(عدو الله ) بين الخوارج وعبد الله بن الزبير فى الفتنة الكبرى الثانية

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٢ - يونيو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

(عدو الله ) بين الخوارج وعبد الله بن الزبير فى الفتنة الكبرى الثانية  

مقدمة

1 ـ اسفرت الفتنة الكبرى الأولى عن تولى معاوية ، ثم عهد معاوية لابنه بالخلافة ومات فثار الحسين بن على وكانت مذبحة كربلاء ، وتبعها غزو المدينة وانتهاك حرمتها ثم غزو مكة حيث أعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفة ، مات يزيد بن معاوية وتولى ابنه معاوية فإعتزل الحكم وقتله أهله ، ودخلت المنطقة فى فوضى وحروب أهلية فى هذه الفتنة الكبرى الثانية ، وقد عرضنا لها بالتفصيل والتحليل فى كتاب خاص منشور هنا .

2 ـ  كانت معارك الفتنة الكبرى الأولى بقيادة الصحابة مثل على ومعاوية وعمرو بن العاص وعمار بن ياسر وعائشة وطلحة والزبير بن العوام . وشارك في الفتنة الكبرى الأولى شباب أصبحوا زعماء الفتنة الكبرى الثانية مثل عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وعبد الله بن عباس وشبث بن ربعى وكثيرون . زعماء الفتنة الكبرى الثانية منهم من أدرك عصر النبى محمد ومات النبى وهو طفل مثل ابن الزبير وابن عباس والحسين ومروان بن الحكم والمختار بن ابى عبيده الثقفى وشبث بن ربعى . أما الأغلبية الفاعلة فى الفتنة فلم يدركوا عصر النبى محمد .   

3 ـ ولكن يجمعهم كلهم أن كل فريق زعم أن الله جل وعلا تابعا له ، وأن خصومه هم أعداء الله جل وعلا . ونعطى بعض تفصيلات :

أولا :

موجز الفتنة الكبرى الثانية ( من مقتل الحسين الى مقتل عبد الله بن الزبير ) 

1 ـ فى خلافة يزيد بن معاوية (  ثلاث سنوات فقط  ) كان قتل الحسين وآله في "كربلاء" فى شهر حرام عام 61 ، ثم اقتحام المدينة وقتل أهلها فى موقعة الحرة فى شهر حرام هو ذو الحجة عام 63 .

2 ـ إستغل عبد الله بن الزبير مذبحة كربلاء فأعلن نفسه خليفة فى مكة وبايعه أهل مكة والحجاز . وأمر يزيد بن معاوية قائد جيشه مسلم بن عقبة بعد أن هزم أهل المدينة أن يتوجه لاخماد ثورة ابن الزبير فى مكة. ومات مسلم بن عقبة أثناء توجهه بالجيش الأموى للقضاء على تمرد ابن الزبير فى مكة ، فتولى القيادة الحصين بن نمير الذى حاصر مكة والكعبة عام 64 ، وأثناء الحصار شبت النار فى أستار الكعبة بضربة من المنجنيق يوم السبت 3 ربيع الأول عام 64 ، فترك ابن الزبير الحريق يأتى على الكعبة نكاية فى الأمويين وتشنيعا عليهم .

3 ـ وجاءت الأنباء بموت يزيد بن معاوية فى 14 ربيع الأول عام 64 ، فعرض قائد الجيش الأموى الحصين بن نمير على عبد الله بن الزبير أن يعترف به خليفة مقابل أن يترك الحجاز ويأتى معه الى دمشق ، وكان رأيا صائبا ، ولكن رفضه ابن الزبير . وانفض حصار مكة ورجع الجيش الأموى خائبا . إعتزل الخليفة الجديد معاوية بن يزيد بن معاوية الحكم بعد حوالى شهر من ولايته متبرئا مما فعله أهله الأمويون فقتله أهله بالسم فمات وهو ابن 13 عاما . ودخل المسلمون فى فترة اضطراب كان أكثر المستفيدين منها عبد الله بن الزبير.

 4 ـ أصبح موقف الأمويين عسيرا فى الشام ، إذ إختار العرب في مصر الانضمام الى ابن الزبير ، بل إن أنصار الأمويين فى الشام انفضوا عنهم وبايعوا ابن الزبيرمثلما فعل النعمان بن البشير فى حمص وزفر بن الحارث الكلابى فى قنسرين ، وجاءت الطامة الكبرى لبنى أمية بأن بايع الضحاك بن قيس الفهرى لابن الزبير. والضحاك بن قيس كان أبرز مؤيدى الأمويين من قبل ، وهو زعيم قبائل قيس المضرية فى الشام والمتولى أمر دمشق نفسها بعد انهيار الحكم الأموى فيها . ووقع عبيد الله بن زياد فى موقف حرج ؛ بلغه موت يزيد وإعتزال ابنه معاوية واختلاف بنى أمية ، فجمع أهل البصرة وخطب فيهم متحببا اليهم ، فبايعوه على الامارة الى أن ينجلى الأمر ، وبعد أن تركوه خلعوا بيعته ، وتابعهم أهل الكوفة ، وإنفض عنه أنصاره فلم يعد أمره نافذا فيهم . وجاء مبعوث من ابن الزبير يدعو لبيعته ، فهرب عبيد الله بن زياد ولحق بالأمويين فى الشام .

5 ـ : واجتمع لابن الزبير الحجاز والكوفة والبصرة وأهل الجزيرة وأهل الشام إلا أهل الأردن حيث تتمركز قبيلة كلب ‏.‏هذا الوضع المتردى للأمويين جعل كبيرهم مروان بن الحكم يفكر فى البيعة لابن الزبير ، ولكن أثناه عن ذلك عبيد الله بن زياد والى العراق ـ بعد هروبه من العراق الى الشام ـ والحصين بن النمير العائد من حصار الكعبة وقتال ابن الزبير. ووقف الى جانب الأمويين فى محنتهم حسان بن بحدل الكلبى خال يزيد بن معاوية وزعيم قبائل كلب فى الشام . وكان ابن الزبير بغبائه قد طرد عائلات الأمويين فى الحجاز فأتاح لهم التجمع فى الشام . وعقدوا مع أنصارهم مؤتمر الجابية ، واتفقوا فيه فى 3 ذى القعدة 64 على تولى الخلافة مروان بن الحكم شيخ الأمويين وقتها ، ثم يليه خالد بن يزيد بن معاوية ثم عمرو بن سعيد بن العاص . وتولى مروان الخلافة عام 64  ، وبدأ مروان بن الحكم باستخلاص الشام من أتباع ابن الزبير ، فهزم الضحاك بن قيس الفهرى وقتله فى موقعة مرج راهط ، عام 64 ، ويقال 65 ،وليحمى ظهره بعدها سار مروان بن الحكم لاسترداد مصر من والى ابن الزبير ، وهو عبد الرحمن بن جحدم الفهرى القرشى فقتله . ولكن ظل العراق شوكة فى ظهر مروان بن الحكم . وكان يتبع العراق خراسان وما حولها ، فأرسل مروان  جيشا يقوده عبيد الله بن زياد الى منطقة الجزيرة وقرقيساء حيث إنضم زفر بن الحارث لابن الزبير ، وهزم ابن زياد زفر بن الحارث ، واتجه للعراق ليعيده الى السيطرة الأموية .وتحركت الشيعة فى العراق للثأر من قتلة الحسين تحت شعار ( التوابين )، وتزعمهم سليمان بن صرد ، وقد هزمهم عبيد الله بن زياد فى  موقعة عين الوردة في شهر ربيع الآخر‏.‏ 65  .

6 ـ فى عامى 66 :67 ظهر فى العراق مغامر اسمه المختار الثقفى سيطر على معظم العراق فى هذا العام ، واستقر فى كرسى الامارة . كان يزعم تبعيته لآل البيت ودعوته لمحمد بن على بن أبى طالب ( ابن الحنفية ) أكبر أولاد (على ) والمقيم فى الحجاز تحت سيطرة ابن الزبير ، ومرة بزعمه التبعية لابن الزبير ، ولكن هواه كان أكثر مع الهاشميين . ولكن المختار كان حريصا على ألاّ يأتى محمد بن الحنفية الى العراق حتى يظل فى سلطته بالعراق ، وكان فى نفس الوقت يخادع ابن الزبير يوهمه أنه على بيعته . وظهر لابن الزبير نفاقه حين هدد ابن الزبير باحراق كل بنى هاشم إن لم يبايعوا له ، بل جمعهم وكاد أن يشعل فيهم النار ، فبعثوا يستغيثون بالمختار فى العراق فارسل المختار لهم فرقة من الجيش لانقاذهم ،وأصبح العداء علنيا بين المختار الثقفى وابن الزبير .

7 ـ والمختار الثقفى هو الذى تتبع بالقتل كل من شارك فى مذبحة كربلاء ،وقد انضم اليه ابراهيم بن الأشتر النخعى بمن معه من الشيعة فأرسله المختار ليقاتل عبيد الله بن زياد . وكان ابن زياد قد سار في عسكر عظيم من الشام، فبلغ الموصل وملكها،  ، فسار إبراهيم ابن الأشتر الى الموصل ، وجرت موقعة هائلة انتصر فيها العراقيون الشيعة على جنود اهل الشام الأمويين ، وقتل ابراهيم بن الأشتر عبيد الله بن زياد فى المعركة دون ان يعرفه . وتم التعرف عليه فاحتزوا رأسه وأرسلوها الى المختار فى الكوفة بينما أحرقوا جسده ، وكان هذا عام 67 . وفى نفس العام  67 كانت هزيمة المختار وقتله على يد مصعب بن الزبير . إذ أرسل ابن الزبير أخاه مصعب ـ وكان فارسا شجاعا شهما الى العراق ـ فهزم المختار وقتله عام 67 وضم العراق لأخيه .  

8 ـ وجاء مصعب لأخيه عبد الله بن الزبير بالبشرى فما كان من ابن الزبير إلا أن عزل أخاه وحبسه وولّى العراق ابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير واليا على العراق، وكان شابا قليل الخبرة خفيف العقل فاستخف به أهل العراق فاضطر ابن الزبير لعزل ابنه واعادة أخيه مصعب للعراق.

9 ـ  وهناك فى الشام مكث عبد الملك بن مروان يعد جيشه ويستعد للمواجهة الكبرى فى العراق تاركا مصعب بن الزبير يستنفذ قواه فى معارك متتالية مع المختار الثقفى ثم مع الخوارج الأزارقة وغيرهم ، وفى عام 71 كان جيش مصعب منهكا فزحف اليه عبد الملك بجيشه فهزم مصعب وقتله .

10 ـ وبهذا حوصر عبد الله بن الزبير فى الحجاز حيث لا زرع ولا ضرع . وفى عام 72 بعث عبد الملك بجيش يقوده الحجاج بن يوسف فأعاد حصار مكة والحرم فى هلال ذى القعدة الشهر الحرام عام 72 ، واستمر الحصار ستة أشهر وسبع عشرة ليلة ، فتفرق عن ابن الزبير معظم أتباعه وأهله ومنهم ابناه حمزة وخبيب ، إذ تسللا الى الحجاج وأخذا منه أمانا .وظل ابن الزبير يقاتل يأسا الى أن سقط صريعا عام 73 ، فاحتزّ الحجاج رأسه وبعث بها الى عبد الملك فى دمشق .وعُرضت رأس عبد الله بن الزبير على عبد الملك فى قصر الخلافة فى دمشق .

ثانيا :

مصطلح ( عدو الله ) ( أعداء الله ) فى صراع الخوارج وابن الزبير

1 ـ كان منتظرا أن يتحالف الخوارج مع عبد الله بن الزبير ضد العدو المشترك وهم الأمويون. وحدث نوع من التفاوض لتقريب وجهات النظر ، وباء المشروع بالفشل ، وفيه ظهر مصطلح ( عدو الله ) . فى حضور عبد الله بن الزبير خطب عبيدة بن هلالزعيم الخوارج يعرض وجهة نظرهم فهاجم عثمان بن عفان وإستحقاقه القتل ، وطلب رأى ابن الزبير . فوضع ابن الزبير فى موقف حرج ، لأنه فى الفتنة الكبرى الأولى كان من قادة جيش عائشة الذى يطالب بالثأر لدم عثمان ويحمل عليا بن أبى طالب المسئولية. موافقته الخوارج على تكفير عثمان يعنى طعنه فى نفسه وفى أبيه وفى خالته عائشة . لذا رد ابن الزبير بحزم مدافعا عن عثمان ثم قال : (  وأنا أشهدكم ومن حضر أني وليُّ لابن عفان في الدنيا والآخرة وولي أوليائه وعدو أعدائه ) وقال لمتحدث الخوارج : ( فبرئ الله منك يا عدو الله ). ورد الخوارج : ( فبرئ الله منكم يا أعداء الله " . ) . وتقول الرواية :( وتفرق القوم ). فشل مشروع التحالف ورمى كل فريق خصمه بأنه ( عدو الله ) ، كل منهم يحتكر رب العزة جل وعلا لنفسه. عليهم جميعا لعنة الله جل وعلا .

2 ـ بخروجهم على عبد الله بن الزبير كان الخوارج عنصرا نشطا فى هذا الصراع ، كسر الخوارج أبواب السجون وخرجوا منها . تجمعوا تحت قيادة نافع بن الأزرق فحملوا وقتها لفب ( الأزارقة ) وقد خطب فيهم ابن الأزرق يجعل رب العزة جل وعلا تابعا له : ( إن الله قد أكرمكم بمخرجكم وبصركم ما عمي عنه غيركم ..  أليس حكمكم في وليكم حكم النبي في وليه وحكمكم في عدوكم حكم النبي في عدوه وعدوكم اليوم عدو الله وعدو النبي كما أن عدو النبي يومئذ هو عدو الله وعدوكم اليوم فقالوا نعم ... ) 

3 ـ وكان خطرهم الأكبر فى العراق وشرقها حيث كانت ولاية العراق تشمل العراق وخراسان . كان ابن الزبير قد أرسل جيشا يقوده المهلب بن أبى صفرة لتأكيد سلطانه على خراسان . ولكن تحرك الخوارج نحو البصرة فأرعب قدومهم أهل البصرة فكتبوا رسالة على لسان ابن الزبير للمهلب بن أبى صفرة يدعونه لقتال الخوارج ، وجاء فى الرسالة : ( بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله بن الزبير إلى المهلب بن أبي صفرة.  سلام عليك ، ... أما بعد فإن الحارث بن عبدالله كتب إلي أن الأزارقة المارقة أصابوا جندا للمسلمين كان عددهم كثيرا وأشرافهم كثيرا وذكر أنهم قد أقبلوا نحو البصرة ، وقد كنت وجهتك إلى خراسان وكتبت لك عليها عهدا ، وقد رأيت حيث ذكر هذه الخوارج أن تكون أنت تلي قتالهم ، فقد رجوت أن يكون ميمونا طائرك مباركا على أهل مصرك والأجر في ذلك افضل من المسير إلى خراسان فسر إليهم راشدا ، فقاتل عدو الله وعدوك.. ) . هنا وصفهم للخوارج بأنهم (عدو الله وعدوك )، يعنى من كان عدوا لكم فهو (عدو الله )، تعالى رب العزة عن ذلك علوا كبيرا ..!

 4 ـ بقيادة الزبير بن الماحوز حاصر الخوارج الأزارقة أصفهان وكان فيها قائد جيش ابن الزبير ( عتاب بن ورقاء) .نلتقط هذه السطور : ( فصبر لهم عتاب وأخذ يخرج إليهم في كل أيام فيقاتلهم على باب المدينة ويرمون من السور بالنبل والنشاب والحجارة . وكان مع عتاب رجل من حضرموت يقال له "أبو هريرة بن شريح" ، فكان يخرج مع عتاب وكان شجاعا فكان يحمل عليهم ويقول :

كيف ترون يا كلاب النار   شدّ أبي هريرة الهرّار

يهُرّكم بالليل والنهار يا     بن الماحوز والأشرار

فلما طال ذلك على الخوارج من قوله كمن له رجل من الخوارج .. فخرج ذات يوم فصنع كما كان يصنع ويقول كما كان يقول،  إذ حمل عليه عبيدة بن هلال فضربه بالسيف ضربة على حبل عاتقه فصرعه.  وحمل أصحابه عليه فاحتملوه فأدخلوه وداووه، وأخذت الأزارقة بعد ذلك تناديهم يقولون : " يا أعداء الله ما فعل أبو هريرة الهرار؟ "  فينادونهم : " يا أعداء الله والله ما عليه من بأس " . ولم يلبث أبو هريرة أن برئ ثم  خرج عليهم بعد ، فأخذوا يقولون : " يا عدو الله أما والله لقد رجونا أن نكون قد أزرناك أمك " فقال لهم : " يا فساق ما ذكركم أمي ؟ " فأخذوا يقولون " إنه ليغضب لأمه وهو آتيها عاجلا " . فقال له أصحابه : " ويحك إنما يعنون النار " ، ففطن فقال : " يا أعداء الله ما أعقكم بأمكم حين تنتفون منها إنما تلك أمكم وإليها مصيركم ". ) هنا يتبادلون الشتم بإستعمال ( عدو الله ) .! عليهم جميعا لعنة الله جل وعلا .

5 ـ قبل هذه المعركة كانت هناك مداولات فى جيش ابن الزبير فى كيفية مواجهة الخوارج الأزارقة ، نلتقط منها هذه السطور وفيها قول أحدهم للقائد : (قد أحسن الأمير أصلحه الله الصفة ولكن حتام نصنع هذا وهذا البحر بيننا وبين عدونا ؟ مُر بهذا الجسر فليعد كما كان ، ثم اعبر بنا إليهم ، فإن الله سيريك فيهم ما تحبه .) . لا شىء فى وصفه الخوارج ( عدونا ) ، ولكن قوله (.. فإن الله سيريك فيهم ما تحبه ) هو غاية فى حضيض الكفر لأنه جعل الله جل وعلا تابعا لهم وعاملا لديهم . عليهم جميعا لعنة الله جل وعلا .

6 ـ عام 68 : دارت معركة فى سابور فى فارس بين الأزارقة الخوارج يقودهم الزبير بن الماحوز وبين قائد ابن الزبير ( عمر بن عبيد الله بن معمر ) ـ وقد كتب هذا القائد الى مصعب بن الزبير والى العراق وخراسان يخبره بإنتصاره على الخوارج ، وفى رسالته قال : (بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد . فإني أخبر الأمير أصلحه الله ، أني لقيت الأزارقة التي مرقت من الدين واتبعت أهواءها بغير هدى من الله ، فقاتلتهم بالمسلمين ساعة من النهار أشد القتال ، ثم إن الله ضرب وجوههم وأدبارهم ومنحنا أكتافهم فقتل الله منهم من خاب وخسر ، وكل إلى خسران ، فكتبت إلى الأمير كتابي هذا ، وأنا على ظهر فرسي في طلب القوم ، أرجو أن يجذهم الله إن شاء الله والسلام ). هنا نفس الدرك الأسفل من الكفر حين يجعل رب العزة جل وعلا تابعا لهم وعاملا عندهم إذ يقول : (  ثم إن الله ضرب وجوههم وأدبارهم ومنحنا أكتافهم فقتل الله منهم من خاب وخسر ... أرجو أن يجذهم الله ، إن شاء الله). عليهم جميعا لعنة الله جل وعلا .

7 ـ عام 71 إنتصر جيش عبد الملك بن مروان على جيش مصعب بن الزبير وقتله . وقتها كان المهلب بن أبى صفرة يحارب الخوارج الأزارقة  فى فارس تحت راية ابن الزبير ولم يعلم المهلب بمقتل مصعب بن الزبير بينما علم به الخوارج . وحين كانت المعارك على أشدها بينه وبين الخوارج الأزارقة نادى الخوارج جيش المهلب :  ( ألا تخبرونا ما قولكم في مصعب ؟ قالوا : "إمام هدى " . قالوا : " فهو وليكم في الدنيا والآخرة ؟ " قالوا : " نعم " . قالوا : "  وأنتم أولياؤه أحياء وأمواتا ؟ " قالوا : " ونحن أولياؤه أحياء وأمواتا ". قالوا : " فما قولكم في عبد الملك بن مروان ؟ " قالوا : " ذلك ابن اللعين نحن إلى الله منه براء هو عندنا أحل دما منكم . " قالوا : " فأنتم منه براء في الدنيا والآخرة ؟ " قالوا : " نعم ، كبراءتنا منكم ." قالوا : " وأنتم له أعداء أحياء وأمواتا ؟ " قالوا : " نعم نحن له أعداء كعداوتنا لكم " . قالوا : " فإن إمامكم مصعبا قد قتله عبدالملك بن مروان ، ونراكم ستجعلون غدا عبدالملك إمامكم وأنتم الآن تتبرؤون منه وتلعنون أباه . " قالوا : " كذبتم يا أعداء الله . " . فلما كان من الغد تبين لهم قتل مصعب ، فبايع المهلب الناس لعبد الملك بن مروان . فأتتهم الخوارج فقالوا : " ما تقولون في مصعب ؟ "  قالوا : " يا أعداء الله لا نخبركم ما قولنا فيه".  وكرهوا أن يكذبوا أنفسهم عندهم.  قالوا : " فقد أخبرتمونا أمس أنه وليكم في الدنيا والآخرة وأنكم أولياؤه أحياء وأمواتا فأخبرونا ما قولكم في عبد الملك " قالوا : "  ذاك إمامنا وخليفتنا " . ولم يجدوا إذ بايعوه بدا من أن يقولوا هذا القول . قالت لهم الأزارقة : " يا أعداء الله أنتم أمس تتبرأون منه في الدنيا والآخرة وتزعمون أنكم له أعداء وأحياء وأمواتا وهو اليوم إمامكم وخليفتكم وقد قتل إمامكم الذي كنتم تولونه فأيهما المحق وأيهما المهتدي وأيهما الضال ؟" .! قالوا لهم : " يا أعداء الله رضينا بذاك إذ كان ولي أمورنا ونرضى بهذا كما رضينا بذاك " . قالوا : " لا والله ولكنكم إخوان الشياطين وأولياء الظالمين وعبيد الدنيا ".  ) . هنا حُجّة الخوارج قوية ، ولكن كل من الخصمين يجعل عدوه عدوا لرب العزة جل وعلا ، وخصوصا جيش ابن الزبير الذى غيّر ولاءه وفى كل حال يرى الخوارج أعداء الله ، ويجعل رب العزة تابعا لهم أينما تغيرت مواقفهم . عليهم جميعا لعنة الله جل وعلا .

ثالثا :

تخصص الخوارج فى قتل النساء والأطفال :

والخوارج الذين يزعمون انهم أولياء الله وأن أعداءهم هم أعداء الله كانوا متخصصين فى قتل الأطفال والنساء . بدأ هذا فى أول خروجهم على ( علىّ ) فى الفتنة الكبرى الأولى ، ثم إستشرى فى الفتنة الكبرى الثانية . وننقل بعض السطور من تاريخ الطبرى :

1 : ( وأقبلت الخوارج وعليهم الزبير بن الماحوز حتى نزلوا الأهواز ...فسار بهم حتى قطع بهم أرض جوخى ثم أخذ على النهر وانات ثم لزم شاطئ دجلة حتى خرج على المدائن .... فشنوا الغارة على أهل المدائن يقتلون الولدان والنساء والرجال ويبقرون الحبالى .. )  

2 : ( أن الحارث بن ربيعة الملقب بالقباع أتاه أهل الكوفة فصاحوا إليه وقالوا له : "  اخرج فإن هذا عدو لنا قد أظل علينا ليست له بقية".  فخرج وهو يكد كدا حتى نزل النخيلة فأقام بها أياما ، فوثب إليه إبراهيم بن الأشتر،  فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " أما بعد فإنه سار إلينا عدو ليست له تقية ، يقتل الرجل والمرأة والمولود ويخيف السبيل ويخرب البلاد فانهض بنا إليه" .  فأمر بالرحيل فخرج  ) .

3 : (  يونس بن أبي إسحاق عن أبيه أن رجلا من السبيع كان به لمم وكان بقرية يقال لها جوبر عند الخرارة ، وكان يدعى سماك بن يزيد ، فأتت الخوارج قريته،  فأخذوه وأخذوا ابنته ، فقدموا ابنته فقتلوها . وزعم لي أبو الربيع السلولي أن اسم ابنته أم يزيد وأنها كانت تقول لهم : " يا أهل الإسلام إن أبي مصاب فلا تقتلوه ، وأما أنا فإنما أنا جارية ، والله ما أتيت فاحشة قط ، ولا آذيت جارة لي قط ، ولا تطلعت ولا تشرفت قط " ،  فقدموها ليقتلوها ، فأخذت تنادي : "  ما ذنبي ما ذنبي ؟! " ثم سقطت مغشيا عليها أو ميتة ، ثم قطعوها بأسيافهم . قال أبو الربيع حدثتني بهذا الحديث ظئر لها نصرانية من أهل الخورنق كانت معها حين قتلت. ) . 

اجمالي القراءات 5654