ملامح القتال و تشريعاته – 1
ملامح القتال و تشريعاته – 1

أسامة قفيشة في الأحد ٢٢ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

ملامح القتال و تشريعاته – 1

تحدثنا سابقاً عن الهدف السامي لخلق الإنسان , و قلنا بأن الله جل وعلا ما كان ليخلقه من أجل الفساد و سفك الدماء , و إنما قد خلق هذا المخلوق من أجل الإصلاح و حقن الدماء و هذا هو الهدف من وجوده على هذا الأرض كخليفة و هذه هي الغاية من تواجده , أما قضية أيمانه بالله جل وعلا رباً من عدمه فهذا حسابه عند الله و مؤجلٌ ليوم الحساب .

و قلنا بأن سفك الدماء هو توأم الفساد و منسجمان مع بعضهما البعض , فالقتل و سفك الدم هو نتاج الفساد لا محال , و عليه فالقاتل فاسدٌ و عمله فاسد ,

و الدين الإسلامي العظيم يحرم على أتباعه سفك الدم كما يحرم عليهم الفساد , و قلنا بأن الفساد و سفك الدماء هي سبيل الشيطان و عليه فإن القاعدة التشريعية العامة لا تجيز و لا تبيح هذا الأمر .

و لكن يظن أصحاب الهوى بأن القتال هو غايةٌ مشروعة , و يلتبس عليهم هذا الأمر نظراً لثقافة المستبد الذي يسوغ لهم هذا الأمر , و لتراثهم التاريخي الفاسد , و نظراً لتدينهم السطحي الذي يتماشى مع أهوائهم , فلا عجب بأن يطالب هؤلاء من شعوبهم من فوق كل المنابر بالقتال و التحريض تحت مسميات و تبريرات لم يجز الله جل وعلا لأتباعه بالقتال لأجلها ,

و هم و بكل وقاحة و خبث يستغلون القاعدة التشريعية الخاصة التي تجيز القتال و يجعلونها فوق القاعدة التشريعية العامة التي تحرم القتال .

في هذا المقال سنبين القاعدة التشريعية الخاصة التي تجيز القتال و سنتناول أهم الآيات التي من الممكن لعامة الناس من أخذها على غير مرادها و هذا ما يفعله المجرمون المتدينون المعتدون ,

القاعدة التشريعية الخاصة التي يجيز بها الله جل وعلا لنا هذا الأمر تقول ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) :

هنا نلاحظ بأن هذا التشريع الخاص لم يأتي إلا بعد التذكير و التشديد على القاعدة التشريعية العامة التي لا تجيز القتل فقال سبحانه و تعالى قبل الإجازة ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ ) أي يا أيها الناس لا تقتلوا النفس - لأن قتل النفس محرمٌ عليكم - ثم تأتي الإجازة مشروطةٌ ( إِلاَّ بِالْحَقِّ ) و حق النفس كما قلنا بأن لا تقتل فما هو هذا الحق الذي يجيز لنا قتلها !

و القتال هو سفكٌ للدم و قتلٌ للنفس أيضا و إجازته مرتبطةٌ بتلك القاعدة و هو الحق !

و هذا الحق هو ارتكاب النفس للقتل العمد فقط و ممارسة هذا السلوك الشيطاني , أي لا يوجد إجازة للقتل إلا تلك , و كل من يجيز أمراً آخر فتلك الإجازة من عنده و هو مجرمٌ بحق نفسه و مجرمٌ بحق من استمع إليه و مجرمٌ بحق النفس التي أجاز قتلها , و هو داعية فساد و سافكٍ للدم .

فالقتل من نصيب القاتل بعينه فقط , و لا علاقة لدينه أو لأهله أو لبلده أو لدولته أو لجنسه , بل يحصر تنفيذ القتل بذاته و لا يتعداها تحت أي ظرفٍ من الظروف أو أي حالةٍ من الحالات .

و تحت هذه القاعدة الخاصة يندرج الجهاد و لا يتعداها , و لأن الجهاد هو سفكٌ للدم و قتلٌ للنفس و لكي يتحول من فسادٍ إلى إصلاح فهو يخضع لتلك القاعدة و ضوابطها فلا يتجاوزها و لا يتعداها , و من التزم بتلك الضوابط كان قتاله في سبيل الله جل وعلا , و من تعدى تلك الضوابط كان قتاله في سبيل الشيطان .

و هنا سنبين ما هي سبيل الله جل وعلا في القتال العام و الشامل ( الجهاد ) :

و لكن في البداية علينا بأن نضع صوب أعيوننا بأن الغاية من تلك الإجازة هي صد الاعتداء في درء البغي و رفع البأس المتمثل في هذا العدوان , و هنا لا بد من أن يحتوي ( البغي و البأس و العدوان ) جرم القتل و هذا شرطٌ أساس في إجازة الجهاد كي يكون في سبيل الله جل وعلا و بدونه يكون قتالاً في سبيل الشيطان , و بأن الحكمة من إجازة القتال هي تحقيق العدل و رفع الظلم ليتحقق بذلك الهدف السامي و هو صون النفس الإنسانية و حفظ كرامتها و حقها في العيش بسلام و أمن و دون أي ظلم .

و أي قتال كان سببه غير هذا فهو كفرٌ و عدوانٌ و صدٌ عن سبيل الله جل وعلا و هو في سبيل الشيطان الذي يدعو للفساد و سفك الدماء , فلا ينخدعن أحدٌ بأن هناك قتالٌ مفروضٌ ضد أحدٍ من البشر من أجل إجباره على الدخول في دينٍ معين أو من أجل الدعوة لأي معتقدٍ أو فكر , أو لتنفيذ مصلحةٍ عامه أو لسببٍ اقتصادي أو سياسي أو تحريراً لأرض أو .. أو ..

فالقتال في سبيل الله جل وعلا لا يوجد فيه أي اعتداء بل موجهٌ بشكلٍ مباشرٍ ضد المعتدين الذين يمارسون القتل , أي أنه لا يبدأ بالقتال لأن من يبدأ بالقتال هو المعتدي مهما كان دينه أو مهما ملك من قوة , فحين يتم الاعتداء على أحد فإن المعتدى عليه يكون قد امتلك الحق الذي تحدثنا عنه و الذي يجيز القتل ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) , فيقول سبحانه في هذا ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) 190 البقرة .

و يزاد الأمر تشديداً في إجازة القتل بإضافة شرطٍ آخر يجب من توفره فيقول سبحانه ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) 33 الإسراء , فلا بد بأن يثبت على المقتول بأن يكون مظلوماً , فعلى سبيل المثال فلو دخل لصٌ لمكان كي يسرق و أطلق النار خوفاً كي يحمي نفسه و قام أحدهم بقتل هذا اللص , فاللص هنا ليس بمظلوم فلا يتم قتل قاتله , و هذا الشرط يسري على الجيش المقاتل في سبيل الله جل وعلا أي ( الجهاد ) فلا يجوز قتل من لا يحمل السلاح و كان متواجداً ضمن المعتدي أو تابعاً له أو في المناطق التي يسيطر عليها كالأطفال و الشيوخ و كل من لا يحمل سلاحاً يهدد به ,

كما أنه يشترط على المقاتلين في سبيل الله ( المجاهدين ) و هم في ذروة قتالهم بأن لا يعتدوا ( وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) و الاعتداء يشمل كل شيء كالتخريب و التدمير للممتلكات و التصرفات الغير إنسانية أو اقتحام البيوت أو النهب و السرقة إلى آخره من التصرفات التي تعد فساداً في الأرض  ..

و الحديث يطول في الشرح و التوضيح و بيان الأحكام لذا أتوقف هنا في هذا المقال و أكمل في بيان تلك الأمور لاحقاً , كي ننظر في كلام الله جل وعلا حين الحديث عن القتال في سبيله و خضوع هذا الأمر للقاعدة التشريعية الخاصة و المشروطة التي أجاز لنا بها سبحانه و تعالى هذا الفعل .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين  

اجمالي القراءات 4430