الصلاة الشيطانية للخوارج ( 3 ): بين دين قريش ودين الخوارج

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٦ - أكتوبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الصلاة الشيطانية للخوارج ( 3 ): بين دين قريش ودين الخوارج

لماذا إختار الخوارج الحاكمية دينا ؟

1 ـ رأينا أنه التعصب القبلى ( نسبة للقبيلة ) . وفى الطريق بحث قادم بعون الرحمن جل وعلا عن أثر العصبية القبلية فى الدولة الأموية. ولكن نكتفى هنا بلمحة تخص موضوعنا عن أثر التعصب القبلى فى إختيار الخوارج الحاكمية دينا رفضا لدين قريش .

2 ـ ينقسم العرب الى قسمين كبيرين : عرب اليمن القحطانيون ، والعرب المستعربة من نسل إسماعيل بن ابراهيم ، والمعرون من أقدم أجدادهم هو نزار بن معد بن عدنان .  وقد أنجب نزار ثلاثة أولاد هم ( مُضر ) و ( ربيعة ) و ( إياد ) . من مضر تناسلت قبائل كثيرة منها كنانة ومنه فرع قريش . قبائل ربيعة هى أكثرية عرب الشرق وفى نجد بينما تركز معظم قبائل ( مُضر ) فى الحجاز والغرب.

أما عرب اليمن ( قحطان ) فتوزعوا ، ومنهم قبيلة كلب فى جنوب الشام . وتوثقت علاقة قريش بقبيلة كلب التى كانت تسيطر على الطرق التجارية وتحمى رحلتى الشتاء والصيف الى الشام ، وكان الأمويون هم قادة القوافل لذا تأسست علاقتهم بكلب وأصهر معاوية الى زعيم قبية كلب وتزوج ابنته ميسون بنت بحدل فأنجب منها إبنه يزيد.

ولم تكن العلاقة جيدة بين قريش المُضرية وقبائل ربيعة ، وقبيلتا بكر وتغلب من نسل ربيعة بن نزار . ومن بكر بن وائل كان معظم الخوارج .

3 ـ دخل العرب فى الاسلام السلوكى وتناسوا العصبية القبلية وإستبدلوها بالأخوة فى الاسلام الذى يكون فيه الأكرم عند الله جل وعلا هو الأتقى ، وسيكون هذا معروفا يوم القيامة طبقا لقوله جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿١٣﴾ الحجرات ). أى جعلنا رب العزة شعوبا وقبائل مختلفة فى اللسان والألوان لكى نتعارف سلميا لا لنتقاتل حربيا. الشورى الاسلامية عرضنا لها هنا فى بحث منشور ، وبها تخلص العرب من سيطرة الملأ ، سواء كان من قريش أو من المدينة وهذا بتحجيم سيطرة المنافقين الأكثر ثراءا ونفوذا، ثم هناك الحرية المطلقة فى الدين طالما إلتزم الفرد بالسلام وعدم الإكراه فى الدين وعدم إستغلال الدين فى إكراه الناس على تقديم الصدقات . بالمساواة وبالشورى والسلام والحرية الدينية إستراح العرب من حروبهم مؤقتا بأن دخلوا فى الاسلام السلوكى أفواجا . تغيّر هذا بما فعله رائد الخلفاء الفاسقين ( ابو بكر )، إذ عادت العصبية القبلية قوية وظهرت فى حركة الردة ،  وكانت أعتى حركات الردة هى التى تزعمها مسيلمة الكذاب ، وحظى على تأييد قبائل ربيعة مع علمهم بأنه كذاب ، لكن إشتهر قولهم (كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر. ) . النبى محمد عليه السلام ينتمى الى قبائل ( مضر ) ، وقد مات وتولى بعده قرشى مضرى يريد أن يعلو عليهم ، لذا فالمتنبىء الكذاب أفضل عندهم من النبى المضرى القرشى الصادق الذى مات.

4 ـ وأشرنا الى دخول القبائل العربية أفواجا تحت قيادة قريش فى الفتوحات الإجرامية ، وكان منهم قادة المرتدين سابقا. بعد توقف الفتوحات فى عهد عثمان بدأ التذمر من فساد عثمان وإستئثاره بالأموال ، وإنفجر الخلاف بقضية ( السواد ) وهو الأرض الزراعية المتاخمة للصحراء النجدية ، والتى كانت قبائل ربيعة تعتبرها ملكا خاصا لها. إعتبرت قريش هذا السواد ملكية لها ، وأسموه ( بستان قريش ) ، بهذا تحولت نقمة الأعراب الى ثورة على عثمان إنتهت بقتله ، وتعيين (على ) خليفة.

ليزايدوا على (على ) تفانى أولئك الأعراب فى القتال وتفانوا فى العبادة ، وأيضا زايدوا عليه فى الحكم ، يفرضون رأيهم عليه ويعصونه ، لذا كان (على ) يناديهم ( يا أهل العراق ، يا اهل الشقاق والنفاق ) . أرغموه على الرضى بالتحكيم ، ثم أرادوا إرغامه على رفض التحكيم بحجة أن لا حكم إلا لله ، ثم خرجوا عليه بهذا الدين الجديد الذى يعنى كراهية حكم قريش. وأساس هذا هو عصبيتهم القبلية ضد قريش .

5 ـ على أن العصبية القبلية كان لها تأثير خطير آخر بجانب إنتاج الخوارج ودينهم (  لا حكم إلا لله ) . ونستشهد بعام 46 ، وهو أخطر الأعوام ، والذى حدث فيه موت يزيد بن معاوية وتولى معاوية ثم إعتزاله وموته ، وإنضمام الضحاك بن قيس زعيم القبائل القيسية المضرية لابن الزبير ،ومن ثم إستفحال دعوة عبد الله بن الزبير ، وإجتماع الأمويين فى مؤتمر الجابية وإختيارهم مروان بن الحكم خليفة ، ووقوف القبائل اليمنية ( خصوصا قبائل كلب ) الى جانب الأمويين ، وحدثت موقعة مرج راهط ، والتى كانت صراعا قبليا ( من القبيلة ) بين قبائل قيس المُضرية العدنانية وقبائل كلب اليمنية القحطانية . وإنهزمت قيس وقُتل زعيمها الضحاك ، وتأجّجت العداوة بين قيس المضرية العدنانية وكلب اليمنية القحطانية .  والجد الأعلى لقيس هو ( مُضر ) : هو  ( قيس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ) ، ومن قبائل قيس : هوازن وغطفان وسليم وفهم وباهلة ومازن وغنى .

ومن قادة ( مُضر ) وقتها كان عبد الله بن خازم السلمى أحد قادة الفتوحات البغى فى فارس ، وكان والى فارس فى عهد معاوية . وتولى فارس فى عام 64 ،  السبب أن ابن زياد عيّن على خراسان ( المهلب بن أبى صفرة )، وهو من الأزد ، والأزد من قبائل اليمن القحطانية ، وفى مناطق أخرى من خراسان (مروالروذ والفارياب والطالقان والجوزجان  ) كان هناك وال آخر من ( ربيعة ) ينتمى لقبيلة بكر بن وائل هو (سليمان بن مرثد) ، وبالتالى لا وجود لوال من ( مّضر ) . إتخذها عبد الله بن خازم فرصة إذ قال لوالى العراق : ( أما وجدت في المصر من تستعمله حتى فرقت خراسان بين بكر بن وائلواليمن ؟ اكتب لي عهدًا على خراسان‏.‏) تقول الرواية : ( فكتب له وأعطاه مائة ألف درهم‏.‏). وجرت حروب بين القبائل فى خراسان ، بين قبائل اليمن وقبائل ( مُضر ) ، وبين قبائل مضر وقبائل ( ربيعة ) . وقال عبد الله بن خازم مقالته المشهورة عن حقد قبائل ربيعة على بنى عمومتهم ( مُضر ) :  ( إن ربيعة لم تزل غضابًا على ربها منذ بعث نبيه من مضر‏. ).! .

6 ـ  وفى مقالته تلك يفضح نفسية الخوارج لأن معظم الخوارج من قبائل ربيعة ، وأشهر قادة الخوارج من قبائل ربيعة خصوصا قبائل بكر بن وائل . ومنهم ( نافع بن الأزرق، ونجدة بن عامر، وعبد الله بن وهب الراسبي، وحرقوص بن زهير، وشبيب بن يزيد. ).  وهم جميعا يشتركون فى الحقد على قريش المُضرية.

7 ـ إنتشرت قبائل ربيعة فى العراق وخراسان ، ومنهم خوارج كانت لهم وقائع حربية ضد الدولة الأموية ، وتزايد هذا فى أواخر العهد الأموى فى خلافة مروان بن محمد ، الذى واجه الخوارج وغيرهم ، بل ثار عليه بعض أهله ومنهم ( سليمان بن هشام بن عبد الملك ) الذى إجتمع له أكثر من سبعين ألفا ، ولكن هزمه الخليفة مروان وقتل منهم أكثر من ثلاثين ألفا ، وأمر بقتل الأسرى إلا من كان مملوكا ، فزعم كثيرون أنهم عبيد للنجاة بحياتهم ـ فأمر مروان ببيعهم عبيدا . وهرب سليمان من المعركة ، وحاول حرب مروان مرة أخرى فإنهزم أيضا ، وواصل الفرار .

وقتها سيطر الضحاك الخارجى على الكوفة ، وتحارب مع الوالى الأموى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، والذى كان فى حرب أيضا مع ابن عمه الخليفة مروان بن محمد ، ورأى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز أن يوقف الحرب مع الضحاك الخارجى وأن يتحالف معه ضد ابن عمه الخليفة مروان بن محمد. ولكن التحالف مع الضحاك الخارجى يستلزم الخضوع له وأن يدخل فى طاعته. وقتها جاء سليمان بن هشام بن عبد الملك هاربا منهزما من مروان بن محمد ، ولحق بابن عمه عبدالله بن عمر بن عبد العزيز ، وذهبا الى الضحاك الخارجى وبايعاه بالخلافة. تقول الرواية : ( حتى صار إلى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بالعراق فخرج معه إلى الضحاك فبايعه وحرض على مروان؛ فقال بعض شعرائهم:
ألم تر الله أظهر دينه ** وصلّت قريش خلف بكر بن وائل ).

الشاهد هنا أن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام بن عبد الملك بايعا زعيم الخوارج فى العراق بالخلافة نكاية فى الخليفة ابن عمهم ( مروان بن محمد ) وحرّضاه على قتال مروان. لذا قال الشاعر ( ألم تر الله أظهر دينه ** وصلت قريش خلف بكر بن وائل ) . هذا الشاعر يعبر عن ثقافة الخوارج . أى ( قريش ) يمثلها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام بن عبد الملك ( تصلى ) أى تخضع ل ( بكر بن وائل ) ، أى الخوارج لأن معظم الخوارج من قبائل بكر بن وائل بن ربيعة . وقبائل ربيعة كما قال عبد الله بن خازم السلمى : ( إن ربيعة لم تزل غضابًا على ربها منذ بعث نبيه من مضر‏. ).! .

من المشترك بين الخوارج والأمويين

1 ـ تعصب الأمويون للعرب وإحتقروا الموالى ، والخوارج مع رأيهم ( الديمقراطى ) فى الحكم فلم يبثوا دعوتهم بين الموالى فى العراق وفارس وخراسان . وهذا ما تنبهت له دعوة بنى العباس إذ إعتمدت على الخراسانيين ، وإنتشر التشيع فى فارس والعراق ، وكان أعمدته من الموالى.

2 ـ وإشترك الأمويون والخوارج فى موضوع السبى . مارسوا السبى فى حروبهم المحلية ، الخوارج كانوا يستبقون بعض النساء ( المسلمات ) للسبى ، والأمويون كانوا يسبون نساء الخوارج . وجدير بالذكر أن السبى جرى فى حروب الردة قبلها ، أى رجعت قريش والمرتدون الى ما إعتادوه فى حروبهم الجاهلية من سبى النساء ، ثم إرتكبوا نفس الفعل على نطاق عالمى وأوسع فى فتوحاتهم الباغية فى آسيا وأفريقيا .

2 / 1 : فى عهد عبد الملك بن مروان أرسل أخاه عبد العزيز بن مروان لقتال الخوارج الأزارقة ، فهزم الأزارقة ، وسبى زوجة زعيمهم ، تقول الرواية إن عبد الملك بن مروان : (   بعث أخاه عبد العزيز على قتال الأزارقة فهزم ، وأخذت زوجته بنت المنذر بن الجارود فأقيمت فيمن يزيد ، فبلغت مائة ألف . وكانت جميلة فغار رجل من قومها ، كان من رؤوس الخوارج ، فقال‏:‏ " تنحوا ما أرى هذه المشركة إلا قد فتنتكم . " فضرب عنقها‏. ) أى عرضها الأمويون للبيع ، ولأنها جميلة فقد تزايدوا فى ثمنها الى مائة ألف . وكان بين الحاضرين رجل من قومها كان من قبل من الخوارج ثم إنشق عليهم وإنضم للأمويين ، ولما رآهم يتزايدون فى سعرها شعر بالغيرة والعصبية فقتلها، وسماها ( مشركة ) . كان من قبل يصف الأمويين بالكفر والشرك ، فلما تركهم وإنضم للأمويين وصف الخوارج بالكفر والشرك ..

2 / 2 : وفى حروب الحجاج مع الجيش المنشق عنه تحت قيادة ابن الأشعث أسر الحجاج بعض النسوة اللاتى كُنّ فى الجيش المعادى ، فأغار ( بسطام من مصقلة بن هبيرة الشيباني، ) ( قائد الخوارج من قبيلة ربيعة ) على جيش الحجاج ، وإستنقذ ثلاثين إمرأة كن سبايا . وأطلقهن .   

3 ـ و كلاهما إستخدم الدين فى حربه ضد الآخر.

3 / 1 : زعم الخوارج أن الحكم ( السياسى ) لله جل وعلا وليس لقريش ، فقد ردّت عليهم قريش بحديث صنعوه يقول ( الأئمة من قريش ) .

3 / 2  ـ وبينما كان الخوارج يؤمنون أن قتلهم ( المسلمين ) جهاد ، فإن عبيد الله بن زياد وهو فى محنته عام 64  برّر كل جرائمه ومنها قتل الحسين ، ولكن قال عن قتاله وقتله للخوارج: (وأما قولك ليتني لم أكن قتلت من قتلت فما عملت بعد كلمة الإخلاصعملًا هو أقرب إلى الله عندي من قتل من قتلت من الخوارج ).!

3 / 3 : وتبادل الخوارج والأمويون إتهام بعضهم بأنه عدو الله .

3 / 3 / 1 : كان المهلب بن أبى صفرة يحارب الخوارج الأزارقة باسم عبد الله بن الزبير فلما هلك ابن الزبير إنضم المهلب الى عبد الملك وظل يحارب الخوارج ولكن بإسم عبد الملك بعد أن كان من قبل يتبرأ من عبد الملك. تقول الرواية : ( اقتتلت الأزارقة والمهلب بسولاف ثمانية أشهر أشد القتال ، فأتاهم قتل مصعب بن الزبير فبلغ ذلك إلى الأزارقة قبل المهلب فنادت الخوارج لعسكر المهلب‏:‏ ما قولكم في مصعب فقالوا‏:‏ إمام هدى قالوا‏:‏ فما قولكم في عبد الملك قالوا‏:‏ نحن براء منه قالوا‏:‏ فإن مصعب قد قتل وستجعلون غدًا عبد الملك إمامكم‏. فلما كان من الغد بلغ المهلب الخبر فبايع لعبد الملك فقالت الخوارج‏:‏ يا أعداء الله أنتم أمس تتبرأون منه وهو اليوم إمامكم‏.‏)

3 / 3 / 2 : فى موقعة دير الجماجم بين الحجاج الوالى الأموى والجيش الخارج عليه نادى الجيش الأموى الخوارج : (  يا أعداء الله قد هلكتم وقد قتل طاغيتكم! ).

4 : ومع كل هذه الحروب ضد الخارج فقد حافظ الفريقان على تأدية الصلاة . وقد تعرضنا للخوارج فى صلاتهم ، ونكتفى بروايتين عن قادة الأمويين :

4 / 1 : تحت عنوان ( ذكر غزوة الغور:عام 47  ) تقول الرواية : ( في هذه السنة سار الحكم بن عمرو إلى جبال الغور فغزا من بها، وكانوا ارتدوا، فأخذهم بالسيف عنوةً ، وفتحها وأصاب منها مغانم كثيرة وسبايا، ...) وتقول الرواية عن الحكم :  (.. فشرب وتوضأ وصلى ركعتين، وكان أول المسلمين فعل ذلك ثم رجع.) صلى ركعتين ثم قاتل باغيا وسبى التنساء ونهب وسلب . وهو يحسب أنه يحسن صنعا. ولماذا ؟ لأن أهل الغور ( إرتدوا ) أى ثاروا على الاحتلال العربى والظلم العربى.!
4 / 2 : عبد الله بن خازم الفاتح فى خراسان لحساب الأمويين قيل فيه أنه كانت له:( عمامة سوداء يلبسها في صلاة الجمعة والأعياد والحروب، فإذا أنتصر تعمم بها تبركا بها.

اجمالي القراءات 5683