إبن الجوزى ( 510 : 597 ) من أبرز رُسُل الوحى الشيطانى للمحمديين ( 3 )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٣ - أغسطس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

إبن الجوزى ( 510 : 597 ) من أبرز رُسُل الوحى الشيطانى للمحمديين ( 3 )

ثالثا : ابن الجوزى والغزالى والجنيد 

عاب ابن الجوزى على أبى حامد الغزالى إعتماده على الأحاديث الموضوعة وغيرها ( أى الوحى الشيطانى ) بينما ملأ ابن الجوزى كتابه ( تلبيس إبليس ) بنفس الوحى الشيطانى ، وكلاهما يزعم إنقاذ الناس من إبليس وهما أبرز أعوان ابليس وناشرى وحيه الشيطانى .

الغريب أن ابن الجوزى يحتج على الغزالى والصوفية بما قاله ( الجنيد ) وهو رائد التصوف ولقبه (سيد الطائفة ) . وهذا الجنيد هو أول من أرسى اسطورة العلم اللدنى ( أى الوحى الشيطانى للصوفية ) وهو الذى أسّس عقائد التصوف ، والتى شرحها الغزالى فى الإحياء وفى كتبه الأخرى. أى إن الغزالى هو تلميذ للجنيد ، ولكن إبن الجوزى يستشهد بالجنيد منخدعا بنفاق الجنيد الذى كان يتعامل بوجهين لينجو من  الإضطهاد الذى وقع على الصوفية تحت عصف الحنابلة والسلطة العباسية ، ودفع الحلاج حياته ضحية لهذا الإضطهاد عام 309 هجرية .

ونعطى بعض التفصيل :  

1 ـ ظهر الجنيد وقت أن كان اضطهاد الصوفية على أشده ، وإضطر زملاء الحلاج بزعامة الجنيد الى التقية الشيعية ، أي إعلان تمسكهم بالكتاب والسنة ،وبهذا استقر في الأذهان فيما بعد أن هناك تصوفاً معتدلاً يتزعمه الجنيد وأعيان مدرسته يخالفون بذلك متطرفي الصوفية كالحلاج ومدرسته ، والواقع أنه لا خلاف هناك في العقيدة ، وإنما هي صراحة الحلاج ونفاق الجنيد ، وإنخدع بالجنيد كثيرون من الحنابلة كابن الجوزى فى العصر العباسى وابن تيمية وابن القيم والبقاعي فى العصر المملوكى .

2 ـ الشعرانى زعيم التصوف والفقه أو ( التصوف السنى ) فى العصر العثمانى قالها بصراحة فى ترجمته للجنيد فى كتابه ( الطبقات الكبرى ج 1 ) . قال الشعرانى :

2 / 1 : إنهم شهدوا علي الجنيد ( حين كان يقرر في علم التوحيد ( يقصد عقيدة التصوف ) ثم أنه تستر بالفقه واختفى ).

2 / 2 : بعد صلب الحلاج كان الجنيد : ( يقول كثيرا للشبلي .. لا تُفش سر الله تعالى بين المحجوبين ). يعني أنه كان يأمر الشبلي – وهو أشبه بالحلاج – بألا يصرح بعقيدته بين المسلمين ( المحجوبين ) عن ( المعرفة ) الصوفية .

2 / 3 : وأنه أصدر أوامره لأتباعه بأنه ( لا ينبغي للفقير ( يقصد الصوفي ) قراءة كتب التوحيد الخاص ( يقصد التصوف ) إلا بين المصدقين لأهل الطريق أو المسلّمين لهم ) يقصد المعتقدين فيهم ..

2 / 4 : وطبق الجنيد هذا المبدأ على نفسه فكان : ( لا يتكلم قط في علم التوحيد إلا في قعر بيته بعد أن يغلق أبواب داره ويأخذ مفاتيحها تحت وركه ، ويقول : أتحبون أن يكذب الناس أولياء الله تعالى وخاصته ويرمونهم بالزندقة والكفر ؟!. ) .

2 / 5 : ومعنى ذلك أنه كانت للصوفية في هذا الوقت اجتماعات سرية متفرقة ، تؤمها خلايا من مريدين وشيخ ، وفيها كانوا يقرءون (كتب التوحيد الخاص).أي أن عقائد التصوف قد دُوّنت منذ عهدها المبكر ، إلا أننا لم نعثر على مؤلف كامل للجنيد إذ أنه في غمرة تمسكه بالتقية أوصى حين الموت بأن (يدفن معه جميع ما هو منسوب إليه من عمله) ، فلم يحفظ عن الجنيد إلا القليل من الآراء الصوفية مع أنه سيد الطائفة ، وكل الطرق الصوفية المتأخرة تنتهي إليه بالخرقة.

2 / 6 : إلا إن الذى شاع عن الجنيد إعلانه التقيد بالكتاب والسنة ، وقوله : ( مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة ) ، ( ومن لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر )، أي التصوف ، وهو ما ذكره القشيرى فى الرسالة القشيرية .

3- ومن خلال الأقوال القليلة التي حفظت عن الجنيد في عقيدة التصوف يمكن أن نتعرف على كونه رائد الدين الصوفى والعقيدة الصوفية الأشد كفرا.  

3 / 1 : يقول الجنيد عن ( التوحيد الصوفى ):  ( إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته ، بأنه الواحد الذي لم يلد ولم يولد ، وينفي الأضداد والأنداد والأشباه ،و ماعُبد من دونه بلا تشبيه ولا تكييف ولا تصوير ولا تمثيل ، إلها واحدا صمدا فردا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" ، وقال مرة أخرى " معنى تضمحل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم ، ويكون الله تعالى كما لم يزل " ، قال أبو نصر الطوسي : فالجوابان اللذان لذي النون والجنيد رحمهما الله في التوحيد ظاهران ، أجابا عن توحيد العامة ، وهذا الجواب الذي ذكرناه أشار إلى توحيد الخاصة ،وقد سئل الجنيد رحمه الله عن توحيد الخاصة ، فقال أن يكون العبد شبحا بين يدي الله عز وجل وتجري عليه تصاريف تدبيره في مجارى أحكام قدرته في لُجِّج بحار توحيده بالفناء عن نفسه وعن دعوة الخلق له وعن استجابته بحقائق وجود وحدانيته في حقيقة قربه بذهاب حسه وحركته ، لقيام الحق له فيما أراد منه ، وهو أن يرجع آخر العبد إلى أوله ، فيكون كما كان من قبل أن يكون ، وقال أيضا . التوحيد هو الخروج من ضيق رسوم الزمانية إلى سعة فناء السرمدية )

3 / 2 : وهذا النص نقلناه كاملا من كتاب ( اللمع ) للطوسي  . وبالتمعن في النص : تبدو لنا درجات للعقيدة الصوفية ، فقد اضطر الجنيد – خوف الاضطهاد – إلى أن يعترف بالعقيدة الإسلامية فقال عن التوحيد ( إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته .. الخ ).  وعلق الطوسي بأن ذلك هو توحيد العامة ، ويقصد به مذهب جمهور المسلمين ، أما عن توحيد الخاصة الذي يتردد في الاجتماعات السرية فيقول فيه الطوسي ( وقد سئل الجنيد عن توحيد الخاصة ) أي سأله أتباعه في مجلس سري ، وقد قال فيه أكثر من تعريف وبعضها يعبر عن ( الاتحاد ) مثل قوله ( أن يكون العبد – أي الصوفي – شبحا بين يدي الله عز وجل .. الخ ) والتعمق في هذا التعريف يظهر أن غاية الاتحاد في أن يذوب الصوفي في خالقه بحيث يصبح جسده شبحاً تتحكم فيه " روح الله وقدرته " ، وقال ( التوحيد هو الخروج من ضيق رسوم الزمانية ) يقصد أحكام البشرية وحدودها ( إلى سعة فناء السرمدية ) أي إلى الألوهية الباقية بلا نهاية .  وعبًر الجنيد عن وحدة الوجود بقوله ( معنى تضمحل فيه الرسوم )، ويقصد بالرسوم مظاهر الكون المادية من إنسان وحيوان وجماد فكلها تضمحل في ذات الله ( وتندرج فيه العلوم ) أي أن كل العلوم والمعارف البشرية والكونية مظاهر إلهية ( ويكون الله تعالى كما لم يزل ) أي أن الله مع ذلك – مع وجود هذا التعدد في المظاهر المادية والعقلية – هو كما كان وسيظل – وجوداً واحداً يشمل الرسوم المادية والأفكار المعنوية .. وقام الغزالى فيما بعد بشرح ما أوجزه الجنيد .

4 ـ فيما يخص الوحى الشيطانى ( العلم اللدنى والزعم بعلم الغيب ) فقد كان الجنيد رائدا فيه ، فهو يرى أن العارف الصوفي هو ( من نطق عن سرّك وأنت ساكت  ) أي سنّ للصوفية ادعاء الكشف أو علم الغيب ، وسئل عن مصدره الذي يستقى منه أقواله الجديدةفقال : ( من جلوس بين يدي الله ثلاثين سنة أسفل تلك الدرجة ، وأومأ إلى درجة - سلم -في داره )  ، فأرسى مقولة العلم اللدني والوحي . ثم ــ فيما بعد ــ أسهب الغزالى فى شرحها وتقعيدها .

5 ـ نقل ابن الجوزى فى كتابه ( تلبيس إبليس ) إضطهاد الجنيد وأتباعه . قال :

5 / 1 : ( تكلم أبو حمزة في جامع طرسوس فقبلوه ، فبينا هو ذات يوم يتكلم إذ صاح غراب على سطح الجامع ، فزعق أبو حمزة وقال : " لبيك لبيك .! " فنسبوه إلى الزندقة وقالوا حلولي زنديق وبيع فرسه بالمناداة على باب الجامع هذا فرس الزنديق ) أى جعل الغراب إلاها له وفق عقيدة وحدة الوجود التى تجعل كل المخلوقات هى عين الخالق بلا فارق .

5 / 2  ( كان أبو حمزة إذا سمع شيئا يقول : " لبيك لبيك "! ، فأطلقوا عليه أنه حلولي .. وعن أبي علي الروزباري قال : " أطلق على أبي حمزة أنه حلولي وذلك أنه كان إذا سمع صوتا مثل هبوب الرياح وخرير الماء وصياح الطيور كان يصيح ويقول لبيك لبيك فرموه بالحلول ." ، ...وبلغني عن أبي حمزة أنه دخل دار الحارث المحاسبي فصاحت الشاه ماع فشهق أبو حمزة شهقة وقال لبيك يا سيدي . "  .

5 / 3 : ( وأنكر جماعة من العلماء على أبي سعيد أحمد بن عيسى الخراط ونسبوه إلى الكفر بألفاظ وجدوها في كتاب صنفه وهو كتاب السر ، ومنه قوله : "عبد طائع ما أذن له فلزم التعظيم لله فقدس الله نفسه ."،  قال وأبو العباس أحمد بن عطاء نسب إلى الكفر والزندقة .)

5 / 4 : ( قال وكم من مرة قد أخذ الجنيد ، مع علمه وشُهد عليه بالكفر والزندقة ، وكذلك أكثرهم . )

5 / 5 : عن محاكمة الصوفية :

5 / 5 / 1  :  ( لما كانت محنة غلام الخليل ونسبة الصوفية إلى الزندقة أمر الخليفة بالقبض عليهم ، فأخذ النوري في جماعة فأدخلوا على الخليفة فأمر بضرب أعناقهم ، فتقدم النوري مبتدرا إلى السياف ليضرب عنقه فقال له السياف : " ما دعاك إلى البدار؟ " قال : " آثرت حياة أصحابي على حياتي هذه اللحظة ."، فتوقف السياف فرفع الأمر إلى الخليفة فرد أمرهم إلى قاضي القضاة اسماعيل بن اسحاق فأمر بتخليتهم . .. )

5 / 5 / 2 : وفى رواية أخرى لابن الجوزى : ( كان يسعى بالصوفيه ببغداد غلام الخليل إلى الخليفة ، فقال : "ههنا قوم زنادقة . " فأخذ أبو الحسين النوري وأبو حمزة الصوفي وأبو بكر الدقاق وجماعة من أقران هؤلاء . واستتر الجنيد بن محمد بالفقه على مذهب أبي ثور. فأدخلوا إلى الخليفة فأمر بضرب أعناقهم ، فأول من بدر أبو الحسين النوري فقال له السياف:  لم بادرت أنت من بين أصحابك ولم ترع ؟" قال : "أحببت أن أوثر أصحابي بالحياة مقدار هذه الساعة."، فرد الخليفة أمرهم إلى القاضي فأطلقوا. ).

6 ـ ومع هذا إنخدع ابن الجوزى ببعض عبارات قالها الجنيد فرددها فى كتابه ( تلبيس إبليس ) ، ومنها :

6 / 1 : (  يقول الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول  واتبع سنته ولزم طريقته فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه )

6 / 2 :( قال الجنيد بن محمد الطريق إلى الله عز وجل مسدودة على خلق الله تعالى إلا على المقتفين آثار رسول الله والتابعين لسنته  )

6 / 3 : ( سألت الجنيد بن محمد عن التصوف فقال الخروج عن كل خلق ردىء والدخول في كل خلق سني )

6 / 4 : ( وعن الجنيد أنه قال مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة )

6 / 5 : وقال أيضا : ( علمنا منوط بالكتاب والسنة ، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يُقتدى به. ) .

6 / 6 : ( وبإسناد عن الجريري يقول سمعت أبا القاسم الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة فقال الرجل : " أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات (أى العبادات ) من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل. ) أى إسقاط العبادات . ( فقال الجنيد : " إن هذا قول قوم تكلموا باسقاط الأعمال وهذه عندي عظيمة ، والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا ، وأن العارفين بالله أخذوا الاعمال عن الله واليه رجعوا فيها ، ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها، لأنه أوكد في معرفتي به وأقوى في حالي. )

7 ـ بل نرى ابن الجوزى يحاول تبرير بعض أقاويل الجنيد . قال فى ( تلبيس إبليس ) ناقلا عن ( قوت القلوب ) : ( قال أبو طالب المكي حدثني بعض أشياخنا عن الجنيد انه قال : " تنزل الرحمة على هذه الطائفة ( الصوفية ) في ثلاثة مواطن عند الأكل لأنهم لا يأكلون إلا عن فاقة ، وعند المذاكرة لأنهم يتجاوزون في مقامات الصديقين وأحوال النبيين ، وعند السماع لأنهم يسمعون بوجد ويشهدون حقا . ) هنا يزعم الجنيد علم الغيب وأن الرحمة الالهية تتنزل على الصوفية عند الأكل وعند مذاكرتهم لدينهم الصوفى وعند شهودهم حفلات السماع ، وانهم يتجاوزون مقامات الصديقين والنبيين . حاول ابن الجوزى التبرير قال : ( قال المصنف رحمه الله قلت : " وهذا ــ إن صح عن الجنيد وأحسنّا به الظن ـ كان محمولا على ما يسمعونه من القصائد الزهدية فانها توجب الرقة والبكاء . فأما أن تنزل الرحمة عند وصف سعدى وليلى ويحمل ذلك على صفات الباري سبحانه وتعالى فلا يجوز اعتقاد هذا . ولو صح أخذ الإشارة من ذلك كانت الإشارة مستغرقة في جنب غلبة الطباع ، ويدل على ما حملنا الأمر عليه انه لم يكن ينشد في زمان الجنيد مثل ما ينشد اليوم. ) .

8 ـ الذى يهمنا أن ابن الجوزى قرأ كتاب الطوسى ( اللُمع )، ونقل عنه ، ولكنه تجاهل ما جاء فى هذا الكتاب من أقاويل الجنيد فى الإلحاد الصوفى ، وتجاهل موضوع زعمه بالعلم اللدنى،أى الوحى الشيطانى ، لأن ابن الجوزى والغزالى والجنيد يؤمنون بالأحاديث الشيطانية بمختلف أنواعها من أحاديث منسوبة لرب العزة جل وعلا أو للأنبياء أو خاتمهم عليهم السلام ، أو الهاتف والمنامات ورؤية الله جل وعلا فى منام ورؤية النبى ورؤية فلان وفلان .

وموعدنا مع تفصيل لذلك . . 

اجمالي القراءات 4113