ما حقيقة الطير الابابيل هل هي طيور حقيقية أم هي طيور خرافية؟
القرءان فوق قدرات محمد ح 5: قراءة (طيرا أبابيل) في أسماء السور

المصطفى غفاري في الخميس ٢٠ - أغسطس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

ما حقيقة الطير الابابيل هل هي طيور حقيقية أم هي طيور خرافية؟:

الحلقة الخامسة:سورة الفيل بين قول الله تعالى وتقول المفسراتية

سورة الفيل هي السورة التاسعة عشر نزولا على قلب الرسول الخاتم عليه السلام، وهي مكية. لم تتطرق السورة الكريمة لحدث قصة أصحاب الفيل ولا لزمان هذا الحدث ولا لمكان وقوع الحدث، كما لم تتطرق لهوية أشخاصه المهزومين، نزلت مجردة من كل تفصيل دال على مدلول! تحدثت السورة عن (كيدهم) ولم توضح لنا نوع هذا الكيد، فقط أنبأت أن (كيدهم) جعله الله تعالى في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف ماكول.

لوشاء الله تعالى مدنا بدقائق التفاصيل الغائبة من السورة، لكان فعل، أليس هو القائل عز وجل عن آيات كتابه

﴿الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)فصلت

لكن المفسراتية خاضوا فيها تخمينات وافتراضات، رجما بالغيب، فقالوا أن الحدث هو هجوم أبرهة الأشرم الحبشي، بعد أن سير جيشه زاحفا من اليمن باتجاه مكة لغاية هدم الكعبة، صحبة عدد من الفيلة، ثم اختلفوا في عدد الفيلة كم كانوا، في حملته، كما اختلفوا في تحديد عام الفيل، متى كان بالضبط ،كما اختلفوا حول مولد الرسول عليه السلام بالنسبة لعام الفيل، ورواياتهم متضاربة في هذا الخصوص، كما لم يتفقوا حول السبب الحقيقي الذي جعل أبرهة يجهز جيشه للهجوم على مكة لهدم الكعبة بغاية توجيه أنظار الناس ليحجوا إلى كنيسته الضخمة الفخمة، كنيسة القليس التي أقامها في صنعاء.

هذه هي روايتهم المتواترة باختصار شديد، وهي رواية معروفة ومشهورة يعتقد بها اغلب المسلمين، ويشكك فيها عديد من المتسشرقين وعديد من الكتاب العرب ناقدي الأديان، كما شككت في هذه الرواية البعثة الأركيولوجية المعروفة ببعثة ركامنز التي عثرت على نقش يوثق لعودة أبرهة الأشرم سالما غانما بعد غزوه الجزيرة العربية، النقش معروف  ومتاح لمن اراد التوسع في تفاصيله وحيثياته. لن اخوض في صدقية هذه الرواية المتواترة لكونها قضية تاريخية لا براهين عليها قاطعة، وتتناقض معها، أحداث تاريخية رهيبة هجومية على الكعبة المشرفة، من مثل هجوم القرامطة، ومن مثل هجوم الحجاج الثقفي عليها حرقا بالمنجنيق وقتل الآلاف من الضحايا وسطها دون ظهور الطير الأبابيل، طبعا هذا لا يشكك في مصداقية سورة الفيل، لسبب بسيط، هو ان السورة لم تتحدث عن هجوم تعرضت له الكعبة المشرفة، ولا ننسى آخر هجوم تعرضت له على يد المتمهدي جهيمان العتيبي وعصابته في فترة السبعينات. الغريب أن بعض ناقدي الأديان وعلى رأسهم الشيخ المعمم القبانجي المعروف بشطحاته النيتشوية!!! تحدث في فيديو له وقال أن الكعبة كان يجب ان تهدم! لماذا يا شيخ القبانجي؟ اجاب قائلا، لأن الكعبة قبيل تعرضها لهجوم جيش أبرهة، كانت ملأى وطافحة بالأوثان ومستقرا للشرك والمشركين، ثم يضيف الشيخ القبانجي موضحا: أما أبرهة الغازي فهو في حقيقته مسيحي موحد تابع لآخر ديانة سماوية آنذاك، وما كان ينتوي فعله، إنما هو لنصرة دين الحق والتوحيد، ويختم القبانجي تعليقه على سورة الفيل قائلا متسائلا: كيف يحق لله أن يعاقبه وجيشه وهم أتوا متجشمين كل ذلك العناء والوعثاء قاطعين ثمانمئة كلم من الفيافي القفار والبيداء متحملين الحر الشديد، كيف يحق لله معاقبتهم، وهم أتوا لنصرته (لنصرة دين الله).

الرد على هكذا شطحة سهل جدا وفي مكنة أي مسلم موحد: أولا الرواية المتواترة تتحدث أن أبرهة هذا بنى كنيسة فخمة ضخمة عالية، وزينها بصلبان مصنوعة من فضة وذهب تتخللها فصوص من ياقوت وزبرجد! أين يا فضيلة القبانجي، أين التوحيد، والصلبان إكسسوار ضروري في كنيسته القليس؟! ثانيا: لنفترض جدلا أن ابرهة كان يعتنق النصرانية غير المحرفة بمعنى أنه كان موحدا لله تعالى كما أمرت تعاليم المسيح عليه السلام تماما، هل يحق له أن يستبدل بيت الله العتيق وحرمه ويقيمه في ارض اخرى تبعا لهواه ومزاجه، البيت الحرام من ازمنة سحيقة ابتلي بمن ينصب فيه الاوثان، ها هو إبراهيم عليه السلام يتلقى امرا من الله عز وجل:

﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)البقرة

إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام تلقيا امرا بتطهير البيت الحرام من الأوثان المنصوبة، ولم يتلقيا امرا بتغيير مكان بيت الله الحرام بحجة وذريعة ان فيه أوثانا.

﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ۚفَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35)الانفال.

ها هو البيت الحرام يسيطر عليه كفار قريش، قبل انتصار الرسول عليهم، وبعد ان هزمهم الله تعالى لم يتغير مكان بيته الحرام، كل ما هنالك ان الرسول عليه السلام قام بتطهيره من الاوثان والنصب.

لا يجب ان يحمل القراء ردي على السيد القبانجي، محمل المدافع عن الرواية المتواترة لهجوم ابرهة على الكعبة المشرفة، أنا فقط أناقشه من ناحية بطلان منطقه في تعاطيه مع هذه الرواية واعتراضه على حكم الله تعالى بحجج متهافتة لا تصمد أمام القرءان الكريم، ولا عجب، فالقبانجي نيتشه العراق وحوزته كرس ويكرس نفسه وجهده لتجديد الإسلام من خلال التكذيب بالقرءان الكريم بل والاستهزاء به وبالرسول الخاتم، يا لها من معادلة مخربطة لا تنسلك إلا في عقول زايلها التفكير والعقل والحد الأدنى من المنطق الأرسطي!!!

نعود الآن لواقعة اصحاب الفيل وشأنهم وماذا عساهم يكونون، بعد استبعادي للرواية التاريخية المنصوص عليها في سيرة ابن هشام، التي تؤكد وتتبنى أن أصحاب الفيل هم جيش أبرهة، وكيدهم كان هو إرادة استبدال البيت الحرام بكنيسة القليس بجعلها محجا جديدا للحجيج.

أنا أميل لطرح الدكتور أحمد صبحي منصور، ريثما يظهر طرح آخر أقوى أدلة وبراهينا، الدكتور احمد منصور ربط بين أصحاب الفيل وبين قوم لوط بقرينة (حجارة من سجيل)، طبعا منهج الدكتور احمد معروف، وهو تدبر القرءان من خلال القرءان نفسه، يقول الدكتور احمد في معرض رده على تساؤل أحد القراء:

 《سورة الفيل لا علاقة لها مطلقا بأسطورة أبرهة ومحاولته هدم الكعبة هذه الأسطورة ضمن مفتريات القصص واختراعات القصاص. وهناك الكثير من الأقاصيص المضحكة والخرافية عن ملوك اليمن وغزواتهم تعرض لها ابن خلدون في المقدمة وفي اعتقادي أن سورة الفيل عن قوم لوط لأن العقاب متشابه في الحالتين. والجديد في السورة أن الله تعالى سماهم (أصحاب الفيل) كما قال (أصحاب الحجر). لو كان للسورة أدنى علاقة بالكعبة والبيت الحرام لنزلت التفصيلات، وجاء ذكر الكعبة فيها مع الحديث عن اهل مكة... إلى آخر تفصيلات تلزم كما يفعل في القصص، ولكن السورة ركزت   على نوعية العقاب بما يعد تفصيلا لقوم لوط.》

ما يهمنا من سورة الفيل في دراسة أسماء السور هذه الحلقة، هو كلمة (الطير الأبابيل)، لأن كل المشككين العرب بالخصوص، عندما شغبوا على السورة، فإنهم غمزوها من قناة أسطرة الطير الابابيل

الكثير من نقاد الفكر الديني، نعتوا الطير الأبابيل بالخرافة ووصموها بالأسطورة المقتبسة من أساطير الأولين كما في هذا النص:"كلمة أبابيل: جاءت من اسم مدينة أبابيلو بالآرامية (ababile)بُنِيَتْ هذهِ المدينة 6000 ق.م على يد أبابيل بن زاب بن صفنأحد أحفاد لجش بن شنعار. ومن أهمّ ملوكها: سوانا و تندير ونتكاسي... دُمّرَت على يد الملك المادي سيروس (Cyrus) عام 530 ق.م."

اشتهرت هذه المدينة بكثرةِ المياه فيها حيث بُنِيَتْ على ضفاف نهرِ الخوصر واشتهِرَت أيضا بكثرة الطيور المتنوعة الأصناف حتى سميت هذه الطيور بطيور أبابيل نسبة للمدينة وضلت الطيور تعرَف بهذا الاسم في الحضارات العراقيةِ القديمةِ وما حولها في الحروب الآشورية كانوا يعتقدون أن أسرابا من الطيور المقاتلة تشارك في المعارك و تساهم في رمي الحجارةِ على الأعداء وإلقائِها على رؤوسهم وانتشرت هذه الخرافة في الحضارات الأخرى لاستعمالها في دَبّ الرعب في قلوب الأعداء حتى وصلت هذه الخرافة أيضا إلى جزيرة العرب بحيث نظّم الشعراء قبل الإسلام أبياتا تدل على تصديقهم لها فقال الشاعر رؤبة بن العجاج: ومسّهم ما مس أصحاب الفيل ترميهم بحجارة من سجيل ولعبت بهم طير أبابيل فصيروا مثل عصف مأكول .

فكرة انتقال هذا الاعتقاد إلى الإسلام بحكم الايمان بصحته في البيئة المحيطة

﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4)الفيل

﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) الحجر

﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82)هود

المصدر:

1- ألواح نينوى (أباب-إيلو) تعود إلى 2000 ق.م

2- ألواح مدينة كالح(النمرود) / شمال العِرَاق تعود إلى 728 ق.م

3- ديوان "رُؤبة بن العج".

قبل أن تبرهن أسماء سور القرءان الكريم حقيقة الطير الأبابيل، إليكم أولا كيف تصور المفسراتية هذه الطيور، كيف تخيلوها في أوهامهم بمنهج الظن والرجم بالغيب:

طبعا تخيلاتهم لم تكن متطابقة، فهم لم يتفقوا على تحديد نوعية هذه الطيور، منهم من قال أنها مثل طائر السنونو، ومنهم من قال أنها أقرب شبها بالخطاطيف والبلسان، الطبري في تفسيره ذكر أنها كانت طيرا أخرج من البحر أو جاءت من جهة البحر، ثم اختلفوا في صفاتها، قال بعضهم كانت بيضاء، وقال آخرون كانت سوداء، وآخرون قالوا كانت خضراء لها خراطيم كخراطيم الطيور وأكف كأكف الكلاب!! ويروي الطبري حديثا عن عكرمة قال: كانت طيرا خضراء خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع، وروى ابن سيرين عن ابن عباس قال: كانت طيرا لها خراطيم كخراطيم الفيل وكفوف ككفوف الكلاب!! وروى عطاء عنه قال: جاءت من جهة البحر فوجا فوجا، وقيل كانت بلقاء كالخطاطيف، وقيل إنها طائر السونونو،

وكذلك اختلفوا في معنى أبابيل فمنهم من قال أن ابابيل تعني فرقا وأسرابا، ومنهم من قال أن بعضها يتبع بعضا، ومنهم من قال: هي الأقاطيع (جمع لجمع قطعان)، كالإبل المؤبلة، ومن المفسرين من ذهب إلى أن معنى أبابيل هو (متفرقة)، وآخرون قالوا إنهم الزمر يعني مجموعات وأسراب، وآخر ذكر أن أبابيل، هي شتى متتابعة ومجتمعة، وآخرون قالوا أبابيل تعني (كثيرة).

هكذا قارب المفسرون كلمة (أبابيل).

أما محمد عبده الموصوف بكونه أحد المجددين الكبار في العالم الإسلامي آنذاك، فقد عمل على التخفيف من النزعة الخوارقية عند تناوله لتفسير سورة الفيل في (تفسير المنار، حيث قدم طرحا مختلفا لمقاربة طير أبابيل، فذهب لاعتبار هلاك اصحاب الفيل، قد تم بواسطة مرض او عدوى، فيقول:

 《ويجوز الاعتقاد بأن الطير المذكور في السورة من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس الذي تحمله الرياح، فيعلق بأرجل هذه الحشرات الطائرة، فإذا اتصل بجسد المهاجم، دخل في مسامه، فأثار تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقط لحمه. وإن كثيرا من هذه الحشرات الطائرة الضعيفة، يعد من أعظم جنود الله في إهلاك من يرد إهلاكه من البشر، وإن هذا المخلوق المتناهي الصغر الذي يسمونه الميكروب، لا يخرج عنها 》.

والآن لنحول قراءة (طيرا أبابيل) في أسماء السور، عبر هذه المراحل:

  • المرحلة الأولى

نتتبع حروف الكلمة في حروف أسماء السور:

الرقـم        الســـــــــــــورة

01        الفاتحــــة

02        البقــــــرة

03        آل عمران

04        النســـــاء

05        المائــــدة

06        الأنعـــــام

07        الأعـراف

08         الأنفـــــال

09        التوبـــــة

10        يـــــونس

11        هــــــــود

12        يــــوسف

13        الرعــــــد

14        إبـــراهيم

15        الحجـــــر

16        النحــــــل

17        الإســـراء

18        الكهـــــف

19        مريـــــــم

20        طــــــــــه

21        الأنبيــــاء

22        الحـــــــج

23        المومنون

24        النـــــــور

25        الفرقــــان

26        الشعـــراء

27        النّمـــــــل

28        القـصـص

29        العنكبـوت

30        الــــــرّوم

31        لقمــــــان

32        السجــــدة

33        الأحــزاب

34        سبـــــــــأ

35        فاطـــــــر

36        يــــــــس

37        الصافـات

  • المرحلة الثانية

نختصر فيها قراءة (طيرا أبابيل) في أسماء السور، باستبعاد أسماء السور غير المقروء فيها هذه الكلمة:

الرقـم        الســـــــــــــورة

20        طـــــــــــه

21        الأنبيـــــاء

24        النــــــــور

25        الفرقــــان

29        العنكبوت

30        الــــــروم

33        الأحــزاب

36        يــــــــس

37        الصافـات

  • المرحلة الثالثة

الحوصلة والاستنتاج وفك الشفرة!

قرأنا معا كلمة (طيرا أبابيل) في أسماء السور، رست بنا القراءة وانتهت عند اسم السورة (الصافات) فما علاقة الصافات ب طير أبابيل؟

لنرتل موارد كلمة الصافات في التنزيل الحكيم:

وردت كلمة صافات في قول الله جل وعلا في سورة النور الآية 41: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)النور.

ووردت للمرة الثانية في قوله جل وعلا في مستهل سورة الصافات: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)الصافات.

ووردت للمرة الثالثة والأخيرة في قوله جل وعلا في الآية 19 من سورة الملك:

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ(19)الملك.

قادتنا قراءة (طيرا ابابيل) في اسماء السور بسلاسة إلى (الصافات)، والصافات في القرءان، كما رأينا في آية النور، صفة للطير، (والطير صافات) أي تطير صفوفا، وفي آية الملك (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن)، أي تطير الطيور صفوفا تنشر أجنحتها وتقبضها كآلية لطيرانها.

من هنا يسوغ لنا ويحق أن نعتبر الطير الأبابيل طيورا حقيقية، (طيرا أبابيل) هي من الطير الصافات، إلا أننا لا نعلم فصيلتها ونوعها.

أسماء السور برهنت بشكل آيوي مدهش محير أن (طيرا أبابيل) هي ممن خلق الله من الطير صافات ممن يعلم الله صلاته وتسبيحه، ممن الله جل وعلا، عليم بما يفعلون.

ملحوظة مثيرة للانتباه جدا:

لكم ان تلاحظوا معي هذا التطابق الباعث على الدهشة، يخص موارد كلمة (صافات) في القرءان الكريم، المورد الأول في سورة النور الآية 41 (و الطير صافات)، وفي المورد الثاني في سورة الملك الآية19: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات)، و (إلى المورد الثالث إن جازت التسمية!) في قراءتنا (طيرا أبابيل) في أسماء السور، تأملوا كيف انكتبت وانتسجت:

الرقـم        الســـــــــــــورة

20        طــــــــــه

21        الأنبيـــاء

24        النــــــور

25        الفرقـــان

29        العنكبوت

30        الــــــروم

33        الأحــزاب

36        يــــــــس

37        الصافـات

 

إننا قرأنا: طيرا أبابيل صافات!!!

تمام التطابق مع (الطير صافات) في النور 41، تمام التطابق أيضا مع (الطير فوقهم صافات) في الملك 19، فوقهم هنا في الآية، جملة اعتراضية ظرف مكان، تقدير الآية (فوقهم الطير صافات) أو (الطير صافات فوقهم). قراءتنا في أسماء السور تطابقت تمام التطابق فتحققت صيغتها هكذا (طيرا ابابيل صافات)، أليست هذه القراءة في أسماء السور من العجب العجاب؟! أليست أسماء السور شيئا محيرا، والله أحسبها كذلك وأكثر!!

أسماء السور برهنت بشكل آيوي يخلب الألباب أن (طيرا أبابيل) نوع، فصيلة، جنس، من الطيور فوقنا (صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير)، فقط تحولت حين أمرها الله تعالى وأرسلها ترمي اصحاب الفيل بحجارة من سجيل، تحولت إلى جنود من جنود الله جل وعلا (وما يعلم جنود ربك إلا هو، ودائما وأبدا صدق الله العظيم.

إذن، الطير الأبابيل هي طيور حقيقية، لا هي مقتبسة من أساطير الأولين، كما يزعم القائلون ببشرية القرءان وأنه من تأليف محمد عليه السلام، ولا هي كائنات خرافية، كما نسجها المفسرون من خيالهم المحض، فتصوروها لها رؤوس كرؤوس السباع وكفوف ككفوف الكلاب وخراطيم كخراطيم الفيلة!!!

ولا هي حشرات طائرة، بعوض وذباب، تنقل العدوى بجراثيم حجارة الطين المسموم اليابس العالق بأرجلها من فعل الرياح!! كم اجتهد الإمام محمد عبده رحمه الله.

هي طيور صافات حقيقية، لبت تسخير رب العالمين لها حين ارسلها للمهمة التي اوكلت بها، فنفذتها بدقة متناهية، بحيث لم تبرح مكانها فوف أصحاب الفيل، حتى جعلتهم كعصف ماكول!!

إلى حد هنا تكون قراءتنا ل (طيرا ابابيل) في أسماء السور، قد تحققت بأفق آيوي مبهر، ولكم ان تلاحظوا كيف لحروف مثل (طه) و (يس)، كيف خدمت منظومة قراءتنا في أسماء السور كيف خدمت المنظومة ونسقها البديع المتعاضد، ليعلم من يعلم عن بينة، أنها ليست حروفا اعتباطية لا تعني شيئا، إنها حروف أحكمت ثم فصلت من لدن حكيم خبير لتخدم ما لا يعد ولا يحصى من الاحتمالات والعلائق، ويخلق ما لا تعلمون!! قد تكون و الله أعلم هذه الدراسة باكورة لكشف أول أسرار هذه الحروف المقطعة النورانية سواء داخل متن الكتاب العزيز أو في فهرس أسماء سوره.

وهكذا يتبين لنا حلقة من بعد حلقة من سلسلة (القرءان فوق طاقة وإمكانية محمد ع س)، من خلال القراءة في أسماء السور، أن الرسول الكريم بريء من تهمة اختلاق القرءان الكريم التي مازال الكثير جدا من عربنا يلفقونها له لحد يومنا هذا.

وإلى اللقاء في قراءات جديدة في أسماء السور.

تنويه:

كل من لم يفهم منهج هذه الدراسة المستجدة، عليه الرجوع إلى ما سبق من حلقات حتى يتسنى له الاستيعاب أكثر.

إن أصبت في أشياء فبفضل الله ومنته، وإن أخطأت فمن نفسي وشيطاني، والله جل وعلا وقرءانه بريء.

اجمالي القراءات 5454