ليلة وفاة الرسول عليه السلام .

عثمان محمد علي في الثلاثاء ١٧ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 

القسيس مرقص المصرى تاجر عطارة وبُهارات وأعشاب طبية  فى منطقة بلبيس بشرق مصر ،وزوجته السيدة دميانة شُكرى كانا مسيحيين  مُتدينين ومن خُدام الكنيسة ، ويتلون الإنجيل ويُقيمون الصلاة  ومن المؤمنين ببعثة نبى بعد عيسى عليه السلام جاءت بشارته فى التوراة والإنجيل أسمه احمد .وظلا ينتظران بعثته وظهوره سنين طويلة لعلهما يحظيان قبل مماتهما  بالإيمان معه بالله الواحد الأحد ،ليقرأون رسالة الله التى ستنزل عليه كما نزلت من قبلها رسالة التوراة والإنجيل على موسى وعيسى(عليهم السلام ).

 وفى يوم من الأيام استقبلا فى بيتهما  تاجرا يمنيا جديدا اسمه ((سلمان )) احد  تجار العطارة والبُن  كان ابوه  قبل ذلك هو من يتعامل معهم و يُحضر لهم من اليمن  ما يلزمهم من بضاعة لتجارتهم مرتين  كل عام .

فسأله القسيس مُرقص قائلا : لماذا لم يحضر والدك  هذه المرة  ،

 سلمان – والدى  قرر ترك التجارة ووزعها علينا وذهب ليعيش مع النبى محمد عليه السلام  فى المدينة .

القسيس مرقص  انشرح قلبه  وقال له ماذا تقول ، هل قُلت النبى محمد ؟؟؟ 

 سلمان قال له نعم ...

فقال مُرقص  . او قد بُعث وظهر ؟؟

 فقال سلمان ،نعم ، وهذا منذ اكثر من 20 سنة ،او لم تسمع به ؟؟؟

فقال  مرقص لا .ثم تركه و دخل مُهللا فرحا إلى زوجته ، وقال لها لقد بُعث النبى محمد فى ارض الحجاز وهو يعيش فى المدينة الآن ،ابشرى سوف اطلب من التاجر اليمنى أن يأخذنا معه إلى اليمن ومنها إلى المدينة لنعيش مع النبى مُحمد ،ونسمع منه ونقرأ مما نزل عليه من كتاب.

ثم عاد إلى سليمان اليمنى وقال له انت ستجلس معنا إلى أن تنتهى من بيع تجارتك فى مصر ،وسنعود معك إلى اليمن ومنها إلى المدينة .

 فقال له سليمان . هذا عظيم ويُسعدنى لكنى هذه المرة جئت على رأس قافلة تجارية كبيرة ،سنبيع جزءا منها فى مصر ،ثم جزءا آخر فى إفريقيا (تونس ) والباقى فى بلاد المغرب .وهذا سيستغرق منا وقتا طويلا ربما عدة شهور . فلنُرجىء عودتكم معى إلى الرحلة القادمة إن شاء الله ..

 فقال القسيس مرقص. موافق ، وبذلك يكون لدينا مُتسع من الوقت لنبيع بيتنا وتجارتنا وأرضنا ونستعد للسفر معك ،لنُقيم مع النبى محمد ما بقى لنا من حياة .

ومكث سلمان اليمنى ومن معه فى ضيافة مُرقص المصرى قرابة شهر ،ثم غادروا إلى إفريقيا .

 وبدأ مُرقص وزوجته دميانة فى عرض ممتلكاتهم  للبيع ،وبدءا فى تجهيز امتعتهم  التى سيأخذونها معهم إلى المدينة ، وانتظرا قرابة سبعة أشهر حتى عاد التاجر اليمنى سلمان إلى بلبيس  بفافلة  أخرى ،وأقام معهم و فى ضيافتهم وساعدوه فى توزيع تجارته وبيعها سريعا فى  بلبيس والمطرية وعين شمس وقليوب .ثم اخذوا أمتعتهم وعادوا معه إلى اليمن ،ومنها ذهبوا سويا  إلى المدينة  وليزور سلمان  والده وليلتقى بالنبى محمد ويُصلى معه فى مسجده ويسمع منه القرآن معهم .

 وقد وصلوا إلى المدينة ليلا .وشعروا  فيها بتحركات غريبة ،والناس خارج بيوتها ويُسرعون الخطى نحو المسجد ،ونحو بيوت النبى عليه السلام .فسألوا على بيت والد سلمان اليمنى وذهبوا إليه ووضعوا أمتعتهم ، ووجدوا الرجل جالسا حزينا  يبكى .

فسأله ابنه سلمان ..ما يبُكيك يا ابتى ؟؟؟

فقال له لقد توفى رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام الليلة يا بنى  .

فنزل الخبر على مُرقص المصرى وزوجته كالصاعقة ، وبكيا على وفاة النبى  ،وعلى انهما وصلا المدينة بعد فوات الأوان و انهما لم يحظيا بشرف لقائه والصلاة معه لله رب العالمين و الاستماع  منه إلى ما تيسر من القرآن الكريم ،

فقال سلمان لوالده – لقد رأينا تحركات غريبة فى شوارع المدينة ،هل تستطيع أن تأتى معنا يا والدى لنذهب إلى المسجد وإلى بيوت النبى لنرى ماذا يفعلون ؟؟

 فقال له لا استطيع المشى والحركة يا بُنى ، وتستطيع أن  تذهب أنت ومُرقص  وزوجته وسأنتظركم انا هُنا .

.فخرجوا وذهبوا إلى المسجد ، وفى طريقهم للمسجد سمعوا صوت شجار وعراك مُرتفعا يخرج من بيت .

فسألوا لمن هذا البيت وما هذه الأصوات المرتفعة والشجار والعراك؟؟ فقالوا لهم إنه بيت كبير الأنصار ( سعد بن عُبادة ) . فطرقوا الباب واستأذنوا بالدخول لعلهم يستطيعون منع الشجار والعراك .

فسألوا احد الموجودين من هذا ومن هذا ومن هذا الذى يرفع صوته ويُشهر سيفه على هذا الرجل العجوز؟؟

فقالوا لهم هذا الشيخ العجوز هو كبير الأنصار (سعد بن عُبادة ) ،وهؤلاء ابناءه  وأبناء عمومته ، وهذا هو ابو بكر الصديق  ، وذلك الذى يصرخ فى الناس ويُهددهم  ويُشهر سيفه عليهم هو عُمر بن الخطاب  جاءوا ليأخذوا البيعة لأبى بكر الصديق عنوة فى خلافة رسول الله عليه السلام فى المدينة ومكة وما حولهما بعدما علموا أن اهل المدينة قد بايعوا كبير الأنصار سعد بن عُبادة  فى حُكم المدينة بعد رسول الله .

 فخرج سلمان اليمنى ومرقص المصرى .وقالا الم يكن الأولى بهم أن يواروا جسد رسول الله عليه السلام اولا ثم يتركوا البيعة للمُسلمين جميعا فى المسجد يختارون هُم من يُريدون أن يكون خليفة عليهم ؟؟

واستمروا فى طريقهم  للمسجد . وعندما وصلوا وجدوا جمع  من الناس يُصلون ،وجمع  يذكرون الله ويُسبحونه وهُم يبكون فعرفوا انهم يبكون على وفاة رسول الله.

 ووجدوا رجلين واقفين  خارج المسجد وأمام حجرة ُم المؤمنين عائشة فسمعوا احدهما يقول للآخر . هل وصى لك رسول الله عليه السلام بالخلافة والبيعة يا إبن اخى ؟؟؟

 فرد الآخر وقال : لا ولا لأحد آخر.

  فقال له إذن مُد يدك لأُبايعك ولندخل المسجد لنأخذ لك البيعة من المُسلمين قبل أن يأتى إبن الخطاب وإبن أبى قحافة .

فقال له .. دعنا نوارى جثمان رسول الله اولا ثم نُفكر فى الأمر يا عمى . فسألا من هذين الرجلين؟؟

 فقيل لهما هذان هُما (العباس بن عبدالمطلب ) عم النبى  و( على بن ابى طالب ) إبن  عمه وزوج ابنته  فاطمة .

ثم  ذهبا  إلى الناحية الغربية من المسجد فوجدوا  اطفال وصبية صغار منهم من يبكى ومنهم من يقف صامتا ومنهم من يلعب بهرة (قطة ) صغيرة . فسألوا من هؤلاء الصبية ؟؟

فقيل  لهم هؤلاء هم انس بن مالك خادم الرسول ، وهذا عبدالله بن عباس  إبن عم الرسول ، وعبدالله بن عُمر بن الخطاب  ،وعبدالله بن الزبير بن العوام ،والحسن بن على بن ابى طالب  ،وعبدالله بن عمرو بن العاص  وهذا الطفل الذى يحمل الهرة هو ابو هريرة . ومعهم صبية آخرين من ابناء المُسلمين .

 ثم دخلوا المسجد وجلسوا بجوار عبدالله بن مسعود وابو ذر الغفارى وزيد بن ثابت ، وانتظروا مع المُسلمين حتى تم حفر قبر للنبى عليه السلام فى حجرة أم المؤمنين عائشة ،ثم قاموا ودفنوا جثمانه فيه ، وأقاموا على قبره وصلوا عليه بالدعاء له  فى غياب إبن ابى قحافة وإبن الخطاب .

وانصرفوا وعادوا إلى بيت والد سلمان اليمنى .

وفى الصباح قالت دميانة لزوجها مُرقص المصرى . اريد أن اذهب لتقديم واجب العزاء لفاطمة بنت النبى عليه السلام ، وأُريدك ان تأتى معى انت وسلمان ؟؟

. فأخبر سلمان بطلب زوجته .فوافق وقال لهما بعد صلاة الظهر سنخرج من المسجد  إلى بيت على بن ابى طالب وفاطمة لتُقدمى لها واجب العزاء . وبعد الصلاة اخذ عمر بن الخطاب يدعو الناس إلى مُبايعة ابى بكر خليفة للمُسلمين فبايعوه إلا نفرا من بنى هاشم كان منهم (العباس بن عبدالمطلب ، وإبن اخيه على بن ابى طالب ) كانوا يرون انهم أحق بها من إبن ابى قُحافة . وعندما وصلوا إلى بيت على . علموا ان عُمربن الخطاب كان هُناك وإقتحم على على وفاطمة بيتهما   وهددهما ليُحرقنّ عليهما بيتهما  إن لم يُبايعا ابا بكر بالخلافة .

  وعاد مرقص وزوجته وسلمان اليمنى  إلى بيت والده .وأقاما فيه شهرا .

ثم  قرر مُرقص ان يُغادر المدينة ، ويعود إلى مصر حيث الأمن والسلام والحياة والصُحبة والأهل والأحباب والجيران .

 فقالت له زوجته دميانه .كيف نعود ونحن لم نعرف عن الإسلام شيء بعد يا مُرقص ،ولم نقرأ من القرآن سورة واحدة ، ولم نسأل عن النبى ولا عن حياته احدا بعد ؟؟

فقال لها مُرقص .. اما عن النبى مُحمد الذى جئنا لنُسلم لرب العالمين ونعبده مخلصين له ديننا معه فقد مات ، وأما عن الرسالة فسنأخذ منها نُسخة معنا نقرأها ونتعلم منها ونحن فى بلدنا مصر ، وأما عن سؤالنا عن حياة النبى عليه السلام فسنجدها فى القرآن ، وأما حياتنا مع هؤلاء الناس فلا مرحبا بها  ولا حاجة لنا فيهم ولا معهم ، إنهم اختلفوا وتصارعوا وتقاتلوا على الخلافة قبل أن يواروا جثمان رسول الله الثرى ، وانأ اراهم لا فرق بينهم وبين من تآمروا على عيسى بن مريم وحاولوا قتله وصلبه على الصليب . وأمثال هؤلاء الناس سيُدمرون وسيُخربون بلدهم وسيعتدون  على ما حولها ولا استبعد أن يصل خرابهم وعدوانهم إلينا فى مصر .

  فقال له سلمان اليمنى . انا لدى نُسخة غير مُكتملة من القرآن الكريم منسوخة من النسخة التى كان يكتبها النبى عليه الصلاة والسلام كلما نزل عليه الوحى  بيده هو . فسأنسخ لك منها نُسخة ، وسأنسخ ونحن هنا فى المدينة  ما تبقى من سور قرآنية من النسخة التى مع والدى وسأُحضر لك نسخة كاملة من القرآن الكريم فى زيارتى القادمة لكم فى مصر إن شاء الله .

فقال مُرقص وزوجته الحمد لله وهذا ما كُنا نريد . وودعا المدينة بعد صلاة الفجر فى مسجدها ورحلا مع سُليمان إلى مكة لأداء شعائر العُمرة قبل عودتهما إلى مصر .وعادا إلى بلبيس مرة أخرى واستعادا بيتهما وتجارتهما .

ووفى التاجر سلمان  اليمنى الأمين بوعده ،واحضر لهما نسخة من القرآن الكريم ، وعكفا على قراءتها وتدبرها للعمل  بما جاء فيها من إيمان بالله وحده لا شريك له ،ومن عمل صالح وخُلق حسن .

 وعلموا بعد ذلك ان ابا بكر اعتدى على الشام  واستولى عليها .

 ومات الطيب  مُرقص المصرى .

وظلت زوجته على قيد الحياة معتكفة فى بيتها فى بلبيس  حتى جاء عسكر عمربن الخطاب ،وعمروبن العاص  وإستولوا على تجارتها ،وفرضوا عليها جزية وخراج على ارضها ، مع انها قالت لهم انها مُسلمة لله رب العالمين من قبل أن يُسلم عمر بن الخطاب نفسه ، ولكن لم يشفع لها قولها هذا لأنه لم يكن هدفهم نشر الإسلام كما يدّعون  ،ولكن كان غرضهم هو  حلب بقرة مصر وعصر ضرعها  وتجفيف لبنها  وتوزيعه على القرشيين فى مكة والمدينة .

 ورحم الله رسول الله والذين آمنوا بربهم واخلصوا دينهم لله معه . ورحم الله مرقص المصرى وزوجته دميانة الذين بحثوا عن الحق وآمنوا به وإتبعوه .

اجمالي القراءات 8055