التواتر التاريخى : أجدادنا تعلموا الصلاة من ( والى الصلاة )

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٨ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

التواتر التاريخى : أجدادنا تعلموا الصلاة من ( والى الصلاة )

أولا :

1 ـ سبق أن الوالى صاحب النفوذ الأكبر كان يحمل لقب ( والى الصلاة ) وأن إقامة المسجد فى البلاد المفتوحة كان من الأولويات . وبالتالى فإن من كان يدخل فى دين العرب المحتلين  من مواطنى البلاد المفتوحة كان يذهب الى المسجد يعلن ( إسلامه ) ويتعلم الصلاة. ومنه يتعلم أولاده وأحفاده بالتواتر. هذا هو تواتر الصلاة فى الأمم التى حكمها وإحتلها العرب . ومن الطبيعى أنهم تعلموا مع الصلاة اللغة العربية والقرآن الكريم . وسبق قول المقريزى أنه  لما افتتح عمر البلدان كتب ابى موسى وهو على البصرة ان يتخذ مسجدا للجماعة ويتخذ للقبائل مساجد فإذا كان يوم الجمعة انضموا الى مسجد الجماعة. وكتب عمر الى سعد بن ابى وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك ، وكتب الى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك ، وكتب إلى أمراء الاجناد بالشام( ان يتخذوا فى كل مدينة مسجدا )، ويذكر المقريزى أن عمرو أنشأ بمصر جامع الفسطاط أوالجامع العتيق سنة 12 هجرية  أى بعد فتح مصر بعام واحد ، أى قبل ان يولد البخارى وغيره بأكثر من مائتى عام .

2 ـ وحسبما يذكر مؤرخو الحياة الدستورية والأحكام السلطانية مثل الماوردى وابن خلدون فإن إقامة الصلاة كانت من أهم شعائر الخليفة يقول ابن خلدون عن المقصورة التى اتخذها الخليفة للصلاة وعن الدعاء فى خطبة الجمعة للخليفة " هما من الأمور الخلافيه - اى المرتبطة برسوم الخلافة - ومن شارات الملك الإسلامى ولم يعرف فى غير دول الاسلام " وكان الخليفة يتولى الإمامة فى الصلاة بنفسه ؛ ويذكر أن عمرو بن العاص أول من اتخذ منبرا فى مسجد الفسطاط وأن الخليفة عمر وبخة على ذلك وامره بكسر المنبر ... ويقرر ابن خلدون أن الامور الدينية الشرعية من الصلاة والفتيا والقضاء والجهاد والحسبة كلها مندرجة تحت الإمامة الكبرى أى الخلافة ؛ وأن أمامة الصلاة هى أرفع هذه الأمور بل أرفع من السلطة السياسية للخليفة ، ويستدل على ذلك بأن الصحابه عرفوا قدر أبو بكر حين استخلفه الرسول للصلاة حين مرض النبى مرض الموت ففهموا استحقاقه للخلافة بعد النبى وقالوا ارتضاة رسول الله لديننا افلا نرتضيه لدنيانا"  (الخطط المقريزية 3؛107؛104 ط دار الشعب ). ولأن الصلاة هى الوظيفة الأسمى للخليفة فإن الخليفة هو الذى يعين بنفسه الائمة الذين يؤمون الناس فى المساجد العظيمة فى الأمصار " وذلك ما نقله ابن خلدون عن الماوردى صاحب كتاب " الاحكام السلطانية " الذى يذكر فيه أن السلطان له وحده حق تعيين إمام الصلاة فى المساجد العظيمة وإذا قلد السلطان إماما كان أحق بامامة من غيره ؛وذكراختلاف الفقهاء فى الأحق بالإمامة فى المساجد فيرى بعضهم أنه الامير الوالى وقال اخرون انه القاضى .

3 ـ وفى بداية الفتوحات كان الوالى على أحد الأمصار يقوم بإمامة الناس فى الصلاة ويفصل فى النزاع ويقود الجيش ويجمع الجزية ؛ أى كانت إمارة عامة . ثم بعد استقرار الأحوال  قيد الخليفة عمر سلطة الوالى ، فعمرو بن العاص كان اميرا للصلاة والجيش والقضاء والجزية فما لبث عمر بن الخطاب أن عين عبد الله بن أبى السرح للخراج ثم عين قاضيا لمصر ، ولم يعد لعمرو الوالى الاصلى إلا الصلاة وقيادة الجيش .

وقتها لم يكن كتاب مدون إلا القرآن ولم يكن يتلى إلا القرآن الكريم ؛ ومعروف تدوين الأحاديث بدأ فى العصر العباسى مع موطأ مالك ، بالتالى فمن الخبل أن يقال أن الناس تعلموا الصلاة من كتب الأحاديث . والمهم ان تأدية الصلاة توارثناها فى مصر عبر اسلافنا المصريين الذين أسلموا وتعلموا دين العرب واللغة العربية على أيدى الفاتحين العرب سنة 20 هجرية وقبل أن يولد البخارى وغيره ، أكثر من ذلك لا يوجد حديث واحد فى البخارى وغيره يفصل كل شىء عن كيفيةالصلاة ومواقيتها وكل ما يتعلق بها من بدايتها الى نهايتها من الصبح  الى العشاء . بل أكاد اقطع بالقول بأن أحدا من المصلين لم يفتح كتاب البخارى ليتعلم منه الصلاة ؛ ولو فعل لخرج قراءته بالشك فى الصلاة ؛ وذلك هوالدور الحقيقى االذى تقوم به كتب الاحاديث المشهورة.

ثانيا : تواتر الصلاة بدأ بدخول غير العرب دين العرب

وهذا يحتاج الى بحث مستقل عن دخول ابناء الأمم المفتوحة الى دين العرب

.   ونكتفى هنا بلمحة عن دخول المصريين الى دين العرب .  ونضع بعض الملاحظات :

1 ـ الكتابات التاريخية الأولى تصف المصريين بالقبط أو الأقباط . ظل هذا سائدا حتى العصر العباسى الثانى. وربما الى عهد احمد بن طولون كما يبدو من سيرة أحمد بن طولون للمؤرخ البلوى الذى عاصر ابن طولون. هذا مع ان أولئك المؤرخين كانوا يطلقون على الأعراب الذين وفدوا وعاشوا فى مصر ( المصريين ) ، ويبدو هذا خصوصا فى التأريخ للثورة على الخليفة عثمان ، جاء وصف الثوار القادمين من مصر بالمصريين ـ بينما كان أصحاب البلد مصر ( أقباطا ). ومن هذا الخلط أصبح إسم مصر فى الغرب ( إيجيبت) من (جبت ) أو قبط .

2 ـ المرحلة الأولى من دخول المصريين ( الأقباط ) دين العرب وتركهم المسيحية الإرثوذكسية بدأت مع الاضطهاد الأموى والعباسي . وقد عرضنا لهذا من قبل .

3 ـ  وقد كان انتشار دين العرب محدودا خلال الدولة الأموية. إلا أن الضغط القاسي الذي  مارسه الأمويون على الأقباط جعل الكثيرين يحاولون النجاة منه بدخولهم دين الأمويين هربا من الجزية وأملا في وضع أفضل وقد فطن الأمويون إلى هدفهم هذا فألزموهم بدفع الجزية  . وقد أنكر عمر بن عبد العزيز على والى مصر ذلك الصنيع وكتب إليه (أن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا) وتم رفع الجزية مؤقتا إلا أن الأمور عادت إلى ما كانت عليه وفرضت عليهم الجزية بعد عهد ( عمر بن عبد العزيز) القصير الذي لم يتجاوز ثلاث سنوات.

4 ـ ارتبطت حوادث الاضطهاد في العصر الأموي باعتناق الكثيرين من الأقباط لدين المحتلين العرب ، خصوصا من الفقراء الذين طمعوا في وضع أفضل . بينما تمسكت أغلبية الأقباط بدينهم المتوارث ، وكان الأساقفة والرهبان يفرون عند الاضطهاد إلى الأديرة في الصحاري تمسكا منهم بعقيدتهم. وحرص كبار المسيحية على الثبات إلى درجة شراء الأسرى الرومان حتى لا يرغموا على دخول دين الغزاة المحتلين . ومع ذلك فإن اضطهاد الأمويين للأقباط جعل بعضهم يدخلون في دين الأمويين . وأخمد الأمويون والعباسيون ثورات الأقباط بكل قسوة ، وأدرك الأقباط عجزهم عن المقاومة المسلحة فاضطر لدخول دين المحتل ، وطوي القلب على حقد دفين عبر المقريزي عنه بقوله( فرجعوا من المحاربة للمكايدة واستعمال المكر والحيلة ومكايدة المسلمين) .

وفى العصر المملوكى وصل بعضهم باعتناق دين الحاكم الى أرفع المناصب فاستخدموا نفوذهم في الانتقام من ( المسلمين ) . يقول عنهم المقريزي (فصار الذليل منهم بإظهار الإسلام عزيزا يبدي من اذلال المسلمين التسلط عليهم بالظلم ما كان يمنعه نصرانيته من إظهاره , وما هو إلا ما كتب به بعضهم إلى الأمير بيدرا النائب :     

اسلم الكافرون بالسيف قهرا                 وإذا ما خلوا فهم مجرمونا  

سلموا من رواح مال وروح               فهم ساللون لا مسلمونا

5 ـ كما أن الدولة العميقة فى مصر إضطرت الى أن تتعلم العربية عندما فرض الوليد بن عبد الملك تعريب الدواوين فى كل الولايات ومنها مصر والتى كان الأقباط يكتبون حساباتهم وتقاريهم بالقبطية . الدولة العميقة فى مصر هى التى كانت تمسك بالإدارة الداخلية ، وأهمها حسابات الضرائب وتوزيعات الأراضى وعدد المواليد . ولقد تعاقب على مصر إحتلالات شتى بعد زوال حكمها الفرعونى ، وأولئك المحتلون الأجانب تركوا موظفى الدولة العميقة يديرون مصر وركزوا على إستنزافها من خلالهم . أحتل مصر الفرس والبطالمة والروم. جاء العرب ، وهم لا سابقة لهم بإدارة الدول الزراعية فكان منتظرا أن يستبقوا الموظفين المصريين يمارسون عملهم. فلما أمر الوليد بن عبد الملك بتعريب الدواوين حاولوا التملص فلم يستطيعوا فتعلموا العربية حفاظا على وظائفهم ونفوذهم . بهذا بدأ إنحسار اللسان المصرى ( اللغة المصرية القبطية ) ، وقد ظلت مستعملة حتى عصر احمد بن طولون كما يظهر فى سيرته المشار اليها. ثم واصلت إنحسارها حتى إذا جاء عصر المقريزى وصل تراجعها الى الصعيد والأديرة المسيحية والنوبة والقرى المنقطعة . وبطغيان ( اللغة العربية ) إضطر الأساقفة المصريون الأقباط الى تعلمها وترجمة نصوصهم الدينية اليها .   

6 ـ اعتنق أغلب المصريين ما كان معروفا بالاسلام فى الدولة الفاطمية على الطريقة الشيعية . ولهذا أسباب :

6 / 1 : الدولة الفاطمية حولت الحياة الدينية الى طقوس وإحتفالات ( دينية إجتماعية ) ، وكان هذا يشمل الصلاة ، خصوصا صلاة الجمعة . وإشتهر تسامح الفاطميين مع الأقباط الى درجة إحتفالاتهم بالأعياد المسيحية والقبطية ( ذات الأصل الفرعونى ) جنبا الى جنب مع الأعياد الشيعية والأعياد المتوارثة كالعيدين.

6 / 2 : تشابه الحياة الدينية للاقباط مع الدين الشيعى فى العقيدة و الطقوس ، ومن التشابه بين العقائد منذ العصر الفاطمي كان من السهل أن يغير الناس عقائدهم فالتغيير منصب على الإشكال والأسماء أما المضمون فهو واحد في كل حاله ، فالاسماعيلية عقيدة الدولة الفاطمية تأخذ من كل النحل والأهواء في سبيل أن تنتشر دعوتها وأن يتمتع أئمتها بتقديس الناس..

6 / 3 :  وهناك عامل سياسى ، إذ تقرب الفاطميون الى الأقباط المصريين لأن الفاطميين الشيعة كانوا أقلية فى مواجهة أكثرية من السنيين فى مصر ، وبسبب طول بقائهم فى مصر أصبحت لهم فيها جذور ونفوذ وتداخل فى الدول العميقة فى مصر ، أى كانوا خطرا على الفاطميين ، لذا كان تشجيع الأقباط للدخول فى ( التشيع ) على أنه الاسلام . وبهذا التحق الأقباط المتحولون بالمساجد وانغمسوا فى الاحتفالات الدينية المتنوعة ، بل لا تزال العادات الدينية للمصريين المسلمين متأثرة بالطقوس الفاطمية  فى شهر رمضان والعيدين والأصناف الخاصة بالأطعمة . ولم يخل العصر الفاطمى من إضطهاد للأقباط ، وأشهره ما حدث فى خلافة الحاكم بأمر الله ، ولكن عانى الجميع من حمق هذا الخليفة حتى أقرب الناس اليه.

7 ـ وأسس صلاح الدين الأيوبى دولته الأيوبية على أنقاض الدولة الفاطمية ودينها الشيعى وبادر بحرب التشيع بتشجيع التصوف السنى فأنشأ خانقاة سعيد السعداء ، وكانت لها رسومها فى تأدية صلاة الجمعة فأثارت إعجاب المصريين ، وبدا التحول الى التصوف السنى الذى ما لبث أن تسيد فى العصر المملوكى. ومع إضطهاد الأقباط فى العصر المملوكى فقد كان جملة إعتراضية فى تاريخ إستمر قرونا ، وتغلب عليه أساطين الأقباط بإعتناق الدين المملوكى ، وهذا الدين المملوكى ( التصوف السنى ) فى أغلبه تسامح ، وفى أغلبه تشابه مع دين الأقباط ، من حيث تقديس البشر والحجر والايمان بكرامات الأولياء ومعجزات القديسين . بل كانت بعض حالات الإضطهاد مبعثها التنافس بين بعض الأولياء وبعض القساوسة. وفى العصر المملوكى صار الأغلبية الساحقة من المصريين على الدين المملوكى السائد ( التصوف السنى ) وتركوا دينهم القبطى وصاروا يقيمون الصلاة ( الشيطانية ) التى كانت وسيلة للفساد الأخلاقى وقتها. والتفاصيل فى موسوعة التصوف فى مصر المملوكية.

أخيرا :

1 ـ ومن خلال هذه العصور إستمر التواتر فى الصلاة الشيطانية وفى الصيام السطحى وفى الحج للبيت الحرام والقبر الرجسى المنسوب للنبى محمد وقبور الأولياء وآل البيت .. إستمر التواتر فى العبادات مختلطا بتزوير وفساد وتقديس للبشر والحجر .

2 ـ والقرآن الكريم هو الحكم على هذا الزيف. 

اجمالي القراءات 5750