قريش و المشركون و النبيّ
قريش و المشركون و النبيّ

أسامة قفيشة في الثلاثاء ٠٨ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

قريش و المشركون و النبيّ

هل نجحت قريش و المشركون من تصفية النبيّ جسدياً ؟

و هل نجحت في تصفية الرسالة فكرياً و معنوياً ؟

و هل استطاعت من تشكيل حكومة ظلٍ في المدينة ؟

و هل النهج القرشي المشرك مستمرٌ إلى يومنا ؟

نقف هنا على ما آلت إليه الإحداث بعد المعاهدات و المواثيق التي أبرمتها قريش مع النبيّ عليه السلام بما يعرف ( عهود المسجد الحرام ) , و من الواضح أدت تلك المعاهدات لفتح مكة و عودة المسلمين لبيوتهم دون استقرار النبي فيها , بل عودته و رجوعه للمدينة و هذا يدل على عدم سيطرته على إدارتها بل بقيت قريش هي المسيطر على تلك الإدارة ,

و استشعرنا بأن قريش قد دخلت في حالة السلم و الأمن مع النبي عليه السلام و خضعت كباقي القبائل العربية التي دخلت في تلك الحالة أفواجا , إن خوف قريش من المواجهة العسكرية دفع بها لإبرام الصلح و التصالح مع الإبقاء سراً على هدفها الإستراتيجي بالبقاء في سدة الحكم لتلبية مصالحها السياسية و الاقتصادية و تبقى هي القوة المهيمنة , و لجئت لأساليب المكر و الدهاء و التخطيط و العمل في الخفاء من أجل القضاء على مشروع الدولة الإسلامية و على رأس قائدها  كي تتخلص من هذا النهج و الفكر اللذان يتناقضان مع أهداف و مصالح قريش الدنيوية .

يقول جل وعلا ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) 144 آل عمران :

نلاحظ بأن الله جل وعلا قد تحدث عن احتمالية مقتل نبيه محمد عليه السلام , و جعل حدوثه أمراً ممكناً , فذكره لنا و لم ينفي إمكانية وقوعه , شأنه شأن من سبقه من الرسل و الأنبياء الذين تعرض البعض منهم للقتل المباشر ,

و لكن قد يقول قائل بأن تعرض النبي عليه السلام للقتل غير وارد مستشهداً بقول الله جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) 67 المائدة , و هنا نقول :

العصمة هنا مرجعها للرسالة ( القرآن ) و التي تشير إلى حفظها و حمايتها من أي تبديل أو تحريف ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) , و العصمة تقتضي بحماية و حفظ رسول الله في أدائه لمهمته التي كلف بها في تبليغه لما انزل إليه من ربه , ثم تستمر العصمة و الحفظ من بعده للرسالة التي أوصلها لنا , فعصمة الرسول من الناس مرتبطة بنزول الرسالة حتى يبلغ آخر حرفٍ منها و حمايته في تبليغها مقتصرةٌ على حمايته في عصمته من القتل فقط طيلة فترة التبليغ , نظراً لتعرضه عليه السلام لعدة اعتداءات جسدية و تعرضه بشكلٍ دائم للاعتداء اللفظي ,

فهل تعرض عليه السلام للتصفية الجسدية بعد انتهائه من تأديته لواجبه !

قريش بسادتها و زعمائها و بعد أن وقّعت العهود و المواثيق مع النبي عليه السلام بعد عدائها الطويل باتت تبحث عن وسائل و بدائل أخرى تمكنها من البقاء و الحفاظ على مصالحها فارتأت بأن تمتطي تلك الموجه العارمة و تمسك بزمام الأمور و تسيطر عليها كي تتمكن من تنفيذ أجنداتها بتغيرها الشكلي و الظاهري فقط دون أي تغير يذكر بجوهر عقيدتها و فكرها العدواني ,

و بدأت في إعداد العدة و التجهيز لهذا اليوم لتضع يدها على تلك الدولة و ذاك الجيش و تسخرهما معاً لخدمتها , و هذا يستدعي لحشد كل الطاقات و الإمكانات , و رص صفوفها من المقربين و المنافقين و المشركين و المنتفعين من كبار و أكابر الشخصيات الذين يهمهم بالدرجة الأولى مصالحهم الفردية و أموالهم و أولادهم و تجارتهم , فبدا العمل بنشر الشائعات و البلبلة و بتبديل و تزوير الحقائق و حرف المسار الفكري و المنهجي لهدم هذا المجتمع المدني و محاربته من الداخل , و العمل على زعزعة ركائزه الفكرية و الأمنية و التربوية فقال جل وعلا ( لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ) 60 الأحزاب ,

و هذا كله غيرُ مستبعدٍ عن دهاء قريش و مكرها حيث يقول جل و علا لنبيّه عليه السلام و هو متواجدٌ في المدينة ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) 30 الأنفال , و هنا جاء الحديث بصيغة المضارع في دلالةٍ على استمرار هذا المكر و التخطيط دون توقف ,  

فهل نجحت قريش في مكرها الذي يستهدف النبي و دولته على كل الأصعدة و الجبهات و استطاعت من حرف هذا المسار !

كل هذا التخطيط القرشي يستلزم الكثير من اللقاءات و المناقشات و الاجتماعات التي لا بد من عقدها للبحث في مجريات الأمور و ترسيم الأهداف و الأولويات , فكان لا بد من تحديد مكانٍ لهذا الأمر و ما مسجد الضرار عن ذلك ببعيد ,

حيث يجتمع فيه أكابر القوم و كل المتآمرين الذين تم تجنيدهم من قبل قريش للتسريع في تحقيق أهدافها بالعمل على تفريق المؤمنين و رصدهم و الترصد بهم من أجل إسقاط دولتهم من الداخل و من ثم الانقضاض و السيطرة عليها ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) 107 التوبة ,

فهل كان أعضاء حلف الضرار و قادته هم بمثابة حكومة الظل التي أسستها قريش بالمدينة !

و خير شاهدٍ ما آلت له الأمور بعد رحيل النبيّ عليه السلام تاركاً هذا المجتمع المدني الذي أسس أركانه و الذي يعتمد في حكمه و إدارته على الشورى , و عدم احتكاره و تفرده بالحكم , فسرعان ما أعلنوا ( الأئمة في قريش ) و ( الملك في قريش ) و ( الخلافة في قريش ) و ( سيكون من بعدي أمراء فأدوا إليهم طاعتهم ) !

و حتى نبكي أو نضحك فقد قالوا (‏ ألا إن الأمراء من قريش ألا إن الأمراء من قريش ما أقاموا بثلاث‏:‏ ما حكموا فعدلوا ، وما عاهدوا فوفوا ، وما استرحموا فرحموا ) !!

ألا إنهم قد حكموا و لم يعدلوا و عاهدوا و لم يوفوا و استرحموا فما رحموا ..

و قالوا ( ألا ولا تقدموا قريشاً فتضلوا ، ولا تخلفوا عنها فتهلكوا ، ولا تعلموها فهم أعلم منكم‏ .‏ قوة رجل من قريش أفضل من قوة رجلين من غيرهم ‏.‏ لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله تعالى ، خيار قريش خيار الناس‏ ) فأي فجورٍ أكبر من هذا !

فالمكر الذي مكرته قريش في ذلك الوقت و النهج الذي انتهجته في وصولها لسدة الحكم لا يزال حاضراً و فعالاً حتى يومنا هذا , حيث يعمل قرشيو اليوم و على مر العصور على امتطاء الدين برجاله و من حرفه عن مساره لتحقيق أهدافهم و سيطرتهم على عقول و إرادة الشعوب .

فهل نرى مدى نجاعة هذا النهج و قوته ! إنه حقاً نهجٌ شيطاني تغلغل بهم و سيطر عليهم !

( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) ...

( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) ...

اجمالي القراءات 4318