جذور معسكر الشّر فى الغرب : الحروب الصليبية

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٠ - أبريل - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

جذور معسكر الشّر فى الغرب : الحروب الصليبية  

مقدمة

1 ـ كالعادة فإننا نركز على البغى الذى يحمل شعارا دينيا ، وبه يتم قتل المستضعفين المدنيين المسالمين ، وهم الذى نحملهم فى قلوبنا مهما إختلفت ألسنتهم وأعراقهم وأديانهم ومذاهبهم.

2 ـ فى معسكر الشّر لدى المحمديين عرضنا للخلافة العثمانية وأردوغان ( مشروع السلطان العثمانى تحت التجهيز ) ثم الى منطقة ( نجد ) محورا للشر ، من القرامطة الى الوهابية . نلتفت الى الغرب ونتوقف مع جذور معسكر الشّر التى أنجبت سفاح إستراليا الذى إرتكب مذبحة المسجدين فى نيوزلنده ومستعيدا وواعيا بتاريخ الصراع بين العرب وتركيا وبين الغرب. ونبدأ بالحروب الصليبية .

3 ـ وفى عام 1985 قررت خمسة كتب على الطلبة فى جامعة الأزهر كان منها كتاب ( غارات المغول والصليبيين ) وعللت فيها هزيمة العرب والمسلمين بضعف الوازع الدينى لديهم وإعتقادهم فى شفاعة النبى المزعومة. وبسبب هذه الكتب كانت محاكمتى ثم فصلى من جامعة الأزهر ودخولى السجن عام 1867. من كتاب ( غارات المغول والصليبيين ) أنقل بعض ما جاء فيه عن  الصليبىين .

أولا : حملة الشعوب الصليبية بقيادة بطرس الراهب

1 ـ لم يلتفت اليها كثيرا المؤرخون العرب . وسجلها مؤرخو الغرب.

2 ـ بالشعار الدينى ووعود البابا بالغفران إستجاب كثيرون لدعوة البابا إربان الثانى ، وتجلى هذا فى حملة  بطرس الراهب ، حملة الشعوب. معظمهم كان من ألمانيا وهولندة وغرب ايطاليا .

3 ـ أول فرقة منهم كان يقودها ( والتر المفلس ) ولقبه يعبر عنه. وتحرك بأتباعه وكان أكثرهم من الفلاحين فبدأ السلب والنهب فى أراضى بلغاريا ـ فتصدى له جنود البلغار ، فدخل بلاد المجر ، وفى الطريق واصل السلب والنهب والقتل للأهالى المسيحيين حتى بلغ أسوار القسطنطينية  فى  يوليو 1096 وسمح لهم الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس الأول بالانتظار خارج أسوار العاصمة حتى وصول جيش بطرس الناسك.

4 ـ جيش بطرس الناسك.  لم يختلف ــ كثيرا ــ عن تابعه والتر المفلس من حيث التكوين ومن حيث الفوضى والرغبة الهائلة فى السلب والنهب والتدير والقتل . وتكون الجيش  من مجرمين وعاطلين وعواهر بجانب الفقراء من الفلاحين والعاطلين وبعض الفرسان. وبلغ عددهم حوالى 40 ألفاً. فى الطريق الى القسطنطينية هجم جيش  بطرس الناسك على مدينة سملين المجرية المسيحية على الحدود مع الدولة البيزنطية فإرتكب فيها مذبحة راح ضحيتها أربعة آلاف من سكانها ومن أهالى القرى حولها . وارتكب الجيش مذبحة أخرى فى مدينة نيش .

5 ـ  واصل الجيش مسيرته داخل الدولة البيزنطية فتصدت له حامية بيزنطية أرغمت الجيش على التفرق. ثم إلتأم شمل الجيش وواصل الزحف شرقا فوصل مشارف مدينة القسطنطينية فى اغسطس 1096 عاصمة الامبراطورية البيزنطية .

6 ـ ومع ضخامة لقبها فقد كانت تلك الإمبراطوية مثل رأس بلا جسد . رأسها كان العاصمة ذات الصيت الهائل مع بعض أراض تابعة لها ، وقد أنهكتها الحروب مع العرب والسلاجقة فى آسيا الصغرى. طلب الامبراطور البيزنطى من بطرس الراهب أن ينتظر الى حين وصول الحملة الصليبية التى يقودها الأمراء ، ولكن الراهب رفض ، ودخل بأتباعه مدينة القسطنطينية وعاثوا فيها فسادا فنهبوا البيوت والكنائس واحرقوا وسرقوا ، فنقلهم الامبراطور بسرعة الى آسيا الصغرى عبر المضايق . وإرتكبوا ابشع مذابح أخرى ضد السكان المسيحيين . وواصلوا زحفهم إلى “نيقية” قاعدة السلطان السلجوقي “قلج بن أرسلان”، ووقعوا فى كمين اعده لهم الاتراك السلاجقة . وتم الاجهاز على الحملة الشعبية وقتل والتر المفلس وهرب بطرس الناسك الى القسطنطينية.

7 ـ لا يتسع المجال لذكر الشنائع التى ارتكبها جيش بطرس الناسك ( جيش الرب ) فى القسطنطينية ، وهم جميعا مسيحيون ، هذا مع أن الامبراطور البيزنطى كان صديقا للحملة وناصحا لهم .

8 ـ قيل بإختصار : (وارتكبت هذه الحملة في سيرها كل الموبقات من سلب ونهب وقتل واعتداء على الأعراض، واغتصاب بعض الراهبات، حتى وصلت إلى أبواب القسطنطينية، فسارع الإمبراطور البيزنطي إلى نقلهم عبر مضيق البسفور إلى آسيا الصغرى، وتخلص من شرورهم، وقابل السلاجقة هذه الجحافل وأوقعوا بهم هزيمة قاسية  )

ثانيا : مقارنة بين بطرس الراهب ومحمد الفاتح

1 ـ  ولكن يهمنا المقارنة بما فعله السلطان العثمانى محمد الفتح حين إستولى على القسطنطينية ، وقد إقتحمها بجيشه فى مايو 1453 .

2 ـ دخل السلطان المدينة فوجد جنده يسلبون وينهبون كالعادة ، ووجد الالاف من الأهالى قد لاذوا بكنيسة آيا صوفيا ، فأصدر السلطان محمد الفاتح أوامره بالكف عن السلب والنهب ، فتوقف السلب والنهب فورا .

3 ـ ودخل الكنيسة وتلقاه رهبانها مرعوبين فأعطاهم جميعا الأمان . وكان بعض الرهبان مختبئين في سراديب الكنيسة فلما رأوا تسامح السلطان الفاتح وعفوه خرجوا وأعلنوا إسلامهم.

4 ـ وأعطى السلطان للسكان المسيحيين حرية إقامة الشعائر الدينية واختيار رؤسائهم الدينيين وخولهم حق الحكم في النظر بالقضايا المدنية، كما أعطى هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم الأخرى . وفرض عليهم الجزية وحول كنسية آيا صوفيا الى مسجد .

5 ـ  الفجوة هائلة بين بطرس الناسك ومحمد الفاتح .

ثالثا : مذابح حملة الأمراء الصليبية فى تاريخ الكامل لابن الأثير  

1 ـ يذكر ابن الأثير فى تاريخ ( الكامل ) فى أحداث عام 491 هجرية أن ( الفرنجة ) حين إقتحموا مدينة معرة النعمان (، ودخلوا دورهم، فوضع الفرنج فيهم السيف ثلاثة أيام، فقتلوا ما يزيد على مائة ألف، وسبوا السبي الكثير.. ) ضحايا السلب والنهب والسبى والقتل من الأهالى المستضعفين المسالمين.!  

2 ـ وفى أحداث العام التالى 492 ، وتحت عنوان (ذكر ملك الفرنج لعنهم الله البيت المقدس ) ذكر ابن الأثير  أن الفرنج ( الصليبيين ) عندما إقتحموا القدس  (ضحوة نهار يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان، وركب الناس السيف، ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين.. وقتل الفرنج، بالمسجد الأقصى، ما يزيد على سبعين ألفاً، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين، وعلمائهم، وعبادهم، وزهادهم، ممن فارق الأوطان وجاور بذلك الموضع الشريف، وأخذوا من عند الصخرة نيفاً وأربعين قنديلاً من الفضة، وزن كل قنديل ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا تنوراً من فضة وزنه أربعون رطلاً بالشامي، وأخذوا من القناديل الصغار مائة وخمسين قنديلاً نقرة، ومن الذهب نيفاً وعشرين قنديلاً، وغنموا منه ما لا يقع عليه الإحصاء  ) هذا عدا ( سبي الحريم والأولاد، ) .

 رابعا : مذبحة القدس فى كتابات المؤرخين الصليبيين :

1 ـ قال المؤرخ الصليبى الصليبي فوشيه الشارتري الذى شارك فى المذبحة : (  .. وهرب بعض هؤلاء العرب إلى برج داود، وأغلق آخرون على أنفسهم معبد الرَّبّ ومعبد سليمان، وتَمَّ شنُّ هجوم وحشي على المسلمين في فناء هَذينِ المعبدَيْنِ، ولم يكن هناك مكانٌ يمكن أن ينجيهم من سيوف رجالنا، ولو أنك كنت موجودًا هناك لغاصَتْ قدماك حتى العقبينِ في دماء المذبوحِينَ، ترى ماذا أقول؟ لم نتركْ منهم أحدًا على قيد الحياة، ولم ينجُ حتى النساء والأطفال، كم سيكون مُدْهشًا لو أنَّك رأيتَ فرساننا ومشاتنا بعد أن اكتشفوا خداعَ المسلمينَ فشقّوا بطونَ الذين ذبحوهم؛ لكي يَستخرجوا من المعدة والأمعاء العُمْلاتِ الذهبية التي كان المسلمون قد ابتلعوها وهم أحياء!! ولنفس السبب قام رجالُنا بعد أيام قلائل بجمع كومة من الجثث وأحرقوها حتى صارت رمادًا، حتى يمكنهم أن يجدوا بسهولة الذهب الذي ذكرنا خبره. عندما جرى رجالنا وسيوفهم مشرعة عبر أرجاء المدينة، ولم يُبقوا على أحد، حتى أولئك الذين يرجون الرحمة، سقط الجميع كما تسقط التفاحات العَفِنَة جميعًا من الأغصان المهزوزة، وبعد هذه المذبحة الكبيرة دخلوا بيوت السكان، واستولَوْا على كلّ ما وجدوه فيها، وتمَّ هذا بطريقة جعلت كل من كان يدخل أولاً سواء كان فقيرًا أم غنيًّا لا يجد من يُنازعه من الفرنج الآخرين، وكان له أن يحتل المنزل أو القصر، ويمتلِكُه بكل ما فيه؛ كما لو كان ملكية خالصة له، وهكذا اتَّفقوا جميعًا على هذا النمط من الملكية، وبهذه الطريقة صار كثيرون من الفقراء أثرياء . )

2 ـ قال المؤرخ الصليبي ريمون الأجوي : ( بدأ رجالنا يدخلون إلى القدس بجسارة وإقدام، وقد أراقوا من الدماء في ذلك اليوم كمية لا يمكن تخيلها.. ما إنِ استولى رجالُنا على السور والأبراج... أطاحوا برؤوس أعدائهم، بينما رشقهم البعض الآخر بالسهام، بحيثُ سقطوا من الأبراج، على حين عذبهم البعض فترة طويلة بأن قذفوهم في النار أحياء، وكانت أكوام الرؤوس والأيدي والأرجل تسترعي النظر في شوارع المدينة، وكان المرءُ يَشُقّ طريقه بصعوبة بين جثث الرجال والخيول، ولكن هذه كانت أمورًا صغيرة إذا قورنت بما جرى في معبد سليمان... ترى ما الذي حدث هناك؟! إذا ذكرت الحقيقة فإنَّها ستتعدَّى قدرتكم على التصديق؛ ولذا يكفي أن أقول: إنه في معبد سليمان كان الرجالُ يخوضون في الدماء حتى ركبهم وحزام ركابهم، والواقع أنه كان حكمًا عادلاً ومحترمًا منَ الرَّبّ أن يمتلئَ هذا المكان بدماء الكفار؛ لأن هذا المكان طالما عانى من دَنَسِهم، وامتلأت المدينة بالجُثث والدِّماء.. )

3 ـ قال المؤرخ الصليبي ( الفارس المجهول ) : ( وطاردهم رجالنا يقتلونهم ويمزقونهم حتى معبد سليمان، حيثُ جَرَتْ هناك مذبحةٌ بلغ من عُنْفِهَا أن رجالنا كانوا يخوضون في دماء أعدائهم حتى أعقابهم... لدرجة أن المعبدَ كلَّه كان يفيض بدمائهم... وفي اليوم التالي توجهوا بحذر إلى سطح المعبد، وهاجموا المسلمينَ نساءً ورجالاً، وقطعوا رؤوسهم بسيوفهم، وقذف بعض المسلمين بأنفسهم من أعلى المعبد، ثم تشاور رجالنا، وأمروا بأن يتصدق الجميع، وأن يصلوا للرب؛ لكي يختارَ بنفسه من يريده أن يحكم المدينة، كما أمروا بأن تُرمى جميعُ جثث المسلمين خارج المدينة بسبب الرائحة المرعبة؛ لأن المدينة كلها تقريبًا كانت ملأى بالجثث .. الجثث كُوِّمَتْ في أكوام كبيرة بحجم البيوت ... لم ير أحد من قبل أو يسمع عن قتلٍ بمثل هذا العدد من الوثنيينَ؛ لأنهم أحرقوا في أكوام مثل الأهرامات، ولا يعرف أحد غير الرب كم كان عددهم  ..)

4 ـ وذكر المؤرخ الصليبي ميشو أن المسلمين كانوا يُذْبَحُون ذبح النعام في الشوارع والمنازل.. )

5 ـ وذكر المؤرخ وِلْيَم الصوري أن  ( بيتَ المقدس أصبح مخاضة واسعة من دماء المسلمين، أثارت خوف الغُزاة واشْمِئْزازهم، وأنه لم يكن من الممكن النظر إلى تلك الأعداد الضخمة من القتلى دون الإحساس بالرعب، ففي كل مكان ترى بقايا جثث القتلى مقطوعي الرؤوس والأيدي، وكانت الأرضُ مغطاةً بدماء القتلى )

6 ـ ونقل المؤرخ ديورانت عمن حضروا تلك المذابح وشاركوا فيها قولهم: (  إنَّ النساء كن يُقتلن طعنًا بالسيوف والحراب، والأطفال الرضع يختطفون بأرجلهم من أثداء أمهاتهم، ويُقذف بهم من فوق الأسوار، أو تُهَشَّم رؤوسهم بدقها بالعمد )

7 ـ وذكر مؤلف كتاب "أعمال الفرنجة: ( أن جثث قتلى المسلمين وُضعت في أكوامٍ حتى حاذتِ البُيُوتَ ارتفاعا ) .

8 ـ السبب فى هذا التطرف فى الوحشية إعتقادهم أنه يرضى ( الرب ). وهذا شأن الحروب الدينية .

رابعا : مقارنة ما سبق بما فعله صلاح الدين الأيوبى عندما إستعاد بيت المقدس فى 27 من رجب سنة 583هـ / 29 من أكتوبر 1187  

 1 ـ عندما تحقق الصليبيون داخل مدينة القدس أن جيش صلاح الدين أوشك على إقتحامها طلبوا الأمان والتفاوض . ( .. فاتفق رأيهم على طلب الأمان، وتسليم البيت المقدس إلى صلاح الدين، فأرسلوا جماعة من كبرائهم وأعيانهم في طلب الأمان، فلما ذكروا ذلك للسلطان امتنع من إجابتهم، وقال: لا أفعل بكم إلا كما فعلتم بأهله حين ملكتموه سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، من القتل والسبي وجزاء السيئة بمثلها. ) . 2 ـ وفى النهاية إستجاب لهم صلاح الدين . وتم الاتفاق على  ( بذل الأمان للفرنج، ) وأن يدفعوا فدية . يدفع الرجل عشرة دنانير غنيا أو فقيرا ، والمرأة خمسة دنانير والطفل دينارين . ويرحلون فى أمان .

3 ـ كان عددهم ستين ألف رجل سوى النساء والأطفال. كلهم خرجوا بأموالهم ونفائسهم . منهم ( بعض نساء الملوك من الروم قد ترهبت وأقامت به، ومعها من الحشم والعبيد والجواري خلق كثير، ولها من الأموال والجواهر النفيسة شيء عظيم، فطلب الأمان لنفسها ومن معها، فأمنها وسيرها . ) (  وخرج البطريك الكبير الذي للفرنج، ومعه من أموال البيع منها: الصخرة والأقصى، وقمامة وغيرها، ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وكان له من المال مثل ذلك، فلم يعرض له صلاح الدين، فقيل له ليأخذ ما معه يقوي به المسلمين، فقال: لا أغدر به؛ ولم يأخذ منه غير عشرة دنانير، وسير الجميع ومعهم من يحميهم إلى مدينة صور ) (  ثم قبض من الفرنج ما كانوا بذلوه عن أنفسهم من الأموال، وأطلق السلطان خلقاً منهم بنات الملوك بمن معهن من النساء والصبيان والرجال، ووقعت المسامحة في كثير منهم، وشفع في أناس كثير فعفا عنهم، وفرق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر، ولم يأخذ منه شيئاً مما يقتني ويدخر، وكان رحمه الله حليماً كريماً مقداماً شجاعاً رحيماً‏. ) .

4 ـ كثيرون ممن عفا عنهم صلاح الدين الأيوبى حاربوه فيما بعد .

5 ـ صلاح الدين الأيوبى إتخذ دينا أرضيا معتدلا هو التصوف السنى ، حارب دين التشيع ووقف ضد دين السنة الحنبلى المتشدد وضد دين التصوف المتطرف . 

اجمالي القراءات 4862