا تراه كيف ذكر العقول ونبه الفطر بما أودع فيها من إعطاء النظير حكم نظيره، وعدم التسوية بين الشيء ومخالفه في الحكم؟ وكل هذا من الميزان الذي أنزله الله مع كتابه وجعله قرينه ووزيره فقال تعالى: {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} ) انتهي من اعلام الموقعين لابن القيم  أما ظننتموه مختلفا ليس مختلفا من كل وجه بل هناك علة جامعة استوجبت ذلك الحكم، وان ما ظننتموه متساويا فليس متساويا من كل وجه بل هناك فارق مؤثر، فقولكم الشهود في القتل اثنان، وفي الزنى أربعة لأن حق الدماء أعظم، فإذا جعل الله الشهود في القتل أربعة صار من النادر استيفاء الحقوق في الدماء، ولما كان الزنا ليس فيه حق مترتب للمخلوق، وإنما هو حق الله جعل الله الشهود أربعة، لأن حق الله مبني على العفو، وحق الخلق مبني على المشاحة

قال ابن القيم الجوزية في اعلام الموقعين (وإنما أمر الله سبحانه بالعدد في شهود الزنا لأنه مأمور فيه بالستر، ولهذا غلظ فيه النصاب، فإنه ليس هناك حق يضيع، وإنما حد وعقوبة، والعقوبات تدرأ بالشبهات) وشرع الله الغسل في المني دون البول مع أن البول أنجس، لما يحصل للجسم من تغيرات وخمول بعد عملية الإنزال  فيحتاج الي تنشيطه بالغسل ثم لو اوجب الشرع الغسل بعد التبول لكان فيه حرجا عظيما ومشقة بالغة وقد جاء الشرع برفع الحرج قال تعالي (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) وشرع الله للحائض قضاء الصيام دون الصلاة لأن الصيام سهل وقليل، بخلاف الصلاة فهي خمس في اليوم، وهذا فيه حرج ومشقة، والله تعالى يقول: وما جعل عليكم في الدين من حرج واما ان الشرع فرق بين بول الغلام وبول الجارية فلأن الناس تكثر من حمل الاولاد ولا يكثرون من حمل البنات فاذا اوجبنا عليهم الغسل من بول الاولاد صار الأمر فيه حرج ومشقة عظيمة والشرع جاء برفع الحرج وقيل ان بول الجارية يتركز في مكان واحد خلاف بول الغلام وقيل ان بول الجارية نتن حار بخلاف بول الغلام

اجمالي القراءات 3374