مقدمة كتاب ( مذبحة مسجدى نيوزلنده : فى رؤية إسلامية )

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٠ - أبريل - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة كتاب ( مذبحة مسجدى نيوزلنده : فى رؤية إسلامية )

1 ـ بدأ مقالا منشورا يوم الجمعة 15 مارس 2019  فى اليوم الذى حدثت هذه المذبحة ، لينبه على خطورتها ودلالتها ، وتتابعت المقالات والتعليقات عليها ، وفى أثناء الكتابة والتفاعل مع التعليقات كان القرار بتجميع المقالات لتكون كتابا شاهدا على العصر  . رأيت أن أنشر فى الكتاب التعليقات علي مقالاته لتوضيح مختلف وجهات النظر لأهل القرآن . وبعد إتمام الكتاب أكتب هذه المقدمة لأؤكد أنه يخاطب أساسا المسلمين طلبا للإصلاح السلمى ، وحيث أنه ستتم ترجمته فهذه المقدمة ستكون تمهيدا للقارىء غير المسلم لكى يتعرف على الاسلام المنبوذ من معظم المسلمين والذى سبق الغرب فى الدعوة للقيم العليا .  

2 ـ نحن أهل القرآن فى موقعنا ( اهل القرآن )  نختلف سياسيا مع إتفاقنا فى التمسك بالقرآن الكريم وحده ، ونفهمه على أنه الذى يعبر عن الاسلام الذى نسيه المسلمون وهجروه ، وإخترعوا بدلا من شريعة القرآن شريعة دموية تجعل الاعتداء والقتل جهادا مفروضا . جهادنا نحن أهل القرآن هو الاصلاح السلمى بالاحتكام الى القرآن فيما يفعله المسلمون الذين نسميهم ( محمديون ) نظرا لأنهم يعبدون إلاها مصنوعا أسموه محمدا يتناقض مع حقيقة النبى محمد البشرية فى القرآن الكريم ، ونسبوا له شريعة أسموها سُنّة تحوى كل ملامح التطرف الدينى والارهاب الدينى الذى كان سائدا فى العصور الوسطى.

3 ـ النبى محمد ــ خاتم النبيين عليهم جميعا السلام ــ ينتمى الى قريش ، وهى أكبر قبيلة عربية ينتهى نسبها الى اسماعيل بن ابراهيم عليه السلام. وكانت عائلة النبى محمد ( بنو هاشم ) هى القائمة على البيت الحرام ورعاية الحجاج ، بينما كان أبناء عمومته ( بنو امية ) القائمين على الرحلة التجارية العالمية ( رحلتى الشتاء والصيف ) التى توصل متاجر الهند من اليمن الى الشام البيزنطية وتنقل بضائع أوربا من الشام الى اليمن لتذهب الى الهند. قريش هذه هى التى حكمت لقرون طويلة امبرطورية هائلة باسم الاسلام ، وبالمخالفة لشريعة ودين الاسلام ، ومتفقة مع ثقافة العصور الوسطى فى الاستبداد والفساد والحرب الدينية والاحتلال والغزو وسفك الدماء. وبعد موت النبى محمد فالذين حكموا كانوا أبناء عم النبى ( الأمويون ) ومن عائلة النبى ( العباسيون ) والمنتمين زعما الى آل بيت النبى أو اسرته . آباؤهم كانوا ضد النبى فى دعوته حرصا على مكانتهم الدينية والسياسية . ثم دخلوا فى الاسلام حرصا على مصالحهم حين وجدوه منتصرا وسائدا بين العرب واصبحت تجارتهم فى خطر إذا ظلوا على عداء مع الدين الذى إعتنقه أغلب العرب.

4 ـ كان العرب يتعبدون بملة أبيهم ابراهيم مع تحريف فيها ، وبهذا التحريف عبدوا البشر والحجر ، وسوغوا لأنفسهم الاقتتال حتى فى الأشهر الحرم المحرم فيها الظلم والاعتداء . كان الغارات مهنة القبائل العربية يتقاتلون على المرعى ويغير بعضهم على بعض. كانت القبيلة البدوية دولة متحركة أفرادها هم عماد جيشها ، ونفوذها تحدده سيوفها ، وتلك الاغارات المستمرة أوجدت ثأرا ، كان يستوجب الانتقام وما كانوا يسمونه ( أيام العرب ).

5 ـ نزل القرآن الكريم على خاتم النبيين بشريعة السلام بديلا عن الحرب والعدوان ، وجعل السلام هو أساس التعامل بين الناس واساس المواطنة فى الدولة الاسلامية ، طبقا لشريعة الاسلام فكل انسان مسالم بغض النظر عن ملته ، لأن السلام فى الاسلام تعضده قيم أخرى هى الحرية الدينية المطلقة لكل فرد ، وكل فرد سيكون مسئولا عن إختياره الدينى يوم الدين . وطبق النبى   الحرية السياسية بالديمقراطية المباشرة ، والعدل فى التقاضى وفى التعامل بين الناس والعدل الاجتماعى برعاية المحتاجين ، والاحسان بمعنى التسامح والغفران والرحمة والتراحم وكرامة الانسان وحفظ حقوقه حيث هى محل التدخل فى الدولة الاسلامية ، أما فى التعامل مع الخالق جل وعلا فهو إسلام القلب لله جل وعلا وحده، ومرجع الحكم فيه لله جل وعلا وحده ، أى إن حقوق الله جل وعلا من الايمان به وحده إلاها لا شريك له لم يلد ولم يولد ليس للبشر التدخل فيه ، فهذا الحق مؤجل الحكم فيه الى يوم الحساب حيث يحكم الله جل وعلا بين الناس فيما هم فيه مختلفون. وفى المقابل فإن الكافر فى التعامل البشرى هو الذى يعتدى يبدأ حربا ويقوم بإكراه الناس فى الدين. والأسوأ هو الذى يستخدم إسم الله فى العدوان والقتل مثل الارهابيين الذين يهتفون ( الله أكبر ) وهم يفجرون أنفسهم وغيرهم.

 6 ـ طبق النبى محمد هذه الشريعة القرآنية فى دولته خلال عشر سنوات كان يتعرض فيها الى معارضة المنافقين وكفرهم وإستهزائهم بالله تعالى ورسوله وكتابه ، وضمن لهم الاسلام هذه الحرية الدينية والسياسية بدون حد أقصى طالما لا يرفعون السلاح ، إذ كانت معارضتهم الدينية والسياسية سلمية وليس فيها إكراه فى الدين. أيضا طبق النبى محمد هذه الشريعة فى دولته وهو يواجه الهجوم الحربى من قبيلته قريش.  أرغموه وأصحابه على الهجرة من مكة فهاجر بأصحابه الى المدينة ، فلم يتركوه بل تابعوه بالغارات الحربية ، ولم ينزل له الإذن بالدفاع حتى إذا إستعد عسكريا ، نزل له الأمر بالقتال الدفاعى ردا على الاعتداء بمثله . وفى كل مواقفه ظلت دعوة الاسلام أولا الى الاسلام السلوكى بمعنى السلام والدعوة الى الاسلام القلبى بتقديس الله جل وعلا وحده وعبادته وحده ، ولكن دون إكراه فى الدين بحيث تأتى الدعوة القرآنية للمؤمنين الصحابة بإجتناب الخمر والميسر وتقديس الأنصاب أو القبور ، مجرد وعظ ، لعلهم ينتهون ، مع التأكيد على أن الرسول ليس عليه سوى البلاغ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٩٠﴾ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴿٩١﴾ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٩٢﴾المائدة ).

7 ـ كان العرب أسرع فى الاستجابة الى دعوة السلام ( الاسلام السلوكى ) فدخلوا فيه أفواجا قبيل موت النبى محمد ، ورآهم النبى يدخلون فى السلام دين الله أفواجا (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴿٣﴾ النصر) لم ير الاسلام القلبى ولكن رأى الاسلام السلوكى بمعنى السلام . ظل معظمهم على تقديسه للبشر والحجر متمتعا بالحرية المطلقة فى الدين والتى أرساها الاسلام فى دولة النبى محمد عليه السلام ، خلافا لما كانت عليه قريش من سياسة الاكراه فى الدين . ثم مؤخرا رأت قريش أن من مصلحتها أن تدخل فى الاسلام ، خصوصا وأن لها جواسيس خلايا نائمة حول النبى محمد عليه السلام . أولئك كتموا كفرهم ووصفهم رب العزة جل وعلا بأنهم ( مردوا ) على النفاق ، لم يكن النبى يعلمهم وأخبر رب العزة بعذاب يتعرضون له مرتين فى الدنيا ثم ينتظرهم عذاب شديد فى الآخرة (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة ) . وقد حكموا الدولة بعد النبى وصار لقبهم الخلفاء الراشدين.  تمتعوا بمكانة حول النبى وقد صاهروه لذا كان سهلا أن يحكموا بعده فأعادوا السيطرة القرشية القديمة فثارت القبائل العربية فيما يسمى بحرب الردة. وهزمتهم قريش ، ثم خوفا من عودتهم للثورة المسلحة أقنعتهم قريش بتوجيه قواتهم الحربية نحو امبراطوريتى الفرس والروم ، وكانت هذه الفتوحات أكبر كفر بالاسلام. نشأ عليها ليس فقط تكوين أكبر إمبراطورية عربية وقتها تمتد من تخوم الهند والصين شرقا الى جنوب فرنسا غربا بل تأسس عليها دين السُّنة الأرضى الذى يعبر عن الهيمنة والغزو والاحتلال ثم دين التشيع المناوىء له ، ثم قيام حروب أهلية بين أتباع الدينين لا تزال مستمرة .  

8 ـ باسم الاسلام كونت قريش إمبراطوريتها ، ونشرت الكفر بالاسلام وليس الاسلام. نشروا هذا الكفر بالاسلام بحدّ السيف ، وبهذا عرف العالم إسلاما مشوها ، دينا  حربيا مقاتلا ، ونسى الناس حقيقة الاسلام المسالمة ، خصوصا وان الخلفاء الفاتحين أصبحوا آلهة مقدسة فى الدين السنى الأرضى ، وكان هذا عجبا. هم طبقا للإسلام أكفر البشر بما إرتكبوه من غزو وإحتلال وقتل وسلب ونهب وإسترقاق وسبى ، ولكن الشعوب التى تعرض أسلافها لهذا الغزو والاحتلال  والقهر يقدسون الخلفاء الذين قهروا أجدادهم .

9 ـ كانت دولة النبى محمد الاسلامية جملة إعتراضية فى ثقافة عصرها . كانت واحة وسط صحراء الاستبداد والظلم ، وإستمرت عشر سنين ، ثم أعادتها قريش الى ثقافة العصور الوسطى ، ولولا أن القرآن لا يزال معنا ما تعرفنا على حقائق الاسلام .

10 ـ ونحن أهل القرآن نناضل سلميا لاصلاح ( المسلمين ) بالقرآن الذى يزعمون الايمان به . ونواجه أعتى قوتين فى الشرق الأوسط الاستبداد والكهنوت الوهابى الرسمى والشعبى . ولا نزال صامدين .

والله جل وعلا هو المستعان .

أحمد صبحى منصور

السبت 20 ابريل 2019  

اجمالي القراءات 4823