حوار حول المقال السابق
( أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ) ( (الفتح 29 )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٣ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 ) أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ( (الفتح29 )

مقدمة

دار حوار حول المقال السابق:(تدبرا فى الآية الكريمة (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ )). جاء ضمنه تعليق ل د عثمان محمد على، يطلب توضيح معنى ( اشداء على الكُفار ).  ونرد بهذا المقال.

 أولا :

1 ـ فى المقال السابق قلنا أن الذين كانوا مع النبى محمد وكانوا حوله منهم  لن يدخلوا جميعا الجنة طبقا لما إنتهت اليه الآية الكريمة : (   وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الفتح 29( . بالتالى فإن الذى لن يدخل الجنة منهم فمصيره الجحيم . وقلنا أن من سيدخل الجحيم هم الذين مردوا على النفاق طبقا لما أخبر الله جل وعلا بشأنهم : (  وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة ). ) قلنا فى المقال السابق : ( إلتزموا بالطاعة الظاهرية وبأن يكونوا أقرب الناس للنبى خصوصا فى الصلاة معه فكانوا من حيث الظاهر تراهم ركعا سُجّدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا وسيماهم فى وجوههم من أثر السجود ، ولكن كانت قلوبهم تكتم كفرا هائلا ، كتموه حتى لا يفضحهم القرآن كما حدث للمنافقين الصُّرحاء.  بمظهرهم المتقى هذا خدعوا النبى والمؤمنين وأحرزوا مكانة مكنتهم من أن يحكموا الدولة بعده ، فإرتكبوا جريمة الفتوحات والغزو باسم الاسلام . هم الخلفاء الفاسقون ومن سار فى ركابهم .وتعرضوا للعذاب الدنيوى مرتين ، ثم مصيرهم عذاب عظيم فى الاخرة . والتفاصيل فى كتابنا : ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) وفى حلقات برنامج ( لحظات قرآنية ) عن الصلاة الشيطانية للخلفاء الفاسقين.  ) .

2 ـ ونضيف هنا أن أولئك الذين مردوا على النفاق إحتاجوا للمزايدة والمبالغة فى إظهار الايمان والولاء للنبى بأن يشتهروا بصفتى : أن يكونوا أشداء على الكفار ورحماء للمؤمنين ، بذلك يكتسبون ايضا ولاء المؤمنين .

ثانيا :

الشدة على الكفار تدخل ضمن تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام :

1 ـ كان عادة للعرب ــ خارج مكة وقريش  ــ التقاتل صراعا حول المرعى والكلأ والغنائم المالية والحيوانية والبشرية ( السبى والاسترقاق ) ، وكانت هزيمة قوم تستدعى من المهزوم ان يثار ، وانتهى هذا بدخول العرب أفواجا فى الاسلام السلوكى الظاهرى بمعنى السلام ، واصبحوا أُخوة فى دين السلام مع إختلاف عقائدهم.

2 ـ لم يتوجه القتال الاسلامى نحو  المسالمين المخالفين فى الدين ، بل كان الأمر بالتعامل معهم بالبر والقسط لأنهم أخوة فى الاسلام السلوكى : (  لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٨﴾ الممتحنة ) . توجه القتال الدفاعى فى الاسلام الى مواجهة الكافرين سلوكيا الذين يهاجمون المسلمين المسالمين معتدين عليهم . وهؤلاء المعتدين قال عنهم جل وعلا فى الآية التالية من سورة الممتحنة : (  إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٩﴾). هنا تحريم موالاتهم .

3 ـ كانت المدينة بموقعها الثابت هدفا مغريا للكافرين المعتدين يأتون من شتى الاتجاهات يقطعون الصحراء ويغيرون على المدينة . تنوعت رغباتهم ، منهم من كانوا كارهين للإسلام أو راغبين فى السلب والنهب ، كان دافع إكراه المسلمين على الكفر هو الأشد ، وهو السبب فى دوام الاعتداء ، قال جل وعلا عنهم : (  وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢١٧﴾ البقرة) لذا تابعوا المدينة بالهجوم حين كان المؤمنون مأمورين بكف اليد وعد الرد على من يهاجمهم.

4 ـ ثم فرض الاستعداد العسكرى لإخافة هذا المعتدى وردعه أو ( إرهابه ) بالمصطلح القرآنى ، قال جل وعلا :  ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّـهُ يَعْلَمُهُمْ ) ﴿٦٠﴾  الانفال ) .

5 ـ كانوا قبلها مأمورين بكف اليد وتحمل الغارات المتكررة من الكافرين من قريش وغيرها . ثم نزل لهم بعد تمام الاستعداد العسكرى ــ الإذن بالقتال الدفاعى . قال تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴿٣٩﴾ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠﴾ الحج ) .

6 ـ  الاستعداد اللوجيستى الحربى لم يواكبه إستعداد نفسى للمؤمنين المسالمين الذين آثروا السلام طريقا للحياة حتى وصل بهم الأمر الى تفضيل الخنوع ، لذا إحتجوا على تشريع الإذن بالقتال ، وطلبوا تأجيله . رد عليهم رب العزة جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّـهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚوَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗقُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴿٧٧﴾ النساء  ) .

7 ـ وكانت موقعة بدر إختبارا نفسيا لهم فى أول مواجهة حربية مع قريش بكل سطوتها وهى التى تابعتهم بالهجوم . قال جل وعلا يصف هذا الفريق المرعوب : (  كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴿٥﴾ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴿٦﴾ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّـهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴿٧﴾ الانفال ) .

8 ـ ولعلاج هذا الخوف من القتال لم ينزل فقط تشريع القتال الدفاعى فى قوله جل وعلا : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿١٩٠﴾ البقرة ) بل واكبه تشريعات أخرى :

8 / 1 : تحريم الهروب من المعركة واعتبار الهارب كافرا مستحقا للخلود فى الجحيم . قال جل وعلا فى سورة الأنفال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴿١٥﴾ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿١٦﴾ الانفال )

8 / 2 : الشدة فى رد الاعتداء على المعتدى الكافر الذى يدمن نقض العهد مواصلا العدوان حتى يكون عبرة لغيره من المعتدين . قال جل وعلا عنهم (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّـهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٥٥﴾ الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ﴿٥٦﴾  الانفال ) وفى تشريع الاصطدام الحربى ( الثقف ) بهم قال جل وعلا : : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿٥٧﴾ الانفال ) . أى تؤدى الشدة معهم الى إرهاب غيرهم من المعتدين وتفريقهم حتى لا يعتدوا وحتى لا ينقضون العهد والميثاق . وبهذا تكون الشدة هنا حقنا للدماء أو ردعا للمعتدى فيكف مقدما عن إعتدائه ونقضه العهد والميثاق .

8 / 3 : كان هذا فى سورة الأنفال وهى أول سورة ذكرت الاصطدام الحربى بين النبى والمعتدين . وفى سورة التوبة تكرر الأمر للمؤمنين بالشدة والغلظة على الكافرين المعتدين الذين يعيشون بالقرب من المدينة ويتحينون فرصة الهجوم عليها، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿١٢٣﴾ التوبة )

9 : وارتبط هذا بتحريض المؤمنين على القتال لمواجهة الاعتداء المتكرر عليهم قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴿٦٥﴾ الْآنَ خَفَّفَ اللَّـهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٦٦﴾) . كان هذا فى سورة الانفال ، وإحتاج العلاج تكرار الأمر فيما بعد فى قوله جل وعلا للنبى : (  فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّـهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّـهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا ﴿٨٤﴾ النساء )

10 : وطبّق المؤمنون هذا فى النهاية فكانوا أشداء على الكفار المعتدين ورحماء بالمسالمين . قال جل وعلا عنهم : ) مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ( (الفتح29 )

ثالثا :

على أن هذه الشّدّة فى القتال لم تكن ظلما بل كانت فى إطار العدل والسلام

 1 ـ ففى سورة الأنفال لم يكن مسموحا للنبى إذا بلغه تحرك عدوانى أو خيانة قوم أن يبادر بالهجوم عليهم قبل أن يستوثق من الأمر. قال له ربه جل وعلا : ( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴿٥٨﴾ ) . أى لا بد أن يعلنهم مقدما بما وصله عنهم . ونزل تحذير للمؤمنين من التوثق من الأخبار الواصلة اليهم حتى لا يصيبوا قوما بجهالة ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴿٦﴾ الحجرات  ) . وهنا العدل .

2 ـ والعدل والسلام فى قوله جل وعلا فى تشريع الاستعداد الحربى : ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّـهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴿٦٠) الانفال ). الاستعداد الحربى ليس للعدوان وإنما لرد العدوان. الدولة المسالمة الضعيفة ضعفها يغرى غيرها بالاعتداء عليهأ . الدولة المسالمة القوية قوتها تردع المعتدين وترهبهم فلا يعتدون عليها. هنا يكون حقن الدماء وفرض السلام بميزان ( الردع ). ولأن الهدف من الاستعداد الحربى هو ترسيخ السلام فإن الآية التالية تفرض على النبى السلام مع المعتدين إذا جنحوا للسلم ، حتى لو لم يكونوا صادقين . قال جل وعلا :  ( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦١ وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّـهُ ۚ) ﴿٦٢﴾  الانفال ) . إن خدعوه فإن الله جل وعلا هو حسبه. ونعم الوكيل جل وعلا.  

3 ـ وفى القتال الدفاعى : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿١٩٠﴾ البقرة ) هنا تحريم الاعتداء وإعتبار المعتدى عدوا للرحمن جل وعلا.

رابعا :

وهذه الشّدّة فى القتال لم تكن ظلما بل كانت فى إطار والتقوى :

كل تشريعات القتال جاء مذيلة بالتذكير بالتقوى . ومنها :

 1 ـ رد العدوان بمثله . قال جل وعلا : ( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ) بعدها : (ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿١٩٤﴾ البقرة )

2 ـ الصد عن المسجد الحرام ليس مبررا للهجوم على قريش . هنا يكون الهجوم جريمة .  قال جل وعلا :  ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ) قال جل وعلا بعدها : ( ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢﴾ المائدة ). أرجو مقارنة هذه الآية الكريمة بالفتوحات الاجرامية الذين إرتكبها الخلفاء الفاسقون المجرمون بعد نزول هذه الآية بعام أو أقل.

3 ـ حين يهاجم المشركون المؤمنين المسالمين كافة فعلى المؤمنين أن يردوا عليهم بالمثل. قال جل وعلا : ( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ) بعدها قال جل وعلا : ( ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿٣٦﴾ التوبة )

4 ـ والتحذير من الاعتداء على من لا ينقض العهد . قال جل وعلا :  

4 / 1 : ( إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ  ) قال جل وعلا بعدها : ( ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴿٤﴾ التوبة )

4 / 2 : ( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّـهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) قال جل وعلا بعدها: ( ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴿٧﴾ التوبة )

5 ـ وحتى فى الأمر بالغلظة والشدة كانت فى إطار التقوى . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ) بعدها قال جل وعلا : (  وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿١٢٣﴾ التوبة )     

اجمالي القراءات 4753