فهمي لسورة التوبة ( الجزء التاسع )
فهمي لسورة التوبة ( الجزء التاسع )

أسامة قفيشة في الثلاثاء ٢٩ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

فهمي لسورة التوبة ( الجزء التاسع )

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) 71 التوبة :

هنا يأتي الحديث عن المؤمنين الحقيقيين ممن ينصاع لأمر الله جل وعلا و لا يعصي أوامره فلبى نداء النفير و بدأ بتجهيز نفسه و الاستعداد لما هو آت , طاعةً لله و لرسوله .

( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) 72 التوبة :

بيان وعد الله جل وعلا لهؤلاء الصادقين و ما سيلاقونه في الحياة الآخرة , و يذكرهم برضوان الله جل وعلا الذي نالوه سابقاً لموقفهم و سلوكهم , و يبشرهم برضوانٍ جديد آخر و أكبر من الرضوان السابق نتيجة موقفهم الجديد , و الرضوان هو الرضا و القبول .  

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) 73 التوبة :

1 - هنا تأكيد بأنه و بعد أن تحولت حاله النفاق بعد كشفها من الباطنية إلى العلنية , نلاحظ بأن المنافقون قد أصبحوا معروفون و معرّفون للنبيّ و للمؤمنين .

2 - تم تبيان بأنه لا فارق بين هؤلاء الأتباع المنافقون و بين الكفار .

3 - مصطلح جاهد يختلف عن مصطلح قاتل , لذا وجب التنبيه , و الأمر بجهادهم هنا هو صدهم و دحض ادعاءاتهم , و عدم التهاون أو اللين في ذلك , أما إن اعتدوا و بادروا بالقتال فهنا من الطبيعي مقاتلتهم تماما كمقاتله إي معتدي آخر .

4 - المصير النهائي لهؤلاء المنافقين هو جهنم كما هو مصير الكافرين , بل هم أشد درجه حيث أخبرنا جل وعلا في موضع آخر بأنهم في الدرك الأسفل .

( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ) 74 التوبة :

1 - نلاحظ بأنهم و بعد استهزائهم و تمردهم و عدم اكتراثهم بأن الله جل وعلا قد فضح أمرهم , نلاحظ البدء بتحول نهجهم من حالة السلم ( بعد إسلامهم ) إلى حالة البدء في الكفر السلوكي العدواني , و هو التحريض على العدوان و الاعتداء , ( و لقد قالوا كلمة الكفر ) و كلمة الكفر تلك هي ( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) 8 المنافقون , لاحظ هنا قولهم فيه تهديد بالاعتداء على النبيّ و إخراجه من المدينة إن عادوا إليها مجدداً , هذا التهديد و الوعيد هو اعتداء لفظي أي ( كفرٌ لفظي ) .

2 - ( وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ) هنا الحديث فيه ما فيه , فهؤلاء المنافقون و بعد عودتهم لمكة جاء إعلان فضحهم و كشفهم من الله جل وعلا , و لقد اعترفوا بهذا بلسانهم دون خجلٍ أو وجل , و هنا نلاحظ أنه في سابق عهدهم في الوقت الذي لم يكونوا معروفون فيه بأنهم منافقون , فقد همّوا بتنفيذ هذا الأمر سابقاً و هم في المدينة ( إخراج النبيّ ) , و لكنه قد باء بالفشل أي أن ذلك كان مجرد محاوله أو تخطيط دون أن تكتمل عناصره فلم ينفذ , و سيأتينا لاحقاً ما كان يخطط و يرصد له من أجل الفساد و الضرر في مسجد الضرار .

3 - الاستغراب من نقمتهم تلك تجاه النبيّ عليه السلام رغماً بأنه كان يرعاهم و يرعى متطلباتهم الأساسية و يمنحهم المال لقاء حاجاتهم الأساسية و ضرورات الحياة , فأصبحوا في غناً عن تسولها و هذا أكبر فضلٍ من الله جل وعلا .

4 - الإبقاء على باب التوبةِ مفتوحاً أمام هؤلاء , إن أرادوا التوبة و الفلاح ( أنظروا لعظمة هذا الدين و تسامحه و حرصه على الإنسانية و البشرية , و رفضه لمنهج الانتقام المباشر ) , فإن تابوا فذلك خيرٌ لهم , و إن رفضوا و تولوا فأمرهم متروكٌ إلى الله جل وعلا وحده , هو من يعذبهم على كفرهم الفكري و نفاقهم العلني .

( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ) 75-77 التوبة :

1 - كان هؤلاء المنافقون يعاهدون الله جل وعلا , و لكنهم لا يلتزمون بالوفاء بهذا العهد , و هذا الفعل كان بشكلٍ متكرر . 

2 - تكرار كذبهم و استمراره أدى إلى حالة نفاقٍ تراكمي .

3 - فما كان من الله جل وعلا إلا أن أعقب قلوبهم نفاقاً على نفاقهم السابق , و أصبحت قلوبهم لا تتسع سوى للنفاق , و هنا نلاحظ بأن العفو الإلهي لم يعد ليشملهم مجدداً ( و تحدثنا سابقاً بأن مفهوم التوبة يقتضي العفو , و لكن إن تكرر الفعل مراتٍ و مرات , فيسقط بذلك مفهوم التوبة و يسقط معه مفهوم العفو ) .

( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) 78 التوبة :

1 - كيف لهؤلاء من معاهدة الله جل وعلا و نقض هذا العهد مراتٍ و مرات ! و هل يظن هؤلاء بأن الله جل وعلا لم يكن يعلم مسبقاً بأنهم سينقضون العهد , لذا قام بمنحهم فرصاً أخرى !

2 - إن منحهم لتلك الفرص لا يعني أبداً عدم معرفة الله جل وعلا بسريرتهم و نواياهم , و إنما ذلك لعظمة هذا الدين الذي لا يحكم على النيّة و لا يحاسب عليها , و إنما يحاسب و يحكم على الفعل العملي و ما تقترفه يداك . 

اجمالي القراءات 4373