صدقة كيم البني .. قصة قصيرة

شادي طلعت في الأربعاء ٢٩ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

نشأ السيد/ كيم في بيئة متوسطة، فلا هو بالغني، أو بالفقير، وصفاته كصفات بني عرقه البُني، وسط في لون بشرته، وليس باللين أو الحاد.
كان حريصاً على المال، ويسعى للإدخار، من خلال عمله بالتجارة، إنه يريد تأمين نفسه وعائلته من شرور المستقبل، لمائة عام قادمة، وفي المقابل كان لا يأبه لمشاكل غيره من الناس، فبدا في نظر من يعرفوه أنه .. رجل بخيل شحيح.
 
حتى مرض إبنه الأكبر بمرض عضال ليس له علاج، مما تسبب في نفاذ مال كيم، ولم يتبقى معه إلا ما يكفي لنفقاته هو واسرته لعام واحد فقط، فسبب ذلك له حالة قلق شديد من شرور المستقبل المحتملة، فماله قد نفذ، ولم يبقى معه إلا القليل وهو ما يكفي لنفاته وعائلته لعام كامل.
 
ولما إشتد المرض على الإبن، نصحهُ أصدقاؤه، بأن يستشير رجل دين من الكهنة، عله يدعو الله  له، فيرفع عنه البلاء.
 
ذهب "كيم" لأحد الكهنة :
 
- سأله الكاهن : هل تتصدق.
 
- كيم : لا.  
 
فنصحه الكاهن بأن يخرج بعض ماله كصدقة لأحد المحتاجين، وسيحل البلاء عنه.
 
بعد أن خرج "كيم" من عند الكاهن، إذ به يقابل شاباً مريضاً، طلب منه مساعدته بمال لشراء دواء، وإلا فإنه سيلقى حتفه، سأله كيم، وكم تحتاج، فأخبره الشاب المريض بمقدار حاجته، بيد أن كيم لا زال لا يؤمن حق الإيمان بنصيحة الكاهن له بالصدقة، وقال في نفسه، إن أعطيته ما معي اليوم فسأفقد معيشة يوم كامل تكفيني وعائلتي، وليس معي سوى نفقة عام، فإن فعلت فلن يكون معي سوى نفقات 364 يوماً فقط، وبعد الحساب، رفض أن يتصدق للشاب، وقال له، أطلب الصدقة من ربك .. ثم رحل عنه.
 
وفي اليوم التالي إشتد المرض على إبن كيم، فخرج ليأتي إليه بالطبيب، فوجد جنازة، فسأل من المتوفى، فعلم أنه كان الشاب المريض الذي طلب منه الصدقة بالأمس، حزن عليه بعض الشيء، لكنه لم يندم على عدم إعطاءه الصدقة.
 
وقبل أن يعود كيم لإبنه برفقة الطبيب، إذ به يفارق الحياة.
 
حزن كيم على فراق إبنه الأكبر، ولم يحزن على حرصه على عدم التصدق بماله، ومع مرورالأيام  ينسى "كيم" حزنه على فراق ولده، خاصة بعد أن كبرت تجارته، وزاد ماله، حتى إدخر ما يكفي لنفقته وعائلته لمائة وعشرين عاماً.
 
وهنا يتذكر كيم نصيحة الكاهن بخير الصدقة، فيقرر أن يتصدق بجزء ماله، وهو ما يكفي لنفقاته وعائلته لعشرين عاماً، علها تقيه وعائلته المرض أو السوء، فالصدقة بهذا الجزء الكبير لن تجرح ماله، فلديه مدخرات أخرى تكفي لنفقات مائة عام.
 
لكن لم يجد كيم  الفقراء المحتاجين، فقد كان لكل فقير من يعوله، وتمر أعوام أخرى تغيرت فيها أحوال السوق والتجارة، ويفقد "كيم" كل أمواله، ويحتفظ فقط بما يكفيه وعائلته لنفقة عام، ثم  تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد مرض إبن "كيم" الثاني بمرض عضال، ويفشل الأطباء في علاجه.
فيذهب إلى الكاهن ليدعو له ربه. 
 
- يسأله الكاهن : هل أنت من المتصدقين.
 
- كيم : يخبره أنه في يسره حاول أن يتصدق، لكنه لم يجد من يطلب الصدقة.
 
- الكاهن : قد تكون صدقتك في يسرك غير مقبولة.
 
ويخرج "كيم" من عند الكاهن، ويلتقي بإمرأة مريضة تسأله في بعض المال، وإلا لن تستطيع شراء الدواء.
 
وهنا يعيد كيم التفكير في ثلاثة أمور :
 
الأمر الأول/ أن الصدقة لم تطلب منه في يسره.
 
الأمر الثاني/ أن الصدقة تطلب منه في عسره.
 
الأمر الثالث/ سأل نفسه، لماذا سيجازيني الله، إن تصدقت بجزء صغير، وأنا صاحب المال الوفير، فلن يضيرني شيء من فقد مال الصدقة، وأنا الغني، ولكن .. إن تصدقت بما معي الآن، وأنا المعسر، سألقى الجزاء من الله، فأنا سأستغني عن كل ما لدي.
 
ويقرر كيم إعطاء المرأة ما معه من مال، وبعد عودته لمنزله إذ بولده الثاني قد شفي من علته.
 
أدرك كيم قيمة الصدقة، وتوقيتها، بينما لم يدركها باقي أبناء "الشعب البني".
 
شادي طلعت
اجمالي القراءات 4471