سنة الله فى تعذيب المجتمعات الفاسدة
الذكر والاسوة ....وايات القتال الجزء السادس

حسام علم الدين في الأحد ٢٩ - سبتمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

سنة الله في تعذيب المجتمعات في الدنيا

من المعلوم علميا ان تناول السكر بكثرة من شأنه ارتفاع نسبة الاصابة بمرض السكر فاذا كانت هذه المعلومة معروفة لدي شخص ومع ذلك استمر هذا الشخص بتناول السكر بمعدلات عالية  هل يمكننا ان نعفى هذا الشخص من مسئوليته عن اصابته بهذا المرض ؟؟؟؟

بالطبع لا فهو المسئول الاساسي عن اصابته بمرض السكر

كذلك فإن الفساد حتما سيؤدي الى الفقر والقحط وغيرها من صنوف النكبات التى تصيب المجتمعات وتتنوع النكبات حسب نوعيات الفساد

يقول الله تعالى  عن هذه السنة ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) اذا فما اصاب القرية من لباس الجوع والخوف انما هو نتيجة لما كان يصنع هؤلاء من كفر بنعم الله سبحانه وتعالى  ويقول الله ايضا " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون"

ونعود لنفهم مصطلحات القران في ضوء اياته عن تعريف الفساد

الفساد

الفساد هو كل شئ دون الظلم بداية من محاربة رسالة الله مرورا بالقتل والغش والخيانة وعدم العدالة وغيرها من مخالفة منظومة القيم الالهية لكن الفرق بين الظلم والفساد هو ان الاول يمنع المؤمنين من عبادة الله تماما ويستبدل القيم الالهية بقيم فاسدة يجعلها اساس القيمة الانسانية في هذا المجتمع اما الفساد فهو  عمل اغلبية المجتمع وفق منظومة قيم فاسدة اهمها الاشراك بالله وانتشار الظلم والانحراف والغش والخيانة بين الناس ولكن عبادة الله ومنظومته القيمية مازالت تعمل في المجتمع وما زالت لها صوت رغم التضييق عليها هنا في هذه الحالة يكون رد فعل الله سبحانه وتعالى على هذا المجتمع الفاسد ان يصيبه بعذاب كنتيجة حتمية لافعاله  ليقيم عليهم الحجة ان عبادة الاله الواحد والايمان بما اتى به من قيم هى السبيل الوحيد لحياة هادئة مطمئنة فيقول الله ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ( الاعراف 96 ) .

الفساد سيقود حتما للظلم

ان عذاب الله للمجتمعات الفاسدة هي لتنبيههم ان فسادهم سوف يؤثر على وجودهم فإذا لم يعتبر المجتمع ويكف عن فساده فإنه سيتحول حتما الى مجتمع ظالم  واذا تحول المجتمع الى مجتمع ظالم فان الله يتوقف عن تعذيبه ويمهله حتى يزيد في طغيانه فيهلكه جزاء لظلمه كما اسلفنا في الحديث عن اهلاك الظالمين  فيقول الله سبحانه وتعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) .

 

العذاب  يشمل كل المجتمع فاسدهم وغير فاسدهم

من سنن الله في تعذيب المجتمعات ان يشمل الله العذاب للقرية الفاسدة من يفسد في المجتمع ومن لم يفسد  ولعل قائل هنا يشكك في عدالة الله بإعتباره يصيب بعذابه من افسد ومن لم يفسد وقد سبق ان قلنا ان العذاب في هذه الحالة هو انذار لكافة المجتمع باعتبار ان مصيرهم في هذا الامر واحد ويجب ان يتكاتفوا ليزيلوا هذا الفساد ولكن لفهم هذا الامر بشكل اعمق  ينبغى ان نفهم معنى كلمة( فتنة ) في القران

الفتنة

الفتنة في القران لها معان متعددة  وتختلف معانيها في حالة الفتنة بين البشر بعضهم البعض  او الفتنة  التى يفتن الله بها البشر وما يعنينا هنا هى الفتنة التى يفتن الله بها البشر

فتنة الله للبشر

فكلمة فتنة فى هذا السياق جاءت بثلاث معان  المعنى الاولى وهو معنىالعذاب فيقول الله تعالى ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا ان الله شديد العقاب) الانفال 25 ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمان به وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين)  الحج 11 وهنا يصيب الله عذابه للمفسدين  والظلمة جزاء لهم على فسادهم و لعلهم يرجعوا عن ظلمهم وفسادهم

اما المعنى الثانى فهو معنى الاختبار فيقول الله تعالى(  واعلموا انما اموالكم واولادكم فتنة وان الله عنده اجر عظيم) الانفال 28 (فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ( انما اموالكم واولادكم فتنة والله عنده اجر عظيم) التغابن 11  أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )  العنكبوت 2 وهنا يختبر الله عباده سواء   المفسدين وغير المفسدين  بالخير او بالشر بنعمه او بعذابه كأختبار لهم حتى يعلم  من يؤمن به وبما وصانا به من حق وعدل خير و يقيم الحجة على من لا يؤمن به وبوصاياه .

اما المعنى الثالث فبمعنى البلاء فيقول الله تعالى (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون)  الانبياء اية 35  

 (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين) البقرة 155  وهنا الفتنة بمعنى البلاء وهذا البلاء هو للناس كافة صغيرهم وكبيرهم مؤمنهم وكافرهم والغرض من هذا البلاء هو تعزيز الاختلاف ان الله  خلق الناس مختلفين في الصفات لكنهم متساوين في القدرة على معرفة الله والايمان به وبقيمه والمساهمة بشكل او بآخر في تعزيز هذه القيم والوصايا في المجتمع فزاد في بعضهم  بعض الصفات وانقص من بعضهم بعض المميزات  وفى رحلة الحياة يغير من حالهم مرة بالخير ومرة بالشر حتى يروا الله في كل حالاتهم وهو في هذا الامر يعلمهم ويثقلهم حتى يتبين من كان له عقل ان الله سبحانه وتعالى هو الباقى وان متاع الحياة الدنيا فان  ومن يكفر بنعم الله عند اصابته بالشر  فيقول الله تعالى (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل عمران 141

اقسام المجتمع الفاسد

سبق ان قلنا ان فتنة العذاب للمجتمع الفاسد تشمل كل المجتمع فاسدهم وغير فاسدهم والحق ان المجتمع الفاسد تنقسم  فيه انواع الناس الى اربعة انواع

ا- الظالمين والفسدة

2المستضعفين ظالمي انفسهم) القابلين للفساد بغير انكار طمعا في العيش ولكنهم لا يفسدون او يظلمون ) وهؤلاء وجب عليهم الدعوة لمقاومة الفساد اوالهجرة متى تحولت القرية من قرية فاسدة الى قرية ظالمة

3- المؤمنين

4- المستضعفين لا يستطيعون حيلة ( وهؤلاء المؤمنون الذين لا يستطيعون الدعوة لمقاومة الفساد لضعفهم ولقلة حيلتهم )

اسباب تعذيب الله للمجتمع الفاسد كله

كما سبق ان قلنا ان تعذيب المجتمع الفاسد كله فاسده وغير فاسده هو بمثابة انذار للمجتمع كله حتى يتكاتف لرفع الفساد واصلاح المفسدين   وهو في ذات الوقت عقوبة للمفسدين و اختبار للمؤمنين والمستضعفين بنوعيهم   حتى يثيب المؤمنون بما صبروا ويقيم الحجة على الكافرين بما عصوا وهو في ذات الوقت بلاء  لتعليم الناس ان اختلاف حالهم فيما اعطاهم الله وفيما منعهم وتغير حالهم في الدنيا من الصحة للمرض والعكس ومن الشدة للخير والعكس دليل على ان متاع الدنيا هو في حقيقته متاع زائل وما عند الله من خير وحق وعدل وامانة وصدق هو الباق وثواب الاخرة اكبر .

تعذيب الظالمين آية قبل هلاكهم

تحدثنا في المقالة السابقة عن الظلم والظالمين وكيف ان نهاية الظلم هو الهلاك لكن الله قبل اهلاك الظالمين يرسل آية عذاب  اليهم كى يقيم عليهم الحجة قبل اهلاكهم ويخوفهم  ان سنته في الاهلاك قادمة ان لم يرتدعوا فيقول الله تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)  ويتجلى هذا الامر فيما فعله الله مع قوم فرعون فقد ارسل الى قوم فرعون اية العذاب لعلهم يرتدعون فالمجتمع كان فاسدا وبه فئة ظالمة وهى فرعون وجنونه وملاءه فلما لم يرتدا بالانذار بآيات العذاب اهلك  الله ظالميهم (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)) (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133) ( فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) الاعراف

تعذيب الله لقريش قبل اهلاكهم في موقعة بدر

يخبرنا القران على عكس السيرة ان الله قبل اهلاك الظالمين  من قريش في موقعة بدر ارسل على مكة عذاب آية لهم وانذارا قبل اهلاك

ظالميهم وجاءت إشارة عن عذاب اصاب  مكة فى قوله جل وعلا : (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) المؤمنون ) وكان ذلك بعد  اخراجهم للرسول فكانت سنة الله عليهم سارية كما سرت على الذين من قبلهم فحدث ذلك  لقوم فرعون ارسل عليهم  ايات عذاب  ثم اهلك الظالمين و حدث لقوم عاد  بعد ان كذبوا بايات الله فقال لهم نبيهم (  قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ  (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ  (72) (الأعراف)

نتناول في الجزء المقبل كيف ان قريش هى البادءة بقتال المؤمنين في معركة بدر

اجمالي القراءات 2663