وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا
الميزان

محمد صادق في الأحد ١٦ - يونيو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

الميزان

خطبة الجمعة

ميزان يوم القيامة...الجزء 1

{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا }(سورة الأنبياء 47)

مقدمة:

1- ما هو الميزان؟

2- أليس الله سبحانه يعلم مقادير أعمال العباد؟ فما الحكمة فى وزنها؟

3- ما هوالمبدأ والأساس الذى يُبنى عليهما ميزان يوم القيامة من ثواب أو عقاب ؟

4- ما هو الطريق المؤدى إلى الفوز فى الميزان ؟

فى هذا الجزء سنتعرض للإجابة على السؤال الأول والثانى.

بسم الله وعلى الله توكلنا...

  • 1- ما هوالميزان

كلمة الميزان جائت فى القرءآن على معنيين:

الأول هو قانون الحساب يوم القيامة. الثانى هو نظام الكون أو سنن الله فى الخلق.

ملاحظة هامة، جائت كلمة الميزان بطريقتين، أولهما أن كلمة الميزان سبقها كلمة المكيال فيكون المعنى مادى نراه ونلمسه ونستعملة فى حياتنا. أما حين جاءت غير مصحوبة بأى شيئ آخر فهو المعنى المعنوى الذى نحن بصضده.

وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (هود 85

الميزان عند أهل السنة ميزان حقيقي توزن به أعمال العباد وخالف في هذا المعتزلة ، وقلة قليلة من أهل السنة وقد ذهب بعض السلف إلى أن الميزان بمعنى العدل والقضاء.

وفى قول آخر هو ميزان حقيقي له لسان وكفتان، وقول ثالث أن الأعمال ليس لها وزن بالمفهوم المادى ولكن يحولها الله إلى مادة حتى يمكن وزنها.

أقوال متضاربة مع بعضها وهى مجرد تفسير لكلمة ميزان حتى تناسب الحال، ولكن لا نجد تفصيلات  عن الميزان فى القرءآن الكريم إلا انه موقف تحديد الفلاح من الخسران وهو مطلق العدل الإلهى الذى يقول سبحانه " { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) البقرة

مَا كَسَبَتْ:      

لماذا لم يقل الله سبحانه ما عَمِلًتْ، لأن الله سبحانه حين خلق الإنسان خلقه فى أحسن تقويم ومن معانى أحسن تقويم هو أنه لم يخلقه شريرا أو عاصيا ولكن يكون خليفة فى الأرض يعمل لإعمار الأرض الذى وفر الله له سبل التعايش والطريق السليم للفوز فى هذا الميزان وغرس فيه فطرة الله الذى فطر الناس عليها ولكن هذا الإنسان فى حياته الدنيوية تعرض لوساوس الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وملذات الدنيا وشهواتها، فبدأ يكسب أعمال من خارج الفطرة التى كان عليها ففسد وتمرد فلا بد له من حسابفهذه الأعمال مكتسبة من خارج فطرته فلا يستوى المؤمن والكافر ولا يستوى المصلح والمفسد ويقول سبحانه أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) (سورة القلم 35 - 36)

أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، هذا هو الميزان الحق فلا يظلم ربك أحدا " كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (سورة المدثر 38

الميزان كنظام للكون أو سنن الله فى الخلق:            

القرءآن الكريم فى سورة الرحمن يقول:

{ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)

أَلَّا تَطْغَوْافِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9): إذا تدبرنا فى هاتين الآيتيين نجد أن سبب النهى فى ألأولى والأمر فى الثانية، نجد الإجابة فى سورة الحجر 19 تقول : { وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ(19) } (سورة الحجر 19)

ماذا تعنى كلمة الميزان؟ من التدبر فى الأيات السابقة نجد أن كلمة الميزان وكلمة موزون تدل على الناموس الربانى وقانون الكون، وضع الله له نظام ينطبق على كل المخلوقات من نبات وحيوان وإنسان وجماد.

أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، حتى لا يختل هذا الناموس الربانى وحين تقوموا بأى إكتشافات علمية يجب أن تزنوها بميزان القسط الذى يعطى كل شيئ حقه وليس بالضرورة أنه متساوى والسبب قال وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ .

نلاحظ دقة سرد الأيات وألفاظها تعطى مفهوم يكمل المفهوم العام للميزان ألا وهو فى قوله " وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، ثم أكد على ألا تطغوا ولا تخسروا ولكن أقيموا القسط وهى تعنى زنوا الأمور بميزان القسط لكلِ حقة وليس بالضرورة التساوى.

الميزان كقانون الحساب يوم القيامة:             

2- أليس الله سبحانه يعلم مقادير أعمال العباد؟ فما الحكمة فى وزنها؟

{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60). (الأَنعام)

ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ: الميزان: ينبئكم إما فلاح أو خسران.

ماذا قال الإنسان " { وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } (القصص 47)

فأرسل الرسل بالمنهج الذى يؤدى إلى الفلاح فى هذا اليوم يوم الميزان فقال سبحانه :

رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا  (النساء 165)

كيف يقيم الله الحجة على الناس يوم القيامة بعد إرسال الرسل بالرسالات؟     1- العدل 2- القسط

أولا العدل :الله سبحانه العدل ذاته فهو العادل وعالم الغيب والشهادة لذلك من العدل فى قوله تعالى:

{ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } (الإسراء 14)

ثانيا القسط: فالحكم بين العباد يكون بالميزان الذى هو القسط فلا يظلم ربك أحدا فكل نفس بما كسبت توضع فى الميزان الذى يعطى كلِ حقهٌ ولكن ليس بالتساوى { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ  (المدثر 38) وهذا هو منتهى القسط والعدل معا.

ليكون حجة على الناس وهذا هو الحق المطلق. يقول سبحانه وتعالى:{ إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (سورة النساء 40)

الإجابة على السؤال الثالث والرابع يأتى فى الجزء الثانى إن شاء الله السميع العليم.

صدق الله العظيم...

 

اجمالي القراءات 4253