القول الثقيل
خذ الكتاب بقوة

عبدالوهاب سنان النواري في الثلاثاء ١٣ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

المقدمة:

١- في ظل حالة اللامبالاة واللامسؤولية تجاه توجيهات الله جل وعلا.

٢- في ظل الجهود والمساعي الضعيفة والركيكة، والتي لا تتناسب وعظمة وحجم ومكانة القرآن العظيم.

٣- في ظل حالة الخوف وعدم الثقة بالله تعالى.

٤- كان لا بد من التذكير بآيات الله جل وعلا، فالذكرى كما قال سبحانه: تنفع المؤمنين.

 

أولاً- الثقل القرآني:

١- نحن أمام كتاب عظيم، قال عنه الحق تبارك وتعالى، مخاطبا خاتم أنبياءه: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) . وذلك في سياق استنهاضه وحثه على القيام بواجبه على أكمل وجه، واقرأ في ذلك سورة المزمل: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا .. الخ) .

٢- وقوله تعالى: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) ، أي سنلقي عليك كتابا عظيما جليلا. لذلك كلف الحق تبارك وتعالى، ملكا من أعظم ملائكته - جبريل - لتحمل مسؤولية إيصاله إلى خاتم النبيين، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) (التكوير) .

٣- ولأنه قول ثقيل، فوزن وحجم حامله حتما سيكون ثقيلا، أي شريفا. وقد حاز خاتم النبيين على هذا الشرف بجدارة، وفي ذلك يقول سبحانه: (ورفعنا لك ذكرك) . فالقرآن العظيم شرف خاتم النبيين وشرف العرب، وجعل وزنهم ثقيلا بين الأمم، ويكفي أن تقرأ في ذلك قوله تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) (الزخرف ٤٤) . أي أنه شرف لك وللعرب وسوف يُسأل الجميع عن هذا التشريف المحوط بالتكليف.

٤- والقرآن الكريم ثقيل على قلوب وأعصاب الكفار ومن سار على منوالهم من المنافقين والمشركين وغيرهم، لذلك فهم لا يطيقون سماعه، وينفرون منه، ويلغون فيه، واقرأ في ذلك قوله تعالى: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) (فصلت ٢٦) .

 

ثانياً- القوة وسيلة وغاية:

١- كانت توجيهات الله جل وعلا، لرسوله موسى (ع) صارمة وقوية، وفي ذلك يقول سبحانه: (يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) (الأعراف) . وفي موقف مهيب ومرعب كرر الحق تبارك وتعالى، توجيهه لبني إسرائيل بأن يتحملوا المسؤولية بجد وأهتمام، ونقرأ في ذلك قوله تعالى: (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون) (الأعراف) .

٢- وعلى نفس الوتيرة جاءت أوامر الله جل وعلا، لنبيه يحيى بن زكريا (عليهما السلام) ، بأن عليه أن يتحمل مسؤوليته بجد وأهتمام، وفي ذلك يقول سبحانه: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) (مريم) .

٣- وحينما عرض العفريت خدماته على نبي الله سليمان (ع) ، كانت القوة من أهم المؤهلات التي استعرض بها نفسه، واقرأ في ذلك قوله تعالى: (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين) (النمل) .

٤- وقد كانت القوة من أهم مميزات نبي الله موسى (ع) ، حتى أنها لفتت أنتباه بنت صاحب مدين، لتطلب من أبيها أن يستأجر موسى: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) (القصص) .

٥- واتباع هدي الله تعالى والتمسك به، يزيد القوم قوة إلى قوتهم، وقد جاء هذا في قصة نبي الله هود (ع) مع قوم عاد، وفي ذلك يقول سبحانه: (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم) (هود) .

 

ثالثاً- ارتباط القوة بالأمانة:

١- ارتبط ذكر القوة بالأمانة في ثلاثة مواضع، كما سبق:

أ- في الحديث عن جبريل (ع) ، وذلك بوصفه بأنه: (ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) (التكوير) .

ب- في حديث العفريت عن مؤهلاته، وذلك في قوله: (وإني عليه لقوي أمين) (النمل) .

جـ - في حديث الفتاة عن موسى، وذلك بقولها: (إن خير من استأجرت القوي الأمين) (القصص) .

٢- وللأمانة في القرآن الكريم مكانة عظيمة، حيث أعطانا الحق تبارك وتعالى، تشبيها في غاية الروعة والعظمة للدلالة على أهميتها وعظم قدرها، وذلك في قوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) (الأحزاب) .

٣- وهدي الله جل وعلا، أمانة في أعناقنا، والواجب علينا أن نتحمل المسؤولية بجد واجتهاد. فالله جل وعلا، لم يحدثنا عن موسى ويحيى وبني إسرائيل، كي نتسلى بقصصهم ثم نخلد للنوم، ولكنه حدثنا عنهم لنتعلم ونأخذ العبرة منهم، ولنعلم أن علينا أن نأخذ القرآن بقوة.

٤- ولكن ما معنى قوله تعالى: وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ؟!؟!

 

رابعاً- بين التولي والسعة:

١- تتجلى أسمى معاني جهل الإنسان وظلمه لنفسه، حينما يتولى ويعرض عن آيات الله جل وعلا. حينما ينساها ويغفل عنها. حينما يفرط في تحمل مسؤوليته أمام رب العزة، فيفقد عزه ومجده وشرفه، ويجني اللعنة والحرمان.

٢- بني إسرائيل فرطوا بكتابهم، وفي ذلك يقول سبحانه: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه) (الأعراف) . وعن توليهم واعراضهم عن توجيهات الله، يقول سبحانه: (ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) .

٣- لذلك لعنهم الله واستبدل بهم العرب، والاستبدال سنة إلهية، يقول لنا الحق تبارك وتعالى فيها: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) (محمد) .

٤- لذا وجب علينا التنبه واليقضة والحذر، علينا أن نتحمل المسؤولية بجد واجتهاد ، وذلك في حدود وسعنا، فالحق تبارك وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها. ونحن في وسعنا أن نقرأ ونتعلم، ثم نكتب وننشر في جميع الوسائل المتاحة. في وسعنا أن ننشر الكتب الالكترونية وروابط الأبحاث القرآنية القيمة. في وسعنا أن نتفاعل ونتعاون على البر والتقوى. في وسعنا أن ننفق المال في سبيل نشر الهدي القرآني.

٥- في وسعنا أن نفعل الكثير والكثير والكثير، هذا إن كنا نؤمن ونثق بالله حق الثقة والايمان، إن كنا غير ظلومين وجهولين حيال الأمانة التي حملنا الله إياها. فقد أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه. ما لم فاللعنة والحرمان والاستبدال في الطريق إلينا، إن نحن بقينا على حالنا خاملين وخائفين ومتثاقلين، والعياذ بالله.

 

أخيراً:

١- يقول الحق تبارك وتعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) (الجمعة) .

٢- كما استبدل الله بني إسرائيل بالعرب، استبدل أنت كلمة التوراة بكلمة القرآن، وأعلم بأن مثل الذين حملوا القرآن ثم لم يحملوه كمثل الحمار يحمل أسفارا.

٣- ضف إلى ذلك قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) (الأعراف) .

٤- قلبها جميعا في رأسك، وتخيل الموقف، وعش الدور، وضع نفسك حيثما تشاء.

اجمالي القراءات 4341