حديث المُــدن!

محمد عبد المجيد في الخميس ٠٧ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

حديث المُــدن!

المدن كالوجوه تماما، تحب بعضها، وتنفر من بعضها. تلون عينيك جمالا على جمال، أو تغمض عينيك لأن المدينة لم تدخل قلبك.
المدن كالوجوه، فهناك مدينة تبتسم لك ولو كانت شوارعها متربة، ومدينة تعبس في وجهك ولو كانت كل منازلها قصوراً.
المدن تحمل الذكريات، وتكتب لك ماضيك لتستعيده في المستقبل، وتقص على أولادك وأحفادك، لكن هناك مدن تسقط من ذاكرتك فور مغادرتك إياها.

 

 

أحب في زياراتي المدن الآمنة التي أسير بمفردي في منتصف الليل دون أن أنظر خلفي، وهذا هو الجمال الحقيقي، وأحب المدن التي لا تستبدل بتراثها وتاريخها أشياء حديثة لا روح فيها.
المدن تحفر في صدرك ذكريات كامنة، فإذا استدعيتها في وقت لاحق منحتك بسخاء ما لديها، وتساعدك على تركيب الصورة، وتضع لك مكتبة وحديقة وشاطيء بحر ونهراً وطفلا جميلا وعجوزاً تمشي بصعوبة ومسناً يجلس بكسل أمام بيته!

المدن حالة حب أو كراهية، جذب أو نفور، ايجابية أو سلبية، وكل هذا يتوقف على قدرة عينيك في رؤية التفاصيل، فهناك ملايين السائحين الذين يمرون مر الكرام فلا تشاهد أعينهم إلا ما في نفوسهم.
المدن أيضا تصنع حلم المستقبل، وقد تكون من بين كل الصور التي نراها صورة واحدة لمدينة أو مكان ينتظرك على أحر من الجمر، وتشعر أنكَ مولود فيه حتى لو لم تره من قبل أو لن تراه من بعد.
يمكن للزائر أن يقع في غرام مدينة فور أن تطأ قدماه أرضها، وتحتضنه بمجرد أن يهبط من القطار أو يخرج من باب المطار.
ليست كل المدن كريمة مع زائريها، فهناك مدن تعبث في جيبك لتعرف كم ستنفق فيها، وهناك مدن ينتظرك أسافلها على قارعة الطريق من مروجي مخدرات وبائعات الهوى ولصوص ونشالين.
لكل مدينة نكهة خاصة كأن المدن تمرغت في التوابل قبل أن تقوم بزيارتها، فإذا تذوقتها فقد عشقتها أو كرهتها.
الأماكن أيضا لها روح، ويمكن أن تنطق، وتغني، وتتغزل أو تهجو.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين

أوسلو النرويج

اجمالي القراءات 3727