من إجرام ولاة الصلاة الشيطانية فى مصر العباسية ( 3 )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٦ - أكتوبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

من إجرام ولاة الصلاة الشيطانية فى مصر العباسية ( 3 )

أولا : سكن الأعراب فى مصر

1 ـ عمل الأمويون علي نقل بعض القبائل القيسية إلي مصر في شرق الدلتا أو ما كان يعرف بالحوف الشرقي وهو المنطقة بين الأرض الزراعية في الدلتا وشبه جزيرة سيناء وتحتلها الآن محافظات الشرقية والدقهلية والقليوبية والسويس والإسماعيلية وبورسعيد . وقبل خلافة هشام بن عبد الملك لم يكن من قبائل  قيس بمصر إلا بعض البيوت من قبيلتي فهم وعدوان ، ثم وفد ابن الحبحاب علي الخليفة هشام بن عبد الملك وسأله أن ينقل إلي مصر بعض قبائل أخري من قيس ، وكان ذلك في ولاية الوليد بن رفاعة علي مصر ، فأذن هشام في أن  يهاجر إلي مصر ثلاثة آلاف من قبائل قيس وأن يحول ديوانهم إلي مصر بشرط ألا ينزلوا الفسطاط عاصمة الحكم وقتها . ونزلت قيس بالمنطقة ، جاءوا من البادية العربية إلي بلبيس وما حولها ، وكان منهم مائة بيت من بني نضر ومائة بيت من بني سليم ، واستوطنوا المنطقة الزراعية القريبة من صحراء بلبيس وباشروا زراعتها ، وقاموا بتحصيل الصدقات والزكاة لصالح الدولة الأموية ، وكانوا يحملونها علي الإبل إلي الدلتا إلي ما يعرف بميناء السويس الآن ، وكان الرجل منهم يتكسب في نقل المحاصيل هذه أكثر من عشرة دنانير في الشهر .

2 ــ   ثم سمحت لهم السلطات بشراء الخيول والاتجار فيها فأثروا من تربية الخيول بسبب جودة المرعي واتساع الصحراء لنشاطها ، وكان أحدهم يشتري المُهر فلا يلبث المُهر عنده شهرا حتى يصلح  للركوب . وازداد ثراؤهم ووصلت الأخبار إلي أقاربهم من قيس في الجزيرة العربية فنزح إليهم خمسمائة بيت ، وبعدها بعام واحد جاء خمسمائة بيت آخر فصار في بلبيس وحدها ألف وخمسمائة بيت من قبائل قيس .

3 ــ وفي خلافة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية كان واليه علي مصر الحوثرة بن سهيل الباهلي ، وقد مالت إليه قبائل قيس فتوافد علي مصر في عهده عناصر كثيرة ، حتى أصبح عددهم حينئذ أكثر من ثلاثة آلاف بيت . وحينئذ أصبح تركز القيسيين في شرق الدلتا ظاهرة تاريخية وسياسية لأنهم أثاروا القلاقل للدولة العباسية .

ثانيا : جاءت الدولة العباسية بسياسة جديدة ، وهى :

1 ـ احتلال الفرس موقع الصدارة ، ولم يرض العرب في بغداد وغيرها عن ذلك ، وحدث نوع من التوتر بين أعراب قيس الذين استوطنوا الحوف الشرقي وبين ولاة الصلاة العباسية في مصر ، تلك السلطات التي تركت الفسطاط وأقامت عاصمة جديدة هي العسكر .

2 ـ  وفرضت زيادة جديدة في الضرائب سنة 178 وهي زيادة أجحفت بالمزارعين الأقباط المصريين والأعراب معا ، مما ادى الى ثورة الأعراب . مثلا :

2 / 1 : كان الوالى على الصلاة فى مصر هو إسحاق بن سليمان بن علي العباسي ، وقد فرض زيادة فى الخراج ، فثار أعراب قيس علي تلك الزيادة وجمعوا فرسانهم وأقاموا لهم عسكرا منع تحصيل الضرائب ، فبعث إليهم الوالي العباسي جيشا لم يستطع إخماد ثورتهم ، فأرسل إلي هارون الرشيد يطلب المدد فأرسل  له بجيش هائل يقوده هرثمة بن أعين ، ونزل ذلك الجيش الحوف الشرقي فأخاف القيسيين وأذعنوا ودفعوا الخراج كله .

 2 / 2  ـ ثم أرسل الوالي العباسي رجالا يقيسون الأرض الزراعية ، ولم يعجب عملهم عرب قيس في الحوف الشرقي واتهموهم بعدم الأمانة في القياس ، واشتكوا إلي الوالي وهو الليث ابن الفضل البيودي فلم يهتم بهم . فجمعوا فرسانهم وساروا إلي الفسطاط والعسكر حيث يقيم الوالي ، فخرج إليهم الوالي في شعبان سنة 186 في أربعة آلاف جندي ، فالتقي معهم في معركة طاحنة في رمضان ومع أن جنوده انهزموا وتركوه في 12 رمضان إلا أنه  ثبت مع نحو المائتين من جنوده حتى هزم القيسيين وطاردوهم إلي غيتة ، وهي قرية بجوار بلبيس . وبعد هذا الانتصار بعث الوالي إلي بغداد بثمانين من رؤوس أكابر القيسيين ، ورجع إلي عاصمته .

2 / 3 : إلا أن تلك الهزيمة المنكرة لم تخضع القيسيين بل أثارت فيهم نزعة الثأر والانتقام فعادوا إلي منع الخراج ، وخشي الوالي أن يخسر أمامهم الجولة التالية ، فسافر بنفسه إلي بغداد في محرم سنة 187 ، وطلب من هارون الرشيد أن يزوده بجيش قوي لأنه لا يستطيع تحصيل الخراج من الحوف الشرقي إلا بقوة الجيش . وكان حاضرا محفوظ بن سليم ذلك المجلس ، فضمن للرشيد خراج مصر عن آخره بلا سوط ولا عصا ، فولاه الخراج وعزل الوالي ليث بن الفضل ..

2 / 4  ــ  مع الزيادة المطردة فى الضرائب إنضم الى قبائل قيس قبائل عربية أخرى تعيش فى مصر ، وإستمر الصراع حتى عصر المأمون ، حين تحالف الأقباط المصريون مع الأعراب ضد ظلم ولاة الصلاة العباسيين .  وأعلن الجميع الثورة العامة وخلعوا طاعة العباسيين في الدلتا كلها وفي صعيد مصر وطردوا الموظفين العباسيين.

 3 ـ وفى الدولة العباسية كان الخليفة يريح نفسه بأن يعين والى الصلاة على أن يورّد للخليفة مبلغا معينا كل عام ، ويترك له أن يحصّل أضعاف هذا المبلغ من المصريين كيف شاء . وفى احداث عام 205  تقول الرواية ( ومات نائب مصر السري بن الحكم بها، ونائب السند داود بن يزيد، فولى مكانه بشر بن داود على أن يحمل إليه في كل سنة ألف ألف درهم ) أى تم تعيين الوالى على ( الهند / السند ) مقابل دفع مبلغ مليون درهم سنويا ، وليس مهما كيف يجمعها أو المقدار الذى يجمعه .

4 ـ يضاف الى هذا ذلك التبذير الهائل فى هذا المال الذى يجمعونه بالسُّحت وبالقهر . وتجلى هذا فى عصر المأمون بالذات . ونعطى بعض أمثلة :

4 / 1 :وزعوا الأموال والضياع والجواهر فى زفاف المامون / بوران بنت الحسن بن سهل . ومدح الشعراء والمؤرخون المأمون ووصفوه بالكرم الزائد ، دون أن يتساءلوا عن مصدر هذه الأموال وكيف جىء بها اليه . ودائما يكون المستفيدون بهذا السخاء الشعراء والمنافقون والقواد .

4 / 2  ومدحوا عبد الله بن طاهر قائد المأمون وواليه على مصر بالسخاء . ونعطى أمثلة :

4 / 2 / 1 : فى أحداث عام  206‏ ، يقول أحد الرواة (  لما افتتح عبد الله بن طاهر مُضْر ونحن معه سوَّغه المأمون خراجها سنة ) أى منحه خراج مصر عاما بأكمله . تقول الرواية : ( فصعد المنبر فلم ينزل حتى أجاز بها كلها. ) أى فرق أيراد مصر كله على أصحابه وهو على المنبر.

4 / 2 / 2 :  وفى الحرب عام  210 بين عبد الله بن طاهر و عبيد الله بن السرى المتغلب على مصر إنهزم عبيد الله بن السرى وتحصن بالفسطاط ، تقول الرواية ( ودخل الفسطاط منهزمًا فأغلق على نفسه وأصحابه الباب ، فحاصره ابن طاهر ، فبعث إليه ليلًا ألف وصيف وألف وصيفة مع كل وصيف ألف دينار في كيس حرير .. ) . الوصيف والوصيفة ( رقيق من الذكور والاناث ) ومعهم مليون دينار ..!!

4 / 2 / 3  : (  موت طلحة بن طاهر بخراسان فولَى المأمون أخاه أبا إسحاق الشام ومصر وولى ابنه العباس بن المأمون الجزيرة والثغور والعواصم ، وأمر لهما ولعبد الله بن طاهر لكل منهم بخمسمائة ألف دينار . ) أى نصف مليون دينار لكل منهم .!

أدى هذا الى الثورة الكبرى على المأمون والتى إشترك فيها المصريون والأعراب معا.

ثالثا : الثورة المصرية على المأمون

1  ــ استمرت المعارك فيها سجالا منذ بداية الثورة في جمادي الأولي عام 216 إلي 10 محرم عام 217 حتى جاء الخليفة العباسي المأمون بنفسه وأخمد الثورة  . 

2 ـ وتُطلق المراجع القبطية على هؤلاء الثوار المصريين لقب ( البشموريين ) وتقول انهم كانوا يسكنون شمال الدلتا فى المنطقة الرملية الساحلية بين فرعي دمياط ورشيد ، ويعملون في إنتاج ورق البردي الذي كان العالم كله في ذلك الوقت يستخدمه لتسجيل علومه ومعارفه وفى مختلف أنشطه حياته اليومية..

ثاروا ضد الظلم أيام عيسى بن منصور الوالى  العباسى من زياده ظلم جباة الخراج (الضرائب) ومضاعفة الجزية ،وقد قاموا بطرد عمال الدولة ورفضوا دفع  الجزية. ارسل المأمون قائده الافشين بحربهم ، وفشل الافشين بسبب مناعة منطقتهم التى تحيط بها قنوات المياه ، وجهل جنود الافشين بالطرق والمسالك ، فكان البشموريون يتبعون حرب العصابات يختطفون جنود العدو ويقتلونهم على حين غفلة .

وبهزيمة الافشين جاء المأمون بنفسه ، وصحب معه إلى مصر البطرك ديونوسيوس بطرك إنطاكية واستعان به وببطرك الأقباط الأنبا يوساب، لإخماد ثورة البشموريين، وساعدوه بفرقة من خبراء الطرق والمسالك حتى تمكن من الانتصار على البشموريين .

وأحرق جيش المأمون بيوت البشموريين ، ولما رأى المأمون كثرة القتلى أمر جنوده بأن يتوقفوا عن قتلهم، ثم أرسلهم في طلب رؤسائهم وأمرهم أن يغادروا بلادهم . وسافروا على سفن إلى أنطاكية حيث أرسلوا إلى بغداد ، وكان يبلغ عددهم ثلاثة آلاف، مات معظمهم في الطريق.  أما الذين أسروا في أثناء القتال فقد سيقوا كعبيد  ، وبلغ عدد هؤلاء خمسمائة، فأرسلوا إلى دمشق وبيعوا هناك .

الخاتمة :

هذا ما فعله المأمون مع الثوار الأحرار ، وهو الذى أمر جنوده بزيادة التكبير فى الصلاة ، والذى كان يتفاخر بمدى حلمه وصفحه وتسامحه.

ألا لعنة الله جل وعلا عليهم أجمعين.!!  

اجمالي القراءات 3974