مصر بين يوسف (الصديق) وصحابة الفتوحات ..!!
مصر بين يوسف (الصديق) وصحابة الفتوحات ..!!

رضا عبد الرحمن على في السبت ٢٥ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مصر بين يوسف (الصديق) وصحابة الفتوحات ..!!

تمهيد:

أولا :لابد من التأكيد على حقيقة قرآنية هامة وهي أن ربنا جل وعلا أرسل جميع الأنبياء والرسل لدعوة الناس في كل زمان ومكان أن يؤمنوا أنه (لا إله إلا الله) وأن يعبدوا الله الذي لا إله غيره ، قالها نوح عليه السلام (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) الأعراف: 59 ، وتكررت كثيرا في القرآن مع انبياء آخرين مثل هود عليه السلام (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) الأعراف : 65 ، وتعددت مرات ذكرها بنفس المعنى دعوة كل نبي قومه إلى عبادة الله الواحد الأحد في الآيات (الأعراف : 73 ، 85 )   ، ( هــود : 50 ، 61 ، 84 ) ،  ( المؤمنون : 23 ، 32 ) ، ( محمد : 19) ، كذلك ورد في القرآن الكريم التحذير من الشرك بالله جل وعلا إلها أخر وأن هذا الشرك هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله لأي عبد من عباده (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) النساء : 48 ، وتكرر نفس المعنى تقريبا في الآية 116 من نفس السورة ، وكذلك في أخر سورة الكهف (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ، ليس هذا فحسب بل إن جميع الأنبياء والرسل بما فيهم خاتم النبيين عليهم جميعا السلام مأمورون بالاعتراف أنهم يعبدون الله وأنهم يدعون لـ ( لا إله إلا الله) جل وعلا وحده ولا يشركون به شيئا كما في قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ) الرعد 36 ، (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) الكهف : 38 ، (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً)الجن: 20

ثانيا : أرسل الله جميع الأنبياء والرسل برسالة واحدة ودين واحد باسم واحد هو الإسلام الذي اكتمل باعتراف قرآني على لسان خاتم النبيين عليهم السلام في قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)المائدة : 3، يقول تعالى  (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) آل عمران : 85 ، وهناك تحذير واضح وصريح لكل البشر الذين يفترون على الله الكذب حين يدعوهم أي نبي أو داعية إلى الإسلام دين الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الصف :7 ، إذن الدين عند الله هو الإسلام لمن أراد أن يتبع دين الله المُنزل على أنبيائه ورسله (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) آل عمران :19

ثالثا : منهج الدعوة لدين الله جل وعلا تم تلخيصه لخاتم النبيين في آيات بسيطة واضحة الدلالة والمفهوم ، وهي أمر لكل داعية يأت بعد خاتم النبيين عليهم السلام يقول تعالى لخاتم النبيين قدوتنا ومعلمنا (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل : 125 ، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران : 159 ، ونزلت أوامر واضحة لخاتم النبيين تؤكد على حرية الدين والمعتقد وأنه لا إكراه في الدين ، وانه ليس من حق خاتم النبيين نفسه أن يكره أحدا على أن يؤمن بالله جل وعلا ، فإذا كان هذا هو الحال مع خاتم النبيين وهو صاحب الرسالة والمسئول الأول عن تبليغها للناس (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس :99 ، هذا هو دين الله الإسلام وهذا هو منهج الدعوة حسب أوامر الله جل وعلا التي أمر بها رسله وأنبيائه وجميع الناس من بعدهم.

من خلال قراءة سورة يوسف عليه السلام ، والتفكر فيما فيها من عبر ومواعظ كثيرة ، وجدت أنه من الممكن إجراء مقارنة بين منهجين قام كل منهما بدعوة أهل مصر إلى دين الله جل وعلا ، المنهج الأول البطل فيه نبي الله يوسف عليه السلام ، والمنهج الثاني البطل فيه هم قادة او صحابة الفتوحات الذين قاموا بغزو مصر في خلافة عمر بن الخطاب بقيادة عمرو بن العاص بهدف دعوة أهل مصر لدين الإسلام كما زعموا ، فماذا فعل يوسف عليه السلام مع المصريين وكيف تعامل مع ثرواتهم وأزماتهم ونسائهم .؟ ، وماذا فعل صحابة الفتوحات مع المصريين وثرواتهم ونسائهم وأطفالهم .؟

من هذه النقطة أستطيع أن أبدأ المقارنة لكي نثبت حقيقة واحدة أن أي شخص يتبع الوحي الإلهى لابد أن يكون طريقه وأسلوبه ومنهجه مختلف تماما عن أي إنسان يتبع الوحي البشري والفكر الديني الذي ألفه البشر ، وهذا ما ستوضحه وتثبته السطور التالية:

سوف أحدد عدة نقاط رئيسية وأساسية لهذه المقارنة

1ــ ما هو المنهج الذي اتبعه يوسف الصديق في نشر دين الله بمصر ، والمنهج الذي اتبعه صحابة الفتوحات لنشر دين الله.؟

2ــ كيف تعامل يوسف الصديق مع نساء مصر ، وكيف تعامل معهن صحابة الفتوحات .؟

3 ــ كيف تعامل يوسف الصديق مع ثروات مصر ، وكيف تعامل مع هذه الثروات صحابة الفتوحات.؟

4ــ كيف حافظ يوسف الصديق على أرواح الناس مستغلا الوحي والعلم الإلهي ، وكيف تعامل صحابة الفتوحات مع أرواح المصريين .؟

5ــ كيف حقق يوسف الصديق العدل في توزيع القمح في سنوات القحط وأخذ من الأثرياء والأغنياء وأعطى الفقراء ليحقق ويقيم العدل بين الناس و ليحافظ على أرواح الجميع في سنوات القحط ، وماذا فعل صحابة الفتوحات من فرضهم الجزية والخراج بحجة حماية المصريين من أي عدو خارجي.؟

هذا ما سأوضحه بالتفصيل في الجزء الثاني من المقال :

 

 

اجمالي القراءات 1894