رد على تعليقات على المقال السابق : ( أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة ... )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢١ - فبراير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

رد على تعليقات على المقال السابق :( أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة ... )

مقدمة  لا بد منها :

1 ـ منذ عام 1977 ونحن ندمر جبال الخرافة للمسلمين بمعول البحث العلمى فى التراث وبالتدبر القرآنى ، نتعلم ونكتشف ما لم يكن قبلنا معروفا سواء فى القرآن أو فى التراث التاريخى والتشريعى والعقائدى لل( مسلمين ).

2 ـ كانت البداية تساؤل أرقنى منذ وعيت وأنا طالب فى الاعدادى الأزهرى عن تخلف المسلمين : هل الخطأ فى الاسلام أم فى المسلمين . ومبكرا وجدت الخطأ فى التراث ، فالاجابة كانت ـ ولا تزال واضحة ـ فى مناهج الأزهر ، والتى لم أستسغها مطلقا منذ سنوات الإعدادى ، ولكن حرصت على التفوق فيها فى الشهادتين الاعدادية والثانوية . كنت الثانى على مستوى الجمهورية فى الاعدادية الأزهرية ، وكنت الرابع على مستوى الجمهورية فى الثانوية الأزهرية . الذى اضاع منى المرتبة الأولى فى الحالتين أننى كنت حريصا فى إجابات أسئلة الاعدادية والثانوية أن أكتب الاجابة من الكتابة من المقرر ، ثم أعقبها بقول رأيى الخاص . عوقبت بقسوة فى الثانوية الأزهرية فأعطونى الدرجات الدنيا فى مواد الفقه والحديث والتفسير فأصبح ترتيبى الرابع .!.

3 ـ دخلت قسم التاريخ فى كلية اللغة العربية بهذه العقلية المتسائلة المشاكسة ، وتخرجت فيه بمرتبة الشرف وعينت معيدا ثم مدرسا مساعدا ، وفى البحث عن إجابة هذا السؤال، إخترت موضوع الماجيستير فى بحث عن وحدة العقيدة الدينية فى مصر عبر عصورها الثلاث ( الفرعونية / المسيحية / الاسلام ) . فمنعونى منه .عوضت ذلك فيما بعد بكتاب ( شخصية مصر بعد الفتح الاسلامى ) عام 1984 ، ثم بكتاب ( مصر فى القرآن الكريم ) عام 1990 . ثم كان الإصرار فى مرحلة الدكتوراة على موضوع (أثر التصوف فى مصرالعصر المملوكى) . وبدأت من عام 1977 الصحوة الناقدة داخل مستنقع الأزهر فى مواجهة الطحالب السامة التى ترتع فيه وتتولى قيادته ــ ولا تزال .

4 ـ  كباحث تاريخى كنت منبهرا بالانجاز الذى حققه الخلفاء الراشدون بالفتوحات التى غيرت تاريخ العالم فيما يشبه معجزة عسكرية وسياسية، كان يعزز هذا تقديس متوارث لأولئك الخلفاء ، لم يكن سهلا التخلص منه فى غمضة عين وإنتباهتها . وصلت عام 1985 الى وضع مسئولية تضييع الاسلام فى رقبة الخلفاء العباسيين ، وتجلى هذا فى كتاب ( العالم الاسلامى بين عصر الخلفاء الراشدين والخلفاء العباسيين ) . والذى كان ضمن الخمسة كتب التى تركت بسببها الأزهر .

5 ـ ثم بالتدبر القرآنى وتشريعاته وقيمه العليا فى السلام والحرية والعدل ، وفى تشريعات القتال بالذات تبين لى الكفر الهائل الذى وقع فيه أبو بكر وصحابة الفتوحات. هذا التناقض الهائل بين الاسلام والمسلمين وضع الخلفاء الراشدون أساسه .

6 ـ  لم يكن متصورا أن ينهار فجأة كل ما أرساه النبى محمد عليه السلام فى عشر سنوات . التصور المنطقى أن له جذورا كانت تتمدد بثبات وهدوء تحت السطح متمتعة بأن الاسلام فى التعامل السلوكى يعنى السلام وأن الاسلام مؤسس على حرية الدين ، وأن قريش بمكرها الذى تزول منه الجبال موجودة فى خلفية الصورة سواء بعدائها الظاهر للاسلام أو بدخولها الظاهرى فى الاسلام، وأن الأمويين الذين قضوا عشرين عاما فى حرب الاسلام لا يمكن أن يتمكنوا من قيادة المسلمين ضمنيا وظاهريا بدون عملاء لهم .

7 ـ  لذا كان لا بد من إعادة تدبر الآيات  القرآنية التى نزلت تصور الصحابة الكافرين والمؤمنين والمنافقين ، من مهاجرين وانصار ( أهل المدينة ) ومن حولهم من الأعراب ، وأهل مكة قريش الموصوفين بالكفر والشرك . وسورة التوبة كانت من أواخر ما نزل ، وفيها تصوير رائع للنوعيات من أهل المدينة والكافرين من قريش . بدأت بكفار قريش ناقضى العهد ، وسارت مع كفار أهل الكتاب المعتدين ، ثم توقفت مع تيارات النفاق المفضوح وجاءت بإشارة الى أولئك الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة ، مع تأكيد بأن عذابهم قادم مرتين فى الدنيا ثم يموتون على كفرهم بما يستوجب عذابا عظيما فى الآخرة .

8 ـ  التوقف مع هذه الآيات أتى بالاجابة التى أظهرت لأول مرة فى العالم السّنّى فجيعة أن الفتوحات ( الاسلامية ) هى أكبر كفر وقع فى تاريخ المسلمين ، وأن الخلفاء الراشدين هم أعدى أعداء الاسلام وأول من قام بتشويهه ، وانهم الذين نشروا الكفر بالاسلام وليس الاسلام . على قدر هذه الفاجعة الكبرى فقد كانت هى الاجابة على السؤال اذى أرقنى منذ الصبا ، وكانت هى الاجابة المنطقية فى هذا التحول الخطير الذى طرأ على ( المسلمين ) والذى تغيّر به تاريخ العالم ، والذى ما لبث أن تحوّل الى أديان أرضية لا تزال سائدة ومسيطرة تجعل بين ( المسلمين ) وبين التقدم والديمقراطية والسلام حجرا محجورا .

9 ـ  لم يكن الوصول الى هذا سهلا ، إستغرق سنوات من المعاناة الفكرية ، وبالتدبر العلمى فى القرآنى  بإستعراض كل الآيات القرآنية طالبا الهداية والوصول الى الحق ، ومسترشدا بما أنبأ به رب العزة جل وعلا عن (المكر القرشى ) وبالمنهج البحثى التاريخى ، وهو مجال تخصصنا الذى كتبنا فيه دراسات نظرية وعملية وبمعرفة تاريخ (علم التاريخ) ومناهج المؤرخين . وبعض هذا منشور هنا .

10 ـ هنا فى موضوع الخلفاء الراشدين فنحن نخالف ونختلف مع غيرنا من مثقفى الشيعة ، فلسنا مع ( على ) ضد غيره ، ولسنا مع الغير ضد ( على )، ولسنا نتجاهل الموضوع كما تفعل قواقع الأزهر، بل نبحثه بحيادية باردة . لا نستعين بروايات الشيعة عن الخلفاء ( الراشدين ) لأنها متحيزة وغاية فى البلاهة ، وبعضها يضحك منه الهنود الحُمر ( لو شاء سوء حظهم وقرأوها ) ، بعض رواياتهم المصنوعة تتميز ببلاهة هائلة، لكنهم يصدقونها بنفس الإخلاص الذى يشوهون وجوههم فى حفلات الزومبى ( التطبير ) حزنا على الحسين إلاههم الأكبر الذى لا يدرى عنهم شيئا . ومن اسف أن مثقفا أحترمه مثل الشيخ ابن فرحان المالكى يقع فى هذا الفخ .

11 ـ نحن نعتمد على المصادر السنية الأصلية من الطبرى وابن سعد . بل واستعنا بمروج الذهب للمسعودى فى التأريخ ل ( على ) ابن أبى طالب ، والمسعودى مشهور بتشيعه مع إنتمائه السنى. ولكن هذا البحث المنشور بالأمس كان تدبرا قرآنيا وفقط .

12 ـ وهذه النوعية من المقالات التى تذبح الأبقار العقلية المقدسية تدفع الى عصف ذهنى ــ نحن بحاجة له ــ وقد أسعدنى أن جاءت تعليقات أبادر بالرد عليها شاكرا لأصحابها إهتمامهم . .

أولا : ردود تفصيلية :

1 ـ الاستاذ ( محمد على الفقيه ) أشار الى قوله جل وعلا عن المنافقين : ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) التوبة ). وهى إشارة ذكية ، فالذين مردوا على النفاق كانوا يعيشون فى حذر مستمر أن تصدر منهم لفتة تفضح ما فى قلوبهم . لم يقعوا فى أى لفتة من قول أو فعل تتطلب نزول قرآن يفندها ويعلق عليها  . لذا جاء تفسير قوله جل وعلا لهم فى نفس السورة يخبر أن النبى لا يعلمهم ولكن الله جل وعلا يعلمهم ، وأنه جل وعلا سيعذبهم مرتين فى هذه الدنيا ثم العذاب العظيم بالخلود فى جهنم . قال جل وعلا : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة )  .

2 ـ د ( عثمان محمد على ) أشار الى مقارنة هامة بين مصطلح السكينة فى آية سورة التوبة :( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ..  ) (40) التوبة  ) وفى آية سورة الفتح : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ)( 18 ) . يقصد أن السكينة تتنزل على المؤمنين ، وبالتالى لم تتنزل على صاحب النبى فى الغار ، والمفترض الشائع أنه أبو بكر . هى مقارنة غاية فى الذكاء ، وأبنى عليها هنا :

2 / 1 : السكينة تعنى إطمئنان القلبى المؤمن ، يقول جل وعلا: (  الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد ).    

2 / 2 : مصطلح السكينة فيما يخص موضوعنا جاء يخص النبى والمؤمنين فقط ، ينزلها الله جل وعلا على قلوبهم فيزدادون إيمانا ، قال جل وعلا : ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) ( 4 ) الفتح ).

2 / 3 :  وهى تنزل على قلب الرسول والمؤمنين معه فى مواجهة الكافرين ، قال جل وعلا  ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) الفتح ). وقال جل وعلا : ( لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) التوبة ).

 3 ـ لو كان صاحب النبى فى الغار مؤمنا لشملته السكينة وهو فى حالة حُزن وخوف . كان منتظرا أن يقال :( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ (عَلَيْهِما )). السياق يقتضى هذا لأن الحديث السابق مباشرة عن هذا الصاحب الحزين والذى يعظه النبى ألا يحزن . ولكن لأنه ليس مؤمنا فلم تشمله السكينة التى تتنزل من الرحمن على قلوب المؤمنين ، ولو كان هناك مؤمنون مع النبى لتنزلت السكينة على النبى والمؤمنين ، لكن لم يكن مع النبى فى الغار من يوصف بالايمان ، بل مجرد صاحب له.     

4 ـ يقول الاستاذ بن ليفانت : ( ( الآية (101) من سورة التوبة تتكلم عن أناس من أهل المدينة وعن أعراب حول المدينة، والاعراب هم سكان البادية لم يسكنوا مدينة. أبو بكر وعمر وعثمان وعلي كانوا من أهل مكة، وليسوا من الاعراب. لذلك لا يمكن للآية أن تعني أحداً منهم. قريش كانت تعادي النبي جهارا نهارا ).

وأقول  : سكان المدينة كانوا من المهاجرين والأنصار ، وهذا هو وصفهم القرآنى . والآية الكريمة :( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ) تتحدث عن أعراب بدو خارج المدينة وحولها ، ومنهم منافقون بل موصوفون بأنهم أشد كفرا ونفاقا ، ومنهم مؤمنون : (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) التوبة) . أما داخل المدينة فهم أهلها من المهاجرين الذين إستوطنوها مع الأنصار . وعنهم (أهل المدينة ) ومن حولهم من الأعراب المؤمنين قال جل وعلا : (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) التوبة  ). المنافقون من سكان المدينة كان منهم الصرحاء الذين توعدهم رب العزة إن فكروا فى حمل السلاح فقال : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً (60) الاحزاب  ). هؤلاء المنافقون الصرحاء من سكان المدينة هددوا بإخراج سكانها المهاجرين ومعهم النبى عليه السلام : ( يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون ). وأخيرا قال جل وعلا عن بعض أهل المدينة من منافقين ذوى وضع خاص : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة )  . أبو بكر وعمر وبقية المهاجرين إنقطعت صلتهم بمكة بعد الهجرة ، ظلوا فى المدينة ، وظل فيها أبناؤهم وأحفادهم . القرآن الكريم يصف أهل مكة القرشيين بالذين كفروا والذين أشركوا . لم يصفهم مطلقا بالذين آمنوا أو المنافقين .

5 ـ يقول أيضا الاستاذ بن ليفانت : ( .
الآية(40)من سورةالتوبة "بالتدبر فى الآية الكريم يتضح أن صاحب النبى لم يكن مؤمنا مخلصا صادق الايمان بل كان جاسوسا قرشيا خائنا" أتصور النبي ملما باللغة العربية، فهي لغة آبائه وأجداده، ولم يكن ليضيع منه هذا التدبر. )

وأقول : التدبر والاجتهاد فى القرآن الكريم لم يكن وظيفة النبى . كانت وظيفته التبليغ فقط . ولو كان له ( تفسير أو تدبر قرآنى ) لأصبح للاسلام مصدران . وقد كان عليه السلام لا يبادر بإجابة أى سؤال حتى لو كانت الاجابة معلومة لديه . بل كان ينتظر نزول الوحى . وشرحنا هذا فى كتاب ( القرآن وكفى ) .    

6 ـ ويقول : ( الصاحب (من صحب) لا تعني الصديق (من صدق)، ولكن ليس من الضرورة أن يكون الصاحب عدوا. ) .

هذا صحيح . ولكن جاءت كلمة صاحب فى القرآن الكريم فيما يخص علاقة النبى بقومه الكفار المشركين ، وليس عن المؤمنين . لو أن صاحب النبى فى الغار كان مؤمنا ( فدائيا ) صادق الايمان قرر أن يضحى بحياته تعبيرا عن صدق إيمانه لأنزل الله جل وعلا تزكية له فى هذا الموقف ، على الأقل تتنزل عليه سكينة الرحمن ، أو أن يوصف بالصدق كما وصف الله جل وعلا المؤمنين المهاجرين الذين تركوا أموالهم وديارهم يبتغون فضلا من الله جل وعلا ورضوانا فقال فيهم الرحمن:(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (8) الحشر) . لكن هذا الصاحب كان ثمرة المؤامرة القرشية فى إخراج النبى ، والموصوفة بالمكر فى قوله جل وعلا : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الانفال ). خططوا لإخراجه ، وأرسلوا معه جاسوسا ، ولا يمكن أن تتنزل السكينة على قلب هذا الخائن الجاسوس . وكفى ما فعله بالفتوحات الشيطانية والتى بدأها فى شهر محرم الحرام .!   

7 ـ يقول الاستاذ بن ليفنت : ( ثم أن قريشا كانت تريد اخراج النبي وليس أبو بكر، لذلك جاء النص مطابقا للواقع. مشكلة قريش كانت النبي أو بالاحرى دعوته وليست جماعته. الآية تقول "إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ": لم يكن أبو بكر فقط خائفا، ولو كان كذلك فلماذا ينزل الله سكينته على النبي، أليس للتهدئة. الآية تتكلم عن النبي والصاحب جاء على الهامش.).  

اقول : لم يكن النبى خائفا ، بل كان مطمئن القلب ، وهو الذى قال للخائف ( لا تحزن ). والآية الكريمة تتكلم عن النبى أساسا . هذا حقيقى ، ولكن طالما جاء ذكر هذا الشخص معه فى الغار فلماذا جاء وصفه بالصاحب شأن المشركين مع النبى  ؟ كان ممكنا أن يوصف ب ( الرفيق ). الرفيق تعنى الصحبة المؤسسة على الاشتراك فى الايمان والعمل الصالح . ويوم القيامة سيكون كل المؤمنين من كل زمان ومكان  فى (رفقة ) الأنبياء .قال جل وعلا :(وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) النساء ). لو كان هذا الصاحب مؤمنا وقتها لجاء وصفه بالرفيق . فمن مرادفات الرفيق أن يكون ( صديقا ) وليس مجرد صادق .

8 ـ المضحك أنهم وصفوا أبا بكر بأنه ( الصديق ) ووصفوا مسيلمة قائد حركة الردة فى قومه بأنه ( مسيلمة الكذّاب )، مع أن هذا المسيلمة مقابل أبى بكر مثل الخليفة المستعصم العباسى مقابل هولاكو .  

أخيرا :

أطلب من د عثمان أن يكتب مقالا يستعرض فيه سورة الفتح ، وفيها تناول لسكان المدينة وللأعراب حولها وللكافرين من أهل مكة . كما أنه تكرر فيها مصطلح ( السكينة ) .

اجمالي القراءات 6704