الرسول والرسالة-الجزء الثاني.

يوسف ترناصت في الإثنين ١٨ - مايو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

   5 - سنة الرسول عليه السلام :

  الله سبحانه يقول : {..لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ الله إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ..}، فالرسول قدوة للمؤمنين في تطبيق الرسالة، وليس مصدرا مستقلا في التشريع، فالله هو المشرع العليم والخبير بأحوال البشر، وان الرسول عليه السلام فهو مجرد متبع لذلك الوحي ومبلغ له.

 * فالرسول عليه السلام لم يفسر القرءان الكريم، لأن القرءان مبين بذاته وواضح ويفسر بعضه بعضا، ويتكرر فيه المعنى عدة مرة، حتى تتضح للناس الصورة، فالله يقول : "الرّحْمَان عَلَّمَ القُرْءَانَ"، فهو المتكفل به بذاته، وقوله للرسول : "إِذَا قَرَءْنَاهُ فَاِتّبِع قُرْءَانَه، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ"، أي بيان القرءان في داخل القرءان نفسه.

  كما أن القرءان قد أنزل متفرقا، وكل آية كانت تنزل في سياق زمكاني معين، فالرسول حينما تنزل آية في ذلك السياق، كان يستوعب معناها.

  والقرءان الكريم له مستويين للفهم، المستوى الأول، هو مستوى فبالنسبة للهدايا والأحكام والتشريعات، فمجرد تلاوة القرءان الكريم كما هو يكون مبين في ذاته ولا يحتاج الى البشر كي يوضحه، يقول سبحانه : {..لقد أنزلنا ءايات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (النور 46)}، وقوله : {..وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ الله يَهْدِي مَن يُرِيد (الحج 16)}.

 وهذا المستوى من الفهم البسيط متاح للجميع الناس باختلاف لهجاتهم ولغاتهم، ومللهم، فمثلا قوله سبحانه : "الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ"، وقوله : "الله لاَ شَرِيكَ لَه"، فهذا القول يدركه إي إنسان، لكن الكثير من الناس لا تتعقل القرءان وتتفكر فيه، يقول سبحانه : {..وَلَقَد يَسَّرْنَا القُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَل مِن مُدّكِر}، وقد تكررت أربع مرات في سورة القمر، وقوله  كذلك : "أَفَلاَ تَعْقِلُونَ"، "أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ"، "أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ"، "أَفَلاَ تَسْمَعُونَ"، "أَلاَ يُبْصِرُونَ"، "أَفَلاَ يَنْظُرُونَ"...الخ، لذلك فالله سبحانه يتوعد من يكتم آياته الله البينات، بالعذاب الأليم (الى ان يتوب طبعا)، لقوله : {..إِنَّ الذَّينِ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَاهُ للنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُم الله وَيَلْعَنُهُم اللَّعِنُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوب عَلَيهِم وَأَنَا التَّوَابُ الرَّحِيمُ(البقرة 159 و160)}، وقوله : {..إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ الله مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِم إِلاَّ النّارُ وَلاَ يُكَلِّمُهُم الله يَوْمَ القِيَّامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ(البقرة 174)}، فالذي يحث على الإكراه في الدين "مثلا قتل المرتد"، بينما يقول الله لا إكراه في الدين، ويجعل هذه الآية منسوخة، فهل هذا أمين يمكن أن تستعين به الأمة ؟؟؟.

  أما المستوى الثاني من الفهم، فهو التدبر في كلام الله، بمعنى تتبع سياق الآيات القرءانية داخل القرءان الكريم بإخلاص وبدون رأي مسبق، أي جعل القرءان مصدرا أساسيا للمعرفة وحقيقة الدينية، مثلا أريد أن أعرف من هو صاحب الحوت في الآية التالية : {..فَاصْبِر لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُو مَكْظُومٍ(القلم 48)}، فبدون ان تحتاج الى مفسر، يمكنك تدبر القرءان الكريم، فتعرف منه صاحب الحوت، لأن القرءان الكريم نسيجة واحدة ويفسر بعضه بعضا، فيقول سبحانه : {..وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ، إِذ أَبْقَ اِلَى الفُلْكِ المَشْحُونِ، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ، فَالْتَقَمَهُ الحُوتَ وَهُوَ مُلِيمٌ، فَلَوْلاَ أَن كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ اِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(الصافات 139 الى 144)}، وقوله : {..وَذَا النُّونِ إِذ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَنْ نُقْدِرَ عَلَيه فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَ إِلَه إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاِسْتَجَبْنَا لَه وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنَجِّي المُؤْمِنِينَ(الأنبياء 87 و88)}، فهذه الآيتين تفسران الآية السابقة، لذلك فصاحب الحوت هو يونس عليه السلام، وان الله قال لمحمد لا تكون كصاحت الحوت، أي أصبر ولا تكون كالرسول يونس الذي نفر من قومه، فذهب الى البحر غاضبا، فالتقمه الحوت.

 * والسنة النبوية، حسب علماء الحديث، اما سنة فعلية، أو سنة قولية، أو سنة تقريرية، فالسنة الفعلية هي التي تتواتر جيل عن جيل، ويستحيل تواتر جميع الناس على الكذب، وهذه السنة الفعلية تكون حصرا في العبادات، أهمها؛ الصلاة والحج، أما الصيام والزكاة فقد جاءت مفصلة في القرءان الكريم تفصيلا تاما، وبما أن السنة الفعلية، تتواتر فالله سبحانه هو العليم، بالحاضر والماضي والمستقبل، لو كان هناك اختلاف الناس حول موضوع الصلاة والحج، لتفصل فيها في الذكر الحكيم، كعدد الصلوات وركعاتها..الخ، ولعل الإختلاف الحاصل حاليا حول طائفة الشيعة والسنة، في قضية الوضوء، فبينما تقول طائفة أهل السنة يجب غسل الأرجل، في حين تتمسك طائفة الشيعة بمسحها، فهذا الإختلاف قد حسم فيه القرءان الكريم، لقوله تعالى : {..يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُم اِلَى الصّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم وَأَيْدِيَكُم اِلَى المَرَافِقِ وَاِمسَحُوا بِرُءوسِكُم وَاَرْجُلِكُم اِلَى الكَعْبَيْنِ..(المائدة 6)}، فالآية تقول بغسل الوجه واليدين، بينما مسح الرأس والأرجل (والله هو العليم لماذا يجب مسحها وليس غسلها)، فأصحاب الأديان الأرضية (سنة وشيعة وتصوف)، نبذوا الصراط، واختلفوا وتفرقوا فيما بينهم، ويحتكمون في اختلافاتهم للطاغوت، والتعصب، ولا يحتكمون للقرءان وان احتكموا له يجعلوه عضين، يقول سبحانه : {..وَلاَ تَكُونُوا كَالّذِينَ تَفَرّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُم البَيِّنَاتِ وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ(آل عمران 105)}، وقوله : {..وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُم وَكاَنُوا شِيَّعًا، كُلَّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِم فَرِحُونَ}

  وكل حزب منهم ينتقي الآيات التي قد تناسب هواه، ويقول اتباعهم اختلافهم رحمة، هل نبذ الصراط المستقيم رحمة، ألم يقول سبحانه : {..وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتّبِعُوه وَلاَ تَتَّبِعُوا السُبُلَ فَتَفَّرَق بِكُم عَن سَبِيل الله}، تركوا القرءان سبيل الله، واتبعوا السبل الأخرى ففرقتهم عن سبيل الله، اذ اتبعوا سبيل البخاري، وسبيل ابن ماجة، وسبيل مسلم، وسبيل الأئمة الأربعة، الذين أجمعوا على قتل المرتد وقتل تارك الصلاة والزكاة، والزنديق، ونكاح الرضيعة..الخ، فتاوى لا حصر لها، لذلك فهم في حير من أمرهم، يزعمون أنهم يؤمنون بالقرءان، وهم يؤمنون فعلا ومنزل من عند الله، ولكن لا يستوعبون أنه كلام الله، لأن على قلبهم قفل محكم، كما جعلوا القرءان كلام الله، ما يسمى عندهم، بالرقية الشرعية، فجعلوه تجارة، يترزقون منها.

  لذلك فالله سبحانه، قد فصل كل شيء يحتاج الى التفصيل في أمور الناس الدينية والعقيدية، أما الذي يجاحد ويعاند في تمام القرءان، ويقول أين كذا وكذا في القرءان فهو يسعى في ءايات الله معاجزا، فمنهم من يقول أين ركعات الصلاة في القرءان.

   6 - ملامح أكملية الرسالة وتماميتها :

  * يقول سبحانه : {..اليَوْمَ أَكْمَلت لَكُم دِينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتِي وَرَضَيْتُ لَكُم الإِسْلاَمَ دِينًا(المائدة )}.

  فالله أكمل لهذه الأمة دينها أي الأحكام و التشريعات التي ستحتاجها، وأتمم عليها النعمة اي القرءان الكريم كلام الله، ورضي لها الإسلام دينا، أي وحدانية الله وإخلاص العبادة له.

  فحينما يقول الله سبحانه أكملت لكم دينكم، بمعنى هذا ان دين الله كامل بالتمام والكمال لا يحتاج الى اي شيء آخر، فهل يا ترى سنصدق هذا الكلام أم كلام الشيخ، حينما يقول ان السنة تكمل القرءان، بمعنى قوله هذا ان القرءان ناقص ويحتاج الى سنة البخاري ومسلم لكي تكمله، وبالتالي فالآية الكريمة ليس لها أي معنى، أو منسوخة بزعمهم، ومن مظاهر نقصان الرسالة حسب فقههم، حد الرجم الى الموت، فالقرءان لم يقل أبدا بحد الرجم بل اخترعوه ونسبوه للرسول الكريم، فالله يقول "الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"، ففيما رواه البخاري ومسلم أن نسبة أن الرسول أنه قال : "لاَ يَحِلَّ دَمِ اِمْرِإٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ مِن ثَلاَثٍ، وذكر من بينهم الزَانِي المُحْصَن"، فسنتهم هذه تكمل القرءان الناقص بزعمهم، وكأن الله يكذب على عباده (وحاشا ذلك)، وكذلك من مظاهر نقصان الرسالة بزعم فقههم، حد شارب الخمر، فهل قال الله بهذا الحد في القرءان، أم يفترون على رسول الله الكذب، أم ماذا؟؟؟، وكذلك نجد قتل المرتد، لقول مسلم والبخاري نسبة للرسول أنه قال "مَن بَدَّلَ دِينَه فَاقْتُلُوه"، ولعل بعض المفسرين وكعادتهم في المراوغة، ان هذا القول كان في حروب الردة، فماذا نقول عن مارواه البخاري ومسلم وهو حديث واضح وضوح الشمس، نسبة للرسول أنه قال "لاَ يَحِلُّ دَمٍ اِمْرِأ مُسْلِمٍ إِلاَّ مِن ثَلاَثٍ وذكر منها وَالتّارِك لِدِينِه المُفَارِق للجَمَاعَةِ"، فهل قتل المرتد سنة مكملة للقرءان الكريم الناقص بزعمهم، أم إلغاءا للآية التالية : {وَمَن يَبْتَغِي غَيْرَ الإِسْلاَمَ دِينًا......إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ(آل عمران 85 و89)}، وقوله : {..يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مِن يَرْتَد مِنْكُم عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَه أَذِلَّةً عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الكَافِرِينَ..(المائدة 54)}، فهل يا ترى سنترك لهذا المرتد فرصة للتوبة، أم سنطبق عليه حد الردة..فهذه هي عقلية السلف وإرضاع الكبير، لذلك لا يمكن اتهام أمريكا انه صنعت داعش، فداعش صناعة محلية مائة بالمائة، بفضل الأئمة والشيوخ العظام، والخطاب التكفيري الشيطاني، فقد صدق الشيطان الله وعده.

 * يقول سبحانه في مشهد من مشاهد يوم الآخرة : {..وَلَقَد جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدَّى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، هَل يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَه يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلِه يَقُول الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَد جَاءَت رُسُل رَبِّنَا بِالحَقِّ.. ( الأعراف 52 و53)}.

  فالله سبحانه وتعالى قد فصل الكتاب، أي جاء بءايات مجملة، وءيات مفصلة، فهو لا يعوزه ذلك التفصيل حتى لا يضل الإنسان يتساءل، فهو قد فصله على علمه المطلق، هل يشك أحدا في علم الله المطلق الذي يعلم ما في السموات والأرض، فمثلا محرمات الطعام تفصل فيها، ومحرمات الزواج قد فصل فيها..وهكذا، على سبيل المثال يقول سبحانه : {..قُل مَن حَرّمَ زِينَة الله الّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُل هِيَ لِلِّذِينَ ءَامَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَّامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الءَايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (الأعراف 32)}.

  أما أصحاب الأديان الأرضية، فهو يعتبرون القرءان مجملا، يحتاج الى تفصيل، فأضافوا تحريمات لم ينزل بها الله أي سلطان مبين، فمثلا الله قد تفصل في محرمات الزواج، بتفصيل دقيق، ولنا أن نقرأ قوله تعالى : {..وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم مِنَ النِسَاءِ إِلاَّ مَا قَد سَلَف إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً، حُرِّمَت عَلَيْكُم أُمَّهَاتُكُم وَبَنَاتُكُم وَأَخَوَاتُكُم وَعَمَّاتُكُم وَخَلاَتِكُم وَبَنَاتِ الأَخِ وَبَنَاتِ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتِكُم الَّتِي أَرْضَعْنَكُم وَأَخَوَاتُكُم مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتِ نِسَائُكُم التي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَم تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُم وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُم الَّذِينَ مِن أَصْلَبِكُم وَأَن تَجْمِعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَد سَلَفَ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(النساء22 و23)}، فهم لم تكفيهم هذه التفصيلات، فأضافوا أشياء أخرى من أختراعهم، فأضافوا أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النصب والمصاهرة، أي ما هو محرم في الآيات السابقة، جعلوه محرما حتى في الرضاع، كما أضافوا بزعم القياس الجمع بين المرأة وخالتها أو عمتها.

  * ما داخل الرسالة فهو اليقين وما عداه فهو ظن ولا يمكن أن يجتمع الإثنين :

  فالله سبحانه قد فصل كتابه، تفصيلا على علم (لا شك أن الله هو العليم والخبير بعباده)، ومن رحمة الله أنه قد حفظ القرءان الكريم من التحريف والضياع، حتى لا يكون الناس مختلفين، وما شاء الله الآن مختلفين ومشتتين فكريا، بسبب تمسكهم بالظن (كلام البشر)، وهجرهم لليقين (كلام رب البشر)، وجُعِلَ كلام البشر شركة مع كلام رب البشر مهما تعارض هذا مع ذاك، يقول سبحانه : {..فَذَلِكُم الله رَبُّكُم الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَلال فَأَنَّى تُصْرَفُونَ،...قُل هَل مَن شُرَكَائِكُم مَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ قُل الله يَهْدِي لِلحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي لِلحَقِّ أَحَقُ أَن يُتَبَع أَمَن لاَ يَهْدِي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُم كَيْفَ تَحْكُمُونَ، وَمَا يَتَّبِع أَكْثَرُهم إِلاَّ ظَنَّا إِنَّ الظّنَّ لاَ يُغْنِي عَنِ الحَقِّ شَيْئًا إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ، وَمَا كَانَ هَذَ القُرْءَانَ أَنْ يُفْتَرَى مِن دُونِ الله وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكِتَابَ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَبِّ العَلَمِينَ(يونس 32 الى 37)}، وبسبب اتباع أكثرهم للسمعيات والمرويات، بدون فرز للكلام، وبسبب اتباع أئمة الضلالة، الضالون والمضلون، فالإمام أو الشيخ الذي يحرض على تكفير الناس وكراهيتهم وشن العدوان عليهم، فهذا لا يكون أبدا مخلصا في دينه لله، فهذا مشرك بالله بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لماذا لأنه فضل كلام البشر على كلام رب البشر، ألم يقرأ قوله تعالى : {..أَلَهُم شُرَكَاءَ شَرَعُوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لَم يَأْذَن بِهِ الله}، فمل الله أذن بحد الردة وحد الرجم وحد شارب الخمر: ونكاح الرضيعة، لذلك فكل من يتمسك برأي الفقهاء السلفيين مع أنها تتعارض تماما مع كتاب الله فهو مشرك، وغدا يوم القيامة سيتبرأ منهم الرسول عليه السلام الذي أدى أمانته وبلغ رسالته، "إِنَّ قَوْمِي اِتَّخَذُوا هَذَا القُرْءَانَ مَهْجُورًا"، وكلنا يعلم أن القرءان هو كتاب الله الذي نزله مفصلا لكي شيء، فالرسول لم يقول اتخذوا دينهم مهجورا، ولم يقل لم اتخذوا سنتي مهجورة، ولم يقل اتخذوا رهبانهم وأحبارهم مهجورين ..الخ، والله سبحانه قد برأه منهم في الدنيا، لقوله : {..إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شَيَّعًا لَسْتَ مِنْهُم فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُم إِلَى الله ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعُلونَ(الأنعام 159)}.

  ولا يلجءون للقرءان الى طمعا في الحسنات (الآية بعشر أمثالها)، ولكنهم في واقعهم يطبقون كلام البشر، مهما تعارض مع القرءان الكريم، ويعتبرون أن من يتمسك بكلام الله الصراط المستقيم السوي، يصفونه ويشتمونه بأنه قرءاني، ألم يقرءو قوله تعالى لرسوله الكريم : {..فَاسْتَمْسِك بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(الزخرف 43)}، فهم يقرءون الآية ولكن لا يستوعبونها، أو يطبقونها حسب أهوائهم.

   اللهم لا تؤاخذا إن نسينا أو أخطأنا.

  ذ. يوسف ترناصت.

  باحث في الثراث الإسلامي.

اجمالي القراءات 2087