المكر و التدبير في فتنة الله جل وعلا
المكر و التدبير في فتنة الله جل وعلا

أسامة قفيشة في الأحد ٠٣ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

المكر و التدبير في فتنة الله جل وعلا

قلنا بأن فتنة الله جل وعلا هي مكرٌ و تدبيرٌ في الخير و من أجل الخير , فيقول سبحانه و تعالى ( وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) , فمكره جل وعلا ليس في جانب المقارنة أو المفاضلة بمكر المخلوقات , بل هو بالإحاطة و الشمولية و السيطرة المطلقة على فتنة المخلوقات قاطبةً فكان جل و علا المهيمن على مكرهم .  

و عن الخير في تدبيره و حكمته ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) فعرشه جل وعلا هو ملكوته , و الناظر في ملكوت السماوات و الأرض يوقن حسن هذا التدبير و عظمته , و يرى الخير العظيم في كيفية تدبيره و هيمنته و قدرته و تصريفه لهذا الكون العظيم بنظامه المحكم و الموزون ,

و يقول أيضاً عن هذا التدبير ( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) , و هذا عن تدبيره لهذا الكون بالخير و الحكمة , و تدبيره يأتي بأمره , فهو من يصدر تلك الأوامر , و ملائكته تعمل على تنفيذ تلك الأوامر و التدبيرات , و تلك الأوامر و التدبيرات لا تقتصر على الكون بل تشمل جميع مخلوقاته جل وعلا بما يتضمن موضوعنا و هو في كيفية تصريفه لفتنته الحتمية لنا جميعاً من خلال ( الرزق و المصائب ) ,

هيمنة الله جل وعلا على الكون و المخلوقات تتجلى في فتنته بحديها ( المصائب و الأرزاق ) و هي حتمية لا مفر منها , و هيمنته تلك تتداخل مع فتنة المخلوقات على بعضهم البعض بان جعل فتنة المخلوقات غير حتمية , و يتجلى أمر الهيمنة بأن تكون فتنته جل وعلا سباقةً على فتنة الخلق ( فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ) , و قوله ( قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ) ,

هذا يعني بأن فتنة المخلوقات لا تصل و لا تؤثر إلا إذا أذن الله جل و علا لها بأن تتحقق ( وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) ,

و هذا السبق في الهيمنة يتلخص في قوله جل وعلا ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) , و هنا نلاحظ توصيف فتنة الخلق على أنفسهم بقوله ( يعملون السيئات ) و هذا لأن جميع فتنهم هي في باب الشر ,

و عن هيمنته جل وعلا على فتنة الخلائق و سيطرته عليها بأن جعلها لا تصيب الجميع , بل تصيب من يشاء و من يريد تحت حكمته و تدبيره و تصريفه يقول ( وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ) , ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) ,

و حكمته و تصريفه و تدبيره في ذلك يأتي بناءاً على إرادة المخلوقات و اختيارهم و حريتهم المطلقة في الإيمان أو الكفر ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) , و يقول ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) ,

 

تلك الحرية المطلقة تستوجب مكراً و تدبيراً لهم يوم الحساب من الله جل وعلا رداً على مكر المخلوقات بالكفر و الشرك حيث يقول جل وعلا ( أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ) , فالجنة بما فيها ستكون للمؤمنين المتقين , و النار بما فيها ستكون للكافرين المشركين الظالمين , و تلك هي نتيجة فتنتهم و مكرهم و خداعهم ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) , ( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ,

إذا فهؤلاء سيلقون عذاب الجحيم يوم القيامة مكراً و تدبيراً من عند الله جل و علا , جزاء فتنهم التي مارسوها بكل مسالكها و أوجهها في الحياة الدنيا ( حياة الاختبار و الامتحان ) , فيقول جل وعلا ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) ,

أما في مكره جل وعلا لهؤلاء في الحياة الدنيا فيقول ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) , و عن مكره و تدبيره للمنافقين أيضاً في الحياة الدنيا فيقول ( أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) , ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) ,

و عن تدبيره و تدبيراته جل و علا للكون و للمخلوقات التي خلقها و هذا من فتنته سبحانه :

يقول ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) ,

و يقول ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) ,

و يقول ( كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) ,

و يقول ( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) ,

و يقول ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) , ( فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) , ( سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ) ,

و يقول ( فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) , ( فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ) .

اجمالي القراءات 3864