خدم الخدم
هل يجوز شرعا استعباد عبيد العبيد للمغاربة؟

كمال كمال في السبت ١٧ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

هل يجوز شرعا استعباد عبيد العبيد للمغاربة؟

التاريخ يشهد ويوثق بما لا مجال فيه للشك أن النظام الفرنسي كدولة استعمارية للمغرب قد قام بانتهاكات وتجاوزات خطيرة ومؤلمة ضد الشعب المغربي الذي استعبده ونهب ثرواته ودمر نسيجه الإجتماعي ولوث ثقافة أهله، كما جرده من استقلاله وأرغمه على الإلتصاق بفلك مصالحه ومصالح الصهيونية العالمية.

وقد تميز هذا الإحتلال الذي خطط له منذ القرون الغابرة بالعنف شديد الفظاعة والأذى ضد سكان المدن والقرى والأرياف وكل القبائل بلا استثناء. فقتل هذا النظام، وعذب وسرق،وانتهك الحرمات واستباح الأعراض وهتك بها، واغتصب الأطفال والقاصرات، وشجع بيوت الدعارة وفتحها جهارا، كما فتح الحانات وحارب الأخلاق والفضائل وعادات التضامن والإخاء بين جميع شرائح المجتمع المغربي المحافظ.

استولى هذا النظام الفرنسي المستبد على كل كنوز المجتمع فاستنزف خيراته وسخرها لمآربه وثراء نخبه وجرد السكان من كل أسلحة المقاومة بما فيها السلاح الأبيض كالخناجر والسيوف التي كانت رمزا للحرية والشجاعة والعزة والبلوغ عند الذكور. فاصبح المغاربة كقطيع الأغنام تحت رحمة الجيوش الفرنسية  وأجهزة أمنها ومخابراتها الذين يعيثون في الأرض فسادا يأمرون بالشر وينهون عن الخير أؤلائك السكان الذين استعبدوهم.

طبعا لم يستسلم المغاربة الأحرار بسهولة فقاوموا المستعمر مقاومة شرسة وقدموا تضحيات جليلة وأظهروا بطولات مثالية قل نظيرها في التاريخ من الريف وجبال الأطلس إلى السوس والصحراء المغربية وكل هذا أمام الترسانة الفرنسية الفتاكة التي ووجهت بأسلحة قديمة أكل عليها الدهر وشرب، ومع ذلك سطر المقاوم المغربي أسطورة البطولات المعهودة له في التاريخ، ولا داعي لذكرها في هذه العجالة، فيكفي التذكير بانتفاضة الشمال التي جندت لها فرنسا وإسبانيا مئات الآلاف من الجنود(يقال 350000) وستين جنرالا وماريشالا للسيطرة عليها وإخماد لظى نيرانها، وأسطورة موحا أوحمو وأسطورة أيت عبلا وعسو،وغيرها من الوقائع التاريخية التي ضلت راسخة في الذاكرة المغربية وفي الأهازيج والأشعار الشعبية إلى يومنا هذا.

اتبعت فرنسا سياسة "طحن مو"، التي ما زالت متبعة إلى يومنا هذا في المغرب كموروث عن العقلية الإستعمارية، فاستقدمت رعاياها ومنحت لهم الأراضي الخصبة وفرص العيش الرغيد في الوظائف العليا واستغلال الثروات المعدنية والسمكية وكل ما من شأنه أن يدر الثروة على المستعمرين ليعيشوا في جنان عالية قطوفها دانية، يأكلون ويشربون وينعمون بالحياة على حساب الذين قاموا باسعبادهم وتركيعهم وتجريدهم من كرامتهم وإنسانيتهم. ورحم الله "دا عمر" ،  أحد العبيد في الخدمة، الذي سمع قول التي تحاور بعلها وتقول له:"لم نخاف والكلب يحرس البيت؟"وكانت تقصده. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الإستعباد والتحقير والإهانة للمغاربة قاطبة من قبل كافة المستعمرين وأجهزة قمعهم. والأمثلة من هذا النوع وأفظع منه كثيرة.

استعانت فرنسا أيضا لقمع المغاربة وتكميم أفواه الأحرار بفياليق عسكررية من المجندين الأفارقة والمغاربة، كما جندت الخونة الذين طمعوا في كسب ود ورضاء أسيادهم فتولوا مهن التجسس ومراقبة أهلهم لئلا يضروا بمصالح المستعمرين ويخرجوا عن جادة صواب الطاعة. وقد اسعانت وضحت بهؤلاء المجندين في جميع حروبها، ودفعت بهم إلى جبهات القتال الأمامية ليواجهوا وابل نيران المدافع والقنابل الغازية وغارات الطيران التي حصدت منهم مئات الآلاف من الضحايا الذين استخدمتهم كدروع بشرية لحماية جنودها كما هو متوقع من العبيد المطيعين الذين لا يخالفون أوامر أسيادهم ويهبون لهم أرواحهم جزاءا على عبوديتهم وإذلالهم.

شجع المستعمر انتشار الرذائل والعادات السيئة بشتى أنواعها في كثير من المدن المغربية.  فالدعارة العلنية والحانات والمجون والملاهي الليلية والمخدرات أصبحت رمزا للحضارة والثقافة التي تدعي فرنسا نشرها في مستعمراتها لإخراج المتخلفين من سكانها، بمن فيهم االمغاربة، من ظلمات التأخر إلى أنوار حضارتها الإستعبادية التسخيرية. وبسبب هذه السياسة المخربة كادت الحشمة والأخلاق الحميدة تختفي في الشوارع المغربة إلا عند من رحم ربي من الأحرار وسكان القرى النائية والكتاتيب القرآنية التي اعتقد المستعمر أنها لا تشكل لهم خطرا ما دامت على عهدها القديم وجهلها بالعلوم الحديثة، وماذا عسى الألواح الخشبية أن تشكل من تهديد أمام العلوم والتكنولوجيا الغربية؟ فتسامحت مع وجودها واعتمدت على عيونها لمراقبة تصرفات 'الطالبان'،  فكم من فقيه زج به في السجون أو أغتيل أو هاجر أو انطوى على نفسه أو وضع تحت الإقامة الجبرية ومنع من إرشاد العباد ؟. واقعة أيت باها وحملة احمد الهبة وآخرون، لا يتسع المجال لذكرهم، أمثلة ناصعة في تاريخ المغرب لمحاولة إقبار الغزاة وعدم الخضوع للغير.

تأثيرات الحكم الإستعماري أدت إلى تردي الأخلاق الحميدة واختفاء الحشمة في الشوارع المغربية بحيث أصبح فيها التحرش الجنسي ظاهرة شائعة اكتسبها بعض المغاربة الذين يتجرأون بخدش الحياء فيطلقون ألفاظا مثل "بس،بس" وعبارات التغزل للمارة من النساء للإيقاع بهن غير آبهين بمكانتهن الإجتماعية ولا بمن يرافقهن من المحارم مما يسبب إحراجا بالغا للأسر المغربية وخوفا على سلامة الإناث وحريتهن في التسوق والتجوال في المدن مما ذهب بالبعض إلى إغلاق أبواب بيوتهم ومنعهن من الخروج لحمايتهن من تحرش الوحوش المتربصة بافتراسهن. ولهذا السبب، أيضا، أوقف البعض منهم إرسال بناتهم إلى المدارس.

لقد زاد وجود السيارات عند الميسورين الطينة بلة، حيث يجوبون الشوارع طولا وعرضا بحثا عن الفرائس لإشباع نزواتهم، فيتذرعون بإيصالهن إلى وجهتهن، أو يصارحوهن برغبتهم في قضاء وقت ممتع في الرقص والشرب وما صاحب ذلك من الموبقات و"النشاط والفجوج" كما يقولون. ولقد شاءت الصدف أن قابلت بعض الشباب الذين اشتركوا في شراء سيارة لا لغرض سوى الصيادة في الشوارع، وبلَّغتني إحدى معارفي أن سيارة أوقفتها وهي حامل في اللحظة التي التحق بها زوجها وفتح لها باب سيارته ووقف صاحب السيارة الأولى ينظر ويتحسرعلى ضياع الفرصة. إن هذه التصرفات السيئة والعادات القبيحة الموروثة عن الإستعمار الفرنسي مستمرة إلى يومنا هذا وأدت إلى خراب النسيج الإجتماعي وتحلل الأخلاق وفساد كبير في الأسر المغربية حتى أصبح المغرب ملاذا للسياحة الجنسية من كل نوع التي يشجعها العبيد الجدد ويروجون لها ويستفيدون من ريعها. تجدر الإشار في هذا المضمار إلى قصة رب أسرة ميسور تعود الفساد واستدعاه أحد أصدقائه دات يوم لقضاء وقت ممتع مع واحدة من الفريستين الجميلتين الشابتين اللتين توفق في اصطيادهما بالركوب معه في سيارته الفارهة، فرحب صاحبنا ب"الهمزة"، كما يقال في المغرب، وسال لعابه مثل كلب 'بافلوف'، فلما دخل بيت الصديق تفاجأ وصدم بوجود إحدى بناته من صلبه كفريسته الموعودة التي تنتظره. وهذه قصة حقيقة لا مراء فيها بلَّغني بها من أثق في صدقه وتعبر عن ما آلت إليه العادات التي غرسها الفرنسيون في المجتمع المغربي الذي استعبدوه.

لم يعامل الفرنسيون المغاربة إلا معاملة الأسياد للعبيد حتى في معاملتهم مع الذين تبنوا كل عاداتتهم ونهلوا من المدارس التي أنشأوها لتربية النخبة التي اعتمدوا عليها في المحافظة وتنمية مصالحهم. ولم يصل المغربي الذي تكون في تلك المدارس وتخرج من المدارس العليا والجامعات  في فرنسا إلى درجة الند للفرنسي وإن تفوق عليه المغربي في الدراسة والذكاء فهو دائما محتقر ولا تعنيه شعارات الجمهورية الفرنسية التي يتغنون بها: فالحرية والمساواة والأخوة خاصة بالأسياد والعبد يقرع بالعصا لخدمة السيد. ولقد تجلت هذه الإهانة في كثير من المجالات حتى في الزمن الذي أسند فيه النظام الفرنسي تدبير الشؤون الإدارية إلى النخبة التي كونها ومنحها الإستقلال الشكلي لتولي رعاية مصالحها تحت إشراف جنودها ومخابراتها.

 قد يتذكر بعض من عايش تلك الفترة(بعد الإستقلال الشكلي) هتافات بائعي الجرائد الذين يتجولون في الشوارع منادين: "المغربي الصغير"  ) 'بوتي ماروكان'، استمرارا في سياسة إهانة Le petit marocain(

 الإنسان المغربي. يتسائل المرء كيف يمكن للذين يدعون أنهم حصلوا على الإستقلال ويدافعون على كرامة ومصالح المغاربة أن يقبلوا هذه الإهانة وهم يتربعون على سدة الحكم في البلاد؟ الجواب ليس مخفيا على أحد ويلخصه المثال العربي: "أخوك مكره لا بطل". مما يعني أن العبد ينفذ أوامر سيده بلا نقاش.

فإن لم يكن هذا من أمثلة احتقار وتصغير للمغربي من قبل عبيد فرنسا فمن الذي يكون؟ يتعالى المستعمر على المغربي، كيف ما كان، ويتعالى ورثة المستعمر على بقية المغاربة، وتتجسد هذه الظاهرة في تصرفات تعامل النخبة تجاه أيها الناس في جميع مجالات الحياة إلى درجة أن الكثيرين يتساءلون عما تغير: العبودية هي هي، والسيطرة هي هي إن لم تكن أقوى. فلقد أصبح ورثة المستعمر أشد وطأة ونكالا من المستعمر نفسه.

فالبيروقراطية وجميع المؤسسات التي أنشأتها فرنسا والتي أضافت عليها النخبة المستعبدة وتقوم بتسييرها، لا تخدم إلا مصالحها ومصالح المستعمر التي ما تزال جاثمة على رقاب المغاربة. اللغة والثقافة والشركات وعقلية "طحن مو" وإهانة المواطن العادي واستغلال خيرات المغرب الوفيرة منتشرة وزادت وتيرتها على ما كانت عليه قبل  منح الإسقلال الشكلي للعبيد الجدد القدامى.

 تحضرني هنا قصة عقاب كنت ضحيته كتلميذ في الإبتدائي في مدينة بسوس العزيزة تعكس العقلية التي ورثها العبيد الجدد من أسيادهم، خلاصتها أن مدرسا فرنسيا في فترة الإسقلال الشكلي يقوم بإهانة التلاميذ يوميا ويتلذذ بذلك غاية التلذذ، فكان عقابه بعد الضرب إرغام من نال عقابه أن يركع أمامه ويطلب عفوه أمام الناظرين من زملاءه. لم أخضع لمثل هذه الإهانة لأنني كدت أن أموت من ضربة على بطني بالعصا التي لا تفارقه وأظنه شعر بخطورة فعله فركضت إلى الساحة باكيا واجتمع علي التلاميذ للإطمأنان على صحتي فسلمت من الركوع لغير الله. فرحة جميع تلاميذ تلك المدرسة الإبتدائية الوحيدة في المدينة كانت عارمة عندما تعرض له تلميذان خارج المدرسة وأشبعوه ضربا انتقاما من اعتداءاته وإهاناته لهما، لكنهما دفعا ثمن هذه العدالة بالطرد والتوقيف عن الدراسة. العبد لا يعتدي على سيده، العكس هو القاعدة.

هذه هي العقلية الموروثة عن المستعمر وهي الساءدة عند النخبة التي تأمر وتنهى في المغرب اليوم وما ذلك إلا كثمن لطاعتها وولائها وحماية مصالح أسيادها، فما كان منها إلا الإستمرارت في تعامل المغاربة كعبيد  مع كونها عبيدة الذين سخروا  من المغاربة بمنحة الإستقلال الشكلي لدر الرماد في عيون الأحرار.

الغريب والمضحك المبكي، والخديعة التاريخية التي يتجاهلها الكثيرون تتعلق بالظروف الجيوسياسية في العالم، وخصوصا أثناء الحرب العالمية الثانية التي قدمت فيها فرنسا آلاف الجنود المغاربة كأكباش الفداء وقربانا للدفاع عن استقلالها وتحرير أراضيها، على أن الحقيقة التي لا مناص منها تكمن في ركوع النخب الفرنسية، المستعمرة لكثير من الشعوب، للإستعمار الامريكي الصهيوني بعد هذه الحرب واحتلال أراضيها من قبل جنود 'المجمع الصناعي العسكري الأمريكي' والرأس المالية العالمية الذي يسيطرعليه الصهاينة وحكام العالم. فكان لا بد من طمس الوجود الفعلي للمستعمر الفرنسي في المغرب وإسناد المحافظة على مصالح الأقوياء وحكام العالم إلى النخبة العبيدة التي تربت على أيادي النخبة الفرنسية التي أصبحت بدورها عبيدة النظام الجيديد الذي تقوده أمريكا والصهيونية العالمية.

وكنتيجة لهذه التطورات، دخل المغاربة استعمارا جديدا وأصبحوا تحت حكم عبيد العبيد يعيشون تحت القهر والظلم والإهانة الفظيعة من قبل أبناء جلدتهم،عملاء وعبيد أسيادهم. وهنا يطرح السؤال: هل يا ترى يجوز شرعا استعباد عبيد العبيد للمغاربة فضلا عن شرعيىة الإستعباد للبشر أصلا؟

الجواب الذي لا يحتاج إلى فتاوي الفقهاء وفتاوي الذين نصبوا أنفسهم وصاة على المسلمين بسيط جدا وهو: حاشا أن يكون ذلك جائزا شرعا لأن جميع البشر عباد الله، والعبودية خاصة بجلاله، وحاشا معاذ الله أن يستعبد أحد المغاربة وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. فطال الزمن أم قصر، وإن طال القهر أم قصر، وإن طال قمع الإنتفاضات وشدتها أم قصر، وإن طال استنزاف الخيرات أم قصر، وإن طال السكوت أم قصر، وإن طال الصبر أم قصر، فإن المغاربة سيهبون يوما ما لكسر قيود العبودية وتحرير أنفسهم من تسلط العبيد عليهم لأن ذلك لا يجوز شرعا، ولا يقبله ذوي المروءة، وسيقطعون مع تسيير العبيد لشؤونهم والتحكم فيها وسيدفنوا إلى الأبد عقلية "طحن مو" وسيحاسبون حسابا عسيرا كل من صفدهم بالأغلال وقتل الأخيار منهم واحاول استعبادهم. التاريخ يشهد بقدرتهم على ذلك. ثم الم يتفطنوا لأفعال الذين قاموا بطحن فكري في شاحنة الأزبال وارتكبوا جريمة لا مثيل لها في العالم ولا سطر مثلها في التاريخ الإنساني؟ فإ دل هذا الجرم على شيء فإنما يدل على قيمة المغربي عند العبيد الذين ينتهكون حقوقه كل يوم. للصبر حدود وإن أمهل عبيد العبيد رويدا.

فهل يجوز شرعا استعباد عبيد العبيد للمغاربة؟ إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون والذين يشعرون بأن السيل قد وصل الزبى.

كمال كمال، أستاذ الإجتماعيات

اجمالي القراءات 4796