موازين الأنفس يوم الحساب على أساس المشاعر وليس الظواهر

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٢ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

موازين الأنفس يوم الحساب على أساس المشاعر وليس الظواهر

الانسان نفس أساسا والجسد مجرد ثوب .

إستكمال مقالات كتاب ( لكل نفس بشرية جسدان )

مقدمة:  

1 ـ كتاب الأعمال شىء ووزنه شىء آخر . فى اليوم الآخر تاتى النفس من برزخها تحمل عملها بعد فناء جسدها المادى ولم يبق منه إلا كتاب الأعمال. 

2 ـ ما تقوم به النفس بجسدها من عمل يتكون من شقين متداخلين : الشق المرئى والمسموع ، والشق غير المرئى الذى تشعر به النفس . التسجيل يتم للشقين معا . ولكن الوزن يوم الحساب يكون فيه الشق النفسى فقط .

3 ـ يرى الناس صورة حية لأعمالهم بالصوت والصورة. قال جل وعلا : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴿٤٩﴾ الكهف)( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴿٦﴾فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾ الزلزلة ). أما ميزان العمل والذى يتوقف عليه الخلود فى الجنة أو الخلود فى النار فله شأن آخر . نعطى بعض التفصيل :

أولا : بين موازين الدنيا وموازين الآخرة

1 ـ موازين الدنيا المادية لها كفتان : كفة يوضع فيها معيار الوزن من ( كيلو أو رطل أو قنطار ..الخ ) ، ثم الكفة الأخرى التى يوضع المطلوب وزنه. موازين الآخرة غير المادية لها أيضا كفتان. فى كفة يوضع الكتاب الالهى ، وفى الأخرى يوضع كتاب أعمال الشخص. الكتاب الالهى هو المعيار. كتاب العمل  هو المطلوب وزنه.

2 ـ  يوجد إتفاق بين موازين الدنيا والآخرة . فهناك معيار واحد للوزن . فى موازين الدنيا يكون المعيار واحدا فقط . لا يوضع فى كفة المعيار رطل وكيلو وقنطار. بل معيار واحد فقط. وفى موازين الآخرة يوجد معيار واحد فقط هو الكتاب الالهى . أى كتاب واحد . لا يوجد ما يقوله الجاهليون المحمديون من ثنائية الكتاب والسُّنة . هو الكتاب وفقط .

3 ـ الاختلاف بين موازين الدنيا والآخرة

3 / 1 : أن موازين الدنيا تقوم على التساوى ، فأنت تضع معيار الوزن ( كيلو) ومقابله سلعة تزن كيلو . وبهذا التساوى يكون العدل والقسط ، وبدونه يكون الخسران ، وهذا معنى قوله جل وعلا : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴿٩﴾ الرحمن )(  وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴿٣٥﴾ الاسراء ) (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ﴿١٨١﴾ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴿١٨٢﴾ الشعراء )( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (١﴾ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴿٣﴾ المطففين ) .

3 / 2 : موازين اليوم الآخر مختلفة ، لا بد أن تثقل كفة ميزان العمل ليفوز صاحبه بالجنة. بالتالى فإن من يخف ميزان كتاب عمله يدخل النار. قال جل وعلا: ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٨﴾ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴿٩﴾ الاعراف )( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٠٢﴾ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴿١٠٣﴾ المؤمنون )( فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴿٦﴾ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴿٨﴾ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴿٩﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴿١٠﴾ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴿١١﴾ القارعة ).

3 / 3 : هذا هو القسط فى موازين الآخرة ، قال جل وعلا : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ) ﴿٤٧﴾ الانبياء ).

ثانيا : كفتا الميزان فى الآخرة :

1 ـ فى البداية يوضع الكتاب الإلهى : قال جل وعلا : ( وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) بعده يؤتى بالناس للحساب والميزان ، أولهم  أنفس الأنبياء والشهداء على أقوامهم ، ثم تليهم بقية ( أنفس ) الأمم : ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٦٩﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٧٠﴾ الزمر ).

2 ـ تأتى كل نفس بكتاب عملها ليوضع فى الكفة الأخرى مقابل الكتاب الالهى ، فإذا خفّت كفة ميزان عمله فالمعنى أنه كان ظالما بكتاب الله أو بآيات الله ، هذا معنى قوله جل وعلا : ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٨﴾ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴿٩﴾ الاعراف ). هذا هو الوزن ( الحق ).

3 ـ يضاف الى هذا شهادة الأشهاد على أقوامهم . وبالمناسبة فإن الشهادة على المحمديين ستتركز فى إتهامهم القرآن الكريم أنه ما نزل تبيانا لكل شىء يحتاج الى تبيان ، قال جل وعلا : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿٨٩﴾ النحل ).

ثالثا : ميزان الآخرة للنفس ومشاعرها وليس لظواهر الأعمال .

1 ـ يوم الحساب هو للناس جميعا مع إختلاف ألسنتهم . قال جل وعلا : (ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾ هود ) ولكن تكون كل امة مع بعضها يجمعها كتاب أعمالها الجماعى ، ومنه تأتى نسخ فردية لكل فرد ، قال جل وعلا : (وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴿٢٨﴾ هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٩﴾ الجاثية )

2 ـ الوزن والحساب ليس بما كانت تتكلم به كل أمة ، ولكن بما تتفق عليه الأنفس البشرية ، وهو ما يمكن تسميته ب ( لغة المشاعر ) .

3 ـ لغة المشاعر هى التى تجمع كل الأنفس البشرية مع إختلاف الزمان والمكان . هى نفس مشاعر الايمان أو الكفر، والتقديس والعبادة لله جل وعلا او له ولغيره ، والاخلاص فى الدين أو عدم الاخلاص فى الدين ، الغفلة فى الصلاة أو الخشوع ، إستحلال المحرمات أو تقوى الله جل وعلا . هى ( لغة واحدة ) ، وتختلف فيها الأنفس ، منها من كانت تقدس الله جل وعلا وحده وتؤمن به وحده لا شريك ، ومنها من تؤمن بالله وغيره تشرك به آلهة أخرى ، وتقدس معه البشر والحجر ، منها ما يؤمن بالقرآن الكريم وحده حديثا ومنها من يؤمن بأحاديث أخرى مع القرآن وترفعها فوق القرآن.

4 ـ بناءا على هذا  ترى شخصين يصليان : أحدهما خاشع القلب فى صلاته ، وقد لا يبدو هذا على وجهه ، والآخر يصطنع الخشوع مرائيا منافقا. المفلحون من المؤمنين وصفهم رب العزة بصفات أولها الخشوع فى الصلاة : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ المؤمنون )، هؤلاء المفلحون هم الذين تثقل موازين أعمالهم ، قال جل وعلا : ( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٨﴾ الاعراف ) ( المؤمنون 102 )  . وقال جل وعلا عن صلاة المنافقين : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا ) ١٤٢﴾ النساء )( وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ ) ﴿٥٤﴾ التوبة ). (  أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴿١﴾ فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴿٢﴾وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴿٣﴾ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ﴿٤﴾ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿٥﴾ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴿٦﴾ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴿٧﴾ الماعون ) هؤلاء المنافقون هم ضمن ما قال عنهم رب العزة جل وعلا : ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴿٩﴾ الاعراف ) ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴿١٠٣﴾ المؤمنون ). هذا الخشوع (لغة عالمية ) . ونقيضه أيضا لغة عالمية .

5 ـ وهناك من يدعو الله جل وعلا متضرعا يطبق أمر الله جل وعلا : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿٥٥﴾ الاعراف ) ( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ﴿٢٠٥) الاعراف ). وهناك من يعتدى فى دعائه يحوله الى أغانى وموسيقى ولهو ولعب ، مثل الأغانى الدينية والإنشاد الدينى عند المحمديين والمسيحيين وغيرهم. وعند وقوع مصيبة يتضرع الناس بنفس المشاعر ، مع إختلاف اللسان والزمان والمكان ، قال جل وعلا : (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٦٣﴾الانعام  ). هذا التضرع ونقيضه ( لغة مشاعر عالمية )

6 ـ هناك من يعبد الله جل وعلا مخلصا له الدين ، يطبق قول الله جل وعلا : ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) ﴿٢٩﴾ الاعراف )( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴿٢﴾ الزمر )( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴿١١﴾ الزمر )( فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴿١٤﴾ غافر ). وهناك من يفتقر الى هذا الاخلاص فى الدين فلا يؤمن بالله جل وعلا إلّا وهو يشرك معه إيمانا بآلة أخرى ، وهى الأكثرية من البشر ، قال جل وعلا : (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّـهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴿١٠٦﴾ يوسف ). والباب مفتوح للتوبة لمن أراد أن يعبد الله جل وعلا مخلصا له الدين ، وهذا يشمل المنافقين فى حياتهم قبل الموت ، قال جل وعلا عمّن يموت منهم على نفاقه : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴿١٤٥﴾ النساء ) وإستثنى منهم من يتوب توبة صادقة مخلصة : ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّـهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿١٤٦﴾ النساء ). وفى وقت الشدة يفزع الناس الى ربهم يستغيثون به مخلصين له الدين فى توبة وقتية ، قال جل وعلا : ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴿٢٢﴾ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٣﴾يونس ). إخلاص الدين أو عدمه لغة مشاعر عالمية . موازين الآخرة تتعامل مع هذه المشاعر النفسية .

7 ـ هناك من يتقى ربه جل وعلا ويموت متقيا. والذى يموت متقيا يثقل كتاب أعماله فيدخل الجنة ، إذ لا يدخل الجنة إلا المتقون ، قال جل وعلا : ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴿٦٣﴾ مريم )( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴿٧٣﴾ الزمر ). ولكن هؤلاء المتقين لا يعلمهم إلا الله جل وعلا القائل : ( وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴿١١٥﴾ آل عمران ) (  وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴿٤٤﴾ التوبة ) . 

8 ـ غير المتقين مصيرهم أن تخف أعمالهم فيخلدون فى النار . بالتأكيد لهم أعمال صالحة ، إذ لا يخلو أى إنسان من عمل صالح. ولكن الله جل وعلا يحبط عملهم الصالح فى الوزن .

خامسا : إحباط الأعمال الصالحة للكافرين المشركين حين وزن أعمالهم

1 ـ جاء فى الكتب الالهية أن من يشرك بربه يحبط الله جل وعلا عمله الصالح ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٦٥﴾ الزمر). بإحباط عمله الصالح لا يتبقى له سوى عمله السىء فيكون من الخاسرين.

2 ـ أى بالتالى لا يقيم لهم الرحمن وزنا ، قال جل وعلا : . ( أولَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴿١٠٥﴾ الكهف )

3 ـ يشمل هذا من يرتد عن الاسلام ويموت كافرا وقد عمل بعض الصالحات ـ فينتهى الى الخلود فى النار ، قال جل وعلا : ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢١٧﴾ البقرة )، ويشمل الذين يقيمون مساجد ضرارا يقدسون فيها أولياء مع الله جل وعلا ، قال جل وعلا : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّـهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴿١٧﴾ التوبة ).

4 ـ فى كل الأحوال يكون إحباط العمل هو تضييعه ، يقول جل وعلا : ( وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴿٢٣﴾ الفرقان ).

سادسا : معنى إحباط العمل فى آلية الميزان يوم القيامة

1 ـ ممكن أن تتساوى الأعمال الصالحة والأعمال السيئة ، وحينئذ تتعادل كفتا الميزان . ولكن ليس هناك تعادل فى كفتى الميزان يوم القيامة، إمّا أن تثقل الموازين وإما أن تخفّ .

2 ـ هنا يكون تأثير الايمان. إذا كان خالصا بالله جل وعلا وحده وبكتابه وحده يثقل الميزان . تخف كفة الميزان إذا كان الايمان مشتركا ، بإيمان بالله  جل وعلا وبإيمان بغيره وبتقديس الله جل وعلا وتقديس البشر والحجر وبالايمان بحديث الله فى القرآن وأحاديث البخارى وغيره. فالله جل وهلا يحبط أى يضيع أعمال الكافر فلا يتبقى له إلا ما يخلد به فى النار .

أخيرا :

فى وزن الأعمال يتم التفتيش على سريرة النفس ، قال جل وعلا عن البعث : ( إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴿٨﴾ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴿٩﴾ الطارق ). ويكون الوزن على ما فى هذه السرائر من مشاعر هى الأصل فى حركات الانسان . فليس الوزن للظواهر بل للمشاعر . 

اجمالي القراءات 5053