من ف3 : الكتابة عن المزارات:من ج 1 :( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )
التعليم والمزارات

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٣٠ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

                          التعليم والمزارات

من ف3 : الكتابة عن المزارات:من ج 1 :( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )

1 ـ ولم يكن التعليم في العصر المملوكي ليبعد عن المزارات ، وقد رأينا ابن بطوطة يذكر أنهم يبنون الزاوية والمدرسة إلى جانب التربة، ورأينا ابن جبير يتعجب من أن يأوي للقرافة العلماء .  وواقع الأمر أن التصوف تحكم في العملية التعليمية في العصر المملوكي بحيث اختلط مدلول المدرسة بالخانقاه بالزاوية وصار المعلمون والطلبة من الصوفية , وانتشرت الزوايا بمصر بجهد الأمراء والموسرين من المصريين ،وإحتوت الزوايا والخوانق والأربطة على أضرحة منشئيها ، وأوقفوا عليها الأوقاف التي تكفى حاجة المدرسين والطلبة ، كما أن بعض المشهورين من الصوفية كان يتقاطر إليهم الناس وافدين، وبعضهم حرص على أن يتكلم في العلم في مناسبات عرفت بالميعاد . وفى الميعاد كان يحلو لبعض الصوفية أن يقول ما يشاء ويتقبل الناس منه أقواله بقبول حسن ، ويجدون له المبررات والتفسيرات ، ويعتبرونها من ( اللسان الأعجمي ) وهى خصوصية ل( أرباب القلوب ) في عقيدة العصر المملوكي. وبعض الصوفية حاز بعض العلم كالشعراني الذي يفتخر بأن زاويته لا ينقطع فيها الذكر وقراءة القرآن والحديث والفقه والتصوف[1] .

2 ـ وأشهر الأضرحة ذات النشاط التعليمي في القاهرة كان المشهد الحسيني وتربة برسباي بالصحراء والقبة الناصرية التي أنشأها الناصر محمد بن قلاوون والقبة المنصورية التي أنشأها المنصور قلاوون. وفى وثيقة الوقف على تربة برسباي يقول الواقف ( يصرف لأربعة نفر من الحنفية المشتغلين بالعلم المشهورين بالخير .. على أن يحضروا صحبة المذكورين كل يوم بالمدرسة ليلقى عليهم المدرس المذكور من العلوم الشريفة من السنن أو الحديث الشريف أو الفقه أو النحو أو الصرف أو مجموع ذلك ، على أن يسكن المدرس بالمسكن المقرر له وتسكن الطلبة بالتربة .. بحيث لا ينقطع أحد منهم إلا لمرض يعرض له أو ضرورة شرعية )[2] ،

فألزم الطلبة بالإقامة المستمرة في التربة وتلقي العلم بها .
3 ـ ويذكر النويري الترتيب الذي رسمه قلاوون في وثيقة وقفه على القبة المنصورية يقول : ( وأما القبة المباركة المنصورية وهى التربة، فإنه رُتب فيها خمسون مقرئاً يقرءون كتاب الله تعالى ليلاًٍ ونهاراً بالنوب – أي بالتناوب – وجُعل لكل منهم في كل شهر عشرون درهماً، ورُتب بها إمام على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى , وله في كل شهر ثمانون درهماً من أصل الوقف . وفى كل سنة في ليلة ختم صلاة قيام رمضان خلعة من خزانة السلطان كاملة مسخية مقتدرة . ورًتب بها رئيس ومؤذنون معلنون الأذان بالمئذنة الكبرى ويقيمون الصلاة ويبلغون خلف الإمام ، وهم سبعة نفر : الرئيس وله في كل شهر أربعون درهماً ، والمؤذنون ستة لكل منهم في كل شهر ثلاثون درهماً، ورتب بها درس تفسير لكتاب الله تعالى ، فيه درس يلقيه مدرس رتب له في كل شهر أربعون درهماً ، وطلبة، عدتهم ثلاثون ، لهم في كل شهر ثلاثمائة درهم , ودرس حديث يذكر فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، له مدرس ومعيد وطلبة ، لهم في كل شهر نظير ما لمدرس التفسير ومعيده وطلبته . وزيادة على ذلك قارئ يقرأ الحديث بين يدي المدرس في أوقات الدروس ، ويقرأ ميعاداً للعوام بين يديه أيضاً في صبيحة كل يوم أربعاء ، رُتّب له في كل شهر ثلاثون درهماً , ورُتّب لخازن كتبها في كل شهر أربعون درهماً ، وخزانة كتبها من الختمات الشريفة والربعات المنسوبة الخط وكتب التفسير والحديث والفقه واللغة والطب والأدبيات ودواوين الشعراء شيء كثير . ورُتّب بها الخدام اللازمة ، يقيمون بالقبة لحفظ حواصلها ومنع من يعبر إليها في غير أوقات الصلاة ، وهم ستّة ، لكل منهم في كل شهر خمسون درهماً ، وغير هؤلاء من القومة والفراشين والبوابين )[3].

4 ــ ومن دراسة النص السابق من وثيقة القبة المنصورية يتضح أن موظفيها على نوعين : قام النوع الأول بإقامة الصلاة وقراءة القرآن ، ويتكوّن من قُرّاء بلغ عددهم خمسين قارئاً ، يقرءون بالتناوب ، ثم إمام للصلاة يعاونه مؤذنون ومُبلّغون .  والنوع الثاني اشتغل بالعلم ، وتكون من مدرسين للحديث و التفسير ، يعاونهما معيد وقارئ ، ويتعلم على أيديهم طلبة عدتهم ثلاثون طالباً . ثم هناك مكتبة ملحقة بالقبة اشتملت على كتب من مختلف العلوم والفنون من التفسير والحديث والفقه واللغة والطب وكتب الأدب والشعر يقوم على صيانتها خازن ، ويعاون موظفي القبة خدم وفراشون وبوابون , ولجميعهم من موظفين وطلبة صرفت المرتبات الشهرية. وللعوام درس – ميعاد – حدد زمانه وهو صبح الأربعاء من كل أسبوع يستمعون للحديث من قارئ الحديث بالقبة .

5 ـ لقد اعتقد السلاطين المماليك وأمراؤهم أنهم يكفرون عن ذنوبهم وقسوتهم وظلمهم بإقامة الخوانق والمعابد وترتيب قراءة القرآن ودرس العلم عند قبورهم، ولهذا ازدهر الظلم والعسف مع ازدهار المعمار الديني في العصر المملوكي ، ولم يتورع بعضهم عن استعمال العسف والظلم في بناء خانقانه وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ، يقول أبو المحاسن عن معاصريه من المماليك ( وأعجب من ظلمهم إنشاؤهم المدارس والربط من هذا المال القبيح )[4]ويقول المقريزي في إنشاء الخانقاه الإقبغاوية وصاحبها الأمير أقبغا ( كان من الظلم والتعاظم على جانب كبير ) ، وقد  سخّر في عمارة خانقاته كل صانع بالقاهرة وكل أتباعه يضربون العمال , يقول المقريزي ( وحمل لها الأصناف من الناس فكانت بين غصب وسرقة ، ومع ذلك فإنه ما نزلها قط إلا وضرب فيها من الصناع عدة ضرباً مؤلماً ، ويصير ذلك الضرب زيادة على شدة عسف مملوكه الذي أقامه شاداً به .. فلما تمت جمع بها القضاة والفقراء – أي الصوفية )[5].

6 ــ   وكان الأمير أو السلطان يحرص على أن يدفن في الخانقاه التي يقيمها ليشترى الآخرة بأمواله التي غصبها من الناس . ويستحوذ بأمواله على زيارة الناس إليه حين يستمعون إلى دروس الحديث والتفسير في خانقاته . من هنا فالخوانق التي أقامها السلاطين والأمراء تدخل ضمن المزارات.  وقد ألمحنا إلى دوران الحركة التعليمية حول المزارات . ومن شاء التوسع في الناحية التعليمية في العصر المملوكي ومؤسساته ففي خطط المقريزي عنها الكثير ، وفى وثائق الوقف أكثر ، وبعضها منشور في ملاحق الدراسات العلمية المتخصصة ، وبعضها لا يزال محفوظاً في دار الوثائق .

 

7 ــ وحتى في الحياة السياسية كان للترب فيها نصيب ، فقد كانت مكاناً مناسباً للاختفاء إبان الفتن العسكرية التي كانت لا تنتهي بين الأمراء والمماليك . ومن الطبيعي حينئذ أن ينالها من الضرر جانب ، فالأمير أقبردي مثلاً فشل في ثورته فاختفى في القرافة ( فكبسوا بسببه عدة أماكن ودور بالخانقاه ،حتى هجموا هناك على الجوامع والزوايا )، ووصل النزاع في فتنة أقبردي لمشهد السيدة نفسية . وبعض الخوانق التي أقامها الأمراء نهبها خصومهم إبان التنازع معهم فنُهبت خانقاة ضرغتمش في عهد السلطان حسن ،ونُهب جامع قوصون وخانقاته[6] .

وفى الصراع بين الأميرين يلبغا وطيبغا سنة 767 كانت التربة مسرح العمليات العسكرية بينهما ، ولعبت التربة نفس الدور سنة 775 هجرية ، وفى الحرب بين بركة وبرقوق وفى ثورة الأمير يشبك وغير ذلك كثير[7].

وبعد انهيار طومان باى أمام العثمانيين هرب المماليك إلى القرافة ، فتتبعهم العثمانيون ونهبوا الأضرحة الشهيرة فيها ، وهجموا على المساجد للقبض على المماليك المختبئين فيها[8]

وفى أوقات السعادة كانت التربة متنفساً للماليك خصوصاً تربة يشبك وسرياقوس وأقيمت للسلاطين حفلات للسماع الصوفي [9] .

8 ــ وبعد فالمزارات والكتابة عنها معلم هام من معالم التاريخ الديني؛ منها ما كتب خصيصاً فيها مثل كتب المزارات والخطط ، ومنها ما دار حولها كباقي المصادر التاريخية من حوليات وكتابات الرحالة وغيرها.



[1]
لطائف المنن 298 ط 1288

[2] وثيقة برسباي . نشر أحمد دراج 52 .

[3] وثيقة وقف القبة المنصورية في ملاحق السلوك 1/3/1000 : 1001   

[4] النجوم الزاهرة 14/ 154

[5]السلوك 2/ 488.

 

[6]  تاريخ ابن أيأس 1/208 , 1/178 ط . بولاق

[7]السلوك 1/3 /869  , 3/1/115, 383 , عقد الجمان حوادث سنة 791 , سنة 808 وتاريخ ابن إياس 4/ 9 , 1/2/118 , 119 تحقيق محمد مصطفى

[8]تاريخ ابن إياس 5/ 154 : 156 , 160.

[9]أنباء الهصر لابن الصيرفي 18 , 126 , 127 , 149 , 273 , 358 , 474 , أبناء الغمر 3/ 36 , لطائف المنن للشعراني 143 ط 1288 .

 

اجمالي القراءات 2873