مساجد الضرار من تانى

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٩ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

مساجد الضرار من تانى

مقدمة : ورد هذا السؤال ، وأرد عليه :

يقول : ( قرأت مقالة تكفيركم لمساجد المحمدين ، هل هذا يشمل المسجد الحرام والمسجد النبوي ؟ لانهما مثل باقي مساجد المحمدين الان . تسرد بها احاديث البخاري والدعاء لغير الله ليل ونهار ؟ اذ كان جوابكم نعم فهل هذا يعني ان لا نحج هذا العام لان ايضا في الحج يذكر مع الله غيرة وتسرد به قصص البخاري ؟..والدكتور احمد يذكر كثيرا ان لا تحريم الا بنص .. فهل يوجد نص بتحريم مساجد المحمدين ؟ وهل النهي عن مسجد الضرار جاء للنبي وحده ام لامتة كاملة " لا تقم فيه" موجهه للنبي ام لامته وهل الايه تكلمت عن مسجد واحد معروف ام جاءت عن اي مسجد يبنى في سبيل الحاق الاذي بالمؤمنين ..وكيف لنا ان نعلم ان هذا المسجد او ذلك لايقوم على التقوى وهدفة اذي المؤمنين والتفريق بينهم ؟ التطرف في المذاهب الدينية بدء بالنهي ثم التكفير ثم التحريف ثم قتل الخصوم..الله وحده يعلم مافي قلوب الناس لنا فقط ان نعرض عنهم كما يامرنا الله سبحانه وتعالى وصدق من قال.. " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا..)
أولا : إجابات سريعة

 1 ـ أرجو أن تعيد قراءة المقال الذى يحرّم الصلاة فى مساجد المحمديين ، وأنها مساجد ضرار. والمقال ملىء بالآيات القرآنية ، ومنها التى تحرّم حضور مجالس الخوض فى آيات الله . والأحكام القرآنية عامة فيما يخصُّ موضوعات ( لا إله إلا الله ) والعبادات ، وفيها الوصف للمؤمنين والكافرين والمنافقين ، وليست خاصة بقريش والعرب وأهل المدينة. ونحن نتعرف على هوية المسجد مما يقوله فيه القائمون عليه من دعوة ومن خطبة ومن محاضرات. وبها هم الذين يحكمون على أنفسهم بالكفر أو بالايمان. الفيصل هو هل يؤمنون بحديث القرآن فقط ؟ أم يؤمنون بحديث آخر معه يرفعونه على القرآن ومن أجله يحاربون من يتمسك بالقرآن وحده ويجعلونه كافرا ؟ أى كافرا بدينهم .

2 ـ الحج للبيت الحرام فرض على من استطاع اليه سبيلا. وفى وسع المؤمن ألا يحضر صلاة الجمعة فيه إذا كانت حربا لله جل وعلا ورسوله ، أى تذكر الأحاديث المفتراة على أنه قول الرسول عليه السلام ، ويدعو فيها الخطيب للدين الأرضى وللسلطان القائم.

3 ـ أما المسجد ( النبوى ) فقد تحول الى معبد لتقديس إله اسموه محمدا ، لا علاقة له على الاطلاق بخاتم النبيين محمد عليه السلام. ليس حراما أن تذهب الى ( المدينة ) كأى (سائح ) أما أن تذهب اليها لتزور المسجد الذى تحول الى ( معبد ) لتقديس إله أسموه ( محمدا ) فهذا وقوع فى الشرك. والله جل وعلا أمرنا بإجتناب الرجس من الأوثان وإجتناب قول الزور, وهذا المعبد : المسجد  الضرار ) هو رجس وثنى وما يقال فيه قول زور.

4   ـ الآية الكريمة تتحدث عن القتال ، فى أرض المعركة. مجرد أن يلقى الجندى الكافر السلام يجب حقن دمه . لا علاقة لهذا بموضوع الصلاة فى مساجد الضرار. لنتذكر أن المنافقين كانوا يتمتعون بالحرية الدينية المطلقة فى المعارضة الدينية والمعارضة السياسية لأنها كانت معارضة سلمية ، حتى لو وصلت الى إقامة مسجد ضرار للتآمر . والتشريع الاسلامى هو الإعراض عنهم وعن أذاهم وعدم الإقامة فى مسجدهم . ولنتذكر ان من المؤمنين من كان يؤمن سلوكيا بمعنى الأمن والسلام وكان قلبيا يقدس القبور ( الأنصاب ) وهذا ضمن الحرية الدينية المطلقة فى الاسلام ، حيث تتأسس المواطنة على الاسلام بالمعنى السلوكى وهو السلام والايمان بالمعنى السلوكى وهو الأمن والأمان . وحتى الدولة الكافرة المسالمة يوجب تشريع الاسلام أن نتعامل معها بالبر والقسط طالما لم تحارب المؤمنين بسبب الدين ولم تقم بإخراج المؤمنين من ديارهم ولم تظاهر وتتحالف مع المعتدين عليها .قال جل وعلا : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)  الممتحنة ). مضطر لإعادة هذا هنا وقد قلته من قبل عشرات المرات. أرجو أن تقرأ لنا  وتريحنا .

4 ـ  هذه الرسالة تثير مشكلة فيمن يأتى لموقعنا ويقرأ ما ننشره الآن دون أن يقرأ لنا ماسبق . فى حوالى ألف كتاب ومقال وفتوى وتعليق نشرت أساسيات الاسلام من وجهة نظر قرآنية . ثم فيما بعد تتابع النشر فى التفصيلات تشريعيا وتاريخيا . الذى يحدث أن القادمين الجدد يقرأون الكتب والمقالات والفتاوى المنشورة حديثا فى التفصيلات ، وليست لديهم خلفية بما سبق . من المنتظر أن يؤثر هذا على فهمهم لتلك التفصيلات ، هذا مع أننى أحرص على تكرار بعض الأساسيات للتذكير. ولأن من الصعب على القادم الجديد أن يستوعب آلاف المنشور من كتب ومقالات وفتاوى فأضطر كثيرا الى إعادة التكرار والتذكير .

5 ـ نتوقف هنا ــ مجددا ــ مع الأساس الهام للشريعة الاسلامية ، وهو مفهوم الاسلام والايمان ، والذى تعرضنا له من قبل عشرات المرات.  ونرجو ان تكون هذه هى المرة الأخيرة

ثانيا : شريعة الاسلام مستمدة من معنى الاسلام ومعنى الايمان

1 ـ تفاصيل معنى الاسلام ومعنى الايمان سبق نشره فى بحث ( الاسلام دين السلام ) وبحوث أخرى عن معانى الاسلام والكفر وعن تشريعات القرآن فى القتال وعن زواج المسلمة بغير المسلم إذا كان مسالما. نرجو رجاءا حارّا الرجوع اليها .

2 / 1 ـ بإيجاز فإن الاسلام له معنيان : السلام فى التعامل مع الناس ، فأى إنسان مسالم فهو مسلم وليس لنا أن نحاسبه على ما فى قلبه لأن ذلك مرجعه الى الله جل وعلا يوم الحساب ليحكم بيننا وبينه فيما نحن فيه مختلفون. وهو نفس المعنى الظاهرى للإيمان ( آمن ل ) أى وثق وإطمأن . وعليه فإن دولة الاسلام فى عهد النبى تأسست على الحرية الدينية المطلقة ، وكانت المواطنة فيها بالاسلام الظاهرى أى السلام ، وبعض المؤمنين المسلمين ظاهريا بالسلام والمؤمنين بمعنى الأمن والأمان ــ  كانوا يعكفون على الأنصاب مع تكرار الأمر لهم بإجتناب الرجس من الأوثان وإجتناب الأنصاب أى القبور المقدسة . والأمر بإجتناب معابد الشرك والكفر يعنى عدم هدمها أو المساس بها تأكيدا للحرية الدينية المطلقة فى الاسلام.  ثم لا ننسى معارضة المنافقين التى فاقت الحدود دينيا وسياسيا ، ولكن فى إطار عدم حمل السلاح . لذا كان الاكتفاء بالإعراض عنهم فيكفى ما سيلقونه فى الدرك الأسفل من النار . ومن خلال هذا نفهم ما تكرر فى القرآن الكريم من الإعراض عن المشركين والمنافقين وعدم دخول مسجد الضرار  .

2 / 2 : والكفر والشرك بمعنى واحد ، وله معنى ظاهرى منه :

2 / 2 / 1 : ما يخص الشعائر والعبادات مثل تقديس البشر والحجر ، وهذا مُتاح فى الدولة الاسلامية فى مبدأ الحرية الدينية المطلقة ، إذ ليس من وظيفة الدولة الاسلامية إدخال الناس الجنة ، لأن الهداية مسئولية شخصية ومن إهتدى فلنفسه ومن ضلّ فعليها ، وللدين يوم هو يوم الدين الذى سيحكم فيه رب العالمين على العالمين .  

2 / 2 / 2 : ما يخص الإعتداء على المسلمين المسالمين . وهذا نوعان :

2 / 2/ 2/ 1 : نوع يقوم به ( إرهابيون ) داخل الدولة الاسلامية ، يقطعون الطريق يقتلون وينهبون ويخيفون الآمنين . هؤلاء يجب مواجهتهم بأقسى العقوبات لأنهم بهذا يحاربون الله جل وعلا ورسوله . قال جل وعلا : (  إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) المائدة )

2 / 2 / 2 / 2 : إعتداء يأتى من الخارج على الدولة الاسلامية . وهنا يجب رد الإعتداء بمثله ، ويستمر رد العدوان بإستمرار العدوان . فإذا توقف توقف الرد . ( البقرة 190 : 194 ) . بهذا يكون القتال فى الاسلام هو لتدعيم السلام ، وايضا الاستعداد للقتال هو لردع الذى يفكر فى الاعتداء حتى لا يعتدى ( الأنفال 60 ) .

2 / 3 ـ التوبة أيضا نوعان :

2 / 3 / 1 : توبة ظاهرية نراها ونحكم على أساسها ، وهى أنواع :  

2 / 3 / 1 / 1 : توبة الكافرين المعتدين من الخارج . أى بتوقفهم عن الاعتداء يغفر الله جل وعلا لهم : (  قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) الانفال ).

2 / 3 / 1 / 2 : توبة ( الإرهابيين ) المعتدين فى الداخل ، وهى تسقط عقوبتهم إذا تابوا قبل الصدام الحربى معهم ( الآية 34 من سورة المائدة ) .

2 / 3 / 1 / 3 : توبة الجندى المحارب فى الجيش المعتدى ، بتوقفه عن القتال ، سواء بإلقائه كلمة ( السلام ) ( النساء  94) أو بأن يستجير يطلب الأمان ( التوبة 6 ) . وفى الحالتين يتم حقن دمه .

2 / 3 / 1 / 4 : توبة من يقع الكبائر التى تخصّ حقوق الناس وحق المجتمع  فى الدولة الاسلامية ، مثل الزنا والقذف والسرقة والقتل . هى توبة ظاهرية تسقط بها العقوبة .

2 / 3 / 1 / 5 : والتوبة الظاهرية تعنى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بإلتزام السلام ونبذ الحرب ، وهذا ما جاء فى سياق التعامل مع من نكث العهد وقاتل المؤمنين بعد دخول مكة فى الاسلام ( الظاهرى ) . قال جل وعلا : (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)  )( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)  التوبة  )

2 / 4 ـ دخول العرب فى الاسلام أفواجا كان بمعنى الاسلام الظاهرى ، أى نبذ الغارات والحروب والتعايش السلمى . وقد إعتبره رب العزة نصرا وفتحا .هذا معنى قوله جل وعلا : (  إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) النصر ). النبى محمد رأى ما يحكم عليه وهو السلام . ولم ير ما فى القلوب ، فلا يعلم ما فى القلوب إلا علّام الغيوب (  وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ   (25) النساء) (  يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر) .

2 / 5 ـ حسب الاسلام الظاهرى والكفر الظاهرى يكون التعامل معها بإمكاناتنا البشرية   وفق الشريعة الاسلامية التى يكون تطبيقها بإمكانات البشر .

3 ـ الاسلام بالمعنى القلبى : بإخلاص الدين والعبادة لرب العزة جل وعلا إيمانا باليوم الآخر  . الاسلام هنا بمعنى التسليم والإنقياد للخالق جل وعلا فى السر والعلانية . هذا مرجعه ليس للبشر بل للخالق جل وعلا.

3 / 1 : هنا تكون التوبة ليس مراعاة للناس ولكن لرب الناس ، وتكون إقامة الصلاة بالخشوع فيها والمحافظة على التقوى فى غير أوقات الصلاة ( المؤمنون 1 ـ )

3 / 2 : من أجل هذا يتم تذييل آيات التشريع فى القرآن بالحض على التقوى ، وتكون العبادات فى الاسلام وسيلة للتقوى ، لأنه فى النهاية لن يدخل الجنة إلا المتقون .

3 / 3 : بالتالى فالمسلم سلوكيا والذى يتوب ظاهريا سيتفادى العقوبة فى جرائم الزنا والسرقة والقذف . لكن توبته لا يقبلها الله جل وعلا وينتظره الخلود فى النار .

3 / 4 : هذا مع ملاحظة أن هناك جرائم كبرى ( كبائر ) ليس لها عقوبات دنيوية فى تشريع الاسلام مثل الكفر العقيدى القلبى وشرب الخمر وممارسة الأزلام ( الزعم بعلم الغيب ) وأكل أموال الناس ظلما وأكل مال اليتيم وأكل أموال الورثة والربا الذى يقدم بديلا عن الصدقة . عقوباتها مؤجلة ليوم القيامة .

اجمالي القراءات 5370