تكسير الأصنام خلال 30 عاما ( 1977 : 2007 ) في حياتي الفكرية ( 3 )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٦ - مايو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

تكسير الأصنام خلال 30 عاما ( 1977 : 2007 ) في حياتي الفكرية ( 3 )

الخروج الى الإعلام والشأن العام

مقدمة

1 ـ تظل الأصنام الخرافية مقدسة حتى تتعرض للنقاش وتصبح قضية جدلية ، وتحتاج من أصحابها  ــ الذين كانوا يتوسلون بها ــ الى ان  يدافعوا عنها . بالنقاش والجدل حولها تنزل من عليائها ليتناولها الناس بأيديهم وألسنتهم وربما أحذيتهم ، بهذا زالت القداسة وضاعت الحصانة ، كانت بقرة مقدسة فترنّحت وسقطت وكثرت السكاكين فيها تمزيقا وتقطيعا .

2 ـ الأتباع المؤمنون بهذه الأصنام والأبقار المقدسة ليس لهم من حُجج سوى :

2 / 1  ـ إنها ثوابت الأمة .

المفهوم أن الثوابت هي الجبال أوتاد الأرض الراسيات مثل جبال الهملايا ، وقد تكون من صناعة البشر ولكن تظل أوتادا على مرّ القرون مثل الأهرامات . فهل خرافاتهم المقدسة مثل هذه الثوابت الراسخة ؟ وإذا كنت كذلك لما تهاوت مثل بيوت العنكبوت، ألا ينطبق عليها قول رب العزة جل وعلا : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)العنكبوت)؟

2 / 2  ـ إن الأُمّة أجمعت على هذه الثوابت :

فماذا عن الخلافات الأساس بين الشيعة والسُّنّة وبين طوائف الشيعة وبين مذاهب السُنّة ؟ الأمر يستلزم أن نعطى عقولنا أجازة مفتوحة لكى نصدق أن جميع أفراد الأمة ( أمّة محمد / المحمديين ) قد إجتمعوا من كل الأزمنة من القرن الأول الهجرى حتى عصرنا ( هذا من حيث الزمان ) فهل هذا مُمكن ؟  ومن حيث المكان فقد أتوا من كل حدب وصوب من الصين الى الأرجنتين مرورا بساحل العاج وموزمبيق . وعقدوا إجتماعا حافلا . فأي مكان يسع هذه الأمة بملياراتها ، رجالا ونساءا وأطفالا .! حقا إن ( المجانين في نعيم ).!

2 / 3  ـ أن الأمة قرّرت ( لا تقل قرقرت من فضلك ) عن هذه الأصنام الفكرية والمادية أنها من ( المعلوم بالدين بالضرورة ) ( من فضلك لا تقل بالضروطة ).!

ونتساءل : هل عندهم قائمة موّحدة ومتفق عليها ومرتبة بالمعلوم من دينكم بالضروطة ( أقصد بالضرورة ) . ؟ وأى ضروطة ( أقصد ضرورة ) أوجبت هذا ؟ وهل لأنها ضرورة ( لا ضروطة ) فهل هى مقررة على التلاميذ ويتعلمونها بالترتيب من الصغر ؟

3 ـ الواقع إن ما قمت به من ذبح أبقارهم المقدسة وتكسير اصنامهم جعلهم يتهموننى باتهام ذي دلالة . إنّنى تسببت في نشر البلبلة في عقائد الناس . البلبلة تعنى الشّك والريب وعدم اليقين . هذا في حدّ ذاته ينفى أساطيرهم الكوميدية عن الثوابت والاجماع والمعلوم عندهم في دينهم بالضروطة. ( أنا مصمم هذه المرة على أنها ضروطة ). وأقول :

3 / 1 : الشيوخ المُصابون بالبلبلة ( أو الشيوخ المتبلبلون ) هم كما وصف رب العزة ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) ابراهيم). باللهجة المصرية ( مُخُّهم فاضى ، على الزيرو ، لم يستعمله صاحبه من قبل ).

3 / 2 : الشيوخ المتبلبلون لا يقلون حمقا عن الخرتيت ( وحيد القرن ) ، جسد  ضخم وحمق هائل وعقل غائب . أو كما قال جل وعلا عن المنافقين (  وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) فاطر ) ، أو حسب المثل الشائع ( اجسام البغال وعقول العصافير ) .

3 / 3 : الدليل أنهم أصحاب فضل في الخروج بتكسير الأصنام من الأزهر ومجتمعات الصوفية والسنيين الى المجال العام في الصحافة وأجهزة الاعلام. بعد أن كانت قضية محلية جعلوها شأنا عاما ، وأتاحوا الفرصة للجدل حولها ، والجدل يعنى أن يقرءوا ما أكتبه ، وهم وبكل حمق نشروا بعض ما كتبت لإثارة العوام ضدى على أمل أن يبادر بعضهم ويقتلنى لينكح سبعين أو ( 71 ) من من الحور العين .

3 / 4 : لم يتحقّق لهم قتلى في سجن مزرعة طرة المُتخم بالمتطرفين . بل تعاطف بعضهم معى واحترمنى ، ربما كراهية في مبارك ، ولم أكن في يوم من الأيام في صفّ مبارك ، ولم أتورّط في مدحه او نفاقه كما يفعل الشيوخ .

3 / 5 :  الرأي العام أصابته الصدمة ، ثم أفاق . وأصبح الصنم المقدس للبخارى مادة للجدل والتندر ، وأصبح كل من هبّ ودبّ يتعالم على الناس بالطعن في البخارى وفى السُنّة والأحاديث، وأصبحت موضة دخل فيها العلمانيون والأقباط .

3 / 4 : الشيوخ المتبلبلون يستحقون جائزة ( نوفل ) في الغباء .!

4 ـ نعطى بعض التفصيل عن الخروج الى الاعلام والمجال العام  .

صراعات بين العناصر الطيبة وبين الشيوخ

1 ـ لانقاذى من وحيد القرن الأزهرى السُّنّى الصوفى الوهابى تدخّل بعض النبلاء، منهم :

1 / 1 : د.محمد حسين توفيق عويضه رئيس نادي أعضاء هيئة التدريس جامعة الأزهر، وعميد كلية الزراعة وقتها . عرض على رئيس الجامعة السعدى فرهود عقد مناظرة بينى وبينهم . وافقت ورفضوا .

1 / 2 : نفس الفكرة طرحها قادة ( أمن الدولة ) قبيل القبض علىّ . وافقت ورفضوا.

1 / 3 : الصديق ( وقتها ) د . زكريا سليمان بيومى رئيس قسم التاريخ بكلية التربية جعل رئيس جامعة المنصورة يوجّه رسالة الى رئيس جامعة الأزهر بقبول تحويلى الى قسم التاريخ في جامعة المنصورة . سافر اليهم د عبد الرحمن الكردى عميد كلية اللغة العربية وأرهبهم وأخافهم فخافوا . وعلمت فكتبت رسالة شكر لرئيس جامعة المنصورة معتذرا .

1 / 4 : كانت هناك صلة ب د يوسف والى ، نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والأمين العام للحزب الوطنى ، وقابلته عدة مرات . وقال لى ان الرئيس مبارك مقتنع ببراءتى وطلب من شيخ الأزهر وقتها ( جاد الحق  ) إنهاء الموضوع .  

2 ـ علم الشيوخ بمساعى د يوسف والى فكثفوا جهودهم ، وعقدوا مؤتمرا في اسلام اباد ترأسه رئيس باكستان وقتها ضياء الحق وبتمويل رابطة العالم الاسلامى ورئيسها عبد الله نصيف ، وحضره كبار شيوخ الأزهر، واتخذوا قرارا بأننى مرتد عن الإسلام  ويجب إقامة الحدّ عليه ، ثم كرروا مؤتمرا آخر عقدته رابطة العالم الإسلامى للتأكيد على أننى مرتد ، واكب هذا إستجابة السعودية لرجاء حسنى مبارك بإعادة العلاقات معها بعد أن كانت مقطوعة منذ تكوين جبهة ( الصمود والتصدى) بزعامة القذافى وصدام حسين فيما بين 1977 : 1978.    كنتُ ضحية عودة العلاقات مع السعودية . في السجن بعثتّ برسالة الى مكتب يوسف  والى حملها شقيقى د عبد الرزاق منصور . علم د يوسف والى فطلب أن يدخل اليه . سلّمه د . عبد الرزاق الرسالة بخطّى ، وفحواها إننى أدافع عن الدولة المصرية ، وأدفع الآن الثمن ، وفى المستقبل ستدفعون أنتم الثمن .!  

3 ـ في التمهيد لاعتقالنا كتب الشيخ الشعراوى مقالا ناريا يطلب فيه تنفيذ حدّ الحرابة علينا ، بمعنى أن يكون السجن رحمة لنا من الصّلب وتقطيع أيدينا وأرجلنا من خلاف . !

مؤلفاتى وقتها ( 1985 : 1987 ).

1 ـ نشرت على نفقتى وبمساعدة بعض الأحبة : كتاب ( المسلم العاصى : هل سيخرج من النار ويدخل الجنة ) طبعته مطبعة الأهرام الحكومية ونشرته دار أخبار اليوم الحكومية . وكان بداية لسلسلة من الكتب الصغيرة تناقش القضايا الأساس المختلف فيها بين القرآن الكريم والبخارى . طبعا لم يتم إستكمالها ، بل صودر الكتاب ليلة إعتقالى . الكتاب منشور هنا .

2 ـ لجأت الى كتابة بحوث بخطّ اليد ، وكان يتم نسخها وتوزيعها وتجد طريقها الى الشيوخ للردّ عليها فلا تزيدهم إلا طغيانا وكفرا ، ومنها بحث ( الصلاة في القرآن ) وتم نشره هنا ، ثم بحث أخطر عن ( شخصية النبى بين القرآن والبخارى ) ، وقد أصاب الشيوخ بالجنون ، وتمت إضافته فيما بعد الى كتاب ( القرآن وكفى ) .

3 ـ لكن العمل الأكبر الذى سهرت عليه كان كتابا ضخما بعنوان ( شريعة الله وشريعة البشر ) يتناول التناقض بين البخارى والقرآن . عندما أوشكت على إتمامه فوجئت بهجوم المغول ، جنود الأمن المركزى وضباطه يقتحمون شقتى المتواضعة في المطرية ، وقد إحتلوا أدوار العمارة وحاصرت سياراتهم المصفحة المنطقة كلها فيما بين ميدان المطرية الى كوبرى مسطرد ، يحملون المدافع الرشّاشة في مواجهة شخصى الضعيف وقلمى النّحيف . تفضّلوا مشكورين بمصادرة كتاب ( شريعة الله وشريعة البشر ) والأبحاث الصغيرة الأخرى ، واصطحبونى للسجن ، وقد  حقّقوا إنتصارا باهرا .!!

الانتصار التالى الذى حقّقوه ( لى ) على ( أنفسهم )

1 ـ إعتدت أن أقول في التسعينيات بعدها : ( إن مفكرا قليل الحيلة مثلى يحتاج الى أن تنبحه الكلاب ليلتفت اليه الناس ) . هذه جملة مختصرة توضّح حُمق وحيد القرن الأزهرى السُّنّى الوهابى الصوفى الإخوانى . تحريضا على قتلى في السجن نشروا الآتى :

1 / 1 : أخبارا في الصحف الرسمية ( الأهرام ) ( الأخبار ) وغيرها عن إعتقالى وأصحابى لأننا أسّسنا تنظيما لانكار السُّنّة ، وإمتلأت سطور هذه الأخبار بتكفيرنا والاستشهاد بأقاويل خصومنا .

1 / 2 ـ نقدا في الصحف لكتاب ( المسلم العاصى ) كتبه أحمد زين في الأخبار ، وفهمى هويدى في الأهرام . إضطروا لنقل فقرات من الكتاب . كانت الفقرات صادمة ، ثم بعد قليل يتبين صدقها . أسهم حمقهم في زيادة آلاف الى أهل القرآن .  كما قيل بعدها مرارا من كثير من أهل القرآن إنهم صاروا كذلك من قراءة هذه الكتابات ، قالوا لأنفسهم إذا كان هذا ما نقله الخصوم عنى فماذا عن الذى لم ينقلوه .!

1 / 3 : الأهم من هذا كله هو استجوابي في نيابة أمن الدولة العليا وقت الحبس الإحتياطى . استغرق أكثر من مائة صفحة مكتوبة شملت كل آرائى . لم يكن معى مصحف ولا أي كتاب من التراث . ولكن كان كتابى الذى صادروه قبلها ( شريعة الله وشريعة البشر ) حاضرا في ذاكرتى بكل قوة . أجبت بالتفصيل ، وكان ما أقول تعرضه النيابة على شيوخ الأزهر، فيسكتون أو ينكرون . أذكر أننى في تشريع البخارى للزنا أستشهدت بحديث البخارى ( أيُّما رجل وإمرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث .. ) . إستفظع الشيوخ هذا ، وأنكروه ، وجاء رئيس النيابة منتفخ الأوداج قائلا إننى أتهم البخارى بالكذب متجنيا عليه لأن الشيوخ قالوا إن هذا الحديث ليس في البخارى. فقلت له هو موجود في الجزء الرابع من كتاب البخارى في كتاب النكاح . وسهل العثور عليه . لم يستطع الشيوخ إثبات شيء ضدى ، واقتنعت نيابة أمن الدولة بجهلهم بعد أن انتهى الاستجواب ، فكنت آخر من أطلقوا سراحه .

1 / 4 : أصبح الحديث عن ( منكر السُّنّة ) والبخارى مادة صحفية شيقة مثيرة ترتفع بها نسبة المبيعات للصحف . استغلّ هذا ( أحمد زين ) رئيس تحرير ما سمى ب ( اللواء الاسلامى ) وقتها.  كانت جريدة ( اللواء الاسلامى ) تعرض بعض أقوالى  من استجوابات نيابة أمن الدولة العليا ، بعد قطعها عن السياق ،وتبرزها في الصفحة الأولى تحت عناوين مثيرة ، مثل :  ( منكر السُنّة يقول ) ( منكر السُّنّة يعترف ) ثم تأتى أقوال الشيوخ في الرد والسّب والشتم والتكفير. بهذا أوصلوا ما أقول الى الآفاق .

2 ـ إستضافوا بعض الشيوخ في القنوات الفضائية لتكفيرنا ، أذكر منها ما قالته د بنت الشاطئ ( عائشة عبد الرحمن ) في نقدها لكتابى (  الأنبياء في القرآن الكريم : دراسة تحليلية ) والذى صودر قبلها مع الكتب الأربعة الأخرى عام 1985 . وقد تفضّلت بفضح نفسها  حين قالت تهاجمنى وتطعن في دينها .: أننى ملأت الكتاب بالآيات القرآنية .!، أي لا تعترف بالقرآن الكريم مصدرا للحديث عن الأنبياء ، متناسية عنوان الكتاب . !

3 ـ إستمرت الحملة ضدى حتى خروجى من السجن  .

3 / 1 : كنت عند كوبرى مسطرد القريب من مسكنى أسمع صياح بائع الجرائد ( شوف منكر السُنّة بيقول إيه ) . أحسست بالخوف من الناس الذين تزاحموا حول بائع الجرائد .

3 / 2 : بعدها بأيام قابلت صّدفة صديقا عزيزا اضطر للسلام علىّ وعيناه زائغتان من الخوف.

3 / 3 : إبن عمى الشقيق د عبد الحميد أحمد محمد على جاء ليسلّم على ، فترك سيارته في ميدان المطرية وجاءني خائفا يترقب.

3 / 4 : منطقة المطرية أخطر بُقع التطرف الدينى في القاهرة . وكانت المساجد المحيطة بمسكنى تنعق بالتحريض على! .

4 ـ كان لا بد من الهرب لأمريكا للنجاة بحياتى . هربت اليها وعشت أسوأ  عشرة أشهر في حياتى ، فرجعت لمصر ، اعتقلونى في المطار، وأدخلونى سجنا في حفرة تحت الأرض في سجن مبنى الدولة في ( لاظوغلى )، كنت لا أجد مكانا للوقوف في هذه الحفرة المظلمة المشحونة بأعتى الإرهابيين . ثم أفرجوا عنى بعد تحقيقات استغرقت يومين .

5 ـ كنت قد وصلت الى إنكار السُنّة . حقّقت لهم ما كانوا يتهموننى به . وأضفت ذبح صنم جديد الى القائمة .

6 ـ شكرا للخرتيت وحيد القرن الأزهرى السُّنّى الصوفى الوهابى الإخوانى . 

اجمالي القراءات 3685