حروب العرب القومية

سامح عسكر في الثلاثاء ٢٤ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الحرب الدينية لم يعرفها العرب المعاصرين قبل عام 2006

كل الحروب السابقة كانت قومية (عرب × يهود) ( وعرب × فرس) باعتبار أن اليهود والفرس قوميات أولا، ثم أديان ثانيا، والمؤرخ لهذا العصر يرى صعود القوميات من فترة الثلاثينات حتى أوائل التسعينات، والسبب لأمرين اثنين:

1- انهيار الخلافة العثمانية أدى لصعود موجة قومية بديلة وهي (الاتحاد العربي) وتم التنظير لتلك القومية نخبويا ودينيا حتى صارت حلما تجلى عام 45 في الجامعة العربية اللي فكرتها الأساسية كانت (بريطانية) صار أي حديث بعد ذلك يخص الدول الناطقة بالعربية هو باسم (الجامعة العربية) ثم غيرت مصر اسمها إلى (الجمهورية العربية) ..وهكذا..

2- بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية حرب العراق وإيران وتفكك يوجوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا..إضافة لصدمة غزو الكويت وحصار العراق..حدث زلزال عربي ثقافي خلص لفكرة مؤداها (استحالة وحدة العرب) اللي أسسوا جامعتهم لكي تكون (معادل قوة) ضد اليمين الليبرالي واليسار الشيوعي..وبدأت النخبة العربية والمفكرين والفلاسفة تصدير خطاب أزمة تخلوا فيه عن طموحات القوة اللي أساسها كانت جيوش انهارت مع غزو الكويت.

طب فيه أدلة على ذلك؟..

الجواب : طبعا..الملك فاروق قدم نفسه كزعيم عربي بعد حرب فلسطين، فحتى بعد الهزيمة ظل قصر عابدين قبلة لملوك وأمراء العرب ، وقبلها اتجهت السينما المصرية لإنتاج أفلام عن فتح مصر أشهرها لفؤاد الجزايرلي عام 1948 برؤية دينية مفادها أن العرب –مسلمين ومسيحيين – يد واحدة ضد الغازي الأجنبي، وأن عمرو بن العاص بعث من جديد في قصر عابدين، وأن حلم الوحدة العربية سيكون مع ملك مصر والسودان..

وهي نفس الفكرة اللي استمرت في عهد عبدالناصر بأفلام واإسلاماه والناصر صلاح الدين وخالد بن الوليد لحسين صدقي، حتى فيلم رابعة العدوية ربط بين الزهد والعفة وبين الثقافة العربية بنشأة رابعة في البصرة واختيارها مع جمهور غفير حياة الزهد في الجبال..حتى فيلم "بلال مؤذن الرسول" عام 52 تم تصويره على إن بلال (عربي) مع إنه حبشي، فنسوا الأصل وذكروا الفرع المراد تصديره لبنية عقل المشاهد..

لاحظ..أنت تتحدث عن (عرب) وليس (مسلمين) لأن التاريخ الإسلامي في السينما تم توجيهه لخدمة القوميات..ولمزيد من الحبكة الدرامية صورت 99% من الأفلام الدينية (بلغة عربية فصحى) رغم أن الفصحى لم تكن لغة محكية تاريخيا، هذه لغة كتابة ودواوين العصر الأموي ، وطورها سيبويه والفراهيدي في العصر العباسي..أما لغات العرب المحكية فمختلفة حسب القبائل ، والغريب جاءوا بالشوام واليمنيين يتحدثون الفصحى في زمن الرسول، رغم أن الشوام كانوا (أنباط سريان) واليمنيون عرب حميريين وسبأيين وحضارمة تحدثوا بلهجات مختلفة وكتبوا حروفهم بالخط المسند..

الدليل الثاني مع بداية حرب العراق وإيران قدم صدام حسين نفسه بصورة "زعيم العرب وحامي الجبهة الشرقية ضد الفرس" وتم التعامل مع إيران على أنهم فرس ثم انتزع منهم الوصف الإسلامي تماما، ولإقناع المشاهد بذلك وظفت السينما كما حدث مع صلاح أبو سيف في فيلم "القادسية" عام 1981 لعزت العلايلي وسعاد حسني، تم تصوير الفرس فيه على أنهم أصحاب شهوات وأغبياء ككفار قريش بالضبط..أما العرب تم تصويرهم بلباس أبيض وأخلاق حسنة..تخيل هم يسقطون هذا التعبير الأبيض على جيش صدام..بينما حياة الشهوات والملذات على جيش الخوميني اللي كله إسلاميين أساسا..!!!

فكرة الحرب الدينية لم تكن شائعة وقتها، كان يُنظّر لها في إطار ضيق بين نخب المتطرفين والتكفيريين، لكنها مجرد فكرة تم إشعالها بإنشاء أمريكا تنظيم القاعدة لأسامة بن لادن وتوجيه عملياته ضد السوفييت كما وظفوا المجاهدين الأفغان بالضبط..

أي أن فكرة الحرب الدينية أساسها "توظيف أمريكي" بالأساس لمتطرفي السنة خرج عن السيطرة واستفحل بعد 2011 بنشوء داعش ، وأنا اخترت عام 2006 في العنوان لأنه كان البداية الحقيقية للحروب الدينية بفتنة العراق المذهبية، اللي حصدت فيه أمريكا محصولها اللي زرعته في جماعة بن لادن، اللي كان يهم أمريكا وقتها استقرار العراق لتصدير نموذج شبيه باليابان، لكن تحولت العراق ليابان فعلا..ولكنه يابان من تحت مش من فوق..أي من أسفل القائمة..

اجمالي القراءات 4999