أمريكا العدالة والمساواة

شادي طلعت في الجمعة ٣٠ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

من المواقف ما يتعلق بذهن الإنسان، ولا يسهل عليه نسيانها، وقد كان لي العديد من المواقف في حياتي، ولطالما ذكرت المهم منها، للتاريخ أولاً، إن كانت مواقف عامة، وإن وجدت أن شهادتي واجبة، لوجود من يزورون الحقائق، وحقاً .. ليس كل ما يسمعه المرء يصدقه.

لذا سأذكر في هذا المقال مواقف تعرضت لها أثناء سفري للولايات المتحدة الأمريكية.

 

الموقف الأول :

صادف تاريخ سفري لأمريكا في إحدى المنح الخاصة بـ وزارة الخارجية الأمريكية، أن يكون موعد وصولي لمطار "جون كيندي" بـ نيويورك الساعة السادسة صباحاً الموافق 11 سبتمبر !، نعم كانت الذكرى المؤلمة لكل الأمريكيين، ووقتها لم أنتبه إلى التاريخ، إلا بعد أن طلبت مني السفارة الأمريكية الذهاب إليها قبل السفر بإسبوع، لحضور إجتماع مع بعض رفقاء المنحة.

فوجدت معي زميل أول، في نفس المنحة كان مسيحي الديانة، وزميل ثانِ سيسافر معنا، لكن سيلتحق بمنحة أخرى، كان يعمل قاضياً بأحد المحاكم المصرية.

وفي الإجتماع علمنا أننا سنصل أمريكا في يوم الذكرى المؤلمة، وأن رفع درجة التأهب الأمني ستصل إلى الدرجة القصوى يوم وصولنا !، وأن أياً من قد يتعرض للقبض عليه، في حال الشك أوالريبة منه، من أحد جهات ثلاثة وهي :

  • البوليس الأمريكي بمطار نيويورك.
  • وكالة المخابرات المركزية CIA.
  • مكتب التحقيقات الفيدالي FBI.

وعلمنا أن وزارة الخارجية الأمريكية، لا تستطيع التدخل في أي شأن يخص أي من الجهات الثلاثة !.

لم يشعر أي من المسافرين معي بالقلق مثلما شعرت أنا به، وذلك لأسباب :

  • فالزميل الأول/ في المنحة، مسيحي الديانة، وبالتالي لن يقدر أحد على إتهامه بالإرهاب الذي نسب إلى جماعات إسلامية مسلحة.
  • والزميل الثاني/ يعمل قاضياً بأحد المحاكم المصرية، والقاضي في مصر له إمتيازات عديدة، ومن المستحيل أن يتهم بالإرهاب.

 

وجاء يوم السفر، ووصلنا إلى مدينة نيويورك في تمام الساعة السادسة صباحاً يوم 11 سبتمبر بالفعل، ووجدنا شخصاً من وزارة الخارجية الأمريكية ينتظرنا بمطار نيويورك، وطلب منا الذهاب معه، ثم وجدنا أنفسنا أمام ضابط جوازات السفر، أتى خصيصاً للحاصلين على منح وزارة الخارجية.

 

وكما ذكرت كان زملائي في الرحلة واثقين من أنفسهما، إلا أنا !، فطلب مني الزميل الأول أن أتقدم بجواز سفري، فقلت له تقدم أنت أولاً، فإذا بضابط الجوازات يأخذ بأوراقه، ويضعها في ظرف، ويرسله مع شخص من جهة أمنية.

ثم طلب مني الزميل الثاني التقدم، فطلبت منه أن يتقدم هو، فإذا بضابط الجوازات يأخذ بأوراقه، ويضعها في ظرف، ويرسله مع شخص آخر من جهة أمنية أخرى.

 

حتى أصابني الدور، فوجدت ضابط الجوازات يضع الختم على جواز سفري، لأنني كنت في مهمة رسمية، ثم يرحب بي في أمريكا.

 

بعدها إكتشفت أن أحد الأجهزة الأمنية الأمريكية، إنتابها الشك في الزميل الأول، وأن جهة أمنية أخرى إرتابت من الزميل الثاني، علماً بأن احدهما، مسيحي الديانة، ولا يقبل العقل أنه يمت للإرهاب المتعلق بأحد الجماعت الإسلامية المسلحة بصلة.

وكان الزميل الثاني قاضياً، وبكل تأكيد لا يمكن أن ينتمي قاضي مصري لجماعة إسلامية مسلحة !، بينما لم ينتاب الأجهزة الأمنية أي شك أو ريبة تجاهي.

ليس لأنني أفضل ممن رافقاني الرحلة لا سمح الله، ولكن لأننا جميعاً كنا أمام أجهزة أمنية لا تفرق بين الناس على أساس دين، أو عرق، أو جنس.

وبعد التحقيق المهذب مع الزميلين، والذي تجاوز الساعتين، والتأكد من هويتهما، تم إعطاءهما أوراقهما ليستكملا منحتهما، لكن بعد أن وضع ختم أمني على جواز سفر كل منهما، وهذا الختم يلزم كليهما بأن يخبرا مكتب معين بالمطار أثناء المغادرة، وإلا سيحرمان من دخول أمريكا ثانية.

 

  • تبادر إلى ذهني في اللحظة الأولى لوصولي إلى أمريكا، أننا عندما نقول أننا عندما نسمع أنها دولة لا تفرق بين الناس على أساس الدين، أو العرق، أو الجنس، أنها حقيقة وواقع، وليست مجرد شعارات، كما هو الحال في الدول الشمولية أو الديكتاتورية.

 

الموقف الثاني :

أثناء زيارتنا لوزارة العدل الامريكية، وقفت حوالي 30 دقيقة في طابور طويل، حتى سئمت من الإنتظار، فتحدثت مع زميلي، والذي كان يقف خلفي، قائلاً له : هل لو كان الرئيس/ مبارك (رئيس مصر وقتها)، في نفس زيارتنا فهل كان سيقف مثلنا، فإذا بشخص أمريكي في طابور آخر، كان يجيد اللغة العربية يسألني من أي بلد أنت !، ثم قال لي : لو كان الرئيس/ أوباما.. هنا لوقف في نفس الطابور.

في إشارة إلى أن العدل أساس الحكم في الداخل الأمريكي، فلا فرق بين رئيس، أو مواطن بسيط.

 

الموقف الثالث :

كنا سننطلق من مدينة شيكاغو، إلى مدينة بوسطن، وفي يوم السفر، لم أكن قد نلت راحتي الكافية، لدرجة اني لم أتمكن من جمع كل أغراضي، بسبب الإرهاق وقلة النوم، وعندما وصلنا إلى مطار شيكاغو، وإقتربنا من التفتيش، طلبت مني إحدى الموظفات بوزارة الخارجية الأمريكية، وكانت مرافقة لنا أثناء المنحة، أن أنتظرها حتى تكون خلفي، لأن شعري غير مصفف، وملابسي يبدو عليها عدم الإكتراث، ومن المحتمل أن يتسبب مظهري في مشاكل أمنية قد تحدث لي أثناء التفتيش.

وبالفعل إنتظرت الموظفة وكانت خلفي، إلا أنني قد تجاوزت كل مراحل التفتيش من دون أي مشاكل تعوقني، وبينما أبحث عن الموظفة خلفي، إذ بي أجد أجهزة الأمن ترتاب منها، وتفتشها تفتيشاً دقيقاً، مع أن مظهرها لا يوحي بأي شيء، كما أن مهنتها في بلاد أخرى قد تجعلها تمر من دون تفتيش !، إلا أننا في أمريكا.

 

  • إنها ثلاثة مواقف، لكن جميعها متعلق بأمرين وهما : العدالة والمساواة، واللذان هما أحد الركائز القوية التي قامت عليهما أمريكا، فاستطاعت أن تسود غيرها.

طالما شعُر الناس بالعدل والمساواة، فإنهم سيعطون بلادهم كل ما لديهم، من وقت، وجهد، وعمل دؤوب، هذا هو وضع أمريكا.

 

شادي طلعت

اجمالي القراءات 4514