الصلاة الشيطانية للسلطان قايتباى أكثر السلاطين المماليك ورعا

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٨ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الصلاة الشيطانية للسلطان قايتباى أكثر السلاطين المماليك ورعا :

لمحة عن السلطان قايتباى 

 1 ـ السلطان قايتباىحكم من 872 : 901 ، قال عنه المؤرخ ابن الصيرفى أنه ( سلطان عظيم شجاع فارس معدود من الفرسان، دينِّ عفيف الفرج لا يلوط ولا يزني ولا يسكر وله ورد في الليل من صلاة وقيام .).  (وفي الواقع فسلطان مصر الملك الأشرف أبو النصر قايتباى- نصره الله- سلطان عظيم شجاع فارس معدود من الفرسان، دينِّ عفيف الفرج لا يلوط ولا يزني ولا يسكر وله ورد في الليل من صلاة وقيام".).أى تميز السلطان قايتباى عن غيره من السلاطين والأمراء المماليك بأنه لا يقع فى الزنا ولا فى الشذوذ الجنسى الذى كان سائدا وقتها فى ظل حماية الشريعة السنية و سكوتها عنه . بل إنه يقوم الليل يصلّى ويقرأ الأوراد الصوفية على المعتاد وقتها .

2 ـ   وهو صاحب أكبر عدد من المنشئات الدينية من جوامع ومدارس وقباب ومساجد وسُبُل ( جمع سبيل لرعاية الأيتام وتعليمهم ) ، ومنها : جامع تمراز، جامع أزبك بن تتش، ، مدرسة ومقبرة قايتباى، مدرسة قايتباى في المدينة،  سبيل قايتباى،  قبة قايتباى، قصر  ومدرسة الروضة، جامع جانم، مدرسة أبوبكر بن مزهر، جامع قجماس، مدرسة أزبك اليوسفى ، ومسجد قايتباى بمدينة الفيوم  ومدرسه بقلعة  الكبش . ) . والطريف أن مسجد قايتباى مطبوع على الجنيه المصرى ، كما أن صورته محفوظة فى أوربا . 

3 ـ وقد قام المؤرخ ابن الصيرفى بتسجيل تاريخ السلطان قايتباى باليوم والشهر والعام فى تاريخه ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) . قمنا بتحليله فى بحث لنا منشور هنا عن المجتمع الصمرى تحت تطبيق الشريعة فى عصر قايتباى . ومنه نعطى معلومات عن الصلاة الشيطانية للسلطان قايتباى التى كانت ويلة للظلم.

لمحة عن المؤرخ ابن الصيرفى (على بن داود بن إبراهيم الخطيب الجوهرى الصيرفى (819-900)

1 ـ  هذا المؤرخ كتب تاريخه شاهدا على عصر قايتباى. عمل قاضيا يرى السلطان فى مطلع كل شهر، وكان وثيق الصلة بابن مزهر الأنصارى كاتب السّر للسلطان ، أى كاتم أسرار السلطان وسكرتيره الخاص والذى يقوم عنه بكتابة المراسلات للخارج والداخل. أى إن عمله كقاضى يجعله متفاعلا مع الشارع والناس ، مع صلته بالبلاط المملوكى . فهو مؤرخ ينقل أخبار عصره من مصادرها الأصلية ، خصوصا مجتمع الفقهاء والقضاة والمماليك بل والطبقات الشعبية التى  كان يحتكّ بها بطبيعة عمله .وقد غطّي كتاب (الهصر) عصر السلطان قايتباى، خصوصا السنوات الخيرة منه ، حيث كان يؤرخ لهذه السنوات باليوم والشهر،ويورد كل التفصيلات من موقع المشاهدة والمعاينة والمعاصرة والتفاعل مع الأحداث والمشاركة فيها، فقد كان ابن الصيرفي مصرياً صميماً اختلط الناس وعايشهم ومارس التجارة وعاش في الأسواق ثم اندرج في سلك الفقهاء والقضاة وخالط أرباب الحكم والجاه ومن موقعه بين الحكام والمحكومين سجل ما رآه وما عايشه فجاء تاريخه وثيقة حية لفترة غامضة من تاريخ المجتمع المصري في العصر الوسيط.

2 ـ ونستقى معلوماتنا عن الصلاة مما ذكره ابن الصيرفى فى تاريخه . وليست الصلاة عنوانا رئيسا فيما كتبه ابن الصيرفى فى التأريخ لقايتباى وعصره. جاءت إشارات عرضية عنها فى سياق عناوين أخرى تحوى تفصيلات كثيرة ، لذا نضطر الى ذكر تلك التفصيلات فى ذكر الصلاة والمساجد . ولأن السياقات تلك تحفل بالظلم فمن العدل أن نقول إنها صلاة شيطانية .

3 ـ ونضع تلك المقتطفات تحت عناوين كالآتى :

أولا : صلاة السلطان قايتباى اليومية

1 ـ يقول ابن الصيرفى ( وفي يوم الخميس 19 صفر 875 تشاجر الشيخ القاضى أبو بكر الأبشيهي مع القاضى شهاب الدين الصوفي بسبب وظيفة الخطابة في مدرسة المغلبية طاز. وانتهى الصراع بينهما بالوقوف أمام السلطان، وتدخلت أطراف في ذلك النزاع، يقول ابن الصيرفي: ( والمؤلّب على الأبشيهي- كما بلّغني الشيخ الإمام البرهان الكركي إمام المقام الشريف نصره الله .! ) أى كان الشيخ برهان الدين الكركي إمام مسجد القلعة والذى يصلى إماماً بالسلطان منضماً للشيخ شهاب الدين الصوفي ضد الشيخ أبى بكر الأبشيهي، وربما كان الشيخ برهان الدين الكركي هو الذى أوصل القضية إلى السلطان قايتباى. ولأن مؤرخنا ابن الصيرفي من محبي الشيخ برهان الدين الكركي كما يبدو من سطور تاريخه (- كما بلّغني الشيخ الإمام البرهان الكركي إمام المقام الشريف نصره الله .! ). ونفهم أنه كان للسلطان قايتياى شيخ يؤمه فى الصلاة اليومية ، والأغلب أن لا يحضر  هذه الصلوات اليومية خاصة بالسلطان لا يحضرها آخرون ، أى يؤديها السلطان خلف إمامه الخاص .

ثانيا  ـ صلاة السلطان الجمعة :

1 ـ ويفترق الوضع مع صلاة الجمعة التى كانت ضمن الطقوس الدينية السياسية ، توارثها العصر المملوكى عن العصور السابقة خصوصا العصر الفاطمى . 

2 ـ كان هناك نوعان من القضاء : القضاء الخاص بالأحوال الشخصية ، ويتولاه قُضاة الشرع ( السُنّى ) ، ثم هناك القضاء السياسي الذى لا علاقة له بالأحوال الشخصية، ويختص القضاء بالجنايات مثل الاعتداء أوالظلم والضرب والقتل وشئون الدواوين، ويتولى السلطان والأمراء مباشرة القضاء السياسي يعاونهم بعض القضاة، وكانوا يجلسون بالإسطبل السلطانى بالقلعة في أيام السبت والثلاثاء أول النهار ويوم الجمعة بعد الصلاة، وسار قايتباى على هذا الترتيب ، وكان يذهب إليه في موكب يعرف بموكب الإسطبل. وفى عصر قايتباى ( المتدين الورع ) تميّز وقت ما بعد صلاة الجمعة بجلوس السلطان للقضاء السياسى.

3 ـ ولم يكن قايتباى يتخلف عن صلاة الجمعة إلا عند المرض . يقول ابن الصيرفى : ( ولم يحضر السلطان صلاة الجمعة 16 محرم . وصعد الأمراء اليه فى القلعة ، ودخلوا بين يديه فسلموا عليه وسقاهم المشروب وعادوا لمنازلهم. ولم يطع أهل المدينة الأوامر فقاموا بهدم الزينة التى كانوا قد أعدّوها للإحتفال باستقبال السلطان . ) وبعد شفاء السلطان عقدوا له إحتفالا بعد صلاة الجمعة والتى حضرها السلطان ، وكان هذا يوم الجمعة 28  صفر يقول مؤرخنا : ( .. وركب السلطان من القلعة إلى الجامع وصلى الجمعة . ) .. ( وفرشت له الشقق المخمل من باب الحريم إلى باب الجامع .).

ثالثا :  خطبة الجمعة وخطبة العيد

من المعتقدات السائدة في العصر المملوكي الخوف على السلطان إذا كان العيد يوم جمعة وخطب فيها خطبتان، خطبة صلاة العيد وخطبة صلاة الجمعة، ومنشأ ذلك إلى ما تعود الخطباء من الدعوة للسلطان القائم، ومجيء خطبتين في يوم واحد يشير إلى احتمال قيام سلطانين، أى قيام فتنة وذهاب السلطان القائم والاتيان بسلطان آخر. وفي عصر عرف الصراعات السياسية المسلح كالعصر المملوكي التى كانت تعنى حروبا وفتنا وفوضى وسلبا ونهبا للبيوت والمتاجر كان لا بد أن يفتقد  الناس فيه الأمن، وكان أرباب السلطان هم أكثر الناس خوفا وقلقا وافتقاداً للأمن. من هنا كانت حساسية منصب السلطنة وما يتصل بها على المستوى الرسمى والشعبى ، مما سبّب رواج الاعتقاد فى خوف السلطان وآله من حدوث خطبتين فى يوم واحد . لذا كان القضاة يجتهدون في إخفاء رؤية الهلال إذا ترتب عليها مجيء عيد الفطر أو عيد الأضحى يوم الجمعة. ونعطى مثلين مما ذكره ابن الصيرفى :

1 ـ ـ في ليلة الثلاثين من شهر رمضان 875 توجه القضاة إلى مدرسة المنصور قلاوون لرؤية هلال شهر شوال وتحديد أول أيام عيد الفطر، واتفقوا على أنهم لم يروا الهلال حتى لا تكون خطبتان يوم الجمعة، يقول مؤرخنا في ذلك: ( ولم يُر الهلال ، وهو المقصود الأعظم ، لئلا تكون خطبتان في يوم فيكون ذلك بزعمهم على السلطان غير مشكور. فلا قوة إلا بالله.!!). وعلى ذلك جعلوا هلال شوال يوم السبت وجعلوا عيد الفطر يوم السبت، وتلاعبوا بالصيام وشوال تقرباً للسلطان.

2 ـ وفي عيد الأضحى 885 تكرر نفس العمل، وثبت بعدها أن أول ذى الحجة كان ينبغى أن يكون يوم الأربعاء، ولكنهم لم يفعلوا ذلك حتى لا يكون عيد الأضحى يوم الجمعة، يقول صاحبنا : ( وثبت شهر تاريخه بعد ستة أيام أن أوله الأربعاء، وعلى هذا يكون عيد النحر يوم الجمعة ويخطب   فيه بخطبتين.). وذلك ما لم يحدث بالطبع.

رابعا : التوقيت بالصلاة

تبعا للسابق كان التوقيت للأحداث بأوقات الصلوات . 

1 ـ يقول مؤرخنا : ( وفي يوم الجمعة 7 محرم 875 بعد صلاة الجمعة وصل المبشر من الحجاز المسمى قانصوه الجمالى وهو عريان وليس معه أحد سوى هجّان واحد وذكر أن الأعراب فى صحراء الجزيرة العربية سلبوه وعرّوه، ). ويذكر مؤرخنا أنهم ( رجعوا به إلى خيبر وأرادوا قتله، فنهضت امرأة منهم وأظهرت أبزازها ) فأنقذته منهم ( وحضر بهذه الحالة.). الشاهد هنا تسجيل وصولهم فى يوم كذا بعد صلاة الجمعة .

2 ـ ـ ويذكر ابن الصيرفي بعض التفصيلات عن خروج محمل الحجاج يوم الخميس 20 شوال 875  الى بركة الحاج حيث كانت محطة التجمع للحجاج ، وحدث بعض التأخير ، سجله ابن الصيرفى ، ويقول ضمن التفصيلات : (  .. وأقام الأول (أى الركب الأول) بالبركة إلى يوم الجمعة حادى عشر بعد الصلاة، فرحل إلى البويب، ورحل بعده المحمل صبيحة يوم السبت ثانى عشر، وحصل على الحجاج تشويش كبير برحيله، فإن العادة إذا رحل الأول بعد صلاة الصبح يرحل المحمل غد تاريخه بعد الظهر، فرحل هذا من الصبح الأكبر. فلا قوة إلا بالله.). يهمنا قوله : (وأقام الأول (أى الركب الأول) بالبركة إلى يوم الجمعة حادى عشر بعد الصلاة، ). هذا عن صلاة الجمعة فى طريقهم . وقوله : (فإن العادة إذا رحل الأول بعد صلاة الصبح يرحل المحمل غد تاريخه بعد الظهر، فرحل هذا من الصبح الأكبر. ) هنا إشارة الى صلاة الصبح . والمعنى أنهم فى سفرهم الى الحج كان التوقيت بالصلوات .

 3 ـ  يقول ابن الصيرفى عن إبن المقسى ، وهو أحد الشيوخ اللصوص : ( غير أنهم أيضاً ذكرواً أنه سيئ المعاملة جداَ، ومعلوم أن المعاملة هى الدين، وأنه إذا ابتاع شيئاً لايقول في نفسه إلا أنه ملكه،ولا يدفع ثمنه إلا لمن له جاه أو صولة أو شوكة أما الضعفاء والفقراء.. فنهاية ما عنده لهم كتابة الوصولات ، ويكتب بخطه بالصرف على كل وصل، أى وصل نحو العشر مرات ولا يصرف لهم شيئاً وغالبهم يضيع وصوله وغالبهم يتعب وغالبهم يترك والنادر من يتجوه- أى يبحث عن جاه- بأحد حتى يصل إلى بعض شيئ.). إذن نحن هنا أمام نصاب محترف يتقوى بنفوذه على أكل مال الضعفاء ويعطيهم "وصولات" غير قابلة لدفع، أو بتعبير عصرنا "شيك بلا رصيد". ومن خلال هذه المظالم أصبح ابن المقسي من كبار الأثرياء، ويقول عنه القاضى ابن الصيرفي: (   وسمعت أن جامع المقسي الذى هو متحدث عليه قطع غالب معاليم قومته، ( أى مرتبات موظفيه) ، وأبطل ملء فسقيته وغير ذلك ، فدعوا عليه عشاء وضحى وعصراً ومغرباً .والدعاء من المظلوم في الأسحار لا يخطئ.). أى إن ابن المقسي كما كان نهما في أكل أموال الضعفاء وقطع أرزاق الموظفين في المسجد الذى يقوم برعايته كان على العكس من ذلك كريماَ في تعامله مع ندمائه وجلسائه .  يهمنا ما جاء بين السطور عن الصلاة فى قوله : (فدعوا عليه عشاء وضحى وعصراً ومغرباً  )، أى كان المقيمون فى ذلك الجامع كانوا يدعون عليه فى صلوات العشاء والضحى والعصر والمغرب.

4 ـ ولا ننسى أن المقيمين فى بيوت العبادة كانوا موظفين وظيفتهم الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والدعاء للسلطان وصاحب الوقف على ذلك المسجد أو الرباط أو الجامع أو القُبّة أو الخانقاه.

خامسا : اللباس الرسمى للسلطان للشتاء والصيف مرتبط بيوم الجمعة وصلاة الجمعة

1 ـ ويقول  مؤرخنا عن يوم الاثنين 26 شوال 873 : ( لبس السلطان الملك الأشرف نصره الله القماش الأبيض المعد لبسه للصيف على العادة في كل سنة، من غير موكب، وهذا بخلاف عادات الملوك، فإن العادة لا يلبس السلطان ذلك إلا في يوم الجمعة عند دخوله إلى الصلاة بموكب  عظيم،   . ) .

2 ـ وفي يوم الجمعة 12 جمادى الأولى 874 يقول : ( لبس السلطان القماش والصوف الملون المعد لبسه للشتاء في كل سنة عند دخوله لصلاة الجمعة . وتأخر عن العادة أكثر من عشرة أيام،) .

3 ـ وفي يوم الجمعة 29 جمادى الأولى 875 يقول:  ( لبس السلطان الصوف الملون ، وألبسه الأمراء الألوف بعد صلاة الجمعة . وتأخر لبسه عن العادة القديمة بعشرين يوماً، أعنى عن عادة الملوك المتقدمين مثل الأشرف برسباى وقبله، وعن السنة الماضية بعشرة أيام.).

4 ـ  وفي يوم الجمعة 15 ذى القعدة 876  ( لبس السلطان نصره الله القماش البعلبكي المعد لبسه للصيف قبل عادته بثمانية أيام، وقيل بثمانية عشر يوماً. ) .

 5 ـ وفي يوم الجمعة 27 صفر 886 الموافق 8 بشنس : ( لبس السلطان نصره الله القماش الأبيض المعد لبسه للصيف قبل صلاة الجمعة وسبق العادة بخمسة أيام، وما قارب الشيء يعطي حكمه.).

 سادسا : الصلاة فى السجون المملوكية

حتى السجون كانت فيها صلاة فى أوقاتها اليومية .  يقول المقريزى عن السجون التى كانت في عصره  ( إن ما يحدث فيها لا يجوز عند أحد من المسلمين، وذلك بسبب ما يتكدس فيها من الكثيرين في موضع ضيق، فلا يتمكنون من الوضوء والصلاة ، وقد يروى بعضهم عورة بعض ، ويؤذيهم الحر في الصيف والبرد في الشتاء، وربما يحبس أحدهم السنة وأكثر ولا جريمة له ويكون أصل حبسه على ضمان )، أى يكون مسجوناً لأنه ضامن للغير فى ديون ، أى مسجون بلا جريمة ومع ذلك يظل في السجن وقد لا يحس به أحد إلى أن يموت.

سابعا : العقوبة بسبب إهمال الصلاة فى المساجد

1 ـ أوائل ذى القعدة علم السلطان  قايتباى أن الشيخ صلاح الدين المكينى قاضى القضاة الشافعية جعل أحد الشهود قاضياً، واسمه أبو الخير الفيومي الذى كان متزوجاً بإحدى الجواري المعتوقات، وكان متورطاً في قضية سلب وفي لإحدى الأوقاف ضمن مجموعة من الشيوخ ، وقد استدعاهم السلطان وعرف أنهم يأكلون إيراد الوقف ولا يعطون المستحقين شيئاً ، بل ولا حتى يقيمون في شعائر الصلاة. وحقّق معهم السلطان بنفسه ، ولم يستطيعوا الدفاع عنه أنفسهم أمام السلطان . فأمر السلطان القضاة الأربعة بأن يعين كل منهم نائباً عنه للجلوس بالجامع الذى فيه الوقف وفحص مستنداته وموارده ومصروفاته ويعلمون السلطان بذلك.

2 ـ وفي أول شهر ربيع الآخر يروى إبن الصيرفى أن ( صعد القضاة لتهنئة السلطان بالشهر على العادة وصحبهم شخص اشتكي للسلطان القاضى الشافعي بسبب خان السبيل الذى تحت نظره ، وأخبر بأن بالخان مسجداً ، وأن الجمّالين جعلوه مخزناً لمتاع الجمال وخياطة الزرابيل، وأنه حاول منعهم فتغلب عليه أعوان القاضى الشافعي ). أى إن أعوان القاضى الشافعى جعلوا المسجد مزبلة للجمال والجمّالين مع أنهم القائمون على رعاية المسجد والانفاق عليه من الأوقاف الخاصة به. أى أكلوا أوقاف المسجد وجعلوا المسجد مزبلة بأجر. وعن طريق شيوخ آخرين منافسين لقاضى القضاة الشافعى تمكن هذا الرجل من الوصول للسلطان والشكوى اليه . أى أن التنافس بين الشيوخ ودسائسهم فى بعضهم كانت من عوامل فضحهم أمام السلطان.  

ثامنا : العقوبة على ترك الصلاة

القاضى علم الدين إبن الهصيم، يقول عنه مؤرخنا ابن الصيرفي "كان عرباً عن الإسلام كثير الميل إلى دين النصرانية مدمناً على السكر لا يكاد يوجد صاحياً لحظة، ولما تولى البباوى الوزر- أى الوزارة ـــ طلبه وضربه ثلاث علقات في مجلس واحد بسبب أنه لم يشهد صلاة الجمعة ). وقد مات يوم الأحد 7 ربيع الثانى 874 ودفن يوم 10 من نفس الشهر، وصلوا عليه بباب النصر، ويقول عنه ابن الصيرفي : ( ودفن بمقابر المسلمين ، والله أعلم بما هو عليه. !). هنا عقوبة للقاضى لأنه لم يشهد صلاة الجمعة.

أخيرا :

هذا السلطان الورع الذى يقوم الليل يقرأ الأوراد ويحرص على تأدية الصلوات الخمس بإمام خاص يؤمه فيها ، والذى أقام مساجد وبيوتا للعبادة .. هل كان عادلا يقيم القسط بين الناس أم كان ظالما ؟ هل كان بصلاته يؤمن بالله جل وعلا وحده أم كان بصلاته عبادته يؤمن بالمال إلاها أعظم ؟ 

اجمالي القراءات 4431