عقوبات الإعدام بين القرءان الكريم والثراث الديني - الجزء الأول.

يوسف ترناصت في السبت ١٣ - يونيو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

  لا شك أن القرءان الكريم، قد اعتنى بالنفس البشرية كيف ما كانت، وكفل لها الحق في الحياة، فجعل سلب هذا الحق في حدود ضيقة جدا أحيانا(قتل النفس بالحق)، وقرر مبدأ العفو أحيانا أخرى (الرحمة الإلهية)، وفي المقابل نهى عن سلب هذه النعمة (الحق في الحياة)، بدون وجه حق واعتبر ذلك تعديا على حدود الله.

   فقد حرم الله سبحانه قتل نفس الإنسان إلا بالحق، لقوله سبحانه في سورة الأنعام الآية 151 : {..قُل تَعَالُوا أَتْل مَا حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيْكُم..وَلاَ تَقْتُلُوا النَفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالحَقِّ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ}، وقوله في صفات عباد الرحمان : {..وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهًا ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالحَقِّ..(الفرقان 68)}.

  والحق الذي يقتضي فيه وتدعوه الضرورة لقتل نفس الإنسان، هما حالتين استثنائيتين أشار إليهما القرءان الكريم وهي :

- في حالة القتل لنفس.

- في حالة الحرب (ويدخل في حكهما الحرابة والفساد في الأرض).

  أولا - في حالة القتل لنفس :

    وتبدأ القصة القتل مع أول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية، حين قتل أحد ابني ءادم عليه السلام، أخاه، يقول سبحانه وتعالى : {..وَاتْلُ عَلَيْهِم نَبَأ اِبْنَي ءَادَم بِالحَقِّ إذ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتَقَبَّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَم يُتَقَبَّل مِنَ الءَاخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّل الله مِنَ المُتَّقِينَ، لَئِن بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدَيَّ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَاف الله رَبَّ العَالَمِينَ، إِنِّي أُرِيد أَن أَتَبَوَّأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِن أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ، فَطَوَّعَت لَهُ نَفْسُه قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَه فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ(المائدة 27 الى 30)}.

  ومن أجل ذلك كتب سبحانه على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنه قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، وهو حكم خاص للعبرة معمم في التشريع، يقول سبحانه في نفس سورة المائدة الآية 32 : {..مَن أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَو فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا..}.

  والقاتل لنفس يطبق عليه حد القصاص وفقا لضوابطه القرءانية، لقوله سبحانه : {..يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُم القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أَخِيهِ شَيْءٌ فَاِتِبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُم وَرَحْمَةٌ فَمَن اِعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَه عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَلَكُم فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَأُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ(البقرة 178 و179)}.

  ولمعرفة القصاص وضوابطه القرءانية ينبغي التطرق، لما يلي :

  1 - معنى القصاص، 2 - ضوابط القصاص في القتلى.

1 - معنى القصاص :

  المقصود بالقصاص في القتلى هو تتبع أثر القاتل، وتنفيذ الحد عليه هو بالذات وليس شخصا أخر كما كان يفعل الناس ذلك في عصر من العصور الماضية، بحيث كان أهل قبيلة المقتول يقتلون أي كان من قبيلة القاتل اذا فر هذا الأخير، واذا كان من داخل نفس القبيلة المقتول كان ينفذ الحد على أحد من أهل فخدته، اذا فر القاتل.

 * وتوضيحا أكثر لمعنى كلمة القصاص، فالله سبحانه لمّا أوحى لأم موسى بأن تلقي ابنها في اليم، أمرت ابنتها بأن تَتَّبع أثره، حتى لا يغفل عنها ويذهب به اليم، لذلك يقول سبحانه على لسان أم موسى : {..وَقَالَت لِأُخْتِهِ قُصِّيـهِ فَبَصُرَت بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُم لا يَشعُرونَ(القصص 11)}، فمعنى "قُصِّيـهِ" في الآية الكريمة، أي تتبعي أثره حتى لا يغفل عنك.

 * ويقـول سبحانه في تشريع أخر لبني إسرائيل وهو تشريع عام : {..وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُروحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُو كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَن لَم يَحْكُم بِمَا أَنْزَل الله فَأُولَئِكَ هُم الظّالِمُونَ(المائدة 45)}، فالله سبحانه وتعالى يقول في الآية الكريمة ان الجروح قصاص ولم يقل الجرح بجرح، أو الجروح بجروح، كما قال عن النفس والعين والأنف والأذن والسن، ومعنى ذلك أنه اذا جُرِحَ شخص في يده اليمنى بجرح طوله مثلا خمسة سنتيمات وعرضه خمسة مليم، وعمقه مثلا سبعة مليم، فإنه يطبق الحد على الفاعل في نفس اليد اليمنى وبنفس المقاييس طولا وعرضا وعمقا، وليس جرحه في مكان آخر أو الاعتداء على الجارح انتقاما  منه، لكن ينبغي الإشارة الى ان هذه العقوبات كانت معروفة في العصور التي كانت فيها العقوبات البدنية والنفي هي السائدة، نظرا لتعذر تطبيق عقوبات بديلة، لكن في العصر الحالي وبفضل توفر السجون والعقوبات الأخرى البديلة، أصبح تطبيق العقوبات البدنية أمرا مستبعدا ولا يليق بالحضارة الإنسانية المتقدمة، ونحن نعلم أن التشريع الإلهي يسير نحو التخفيف والرحمة، لقوله سبحانه : {..يَمحُوا الله ما يَشاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ(الرعد 39)}، ويقول سبحانه عن العفو في القصاص "ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُم وَرَحْمَةٌ(البقرة 178)".

 * ولزلنـا في توضيح معنى القصاص، ونقرأ قوله تعالى : {..الشَهْرُ الحَرَامِ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَن اِعْتَدَى عَلَيْكُم فَاِعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدَى عَلَيْكُم وَاِتّقُوا الله وَاعْلَمُوا أنَّ الله مَعَ المُتَّقِينَ(البقرة 194)}، فالله سبحانه وتعالى قد أمر النبي والمؤمنين بأن يقاتلوا المعتدين، كما يقاتلونهم، لكن هناك أشهر أمر الله سبحانه بالكف عن القتال فيها وهي الأشهر الحرم، لكن اذا بدأ المعتدين بالقتال فيها، فهنا أباح الله قتالهم دفاعا عن النفس ليس إلا، يقول سبحانه : {..وَلاَ تُقَاتِلُوهم عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُم فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُم فَقَاتِلُوهُم كَذَلِك جَزَاءُ الكَافِرِينَ(البقرة 191)}، لذلك فالله سبحانه قال في الءاية السابقة بأن "الحرمات قصاص"، أي اذا قاتل المعتدين المسالمين وهم حرم، فإنهم يقاتلونهم ولو كانوا حرم أو وقع الإعتداء عليهم في الشهر الحرام.

  2 - ضوابـط القصـاص فـي القتلـى :

- أولا : يتم الإقتصاص من القاتل نفسه، بالذات وهذا هو معنى الحر بالحر، والعبد العبد، والأنثى بالأنثى كما جاء في الآية 178 و179 من سورة البقرة، ونظرا لتعذر السلف في تفسيرها اعتبروها منسوخة.

- ثانيا : امكانية التنازل عن القصاص وهي مسألة واردة في الآية 178 من سورة البقرة والآية 45 من سورة المائدة، يقول سبحانه في الآية الأولى : " فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أَخِيهِ شَيْءٌ فَاِتِبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُم وَرَحْمَةٌ فَمَن اِعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَه عَذَابٌ أَلِيمٌ"، فاذا تنازل أولياء وأهل المقتول عن القصاص، فالقاتل يتم الإعفاء عنه ويجب عليه أداء الـدية لأهل المقتول، وقد وصف سبحانه تنازل أهل المقتول عن القصاص بأنه تخفيف من الله ورحمة، وفي الآية الثانية يقول سبحانه : "فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُو كَفَّارَةٌ لَهُ"، أي من تصدق بالقصاص وعفى عن القاتل، فهو كفارة لذنوبه (أي ذنوب المعفي).

  أما اذا لم يتنازل أهل المقتول عن القصاص، فيجب تطبيقه لقوله سبحانه : "وَلَكُم فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَأُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ".

  وفي عصرنا وبفعل تطور الحضارة الإنسانية فإن القصاص أصبح يطبق باسم المجتمع داخل الدولة المدنية، ومن حق الجماعة التنازل عن القصاص، ومدام ذلك فإننا نتفق مع امكانية الغاء عقوبة الإعدام التي يناشد بها المجتمع الدولي، وتعويضها بعقوبة المؤبد، أو أقصى عقوبات السجن المؤقت.

  ثانيا - الفساد في الأرض. 

   يقول سبحانه في سورة المائدة، الآية 32 : {..مِن أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَو فَسَادًا فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا..}، من خلال الآية الكريمة فالله سبحانه نهى عن قتل النفس الا في حالتين، وهما؛ حالة قتل وحالة الفساد في الأرض، فما المقصود بالفساد في الأرض الذي يبيح قتل النفس المفسدة في الأرض.

   1 - المقصود بالفساد في الأرض : 

  الفساد في الأرض هو ضد الإصلاح فيها، لقوله سبحانه : {..وَلاَ تُطِيعُوا أَمْر المُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ(الشعراء 151 و152)}، فالله سبحانه أمرنا بالإصلاح في الأرض وليس العكس، يقول سبحانه : {..وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادُعُوه خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ(الأعراف 56)}.

  لكن ليس أي فساد في الأرض يبيح قتل نفس المفسد، فالفساد أنواع، فالسرقة فساد في الأرض، ونستشف ذلك من قول المولى عز وجل على لسان اخوة يوسف : {..قَالُوا تَالله لَقَد عَلِمتُم ما جِئنا لِنُفسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنّا سَارِقِينَ(يوسف 73)}، لكن الله جعل عقوبة السارق كمفسد في الأرض قطع يده لقوله : {..وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}، وقد سبق القول، أن مثل هذه العقوبات البدنية لم يعد بالإمكان العمل بها، بفضل توفر العقوبات السالبة للحرية، وان فهمنا قطع يد السارق بمعنى بترها، لأن هناك اختلاف في هذه المسألة لا نود الدخول في متاهاتها.

  وقد يكون فسادا في الأرض، أكل أموال الناس بالباطل ونقض المكيال والموازين، يقول سبحانه وتعالى على لسان شعيب الذي خاطب قومه مدين : {..وَيَاقَومِ أَوفُوا المِكيالَ وَالميزانَ بِالقِسطِ وَلا تَبخَسُوا النّاسَ أشياءَهُم وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ(هود 85)}،

 ويقول سبحانه عن فرعون الذي كان يدبح الناس، ويعتدي عليهم وينهب ثرواتهم ويعلو عليهم، : {..وَثَمُودَ الّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلاَدِ، فَأَكْثَـرُوا فِيهَـا الفَسَـادَ(الفجر 9 الى 12)}، لذلك كان عقابه شديدا، بأن أغرقه في اليم هو ومن تبعه وساهم معه في فساده، يقول سبحانه : {..وَجَوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتْبَعَهُم فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ بَغْيَّا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ ءَامَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهِ إِلاَّ الَّذِي ءَامَنَت بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ، ءَالءَانَ وَقَد عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْـتَ مِـنَ المُفْسِـدِينَ، فَاليَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَن خَلْفَكَ ءَايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَن ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ(يونس 90 الى 92)}.

 2 - نوع الفساد الذي يبيح قتل النفس :

  يقول سبحانه : {..إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَه وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَو يُصَلَّبُوا أَو تُقَطَّعَ أَيْدِيَهُم وَأَرْجُلَهُم مِن خِلاَفٍ أَو يُنْفَوا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُم خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُم فِي الءَاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِم فَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ(المائدة 33 و34)}.

  لقد تعرض النبي في تبليغه لرسالة الله للعديد من الإكراهات من بينها الإضطهاد وإخراجه من دياره، الى حد ان اضطر الى هجرة مكة والمكوث في المدينة، وقد قاد العديد من الغزوات دفاعا عن نفسه ونفس المؤمنين وأموالهم، ضد المحاربين الذين كانوا يحاربون رسالة الله ورسوله، يقول سبحانه : {..أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقول ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز(الحج 39 و40)}.

  والقتال دفاعا عن النفس، يكون فيه القتل استثناءيا لأنه بامكان المحارب قتال العدو وأسره دون ازهاق روحه يقول سبحانه : {..فَإِذَا لَقَيْتُم الّذِينَ كَفَرُوا فَضَربَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُم فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمّا مَنَّا بَعدُ وَإِمّا فِدَاءٌ حَتّى تَضَع الحَرْبَ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَو يَشَاء الله لاَنْتَصَرَ مِنْهُم وَلَكِن لِيَبْلُوَا بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم(محمد 4)}، والذين كفروا في الآية الكريمة هم المعتدين، وليست مطلقا، والسورة بأكملها تفسر بعضها يقول سبحانه فس الآية 1 منها : "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله"، ويقول في الآية 13 من نفس السورة كذلك : "وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم".

  وعموما هناك آية محكمة تنص على ضوابط القتال الدفاعي، يقول سبحانه في سورة البقرة الآية 190 الى 192 : {..وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين، فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم}.

  3 - مبدأ التدرج في القتال الدفاعي :

  هناك مؤشرات في الآيات السابقة من سورة البقرة تدل على مبدأ التدرج في القتال والقتل الدفاعي، كقوله : "ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعدين"، وعدم قتال العدو عند المسجد الحرام الا في حالة قتاله هو، لقوله : "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم"، ومبدأ العفو في حالة انتهاء العدو عن الإعتداء لقوله : "فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم"، وقوله : "فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين(البقرة - 193)، وقوله : "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير(الأنفال - 39)".

  ويقول سبحانه في الآية 34 من سورة المائدة وقد سبق أن تطرقنا لها : "..إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِم فَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ".

  ومن لطف الله سبحانه أنه لم يأمر بقتل الأسرى، لقوله : {..حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُم فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمّا مَنَّا بَعدُ وَإِمّا فِدَاءٌ حَتّى تَضَع الحَرْبَ(محمد 4)}، وقوله سبحانه : {..يأيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم، وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم(الأنفال 70 و71)}.

  -  خلاصــة : 

  فالله سبحانه قد شرع قتل النفس في حالتين وهما حينما يكون المراد قتله قد قتل نفسا، أو يسعى في الأرض فسادا بأن يحارب ويعتدي على المسالمين والمهادنين، يجب قتاله وقتله ان اقتضى الحال دفاعا عن النفس.

  ومن رحمته سبحانه أن قرر مبدأ العفو عن القصاص في القتل لقوله : "فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أَخِيهِ شَيْءٌ فَاِتِبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُم وَرَحْمَةٌ فَمَن اِعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَه عَذَابٌ أَلِيمٌ"، وقوله عن القصاص : "فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُو كَفَّارَةٌ لَهُ".

  كما قرر سبحانه أليات بديلة في حالة الحرب عوضا عن القتل، كأسر المحاربين، واطلاق سراحهم فيما بعد منا او بعد اعطاء فدية، والعفو عنهم اذا انهوا الإعتداء بمحض إرادتهم.

  لكن في الثراث الديني قد فتح الباب على مصرعيه حينما خلف الكثير من العقوبات المعدمة لحق النفس في الحياة واستحلال دماء الناس، وتجد كتب هذا الثراث ملطخة بدماء الأبرياء، وجعل للناس يوما للقيامة قبل يومه، وهي عقوبات لم ينزل بها الله سبحانه أي سلطان مبين، كحد الردة وحد الرجم، وقتل شاتم الرسول حتى وان تاب..الخ وستكون موضوع الجزء الثاني من هذا المقال.  

 

  ذ. يوسف ترناصت.

  باحث إسلامي.

 

 

اجمالي القراءات 2223