حرية الرأي
نزهة في كتاب

محمد شعلان في الأحد ٢٠ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 
قرأت في كتاب ( حرية الرأي بين الإسلام والمسلمين ) للمفكر د. أحمد صبحي منصور . ولقد كانت القراءة في هذا الكتاب نزهة حقيقية للعقل وللنفس تسبح وتحلق بحرية وبإرادة اكتسبتها النفس من القراءة لهذا الكتاب .
ولقد جال بخاطري أن الهدف من الترويح عن النفوس والعقول بالتنزه في المتنزهات والحدائق والأسفار المختلفة إنما هو من قبيل الحصول على الطمأنينة والسعادة بزيادة المعرفة والوعي والإدراك بما حولنا وما نعيش فيه.
ومن الواضح أن الكتاب يعطي القارئ هذا الشعور ب&Ccedidil;لسعادة المغلفة بالمسئولية ، والأمل والرجاء في التغيير إلى الأفضل والأزكى للنفس والعقل معاً .
وعندما يبدأ القارئ في تصفح القسم الأول من الكتاب يجد المفكر يؤصل للحرية ويوضح جذورها في عقيدة الإسلام تحت عنوان " جذور حرية الرأي في الإسلام " بل ويختزل الهدف الأساسي من وجود الانسان في هذه الحياة الدنيا إنما هو لاختبار الانسان بأن أعطاه الخالق جلا وعلا حرية الرأي وحرية الإيمان أو الكفر وحرية القول والتعبير .. ويزداد الاختزال تركيزاً في تشديد المؤلف على أن خلق الكون والسموات والأرض إنما هو لاستكمال عناصر الاختبار للإنسان وليكون الإختبار هو الهدف والغاية من الخلق والبعث والحساب والثواب في النهاية..!!
وكعادته في مؤلفاته وأبحاثه يستشهد المفكر الإسلامي د. أحمد صبحي بآيات الذكر الحكيم فيما يصبو إليه ويؤكد عليه في كتاباته وفي نظرياته المستمدة من المصدر الوحيد للإسلام " القرآن الكريم" .
والكلام للمؤلف " فالله تعالى أبدع هذا الكون من كواكب ونجوم ومجرات ، وتلك النجوم والمجرات مجرد مصابيح كما وصفها القرآن للسماء الدنيا ... والسموات السبع تقع فيما وراء الكون الذي تعجز عن مجرد تخيله والله تعالى يقول {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }غافر57.

 ولكن هذا الكون وتلك السموات مع عظمتها الهائلة لقد خلقها الله تعالى لهدف واحد هو اختبار ذلك المخلوق المسمى بالانسان {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }هود7 إذن فخلق السموات والأرض ليختبرنا الله أينا أحسن عملاً .. ونتيجة هذا الاختبار وموعده يكون يوم القيامة حيث يدمر الله تعالى الكون وتلك السموات ويأتي بأرض جديدة ويحاسب الناس على أعمالهم في الدنيا {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }إبراهيم48
فالإنسان مأمور أن يتفكر في الحكمة من خلق السموات والأرض {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران191.


الفشل في الاختبار
يؤكد المؤلف على أن الفشل هو النتيجة الحتمية لمن يقضي حياته غافلاً عن ذلك الهدف من وجوده ويكون مصيره أي الانسان الفاشل في الاختبار هو النار ..
ويوضح المؤلف ويؤكد بعد ذلك على أن الحرية التي وهبها الخالق القدير للإنسان عن علم منه سبحانه هى حرية مطلقة شاملة لدرجة أن الإنسان يصل بهذه الحرية أن ينكر وجود الخالق كما فعل كثير من البشر في عصور مختلفة. {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }الجاثية24.
ونجد أن المؤلف يؤكد على هذا المعنى في القسم الأول من كتابه في هذا الجزء.

" ويلاحظ أن الله تعالى قد جعل عناصر الاختبار متوازنة وعادلة ، فقد خلق الإنسان على الفطرة النقية أي الميزان الحساس الداخلي الذي يميز بين الخير والشر والذي يؤمن بالله وحده ، وفى مقابل هذه الفطرة سلط عليه الشيطان للغواية ، وأرسل له الرسل وأنزل معهم الكتب السماوية وفى مقابل ذلك زين له الدنيا وغرورها،وفوق ذلك كله خلقه حرا في أن يطيع وأن يعصى وفى أن يؤمن وأن يكفر ، وجعل له سريرة يحتفظ فيها بكل أسراره ونوازعه ومشاعره وهواجسه وأفكاره بعيدة عن متناول كل مخلوق سواه لتكون له ذاتيته المستقلة ، فإذا أراد أن يكون حرا كان حرا وإذا أراد بمحض اختياره أن يكون عبدا لغيره من البشر ومن الأفكار كان كذلك ، والمهم أن الاختيار في يده هو ، وعن طريق هذا الاختيار يستعمل الإنسان حريته كما شاء ، فإذا تسلط الآخرون عليه بقوانين غير إلهية وصادروا حقه في الكفر اختار هو في سريرته أن يكفر ، بل أن ينكر الفطرة في داخله وينكر وجود الله الذي خلقه .. إلى هذا الحد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان حر الإرادة ، لدرجة أن الله سبحانه وتعالى سمح له أن يصل تفكيره الحر إلى إنكار وجود الخالق تعالى ذاته ".

حرية كاملة إلى وقت انتهاء الأجل ( وقت الاحتضار)
هذه الحرية في الدنيا تنتهي بنهاية الأجل فلا فرصة بعدها للاختيار والحرية كما كان في الدنيا
{إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }يس53 . وكلمة محضرون بضم الميم وسكون الحاء وفتح الضاد ، أي يتم إحضارهم حيث تنعدم لديهم حرية الإرادة وإمكانية الهرب .
وحين يأتي الله تعالى يوم الدين وحين تشرق الأرض بنور ربها فقد انتهت إلى الأبد حرية البشر في الإرادة وتعين عليهم أن يواجهوا نتيجة عملهم الذى كان .
وهناك بعض ممن يظنون أنهم مسئولين عن إصلاح العقائد ويعطوا لأنفسهم السلطة الكاملة ليعاقبوا باسم الله من اختلف معهم في الرأي أو من كفر، والذين يعطون لأنفسهم هذه السلطة إنما بذلك يفسدوا قضية حرية الرأي والعقيدة .
هذه الفئة من البشر علاوة على أنها تزيف دين الله وتغتصب سلطاته التي ادخرها لذاته يوم الدين فإنها أيضا تعطى الحجة لمن ينكر حساب الآخرة وعذاب النار.
ولأنهم الأعداء الحقيقيون لدين الله وللمسلمين فقد شرع الله القتال والجهاد ضدهم لضمان حرية الرأي والإعتقاد .
وحين كان الرسول حاكما للدولة الاسلامية وكان حوله الكثير من المنافقين والمشركين لم يعط الحق في إجبارهم على اعتناق الإسلام بنص الآيات.
ويختم المؤلف القسم الأول بالتأكيد على أن الله تعالى قد جعل الدين لله وأن البشر أحراراً في أن يعتقدوا ما يشاءوا ولذلك أجل الحساب والجزاء إلى يوم الدين على ذلك الاحتبار  وتلك الحرية.

وإلى لقاء مع نزهة في فصل آخر من الكتاب.

اجمالي القراءات 12162