أثر منكرى السُّنّة فى مسيرة ( علم الحديث ) فى العصر العباسى

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٩ - يونيو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أثر منكرى السُّنّة فى مسيرة ( علم الحديث ) فى العصر العباسى  

مقدمة :

1 ـ جاءنى هذا السؤال : ( سؤالي للشيخ الدكتور منصور لكونه باحث ومفكر اسلامي .هل يوجد في تاريخنا محاولة لاشخاص عاصروا كتاب الحديث لوقفهم او الرد عليهم . فليس من المعقول انه لما انتهى البخاري من صحيحه لم يجد احد ينتقد كتابة . فهو باعتباره جاء بدين بطقوس تختلف عن التي يمارسها الناس . فاذا كانت الناس تصلي وهو جاء برويات تغير من صلاتهم وكانت تحج وجاء بمضاهر غير التي يعرفونها وبمناسك جديدة .فمن خلال تتبع مقالاتك لا يوجد ركن في ديننا الاسلامي الا وتم تشويهه من قبل كتاب الحديث . الصلاة مشوهه ، الحج ، الصيام ، الزكاة ، الميراث ...الخ كيف سكتت الناس عن كل هذا التشوية لدينهم؟ ارغب بمعرفه ان كان هنالك محاولات للرد على كتبهم ...يقول لي صديقي القرأني ان رواياتهم بدأت بالتملق لولي الامر واصحاب السلطة والنفوذ لقمع كل ما يحتج عليهم بدليل قمع القرأنيين الان .. ولكني ارغب باجابة تشفى فضولي اكثر من ذلك .. شكرا لكم )

2 ـ وأقول :

أولا :

 هم جعلوا واقعم المُعاش دينا بإختراع وحى شيطانى ، فإتفقوا مع عصرهم .

1 ـ ما كتبه البخارى وغيره فى الدين السنى وما كتبه الغزالى والقسيرى والطوسى وغيرهم فى الدين الصوفى وما كتبه الكلينى وغيره فى الدين الشيعى إنما يعبر عن ثقافة عصرهم ، وقد جعلوا هذا وحيا إلاهيا منسوبا للنبى فيما يعرف بالحديث النبوى أو لله جل وعلا فيما يعرف بالحديث القدسى. وإخترعوا أيضا المنامات والهاتف ، وتخصص الصوفية فى مزاعم الهاتف والمنامات والعلم اللدنى ، يأفكون أنهم يحادثون الله جل وعلا حين يتجلى فى قلوبهم فيفيض عليهم من علمه اللدنى. وأكبر فقيه سنى حنبلى كان المؤرخ عبد الرحمن بن الجوزى حشد كتابه فى التاريخ ( المنتظم ) بالمنامات ، بل وكتب فى مناقب ( أحمد بن حنبل ) وحشد مئات المنامات فى تزكيته ومنها أن الله جل وعلا يزور قبر ابن حنبل ، والتفاصيل فى كتابنا عن ( الحنبلية ــ أم الوهابية ــ وتدمير العراق فى العصر العباسى ) .

2 ـ لذا كان البخارى وغيره فى إتساق مع العصر . مع وجود أقلية كانت تنكر الأحاديث ، وكانت فى غير تصالح مع عصرها ، ولكنها أثرت فى مسيرة ما يسمى ب (علم الحديث ) و( علم الجرح والتعديل : المصطلح )

ثانيا :

منكرو الحديث ظهروا قبل تدوين الحديث

1 ـ منشور لنا بحث عن التدوين ـ وتعرضنا للتدوين فى حلقات فى برنامج لحظات قرآنية . ولم يكن هناك تدوين للعلوم فى العصر الأموى ،  بدأ التدوين فى العصر العباسى بما نقلوه عن مالك فى الموطأ وما نقله المزنى عن الشافعى فى موسوعة ( الأم ) . أى إن التدوين بدأ بكتابة الأحاديث التى إخترعها مالك والشافعى زاعمين انها منقولة بالسماع عبر أجيال من الصحابة والتابعين وتابعى التابعين . وهذه هى مصيبة الاسناد ، وهو الزعم بأن فلانا اخبره فلان ( الذى مات ) عن فلان الذى مات من قبل عن فلان عن فلان الى عصر الصحابة .

3 ـ  قبل هذا التدوين الذى قام به تلامذة مالك كان أبوحنيفة يرفض الأحاديث كلها ضمن رفضه للإسناد ، ويرى أنها كلام من يقول الحديث نفسه ، وأنه لو كان متأكدا من أنه قول النبى نفسه لعمل به . تعرض أبوحنيفة للإضطهاد من الدولتين الأموية والعباسية ومات مقتولا عام 150 هجرية ، وهى نفس السنة التى ولد فيها الشافعى . كان ابو حنيفة من رواد المعتزلة ، وإستمر المعتزلة بعده لا يعولون على الأحاديث ، وكان الجاحظ آخر اعلام المدرسة المعتزلية ( 255 هجرية )، وقد عاصر البخارى ( ت 256 )

ثالثا :

 أثر الدولة العباسية فى إزدهار الحديث

1 ـ قبل تاسيس الدولة العباسية بدأت الدعوة لما يسمى ب ( الرضا من آل محمد )، و نشرت أحاديث عن المهدى المنتظر من آل محمد الذى يقيم العدل بديلا عن الجور الأموى ، وتتنبأ بقيام دولة لهم . وتخصص كثيرون فى نشر هذه الأحاديث منهم من صاروا فيما بعد الفقهاء الأوائل للدولة العباسية ، واشهرهم الفارسى ( الأعمش : سليمان بن مهران 61 : 147 ) . وبعد تأسيس الدولة العباسية إستمروا فى وضع أحاديث فى مناقب الخلفاء العباسيين ، وقد أفرد لها السيوطى فصلا خاصا فى كتابه ( تاريخ الخلفاء ) .

2 ـ لذا لا نستغرب موقف أبى جعفر المنصور من أبى حنيفة . عارض أبو حنيفة الأمويين وتعرض لإضطهادهم ، وكان محبوبا من الشيعة ، لذا أصبحت له مكانة فى بداية الدولة العباسية . تغير موقفهم منه بسبب إستقلاله فى الرأى وعدم رضاه بالظلم ، ثم كانت الكارثة فى رفضه الأحاديث وطعنه فى الرواة . قتله أبو جعفر المنصور ، وهو الذى أسس دولة دينية قائمة على الأحاديث التى يصنعها فقهاء الدولة . وإعتبر ما يفعله أبوحنيفة تقويضا لأساس هذه الدولة الدينية الكهنوتية. ، وإستمالت الدولة العباسية أكبر تلميذين لأبى حنيفة وعيتنهما فى القضاء وهما أبو يوسف وكان قاضيا فاسدا ، والقاضى محمد بن الحسن الشيبانى ، وهو أحد من كتب(الموطأ ) نقلا عن مالك ، أى ترك الشيبانى وأبو يوسف منهج أبى حنيفة العقلى وإتبعا رواية الأحاديث لارضاء الدولة العباسية . لذا كان العصر مواتيا للشافعى المتوفى عام 204 ليملى كتابه ( الأم ) وليضع رسالته فى تأطير الدين السنى يجعل فيها الرسول هو تلك الأحاديث ويجعلها حاكمة على القرآن أو بمفهومهم ( تنسخ القرآن ).

3 ـ مع هذا لم تنته تماما مدرسة أبى حنيفة العقلية ليس فقط فى وجود المعتزلة ولكن فى تيار مستقل أنكر السنة وإضطر الشافعى للرد على من (أنكر السنة ) دون أن يذكر أسماءهم . أى كانوا تيارا موجودا ضد الدولة العباسية ، ولكن نجحت الدولة العباسية فى التعتيم عليه ، خصوصا وأن المؤرخين فى هذا العصر كانوا من أصحاب الحديث.  

4 ـ وظل (الحديث ) اساس الدولة العباسية ، وهناك رواية عن الرشيد ، وفى مجلسه روى أبو معاوية الضرير حديث ( إلتقى آدم وموسى  .. ) فسأل ابن عم للرشيد : أين إلتقيا ؟ فغضب الرشيد ودعا بالسيف والنطع ليقتله قائلا  : ( زنديق يطعن فى حديث رسول الله ) . ولكن ظل مسموحا بوجود تيارات أخرى طالما لا تطعن فى الحديث ، بل قد وصل المعتزلة الى منزلة فائقة فى عهد المأمون والمعتصم والواثق ، وكانت محنة أحمد بن حنبل فى اواخر عهد المأمون وإمتدت حتى عصر الواثق ، وفى عهد الواثق أعدم أحمد بن نصر الخزاعى من مناصرى الحنابلة .

5 ـ ولكن دخل الحديث فى تطور هائل بالخليفة المتوكل العباسى . كان الوزير المعتزلى  محمد ابن الزيات مسيطرا على الخليفة الواثق ، وحبّب اليه عزل أخيه ( الذى تلقب فيما بعد بالمتوكل ) وكان ابن الزيات يضطهد (المتوكل ) ولى العهد ، متأكدا أنه لن يكون الخليفة القادم ، ولكن مات الخليفة الواثق فجأة ، وتولى المتوكل فقتل ابن الزيات بعد قصة من التعذيب ، وكراهية فى المعتزلة جعل المتوكل ( الأحاديث ) هى ( السنّة ) وجعلها هى الدين الرسمى للدولة و أرسل دعاتها فى الآفاق كما يقول ابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم ) , ووصل إضطهاد المتوكل الى الشيعة والصوفية بالاضافة الى المعتزلة واهل الكتاب . وبدأ من عهد المتوكل نفوذ الحنابلة او السنيين المتطرفين ، وظهر أئمة السنة من الأعاجم كالبخارى ومسلم والنسائى والترمذى والحاكم والبيهقى وابن ماجة ..الخ .

رابعا :

مع هذا ، كان هناك أثر لمنكرى الحديث فى مسيرة ما يسمى ب (علم الحديث ).

1 ـ تندر ابو حنيفة على رواة الحديث وأن الأحاديث التى يزعمونها إنما هى من صناعتهم ولا صلة للنبى محمد بها. أى ليست دينا لأنها لإفتراءات بشرية  . جعل هذا رواة الأحاديث يصطنعون الإسناد . وبدأ بهذا مالك فى الموطأ ثم بعده الشافعى فى ( الأم ) . والإسناد ساقط علميا وقرآنيا وقضائيا  ، وقد ناقشنا هذا بالتفصيل فى بحث ( الاسناد فى الحديث ) وهو منشور هنا .

2 ـ قوبل الإسناد بالطعن فى الرواة ، فجعل هذا (علماء الحديث ) يخترعون ما اسموه ب ( الجرح والتعديل ) ، أو النظر فى حال الرواة السابقين والحكم عليهم بعدالتهم أو بتجريحهم ، فهذا ثقة وذاك ضعيف ..الخ . كل هذا ليقال أن الإسناد جرى التحقق منه .

3 ـ ولكن ما يسمى بعلم الجرح والتعديل ساقط قرآنيا لأنه :  ـ

3 / 1 : حكموا بأن كل الصحابة عدول لا يكذبون أى معصومون من الخطأ . هذا يناقض ما قاله رب العزة عن المنافقين وهم فى الدرك الأسفل من النار ، وقد شهد الله جل وعلا بأنهم من الكاذبين . قال جل وعلا :

3 / 1 / 1 :(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴿١﴾المنافقون)

3 / 1 / 2 :(  وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿١٠٧﴾ التوبة  )

3 / 1/ 3 : (  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿١١﴾ الحشر )

3 / 1 / 4 : (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿١٦﴾ لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا ۚ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿١٧﴾ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴿١٨﴾ المجادلة    )

3 / 1 / 5 : (  وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٤٢﴾ التوبة )

3 / 2 : دخلوا فى علم الغيب الذى لا يعلمه إلا الله جل وعلا .

3 / 2 / 1 : النبى محمد عليه السلام لم يكن يعلم سرائر أصحابه المقربين اليه : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة  )

3 / 2 / 2 : الله جل وعلا هو وحده الذى يعلم غيب القلوب . قال جل وعلا :

3 / 2/ 2 / 1 :  ( وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚبَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚالنساء   )

2 / 2/ 2 / 2 : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ) الممتحنة  )

3 / 2/ 2 / 3 : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴿١٩﴾ غافر  )

4 ـ وهو أيضا ساقط علميا :   

4 / 1 : كيف يتسنى لشخص الحكم على شخص لم يقابله ولم يصاحبه ؟ وحتى لو صاحبه وعايشه لن يكون حكمه عليه صادقا .

4 / 2 : أعطوا حكما لازما للراوى بأنه عدل أو غير ذلك . كما لو أن الانسان جماد على حالة واحدة . الانسان قد يصدق مرة وقد يكذب مرات .

4 / 3 : بغير علم  فقد جعلوا أهواءهم مرجعية .

4 / 4 : ثم إختلفوا فى الجرح والتعديل . وليس هناك إجماع على أن فلانا ثقة أو غير ثقة .

وقد نكتب بحثا فى إختلافاتهم فى الجرح والتعديل ، ولكن نكتفى بما قاله الشيخعبد الوهاب عبد اللطيف محقق كتاب الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني ، وهو يدافع عن الشيباني ،  يقول ( وكل ما وجه من الطعون في محمد بن الحسن ( الشيباني ) مردود . وقد طعن ابن معين والعجلي في الشافعي : بأنه ليس ثقة . وابن عدى في ابي حنيفة ، وابو زرعة في البخاري : لقوله بخلق القرآن . ويحي بن سعيد في ابراهيم بن سعد ، والنسائي في احمد بن صالح ، واحمد بن صالح في حرملة ، ومالك في بن اسحاق … وما من عالم من العلماء الا وقيل فيه شئ من ذلك ) ( مقدمة الموطأ ص 24 )

5 ـ ولكن ظل الطعن فى الرواة ساريا . وقد طعنوا فى ثمانين من رواة البخارى وأضعافهم من رواة مسلم ،

6 ـ دخل الهجوم على السنة فى منعطف جديد  ، هو تقسيم الأحاديث الى متواتر وآحاد وإعتبار المتواتر نادرا أو غير موجود أصلا ، وبالتالى فكل الأحاديث فى البخارى وغيره ضمن احاديث الآحاد يسرى عليها قولهم بأنها تحتمل الصدق والكذب أى ليست محلا للإيمان ، وأنه لا يعمل بها إلا إذا إتفقت مع القرآن ( وطالما يوجد القرآن وهو الأصل فما الداعى للحديث ؟ ) وقالوا إن عقائد الاسلام أو ( السمعيات ) أو ( الغيبيات ) لا تؤخذ  من أحاديث الآحاد . بالتالى تتحول الأحاديث الى مجرد ( أخبار ) ، وهذا هو ما سار عليه الإسناد الذى يقال فيه ( أخبرنى فلان عن فلان ) أو الروايات ( روى فلان عن فلان ). ثم يكون الشك فى فلان وفى فلان . أى جعلوا الأحاديث تاريخا بالأقوال والأفعال لا مكان فيه لليقين و ليس له محل فى الإيمان كالقرآن ، بل هو عمل بشرى يقبل النقد والتصحيح ومختلف وجهات النظر .

7 ـ بزيادة تحكم الحنابلة ظهر الطعن فى السنة بمحاربتها بنفس  سلاحها ، إى يحاربون الحديث المخترع بحديث آخر يناقضه . فهناك أحاديث تطعن فى الصحابة مثل ( لو إلتقى المؤمنان بسلاحهما فالقاتل والمقتول فى النار ) و حديث ( لا ترجعوا بعدى كفارا يقتل بعضكم بعضا ) وهذا جاء ردا على أحاديث ( اصحابى كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم ) ( لا تتخذوا اصحابى غرضا بعدى) . وأشهر الأحاديث التى إخترعوها تطعن فى السنة هى الأحاديث التى تؤكد أن النبى نهى عن كتابة أى شىء سوى القرآن . ولأنه حديث يوافق الواقع فقد أرهب السنيين فهبوا بؤلفون أحاديث فيها أن النبى سمح لأبى كبشة وغيره بكتابة حديث له . ومع هذا فلا وجود لأبى كبشة ولا لحديثه الذى كتبه ، وزعموا ان ابن عمرو بن العاص كانت له صحيفة مكتوبة احاديث ، ولا أثر لها. وحتى لو عثرنا على ما كتبه أبوكبشة وابن عمر فهى بضعة أحاديث ، فأين هى من ملايين الأحاديث التى راجت فى العصر العباسى الثانى بعد خلافة المتوكل .

8 ـ على أن جهد منكرى السنة الخفى جعل السنيين يردون عليهم

8 / 1 : بحديث ( الروبيضة ) القائل :   (   روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدَّق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمَن فيها الخائن ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة. رواه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما.)

8 / 2  : وحديث (يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ) .

خامسا :

أصحاب الحديث ينكرون بأنفسهم الحديث

1 ـ أول كتاب فى الحديث وهو ( موطأ مالك ) لم يزد فى رواية الشيبانى إلا فليلا عن ألف حديث فى القرن الثانى ، ثم تضاعف عدد الحديث الى بضعة آلاف فى ( الأم للشافعى ت 204 ) ثم مئات الألوف فى عصر البخارى ت 256 ، ثم الى عدة ملايين فى عصر ابن الجوزى ت 597 فى القرن السادس . ثم تضاعف أكثر وأكثر فى القرن الثامن حيث عاش ابن تيمية وابن القيم الجوزية .

2 ـ حدا هذا بفقهاء الحديث الى الكتابة فى الوضّاعين وفى الأحاديث الموضوعة . اشهر من كتب فى الأحاديث الموضوعة المؤرخ الفقيه الحنبلى عبد الرحمن بن الجوزى ، ثم فى العصر المملوكى كتب ابن تيمية ( احاديث القُصّاص ) . ثم كتب ابن القيم الجوزية ( المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ) ثم السيوطى ت 911 هجرية . وفى عصرنا كتب الألبانى على سياق السابقين يجعل نفسه حكما على رواة ماتوا من قرون .!!.

3 ـ وبسبب الكثرة الهائلة للأحاديث وتصنيع أحاديث تافهة وهابطة فقد أصبح تكذيبها ليس فقط فى الاسناد ورمى رواتها بالكذب بل إمتد الى نقد المتن . وابن القيم الجوزية أبرز من سار على هذا النهج الجديد الى درجة أنه صرّح بأن النبى لا يعلم الغيب وعليه نفى أحاديث الغيبيات ، وهو إتجاه خطير ولكنه لم يواصله ، ولو فعل لنفى حوالى ثلث الأحاديث وأخطرها ما يخص علامات الساعة والشفاعة وأحوال يوم القيامة والمبشرين بالجنة ..

سادسا :

نماذج من الأحاديث التى نفاها ابن القيم فى كتابه ( المنار المنيف )

جعل ابن القيم الجوزية من علامات الحديث المنسوب كذباً للرسول عليه السلام أن يكون سمجاً يبعث على السخرية، كحديث:ــ " لو كان الأرز رجلاً لكان حليماً، وما أكله جائع إلا أشبعه " يقول ابن القيم معلقاً عليه : فهذا من السمج البارد الذي يصان عنه كلام العقلاء فضلاً عن كلام خاتم الأنبياء ". 
ثم يورد ابن القيم من هذه النوعية الأحاديث التالية : "

 الجوز دواء والجبن داء فإذا صار في الجوف صار شفاء". 
" لو يعلم الناس ما في الحلبة لاشتروها بوزنها ذهباً ".، 
"ما من ورقة هندباء إلا وعليها قطرة من ماء الجنة "، 
" يئست البقلة الجرجير من أكل منها بات ونفسه تنازعه، ويضرب عرق الجزام في أنفه، كلوها نهاراً وكفوا عنها ليلاً "، 
"فضل دهن البنفسج على الأدهان كفضل أهل البيت على سائر الخلق" ، 
" فضل الكراث على سائر البقول كفضل البر على الحبوب " ، 
" إن للقلب فرحة عند أكل اللحم " ، 
" ما من رمان إلا ولا يلقح بحبه من رمان الجنة "، 
" ربيع أمتي العنب والبطيخ " ، 
" عليكم بمداومة أكل العنب مع الخبز" ، 
" عليكم بالملح فإنه شفاء من سبعين داء "، 
" من أكل فولة بقشرها أخرج الله منه من الداء مثلها "، 
" لاتسبوا الديك فإنه صديقي ولو يعلم بنو آدم ما في صوته لاشتروا ريشه ولحمه بالذهب " ، 
" من اتخذ ديكاً أبيض لم يقربه شيطان ولا سحر" ، 
" إن لله ديكاً عنقه مطوية تحت العرش ورجلاه في التخوم" . 
وجعل الإمام ابن القيم الجوزية من علامات الكذب في الأحاديث المنسوبة للرسول عليه السلام : " أن يكون الحديث أشبه بوصف الأطباء
وذكر ابن القيم طائفة من هذه الأحاديث الكاذبة 
منها:ــ 
" الهريسة تشد الظهر" ، 
" أكل السمك يوهن الجسم " ، 
" شكا بعضهم إلى النبي (ص) قلة الولد فأمره أن يأكل البيض والبصل "، 
" أتاني جبريل بهريسة من الجنة فأكلتها فأعطيت قوة أربعين رجلاً في الجماع "، 
" المؤمن حلو يحب الحلاوة "، 
" كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الدود . " ، 
" أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر " ، 
" من لقم أخاه لقمة حلوة صرف الله عنه مرارة الموقف"، 
" النفخ في الطعام يذهب البركة 
" من أخذ لقمة من مجرى الغائط أو البول فغسلها ثم أكلها غفر له ". 
 أخيرا :

إضحك مع هذه الفتوى "

1 ـ فى سؤال عن ( طائفة القرآنيين الضالة ) يقول : (  هناك جماعة تطلق على نفسها ( القرآنيين ) وتدعي أنها لن تتبع إلا القرآن ، فما رأيك بقولهم ؟ )

 .2 ـ جاء الجواب : ( الحمد لله . لقد أثار بعض الناس أن السنة ليست مصدراً للتشريع ، وسموا أنفسهم بالقرآنيين ، وقالوا : إن أمامنا القرآن ، نحل حلاله ، ونحرم حرامه ، والسنة كما يزعمون قد دس فيها أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء امتداد لقوم آخرين نبأنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روى أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح عن المقدام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ) الفتح الكبير 3/438 ورواه الترمذي باختلاف في اللفظ ، وقال : حسن صحيح ( سنن الترمذي بشرح ابن العربي ط الصاوي 10/132) . 

اجمالي القراءات 8309