الحاكم إن عذّب قومه ، فليسوا قومه .!

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٢ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الحاكم إن عذّب قومه ، فليسوا قومه .!

مقدمة :

قمنا بتجميع مقالات العذاب والتعذيب ونشرناها كتابا هنا بعنوان ( العذاب والتعذيب : فى رؤية قرآنية ).كان مفترضا ان يكون العنوان ( العذاب والتعذيب فى لمحة أصولية تاريخية ) بقسمين : الأول عن رؤية قرآنية والآخر عن إنتقاء تاريخى لعصور التعذيب فى مصر فى عهد الخلفاء والمماليك والعثمانيين وفى عصر العسكر المصرى الحالى. رأيت الاكتفاء بالرؤية القرآنية ، فقد تعرضنا للتعذيب تاريخيا فى كتب ومقالات سابقة. وأقول :

أولا :

1 ـ نحن أهل القرآن من ضحايا التعذيب برغم انه ليس لنا على الاطلاق طموح سياسى أو دنيوى. نحن مسالمون ندعو الى إصلاح سلمى دينى وسياسى وإجتماعى واخلاقى ، ونرجو أن يتحقق بأقل تكلفة وبلا دماء . إلّا إن تحالف الاستبداد مع الكهنوت يرانا خطرا يجب إستئصاله مقدما . هم ينسون أن الأفكار لا يمكن إستئصالها ، ويستحيل مطاردتها أمنيا وعسكريا ، ومن يواجهها بسلاح القوة كمن يطارد خيط دخان ، بل يزيدها إنتشارا ، وشكرا لهم فهم بحمقهم زادونا إنتشارا.

2 ـ نحن نناضل ضد تعذيب الحاكم للناس لأن التعذيب هلاك للناس . بداية الاستبداد أن يلجأ حاكم الى إرهاب الناس بالتعذيب فيقهرهم فيذعنوا لاستبداده خوفا من تعذيبه. بهذا لا يمكن ان يكون هذا الحاكم المستبد منتميا لقومه،إذ جعل نفسه وملأه أسيادا لهؤلاء القوم.  

3 ـ يكون من أوائل ضحايا التعذيب والقتل والاضطهاد المفكرون وأهل الكفاءة وخيرة المجتمع ، وبإستمرار الاستبداد مع التعذيب يتم تجريف المجتمع من خيرة أبنائه ، يتم سحقهم وإسكاتهم ونفيهم وتغييبهم بين السجون والمنافى والقبور. فلا يبقى معه إلا أراذل الناس وأسافل الرعاع ، الذين يتم تلبيسهم وزخرفتهم ليلعبوا دور رجال الدين ورجال الإعلام ورجال الحكم ورجال الدفاع ورجال الأمن . هم ( أهل الثقة ) قادة الدولة العميقة القائمون بالتعذيب والمدافعون عنه. أما ( أهل الكفاءة ) فقد تم محوهم .!

4 ـ بالتعذيب ينقسم الشعب الى أقل الأقلية وهم المستبد ودولته والشعب المقهور . لا يكون من سبيل للنجاة أمام أفراد هذا الشعب سوى خدمة المستبد فى ظلمه . يزدحمون على أبوابه ينتظرون فرصة أن يكونوا من زمرة دولته. فرعون موسى إستدعى السحرة وهم من الشعب ، فرحبوا بخدمته وطلبوا الأجر مقدما ، ولأنه كان محتاجا اليهم ليواجه بسحرهم موسى فقد وعدهم بالأجر وأن يكونوا ايضا من المقربين من الملأ . قال جل وعلا : (  وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (114)) الاعراف ).

5 ـ ليس فى دول الاستبداد آليات ديمقراطية لتبادل السلطة . يظل المستبد فى سلطانه الى أن يموت أو يُقتل أو يُعزل ، ويتولى مستبد آخر يتخلص من الحرس القديم وممن أعانوه ويأتى بحاشية جديدة ، ويسير دولاب الحكم على الفساد والتعذيب . خلال أجيال من هذا القهر والتحكم فى التعليم والاعلام والثقافة والمساجد يحدث إنحلال أخلاقى للمجتمع مقترنا بتدين سطحى وإحتراف دينى وتخلف عقلى ، حيث تسود ثقافة الرعاع لا فارق بين رجال الدين ورجال الإعلام والسياسة والفن والإدارة والحكم. تذوب الطبقة الوسطى ـ صمام الأمان ــ فتتسع الفجوة بين المترفين والجائعين . ويحدث إنفجار ، قد يأتى من الداخل كما حدث فى الصومال بسقوط زياد برى وكما حدث فى ليبيا بسقوط القذافى ، وقد يأتى من الخارج كما حدث فى العراق . النتيجة تدمير الوطن ، وربما تقسيمه ، ثم يتلاعب بمقدرات الوطن أراذل الناس وأراذل الرعاع من الذين بقوا تحت سيطرة المستبد السابق ، وهم أكثر فسادا منه . الذين توارثوا حكم العراق بعد صدام نهبوا أكثر من ألف بليون دولار من ثروة العراق ، وعرفنا هذا من تهديد الرئيس الأمريكى بتجميد ثرواتهم التى هربوها الى أمريكا. وأمريكا ليس البلد الوحيد الذى هربوا أموالهم اليه ، هذا مع أن العراقيين يعيشون تقريبا بلا خدمات تعليمية أو صحية .!

6 ــ لا يقتصر الأمر على هذا . لا يكون أمام الشعب الخانع المرعوب من ماكينة التعذيب سوى إستمرار الصمت الى أن يصل الى الخيار المؤلم بين الموت جوعا وقهرا وبين الثورة الغوغائية . الثورة الغوغائية قد يتم إخمادها أولا ، ولكن لا تمنع من ثورات أخرى . وهذا ما حدث وما سيحدث فى سوريا .

7 ـ بإستمرار التعذيب والقهر لا مفر من حرب أهلية . حتى لو لم يردها الشعب فإن هناك من يريد هذه الحرب الأهلية من مراكز قوى فى الداخل ، ومن قوى إقليمية ودولية فى الخارج. المستبد يجهّز لهم المسرح الذى يلعبون عليه . والقوى الخارجية ــ بعد أن تستفيد من المستبد ـ ترى ــ عندما يتزعزع سلطانه ــ ان مصلحتها فى التخلص منه . أمواله المهربة فى الخارج فى البنوك وفى الشركات والعقارات ستئول الى تلك الدول ، ثم إن الحرب الأهلية ستنعش مصانع وتجارة السلاح .

8 ــ فى العصور القديمة والوسطى كان الاستبداد والفساد والتعذيب  دينا أرضيا تأسست دعائمه بتحالف الاستبداد والكهنوت . بدأ الغرب التحرر من هذه الثقافة ، ولم يكن الطريق سهلا . يكفى إسترجاع تاريخ فرنسا منذ ثورتها الى أن حققت ديمقراطيتها الحالية ، والتى رأينا من مظاهرها مؤخرا أزمة سياسية طالت الرئيس ماكرون لأن حارسه الشخصى تم تصويره وهو يضرب متظاهرا .  من عهد لويس السادس عشر الى عهد ماكرون قطعت فرنسا شوطا طويلا ، وقدمت مئات الألوف من القتلى قربانا للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان . كان يمكن أن يكون الثمن أفظع وأن يكون التحول الديمقراطى فيها أطول لولا أن البداية الفرنسية سارت فى طريقها الصحيح بوقوفها ضد الكهنوت والاستبداد معا ، خلال كتابات مفكرين عظام مثل فولتير وجان جاك روسو . ومع هذه البداية الصحيحة عانت فرنسا حتى تغيير ثقافتها من الخنوع الى العزة .  

9 ـ إذا كانت للمفكرين الفرنسيين بعض كتب فلقد نشرنا آلاف الكتب والمقالات والفتاوى والتعليقات والفيديوهات . كان النشر محدودا فى عصر فولتير وجان جاك روسو ، وهو الان متاح عبر الانترنت . المشكلة التى نواجهها أننا نواجه الجميع معا ، الكهنوت الشيعى والسنى والوهابى والمستبد المصرى والعربى والايرانى والأفغانى . نواجه الجميع بإمكانات شبه معدومة . وأهل القرآن تحت سلطانهم ، وهم برغم تناحرهم فهم ينسون خلافاتهم ويتحدون ضدنا . هذا بينما الأغلبية التى نحمل همومها غائبة ، ومن يتكلم منها فهو موبوء بثقافة العبيد والخنوع ، وقد تم إفساد عقله بتعليم فاسد ودين فاسد وإعلام فاسد ، فينطلق هجوما علينا .

10 ــ نحن نهتدى بهدى النبيين . نناضل ضد التعذيب وضد الفساد والاستبداد خوفا على قومنا. ونرى أن الاستبداد يُفضى الى تأليه المستبد خصوصا مع تحالفه مع الكهنوت التابع له. نوح عليه السلام فى وعظه لقومه كان يؤكد لهم خوفه عليهم. قال جل وعلا :(لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)  ) الاعراف ). نحن نخاف على قومنا .

11 ــ نحن نخشى أن يأتى لمصر يوم بحمامات دم وحروب أهلية تنتشر فيها الجثث بالملايين . نخشى أن نقول ما قال النبى صالح لجثث قومه بعد هلاكهم : ( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) الاعراف ) وما قاله النبى شعيب لجثث قومه بعد هلاكهم : ( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) الاعراف ).

12 ـ مصر أقدم دولة عميقة تأسست ولا زالت مستمرة حتى الآن بإستبدادها وتعذيبها الشعب المصرى. العمود الفقرى لهذه الدولة المصرية العميقة يتمثل فى ( فرعون) يتبعه جيش هم أساس الملأ والحكومة. التعذيب فى هذه الدولة المصرية العتيدة ثقافة متأصّلة يمارسها المجرم  روتينيا ، ويتحملها  الضحية روتينيا . هى عادة سيئة مصرية ( رائعة ).!

13 ـ هنا لا فارق كبيرا عن مصر القديمة ومصر المملوكية ومصر الحديثة . هناك فارق ضئيل وخطير . الفرعون يكون احيانا مدنيا يستخدم جيشه فى التعذيب ، وهذا ما كان عليه الملك فاروق الذى إستخدم جيشه ( عصا ) يضرب بها المصريون كما قال عبد الناصر . بالتالى كان التعذيب فى عهده حسب الحاجة ، وكانت فيها فترات تتوقف فيها آلة التعذيب عن إذلال المصريين. هى خبرة مصرية مأخوذة من تعامل الفلاح المصرى مع الماشية التى تدور فى الساقية ،يهز السوط فيقعقع بما فيه من حلقات حديدة تسمعها الماشية فتسرع بالدوران بالساقية وهى معصوبة العينين . وينام الفلاح بجوار مدار الساقية مستريحا ، ثم إذا رأى تهاونا من البقرة أو الجاموسة أعاد هزّ السوط فتسمع البقرة او الجاموسة القعقعة فتسرع بالسير. هذا ما كان يفعله فاروق وأسلافه بالتعذيب عند الحاجة .

جاء عبد الناصر بحكم الجيش ، ولا يزال عسكر الجيش يحكم مصر حكما مباشرا. أى أصبحت عصا التعذيب هى التى تحكم بنفسها المصريين . الجيش أو (عصا التعذيب ) لا تجيد سوى مهمنتها ، وهى التعذيب . وتجد فى التعذيب الوسيلة الواحد للحكم ولتحقيق إنتصار على الخصم. والخصم هنا هو الشعب المصرى الأعزل .

14 ـ كانت هناك بعض إنجازات لعبد الناصر وللسادات ، لم تكن  لمبارك أى إنجازات أو إنتصارات سوى إنتصاراته على الشعب المصرى. تخلى الجيش عن حسنى مبارك خوفا من أن يعين ابنه جمال رئيسا ، وهو من خارج المؤسسة العسكرية ، وهذا من الكبائر عندهم. لذا سمح الجيش بثورة 2011 وتم خلع مبارك وحمايته فى نفس الوقت ، وسمح الجيش لأن يتولى الاخوان المسلمون الحكم ظاهريا لفضحهم وتوضيح جهلهم وغبائهم ، وأطلق الجيش بدولته العميقة مظاهرات ضد الاخوان حملت ضابطا مغمورا ليكون رئيسا لمصر ، هو عبد الفتاح السيسى. هذا السيسى كافأ المصريين خلال اربع سنوات بتعذيب وإذلال وإفقار وتحقير ونهب وسرقات وفساد يفوق عهود عبد الناصر والسادات ومبارك . وهو يعد نفسه ليكون فرعونا مدى الحياة ، وقد قام بترسيخ أنجاله فى العسكر كى لا تكون هناك عقبه فى توريث أحدهم الحكم ، تلافيا لخطأ مبارك .

أخيرا :

1 ـ  بالتعذيب بدأ الاستبداد فى مصر ولا يزال مستمرا . وبسبب التعذيب سيسقط إن آجلا أو عاجلا حكم العسكر لأنه يناقض ثقافة عصرنا . مهما بلغت قوة العسكر فنهايتهم قريبة لأنهم خارج ثقافة العصر . الديناصور نفسه ــ مع جبروته وقوته فى عصره ـ فقد إندثر عندما إنتهى عصره. عسكر مصر يعيشون ضد ثقافة عصرنا ، ولا بد من سقوطهم .

2 ــ  المؤسف أن سقوطهم لن يكون سهلا سيحتاج الى حمامات دم . عدد المصريين يقترب من المائة مليون . نخشى أن النيل ــ  الذى يقترب من الجفاف ــ قد لا تكفى مياهه فى المستقبل القريب لحمل ملايين الجثث .

3 ـ لهذا سنظل نناضل ضد التعذيب خوفا على مصر والمصريين بمن فيها من أكابر مجرميها. .

4 ـ يا حسرتا على مصر..!!

اجمالي القراءات 4476