البحث عن فئران القصر!
كوابيس الشعب وأحلام الطاغية!

محمد عبد المجيد في الإثنين ٢١ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كوابيس الشعب وأحلام الطاغية!

لكل طاغية وجه بالنهار وآخر بالليل، ذئب وهو يطل من شرفة قصره، أرنب وهو يخلو بنفسه ينتظر الذبحَ طوال فترة حُكمه!
الطاغية حالة كراهية يعجز المرءُ عن وصفِها وشرحِ أسبابِها، لكنْ من المؤكدِ أنَّ الطفولةَ تلعب الدورَ الأكبرَ في الفقر النفسي؛ فيظن المستبدُ أنَّ البؤسَ بأسٌ، وأنَّ الضعفَ ضِعْفٌ، وأنه يطير، ويسبح، ويقفز، ويتنفس تحت الماء ؛ وأنَّ الملائكةَ رهنُ إشارتِه حتى لو تبين له أنها شياطين.
عندما أريد لنفسي الأمنَ والسلامَ والواقعيةَ فإنني أتخيل الموتَ السريري المؤقتَ للزعيم وقد دخلت الفئران إلى جحورها وتركته يستسلم لنوم متقطع تظهر فيه حيث لا أحد يراه الطبيعة البشرية الهشّة، فهو يرتعد، ويفكر في الذين اضطهدهم، وتطارده أشباحُ أبرياء قتلهم عبيده من أجهزة الأمن، وقد تمر صورة موسوليني على مخيلته وقد رفعته الجماهير من قدميه و.. سحلته في الشوارع!
لو شاهدتم الطاغية يرتعش، ويسهر ليله متقلبا في الفراش وقد تبلل فلا تدري أعرقٌ هذا أم بول!

 

 

لو رفعتم القداسة المصحوبة بالسوط والمدفوعة بالصوت وظهر الرجلُ أضعف من خيوط العنكبوت؛ فلن تصدّقوا الخسارة التي مُنيتم بها عندما كنتم تعملقون قِزْما إذا رفعتم رؤوسَكم.. اختفتْ رأسُه!
أنعم اللهُ عليَ بنعمة تصغير الكبار، وتحويل الذهب إلى تراب تدوس عليه الأقدام ، وأستمتع بحياة طبيعية فيها من روح الله؛ فأرى كلَّ الضعف والقصور والمرض والخلل في الزعيم حتى أتمكن من اللحاق بالملائكة في السماء.
أشفقُ على دعاة وسياسيين وإعلاميين ومثقفين وعلماء وتربويين يصنعون الصنم ويسجدون له، يفلسفون الهُراء ثم يأخذونه حكمة الصباح وكرباج المساء.
لو كان الأمر بيدي لطلبت من الجماهير بعد وصول الزعيم إلى السلطة أن يجلدوه، ويصفعوه، ويتركوه عاريــًا في الشمس أو البرد، ويعبطه الأطفال صائحين: العبيط أهه!

ثم نعترف به بعد ذلك رئيسا أو ملكا أو زعيما أو أميرًا؛ حينئذ يذوب كبرياؤه، وتنصهر غطرسته، وينحو ضعفُه إلى الإنسانية بدلا من القداسة المُصَنــَــَّـعة في الصدور الخائفة.
أشفقُ على الذي يمتدح ويتغزل في لون غائط الزعيم، وشفافية بوله، وقوته الجنسية، وآينشتانيته الفكرية، وتوجيهاته النبوية، وأرى بوضوح العبودية المقززة والطوعية لأناس كرمهم الله فرفضوا الكرامة وتمسكوا بالذُل والمسكنة والمهانة.
أقول بكل الأسف والحزن والأسىَ أنني أعرف أحبابــًـا وأصدقاء ومثقفين وشعراء وأدباء وإعلاميين ورجال دين مسيحي وإسلامي يرفضون الإنسانية ويفضّلون عليها الطينية الآسنة و.. النتنة.
من هنا يخلع الزعيمُ حذاءَه وينهال علىَ العبيد وهم يتضاحكون و.. يتغامزون.
منذ سنوات تعرفت بضابط شرطة مصري شديد الأدب والتهذيب. دعوته إلى بيتي هنا في أوسلو، وحكىَ لي حكاية ضربه وصفعه وركله لأحد المواطنين. في اليوم التالي جاءه المواطن يرجوه أن يكرر ضربه على وجهه وقفاه قائلا: اشتقتُ كثيرًا لما فعلته معي ظُهْر أمس!
يتعجب كثيرون عن سبب تمسكي لأكثر من نصف عُمري بالكتابة والتحريض والاستفزاز لعلي أنجح في اقناع الناس أن السلاسل في رقابهم ليست حريرًا، وأن المساجد والكنائس لله؛ لكن لا أستبعد تسلل شياطين في أوقات الصلاة، بل يقيم إبليس نفسُه صلاة الجمعة وقدّاس الأحد باسم السيد الذي في القصر!
هذا المشهد الذي أكتب عنه لا أعرف عنوانه؛ لكنني التقطته من شوارع العالم، ولم أرغب في وضع اسم المستبد أو بلده أو رعيته لئلا يحارب المستنيرون ظلما نشره أو التعريفَ به!
كتاباتي كلها عنه؛ فلا تسألوني عن اسمه!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 21 يناير 2019

اجمالي القراءات 4296