فى سبيل السلام : الصبر الايجابى فى القتال الدفاعى ( 2 )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٤ - أبريل - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

فى سبيل السلام : الصبر الايجابى فى القتال الدفاعى ( 2)

أولا :

1 ـ الاعتداء بالهجوم الحربى على من لا يعتدى هو سمة الكافرين . فإذا كان ممكنا التعرف على المسلم بسلوكه السلمى وعلى المؤمن بإيثاره الأمن والأمان فإنه من السهل التعرف على الكافرين بهجومهم الحربى على من لا يعتدى عليهم ، وأشدهم كفرا هو الذى يستخدم إسم الله جل وعلا ودينه فى هذا الاعتداء ، يهتف الله أكبر وهو يقتل الأبرياء .               بهذا ممكن أن تعرف الكافرين المنتمين الى الاسلام إسما وهم أعدى أعدائه.

2 ـ لا بد لقوى الخير أن تتصدى لقوة الشر الباغية المعتدية ، حتى لو كانت تزعم الايمان  قال جل وعلا : (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ ۚفَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٩﴾ الحجرات )

3 ـ وقد تكرر مرتين قوله جل وعلا : (  وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ ).

3 / 1 :  تعقيبا على تغلب بنى اسرائيل على جالوت المعتدى المستكبر . قال جل وعلا : (  فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّـهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٢٥١﴾ البقرة)  وفيها تعرض المؤمنون المسالمون من بنى اسرائيل للطرد من بيوتهم . ذكرالله جل وعلا قولهم للنبى : (  قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا )  ﴿٢٤٦﴾ البقرة)

3 / 2 : وتكرر هذا فى الإذن بالقتال للمؤمنين فى دولة النبى محمد . قال جل وعلا : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴿٣٩﴾ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠) الحج ). وهنا أيضا تعرض المؤمنون المسالمون للطرد من بيوتهم .

3 / 3 : القتال فى الحالتين هو لمواجهة الفساد فى الأرض . ويتعدى هذا حتى مع عدم وجود قوة للخير تتصدى لقوة الشّر الباغية . لو سيطرت قوة شريرة واحدة على هذا الكوكب لعمّ الفساد فيه وقاسى المستضعفون أكثر وأكثر . ولكن حين تعلو قوة فإن قوة أخرى تنافسها ، وهذا على مستوى عصابات المافيا المحلية وعلى مستوى العالم .  

4 ـ يسبق القتال الدفاعى ويواكبه دعوة للاسلام السلوكى أى السلام ومنع الحرب مع دعوة للاسلام القلبى لدخول الجنة لمن شاء. المؤمنون يتعاملون بالصبر الايجابى فى الدعوة ، بالحكمة والموعظة الحسنة وبالصفح والغفران عن المسىء ورد أذاه وإساءته بالتى هى أحسن ، ولكن إذا تطور الأمر الى هجوم حربى فعلى المؤمنين الاستعداد لصد الهجوم ثم بعد الاستعداد يردون الاعتداء بمثله وفق تشريعات القتال فى الاسلام والتى تعرضنا لها من قبل. وفى كل الأحوال يكون الصبر الايجابى مصاحبا لهم فى قتالهم الدفاعى .

ثانيا : بين الإهلاك والمواجهة الحربية فى تاريخ الأنبياء

1 ـ أرسل الله جل وعلا رسلا لكل المجتمعات البشرية من بعد هلاك الكافرين من قوم نوح . ولم يذكر رب العزة جل وعلا كل الأنبياء . قال جل وعلا : ( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ )﴿١٦٤﴾ النساء )( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ )﴿٧٨﴾ غافر).  بالتالى فإن الله جل وعلا أرسل رسلا الى بقية مناطق العالم من الهند والصين الى استراليا والآمريكيتن وغيرهم. قال جل وعلا : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴿٢٤﴾ فاطر).

2 ـ ويقول جل وعلا : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ( ١٢٣﴾ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّـهِ ۘ اللَّـهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّـهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٤﴾ الانعام ). المستفاد من هذا أنه كان فى كل قرية أكابر المجرمين ، وهم الحكام المستبدون ، والذين لا نزال نشقى بهم فى الشرق الأوسط . وأكابر المجرمين فى تاريخ ما قبل نزول القرآن الكريم كانوا يكذبون الرسل إستكبارا. وتعبير ( قرية ) فى القرآن يعنى المجتمع والدولة . بالتالى فهنا لمحة عن تاريخ عالمى قبل نزول القرآن فيه أكابر المجرمين يكفرون بالرسالات الالهية الداعية للعدل والحرية والسلام.

3 ـ وتاريخ الأمم قبل نزول القرآن ينقسم الى قسمين : أمم أهلكها الله جل وعلا وأبقى مؤمنيها ، كان المؤمنون غاية فى الضعف بحيث جاء التدخل الالهى بإهلاك المستكبرين . ثم جاءت مرحلة فى تاريخ الأنبياء والمؤمنين أصبح فيها المؤمنون يواجهون المعتدين المستكبرين بالقتال الدفاعى متمسكين بالصبر الايجابى وهم يقاتلون فى سبيل الله.

4 ـ عن مرحلة الاهلاك قال جل وعلا : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ) ﴿١٧﴾ الاسراء ).

وعن مرحلة القتال الدفاعى قال جل وعلا : ( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٦﴾ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿١٤٧﴾ فَآتَاهُمُ اللَّـهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٤٨﴾ آل عمران ). وصفهم رب العزة بالصابرين : (وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) ووصفهم بالمحسنين (وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  ). والله جل وعلا يحب الصارين ويحب المحسنين.

ثالثا : بنو إسرائيل فى مرحلتى الاهلاك والقتال الدفاعى

1 ـ فى مرحلة الاهلاك : تعرضوا لإضطهاد هائل من فرعون . أوصاهم موسى عليه السلام بالصبر وبالاستعانة بالله جل وعلا والتقوى ، أى الصبر الايجابى : ( قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿١٢٨﴾ الاعراف ). الصبر الايجابى هنا واضح فى إدراكهم للظلم الذى يتعرضون له وعدم رضاهم عنه كما يفعل الآخرون من أصحاب الصبر السلبى الخانع . لذا ردوا قائلين لموسى بما يعبر عن مدى إحساسهم بالظلم : (قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ) ﴿١٢٩﴾ الاعراف ) . ولأنهم لا حول لهم ولا قوة فقد جاء التدخل الالهى بإغراق فرعون وجنده وقومه وتدمير منشئاته ، وورث بنو اسرائيل ملكه من بعده . قال جل وعلا : ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴿١٣٧﴾ الاعراف ). كان هذا لأن بنى إسرائيل صبروا صبرا إيجابيا (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ).

2 ـ فى مرحلة القتال : كتب الله جل وعلا لهم الأرض المقدسة ، وعليهم أن يدخلوها ، وهذا يستلزم تحركا إيجابيا ، وهم لم يتعودوه. تعودوا على المساعدة الالهية ومعجزات عصا موسى . بعد أن انتهى بقاؤهم فى مصر تركوها الى الشرق . قال لهم موسى يذكرهم بنعم الله جل وعلا عليهم : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴿٢٠﴾ المائدة ) . ودعاهم الى دخول الأرض المقدسة : ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴿٢١﴾. كان هذا إختبارا لهم ، وقد رسبوا فيه بجدارة :  ( قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴿٢٢ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٣﴾قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴿٢٤) المائدة )

 3 ـ ومات موسى وتعرض بنو اسرائيل بعده لهجوم وطرد من بلادهم ، فطلبوا من نبى لهم أن يختار لهم ملكا يقودهم الى القتال للعودة الى بلادهم . قال جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا  ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿٢٤٦﴾ البقرة ) ، نلاحظ وصف رب العزة لأصحاب الصبر السلبى المتقاعسين عن القتال بأنهم ظالمون. وتنتهى القصة بإنتصار المؤمنين الصابرين صبرا إيجابيا . قال جل وعلا : (  قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّـهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٢٤٩﴾ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿٢٥٠﴾ البقرة ) . يتردد هنا وصف الصبر فى القتال الدفاعى : (وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ) .

4 ـ القتال الدفاعى كان مفروضا فى التوراة والانجيل ونزل فرضا فى القرآن الكريم. قال جل وعلا : (  إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١١﴾ التوبة ).

5 ـ وفى معرض وعظ المؤمنين أشار رب العزة جل وعلا الى تصادمات حربية بين المؤمنين والكافرين فى عهد عيسى عليه السلام. قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّـهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ ۖ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ ۖ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴿١٤﴾ الصف )

رابعا :الصبر الايجابى فى القتال الدفاعى فى دولة النبى محمد عليه السلام

 

 

1 ـ إقتتال القبائل العربية كان عادة سيئة ، وإستفادت قريش من هذا بسبب قيامها على البيت الحرام ، فعاشت فى أمن ، قال جل وعلا : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚأَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَكْفُرُونَ ﴿٦٧﴾ العنكبوت ) ، لذا كانت دعوة الاسلام الاصلاحية السلمية ضد مصالح قريش ـ فكذبوا بالقرآن وإفتروا لهو الأحاديث ليضلوا عن سبيل الله. قال جل وعلا فى الآية التالية عن قريش : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ  أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴿٦٨﴾ العنكبوت ) ، وقال بعدها عن المؤمنين المجاهدين :  ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾ العنكبوت ) .

2 ـ أرغمت قريش النبى محمدا والمؤمنين على الهجرة الى مكة ، ثم تابعوهم بالغارات فى المدينة ليرغموهم على ترك الاسلام. قال جل وعلا : (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) 217 ) البقرة ) . إستعد المؤمنون للقتال ماديا ولكن كان إستعداهم النفسى ناقصا ، كان معظمهم رافضا للقتال ( النساء 77 ) وكارها له :( البقرة 216 )  ، كانوا مسلمين سلوكيا بمعنى السلام . لذا أمر الله جل وعلا رسوله أن يحرضهم على القتال . قال جل وعلا فى خطاب مباشر للنبى محمد : (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّـهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ﴿٨٤﴾ النساء  ). وجاء التحريض مرتبطا بالصبر الايجابى فى القتال ، قال جل وعلا للنبى محمد : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴿٦٥﴾  الْآنَ خَفَّفَ اللَّـهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٦٦﴾الانفال ). إذا صبروا فى القتال فالله جل وعلا معهم لأنه جل وعلا مع الصابرين.

3 ـ وفى موقعة بدر همت طائفتان من المؤمنين أن تفشلا ، وجادلون النبى فى رفض القتال إذ كانوا لا يريدون المواجهة الحربية ( آل عمران  122) (  الانفال  5 : 8) ، وجاءهم الوعد بالنصر إذا قاتلوا وصبروا صبرا إيجابيا . قال جل وعلا : ( بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴿١٢٥﴾  آل عمران ). وبعد الانتصار فى موقعة بدر قال جل وعلا يحثهم على الصبر الايجابى فى القتال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٤٥﴾ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٤٦﴾ الانفال ) . إذا صبروا فى القتال فالله جل وعلا معهم لأنه جل وعلا مع الصابرين.

4 ـ وفى الارتبط بين الجهاد والصبر الدفاعى قال جل وعلا للمؤمنين :

4 / 1: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٢﴾ آل عمران ). هنا إرتباط الجهاد فى سبيل الله جل وعلا بالصبر ، والمكافأة هى الجنة .  

4 / 2 : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٢٠٠﴾ آل عمران ). هنا الصبر والمصابرة والمرابطة أى الحراسة الدفاعية .  

5 ـ ولأنه صبر إيجابى يصاحب القتال الدفاعى فقد قال جل وعلا فى صفات المتقين الأبرار الصادقين : (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴿١٧٧﴾ البقرة) . هنا الصبر فى البأساء والضراء أى المحن ، والصبر حين البأس أى فى الحرب . 

اجمالي القراءات 4125